نظراته غاضبة منذرة وصوته هادر، كم عشقت غيرته عليها وفرحت بوقوفها معه وحدهما، قالت : عملت ايه مش فاهمة ؟!
دب بيده علي الحائط بجوار رأسها وقال : والله ؟ ده انتي شوية وكنتي هتبقي في حضنه!
ردت غاضبة : وانتا مالك ومالي ولا عاوز تتجوز وتعيش حياتك وتربطني جمبك ؟!
_ آه يا ملاذ هربطك جمبي ومحدش هيلمسك غيري واللي هيفكر فيكي هقتله فاهمة ..
_ وأنا مش هسمحلك تضيع الباقي من حياتي.
_ ملاذ، دي مش أخلاقك، مش عشان تغيظيني تغلطي وتروحي تترمي جوا أحضان راجل غريب عنك، كدة انتي الخسرانة مش أنا.
زفرت خانقة وهي تتطلع حولها تخاف أن يراهما، قالت بعناد شديد: أنا حرة، أحضن راجل قريب أحضن راجل غريب فأنا حررة!.
قالتها من وراء قلبها وأخلاقها الثائرة، حتى هي غاضبة مما فعلته بل وتشعر بأشد الندم، لكنه آخر من ينبغي أن تصرح أمامه بهذا.
_ وأنا أولى من الغريب يا ملاذ!
لم يُعطها فرصة للفهم، إذ سرعان ما وجدت نفسها أسيرة أحضانه، تحترق بنيران قلبها الخافق بجوار أذنها تماماً!!
أكلتها الصدمة وهي تشعر به يشدد ذراعاه حولها، عطره الأخاذ يداعب روحها ويوقظ الشوق داخلها، رغم ذلك عجزت عن الاسترخاء؛ هذه أحضانٌ مُحرمة ولا ينبغي لها من الأساس أن تتذوق طعمها حتى!
دفعته بكل قوتها بعيداً عنها لتتحرر من عناقه الحار أخيراً، وغضت طرفها عن قلبها الذي لم يغادر ذراعيه بعد.
قالت بضعف وقد بدأت دموعها تحفر مجراها على خديها:
انتا بتعمل فيا كدة ليه؟! سبني أنساك وأكمل حياتي أرجوك كفاية لغاية هنا ..
_ مش هتقدري وهفضل انطلك ف كل مكان يا ملاذ ومش هسمحلك تنسيني، وبلاش تخليني أخسر علاقتي بصاحبي الوحيد..
دفعته بعيداً وغادرت راقدة، لا تعلم هل تهرب منه أم من قلبها الخائن..
********
دخل أدهم منزله خلف عروسه المُنهكة من فرط الرقص، ذهبت أمه للمبيت عند أختها هذه الليلة فهما سيعيشان معها في نفس الشقة وأردات أن تتركهما على راحتهما أول يوم...
دخلت رنا متأففة فقد أرادت أن تسكن في شقة بمفردها ولكنها صبرت قائلة لذاتها : واحدة واحدة مفيش حاجة بتجي مرة واحدة ..
ذهب هو للحمام ليبدل ثيابه متجاهلًا ندائها عليه، جلس على حافة البانيو متذكرًا ملاذه، متألماً من انغلاق باب واحد عليه مع غيرها، انتهى وخرج ليجد رنا ترتدي ثياب نوم فاضحة وتجلس ناظرة اليها نظرات ذات معنى قوي!..
أشاح ببصره عنها مخافة أن تتمكن منه ومن مشاعره الخائرة، قال بحزم : اسمعيني كويس بقى يا هانم، جواز واتجوزنا أهو، لكن فيه كذا حاجة كدة هنتفق عليهم، مفيش أي اختلاف هيحصل عن علاقتنا قبل الجواز ببعض وأظن كلامي واضح فأحسن لك تغيري القرف اللي انتى لابساه ده، واعملي حسابك جوازنا مش هيطول عشان أكون سترت عليكي زي ما طلبتي وتقدري تتجوزي غيري ..
شعرت أنها تتلقى أكبر صدمات حياتها، زوجها يمتنع عنها وهي التي اعتادت رؤية الرغبة في عيون كل من ينظر إليها من بني جنسه، شكت للحظة في رجولته، ثم أي طلاق الذي يتحدث عنه؟! ستقتله قبل أن يفعل، هي لم تخطط لكل هذا حتى تصل لهذه الحال ..
قالت منفعلة : ايه الهبل اللي بتقوله ده؟! انت أكيد اتجننت.
كان رده أن صفعها بقوة، ادهم الذي عاش عمره يلعن من يرفع يده على امرأة يسخر منه القدر ويدور دورته به حتى يفعلها هو الآخر، لكنه معذور، أعصابه مشدودة كلياً ويشعر بالغضب الشديد من هذه المخلوقة أماه، يراها سبب تشتت حياته ولا يقتنع البتة أنه الجاني، لم ير في حياته كلها جانياً يمتنع، ومجنياً عليه يُقدْم، وبشدة!..
هدر قائلاً: آخر مرة تتكلمي معايا بقلة احترام، يللا اتخمدي !
غادرها على الفور لينام في غرفة والدته، بينما قضت ليلتها تلعن حظها وغبائها الذي صور لها أن خطتها ستكتمل اليوم.
*******
صباحاً حضرت سمية وبرفقتها لُبنى كزيارة مُعتادة للعروسين صبيحة عرسهما، ثرثرت رنا بما لاينبغي وذكرت لهما ما فعله أدهم، توقعت أن تثأر خالتها لها، خاصة مع استخدام سلاحها الباطل بذكر حادثة اغتصابه لها، لكنها فاجأتها بموقفها الحازم إذ قالت بغضب:
الست اللي تطلع أسرار بيتها برا متستحقش إنها تقعد فيه لحظة واحدة، احترمي خصوصيات بيتنا وإلا قسمًا عظماً همنع أي حد من زيارتك..
