دخل منزله زافرا بضيق لتستبقله رنا بملابسها المكشوفة كعادتها، حالة غضبه جعلته يعلق أخيراً إذ قال : هوا انتي مش ملاحظة إن أمي معانا ف نفس البيت؟! احترمي نفسك شوية ف لبسك.
_ والله أنا بلبس لجوزي محدش له عندي حاجة ..
اقترب منها أدهم ناظرًا في عينيها بعمق لتقترب منه هي الأخري وقد شعرت أنه أخيراً بدأ يميل إليها، رفع يده حتى وجدت مستقرها على خصرها النحيف ولم تمانع هي بل ازدادت قرباً منه، هذه أول مرة تطالع فيها ملامحه بهذا القرب الشهي، رأته التُفاحة التي حُرمّت على آدم، تود تذوقها وتخشى إن فعلت أن تُطرد من جنتها!..
ليفاجئها بقوله : رنا، بذمتك دي تصرفات واحدة مغتصبة ؟؟
ألجمها سؤاله وابتعدت عنه متوترة وقالت بتردد : ما انتا عارف إني.. إني بحبك من زمان .
_ ده حتى لو، لو كان حب حقيقي كان زمانه اتبخر من حادثة بشعة زي دي!
سرعان ما أفرز جبينها العرق، لم لا يقدر على تجاوز تلك الكذبة حتى الآن، لكنها المخطئة منذ البداية، كيف رسم لها شيطان أفكارها أن هذا شيء يُنسى ويمر مرور الكرام؟!
طال صمتها، ولم يكن هو بحاجة لكلامها، لذا تركها وغادر لتهمس هي : وأنا اللي فكرتك خلاص حنيت، ده انتا كتلة تلج يا شيخ .
*****
سمعت طرقات على الباب، باب بيتها اليتيم، الهادئ تماماً منذ وفاة أبيها، والاكثر هدوءاً منذ رحيل أمها، الباب الذي لا يعرف سوى صوت مفتاحها بطبلته، تفاجأ قبلها من هذه اليد الغريبة التي زارته!
جاء في خاطرها أدهم ولكن ماذا عساه يفعل هنا؟! نفضت الفكرة ونهضت لتفتح لتتفاجأ بابنة عمها أسماء ..
قالت عاجزة عن مداراة دهشتها : أسماء ؟!
ابتسمت الفتاه الشاحبة ابتسامتها الخبيثة المعهودة حتى باتت جزءًا من كيانها، قالت: ازيك يا ملاذ وحشتيني ..
جلستا في حجرة الضيوف، تمسك كل منهما كأس العصير وتطالع الأخرى بغير كلام، لم يختلط الزيت بالماء ذات يوم، وكذلك لم تجمع أي معادلة من معادلات العلاقات البشرية بين كميائهما، هما بالنسبة لبعضهما دوماً الشمال والجنوب، الشرق والغرب، النور...والظلام!
أرادت ملاذ أن تبدأ دفة الحوار فسألت :
_ ازي عمي ومرات عمي ؟
_ بخير الحمد لله، أنا جيت أبارك لك ع الخطوبة وندردش شوية سوا، انتي عارفة قاعدة البيت مملة ازاي ..
_ حظك إنك جيتي النهاردة لأني بشتغل والنهاردة كان إجازة .
غمرها الحقد أكثر لترد : ايه ده بجد؟! بتشتغلي إيه بقى؟.
_ ف سنتر دروس، احم بتاع سعد خطيبي .
_ ااااه، يعني الموضوع كان قصة حب على كدة .
أسرعت تبعد عنها تلك التهمة، والتي لا تدرِ _تحديداً_ لم أعدتها تهمة قائلة:
لا طبعاً مجرد قبول بس واتقدم، أنا مبسبش حد يتجاوز حدوده معايا ..
ارتشفت أسماء بعض العصير وقالت ناظرة لها : و أدهم ؟
انتبهت كل حواس ملاذ لها عندما نطقت باسمه، ذاك الوحيد الذي تجاوز كل حدودها، والوحيد الذي عبر حدود قلبها الخطرة...هناك بنى مستوطنته، وهناك أقام رافضاً الرحيل!
استغربت كثيراً لتسألها : أدهم ؟ ماله أدهم ؟
_ مش ده اللي كان متقدملك؟! أنا شوفته في الخطوبة ويا حرام شكله كان يصعب ع الكافر، شكله بيحبك اوي .
احتلها الغضب لتقول مسرعة: أسماء!! انتي جاية تستفزيني ولا إيه؟! ميصحش تكلميني عن راجل وأنا ف حياتي راجل تاني، دي مش أخلاقنا ولا تربيتنا .