صدمت لبنى بكلام شقيقتها وقالت: مالك طايحة في البت كدة ليه هيا عروسة وبتشتكيلنا ..
_ البيت ده ليه نظامه يالبنى، ومش هسمح لحد إنه يتجاوزه أبدا!
******
كان ادهم يجلس في غرفة مكتبه داخل المنزل، كان قد اكتفى باستقبال خالته وأمه وسرعان ما انزوى في ركن عزلته، قطع تفكيره طرقات والدته ودخولها، نظرت له حزينة وقالت : لما انتا مش طايقها أوي كدة عملت اللي عملته ده ليه؟!
_ أنا مش فاكر إني عملت حاجة أصلا بس خلاص اتدبست .
تنهدت ونظرت له قائلة : انتا ماشي ف طريق غلط، يا اما تتجوزها يا اما تنساها .
فهم أنها تتحدث عن ملاذه، بالله كيف تطلب منه نسيانها؟
_ ملاذ ست البنات ويستحيل اتجوزها وأنا على ذمتي واحدة تانية
_ يعني فعلا ناوي تطلق رنا؟!!
_ هي لحقت تقولكم؟!
آه يا أمي هطلقها وهتجوز ملاذ قبل ماحد غيري يدخل حياتها ..
تركته وغادرت بعدما عرفت أنه لا فائدة من مجادلته، كما أن جزءًا كبيرًا داخل قلبها يتمنى فعلاً لو أنه تزوج بملاذ وليس برنا.. جلست لبنى مع ابنتها تعطيها بعض التوصيات لتجذب زوجها لها وهي تظن أن قلباً دخله الحب من الممكن أن يغير موقفه بسبب بعض الحركات الرخيصة من ابنتها ..
*******
على مكتبها في مركز التفوق، قبعت تقوم بمهامها سارحة البال تفكر فيه رغماً عنها وفيما دار بينهما ليلة البارحة في عرسه، ابتسمت لجرأته وصدقه في حبه ثم سرعان ما تغيرت ملامح وجهها، أدركت أن لا فائدة من هذا الحب ولا من الخوض فيه، خاصةً وأنه صار لغيرها، ومهما كانت تحمل من ضغائن تجاه المُسماه زوجته، إلا أنها من المستحيل أن تسبب لها أي أذى مهما كان بسيطاً عن طريق التعلق _ولو بطيف أمل كاذب_ بزوجها.
دخل سعد قائلا ً: الجميل سرحان في إيه؟!
انزعجت حقًا من تجاوزه في الكلام معها فاكتفت بايماءة برأسها وقالت له بعض الملاحظات عما ينتظره خلال اليوم وأسماء الطلبة الجدد وغيرها من الأمور، وجلس هو يخبرها أن تعد له اختبارا شهرياً في مادته وأعطاها الملاحظات لذلك ..
*******
صباح اليوم التالي في الجامعة
نهضت ملاذ لمغادرة القاعة ظنًا منها أن محاضرة أدهم ملغية، لكن قمر تبعتها لتوقف رحيلها قائلة وهي تلهث : الحقي، ده جه !!
_ هوا مين ده ؟
وجدت قمر تنظر خلفها مشيرة بعينها فاستدارت لتجده واقفاً خلفها يريد دخول القاعة، شعرت بنبضات قلبها تضطرب لتعيد سيطرتها عليها سريعاً، لكنها قالت مندهشة : أده..احم دكتور أدهم؟! .
_ ممكن أدخل ؟
تنحت الفتاتان جانباً والدهشة تعتريهم، أي عريس هذا الذي يأتي ليحاضر طلابه بعد يوم واحد من عُرسه ؟؟
لا تدرى لم ولكن وجوده أسعدها، ألقى التحية عليهم وشرح محاضرته ولاحظ هو علامات الدهشة على وجوههم ونظراتهم المتنقلة فيما بينه وبين ملاذ مما ضايقه كثيراً ..
انقضى اليوم الدراسي حاملاً معه الكثير من النظرات المُسترقة في الأروقة التي جمعتهما صدفةً عدة مرات، وكأن كلٌ منهما للآخر مغناطيسٌ قوي، لا يجوز أن يمر عليه دون أن يطالعه!
كانت تستعد للمغادرة حتى تذهب لعملها لتتفاجأ به يتوقف بسيارته أمامها، نظر لها وقال باقتضاب: _اركبي .
_ أفندم؟!
_ بسرعة قبل ما حد ياخد باله.
ركبت مرغمة فوجدته يقود في طريق غير طريق مركز التفوق، قالت منبهة : أنا كدة هتأخر عن شغلي .
_ ياريت، ممكن وقتها تطردي منه وأرتاح.
_ أدهم؟!!
_ ممكن أفهم ايه اللي بينك وبين سعد ؟
_ تاني سعد؟! هيكون ايه اللي بينا يعني يا أدهم؟
نظر لها غاضباً وقبضتاه تعتصران مقود السيارة المسكين ورد: سعد عاوز يخطبك يا ملاذ، مكلمني النهاردة مخصوص يباركلي ويقولي إنه هيحصلني قريب، وقالي إنك العروسة !..
أنت تقرأ
ملاذي
Romance**اقتباس** . . نهض أدهم مفزوعًا من نومه بعدما رأى كابوساً شنيعا، نظر حوله وتذكر ليلة البارحة المشؤومة ووجد باب منزل ملاذ مفتوحاً ففزع، دخل فلم يجد لها أي أثر وكل أغراضها قد اختفت، نزل السلم رقدًا وذهب لأمه وقال : مشت، مشت يا ماما .. ردت بهدوء : قصرت...