_ أنا بدردش بس يا بنت عمي، أصله بصراحة شيك وشكله ابن ناس زي سعد كدة وبصراحة اكتر أنا عيني منه .
تراجعت ملاذ في مقعدها وقالت بابتسامة سخرية : وأنا واجب عليا أقولك إنه لسة عريس، متجوز بمعنى أوضح .
امتقع وجه الفتاة وأسرعت تقول : وماله الشرع حلله أربعه ..
_ قوليلي يا أسماء . انتي عينك منه لأنه عجبك، ولا لمجرد إنه بيحبني ؟
غضبت أسماء من سؤالها لكنها استغلته لصالحها قائلة : بيحبك؟ يعني لسة بينكو علاقة؟
زفرت ملاذ بينما ردت: اللهم طولك يا روح، آه يا أسماء كنا بنحب بعض ومحصلش نصيب ونسيته خلاص واتخطبت لغيره ممكن بقى تقفلي الموضوع ده .
أومأت برأسها بعدما حصلت على مبتغاها، أكملتا الجلسة ببعض الحديث المقتضب وسرعان ما نهضت أسماء واستأذنتها بالرحيل ...
ندمت ملاذ على تسرعها بالحديث معها ولكنها هي من استفزتها لتخرج منها الكلمات رغماً عنها ولا تدري خطورة ذلك بعد ..
******
مرت الأيام روتينية وقد اقتربت اختبارات نصف العام وملاذ مشغولة للغاية ما بين حصص المراجعة في مركز الدروس وبين مذاكرتها وامتحاناتها الوشيكة ..
ذهبت للجامعه باكراً لتنهي بعض الأوراق قبل بدء المحاضرات، رأته يصّف سيارته بين سيارات باقي الأساتذة، ابتلعت ريقها ودعت أن يسبقها بالصعود وظلت تبطئ خطواتها، لمحها هو في مرأة سيارته، خفق قلبه بقوة فأغمض عيناه ألماً، هي خطيبة صديقك يا أدهم وهذا لا يصح، على الأقل وفاءاً له...
ترجل من سيارته وأخذ حاسوبه وأوراقه وهم بالانصراف، ألقى لمحة أخيرة عليها ليتفاجأ بمحموعة شباب يعترضون طريقها ..
قال أحد الفتية : لو سمحت يا جميل ممكن سؤال ؟!
توقفت ملاذ عندما وجدت مجموعة من الشباب يعترضون طريقها، الجامعة تكاد تكون خالية ولن يلمحها أحد لو تعرض لها أحدهم بمكروه، خافت فوقفت وقالت مترددة : ننعم
ليكمل الآخر : هو القمر بقى بياخد ورديتين ولا إيه؟! ..
سقط قلبها ليهبط في أراضيه السابعة، ليأتي صوت أدهم من خلف المتحدث الأخير ليعيد قلبها لموضعه وهو يقول بحدة : آه وأهو بالمرة تشوف النجوم ف عز الضهر ..
استدار له الفتية خائفون، هم لايزالون صغار السن والحجم وشكله أخافهم كما أنهم في حرم الجامعة وأي حركة قد يفصلون بسببها، لذا رحلوا سريعاً فور حضوره ..
وقفت ملاذ تنظر لها بعينيها المحببتين وضوء شروق الشمس ينعكس داخل مقلتيها أسراً قلبه بهما، تعلقت أعينهما ببعض لوقت لم يشعرا به، غلب الشوق كل القرارات التي اتخذتها العقول سابقاً، وتناسى آلام الضمير المحملة بذنوب الخيانة والتي تسرع بالمهاجمة بعد كل موقف يجمعهما على ذات الشاكلة!
قالت بهدوء : شكراً ..
_ خلي بالك بعد كدة، مش عشان جامعة هتكون أمان ف أي وقت ..
أومأت له ليستدير مغادرا تاركاً قلبه غارقاً في أحضان عينيها .. ابتسمت ملاذ، شعرت أنه لا يزال على عهده، يحارب نفس ما تحاربه هي من مشاعر، ويتوب من كل ما تتوب هي منه من ذنوب!
دلفت لمكتبه تستفسر منه إجابات بعض الأسئلة التي استوقفتها أثناء المذاكرة، أو لعلها حجة لتنفرد به، نظر لها باهتمام، ها هو خاتم خطبتها اللعين يلمع في وجهه مجدداً كأنه ينذره من أي تخطي للحدود معها، يذكره أنها صارت لغيره..
كظم غيظه وقال : اتفضلي
_ ممكن شوية من وقت حضرتك تجاوبلي علي كام سؤال ؟
رد قلبه، وقتي كله رهن اشارتك، عصاه لسانه ليقول بجدية: طبعاً مفيش مشاكل..
عرضت عليه أسئلتها، استغرب فمعظمها كان ينوي أن يأتي بها بالاختبار النهائي ولكن لا بأس، جاوبها برحابة صدر واستشف ذكاءها الكبير، وخجلها الأكبر كلما التقت أعينهما، هل كان خجلاً أم حبًا؟ تمنى من قلبه أن يكون الأخير، وكره نفسه كثيراً بعد هذه الأمنية!..
_ شكراً جداً لحضرتك يا دكتر .
_ العفو ده شغلي وأنا سعيد إن عندي طالبة ذكية زيك.
رقص قلبها وتهللت ملامحها رغماً عنها فقالت مشاكسة : طب والابحاث؟
ابتسم رغماً عنه : قبلتها خلاص ..
نظرتها أذابته في مكانه، تدارك نفسه سريعاً حتى لا تلاحظه هي، أراد أن يطيل الحديث بينهما أكثر فقال : عاملة ايه مع سعد ؟
تفاجأت من سؤاله، ها هو يعود للحديث عن حياتهما الشخصية مجدداً وهذا أربكها، كيف تتحدث معه عن رجل آخر ؟ كيف يجرؤ قلبها على ذكر محاسن غيره ؟ أليس هو الأول وهو الأخير ؟ ..ابتلعت ريقها وقالت : كويسة الحمد لله .
لم تسمع منه رد فنظرت له لتجد عيناه مثبتتان عليها، اخفضت بصرها سريعاً ليقول هو مغيرا مجرى الحديث تماماً : الامتحانات قربت خلاص ياريت تركزي على دراستك اكتر، انتي ممكن ترتبي على دفعتك ..
أعطاها هذا أمل فأومأت برأسها، كم شعرت بالسعادة وهي تتبادل أطراف الحديث معه، رغم أنه حديثاً ينتابه بعض القلق والتردد، الإقبال والإحجام، الحب و..الغيرة، رأت عيناه عدة مرات تتعلقان بإصبعها الذي يحتضنه خاتم خطبتها، ظن أنه يستطيع السيطرة على نظراته ولكنها كشفتها منذ دخولها، أعجبتها ولم تعجبها، تحب غيرته وتكره أن تحبه، هو ليس لها وهي ليست له والأمر كله خطأ، جلوسها هنا خطأ، النظر إليه خطأ، محادثته أكبر خطأ، ألم تتركه لأنه خانها ؟ مابالها الآن إذا تخون؟! حثت نفسها على الرحيل وأيقظت عقلها من غفوته، إياك أن تغفو مجدداً فقلبي صار بارعاً في تصيد فرص غيابك ...
_ عن اذنك دلوقتي يا دكتر ..
_ اتفضلي، ربنا معاكي ف امتحاناتك .
خرجت لتجد قمر مقبلة عليها حاملة بعض الأكلات السريعة في يدها وعندما رأتها قالت : لقيتك هتطولي جوة قولت أجيب أكل أحسن
_ طب يللا يا طفسة ناكل سوا ..
جلستا في ساحة الكلية تتناولان الطعام وهما يتحدثان .
_ عارفة يا قمر لما بكون معاه بنسى كل حاجة حصلت، بنسى اغتصابه لرنا وبنسى إنه اتجوزها وبنسى إني مخطوبة، مبفتكرش حد غيره هوا وبس .
_ ودي حاجة حلوة ولا وحشة ؟
_ طبعا وحشة، وحشة أوي، أنا كدة بخون خطيبي ياقمر .
_ مكنش ينفع تتخطبي وإنتي ف قلبك حد تاني .
_ كنت مفكرة إني كدة هنساه أسرع، مكنتش أعرف إنه انتشر ف كل خلية ف جسمي، أنا المفروض أكرهه بعد اللي عمله بس أنا، أنا لسة بحبه !!..
شعرت قمر بالحزن على حال صديقتها وقالت : سبيها للأيام يا ملاذ، الوقت عنده قدرة فظيعة في علاج أصعب المشاكل ..
أنت تقرأ
ملاذي
Romance**اقتباس** . . نهض أدهم مفزوعًا من نومه بعدما رأى كابوساً شنيعا، نظر حوله وتذكر ليلة البارحة المشؤومة ووجد باب منزل ملاذ مفتوحاً ففزع، دخل فلم يجد لها أي أثر وكل أغراضها قد اختفت، نزل السلم رقدًا وذهب لأمه وقال : مشت، مشت يا ماما .. ردت بهدوء : قصرت...