وفي عينيك الحب كله
الجزء الثاني لقبلة بلا شغف
رفضتُ القلبين اللذان شرعا لي بابيهما بعد أن ضاع العمر في دهاليز الانتظار... وقلت لنفسي هلمي إليا نكمال الطريق الذي بدأناه سويا... لم أعد أخاف الوحدة ولا الغربة ولا وحوش الظلام... اعتدت سكون المكان، شحوب الجدران، ورتابة كل شيء...
الحب... يقولون أنه جميل، لكنه أسوأ ما مر بامرأة مثلي... ربما بسبب حظي العاثر، لكن جل ما أتمناه أن يرجع بي الزمن سبع سنوات للوراء حتى أكسر رجل هذا الحب التي دخلت حياتي لتكسر من بعدها قلبي وتتركني مع وجع الذكريات أتجرع كؤوس العلقم كأسا بعد أخرى حتى اعتدت طعمه المر في حلقي ولم يعد الأمر يبعث على الاشمئزاز!
إنه قلبي الذي أضحى شاطئ خيبة تصفعه أمواج القهر والشجن... ظننت أنني نسيته... لكن قلبي المكلوم عاد يخفق بين ضلوعي بشدة وجنون ما إن رأى شيئا من الحب يتخلل تلك العيون الحزينة... هل أنا بلا كرامة!.. كل ذنبي في الحياة أنني أحببته، عشقته حتى الموت وانتظرته... وقلبي الذي لم يكرهه يوما هفا إليه بلا استئذان... أردت منحه الغفران المطلق لنبدأ من جديد... من نقطة الصفر... لكنني اكتشفت بعد صمت أن الحياة ليست بهذه البساطة... وأنني لن أحظى بتلك اللحظات التي حلمت بها مهما ضحكت الدنيا في وجهي وتهللت أساريرها...
لن أكذب، تمنيت أن نرجع معا من جديد... لكن الأزمة هنا لم تكن أزمة حب ولا أزمة كرامة... بل أزمة ثقة.
لا أستطيع أن أجزم بحبه مهما أبرقت عيونه شرارات عشق وشغف... ومهما قدم من وعود وقطع... أنا الكسيرة التي حطم يوما من أجل من يحب... وستظل "من يحب" بيننا تمنع عني حقي المشروع في امتلاك كامل للرجل الذي أريد...
وأعلم أن قلبي لن يحلق في غمرة عشق مع الطيور لأنه مشدود بحبل التوجس إلى مرسى خيبات الأمل...
فلماذا أزيد عذابي عذابا بعد أن خفت وطأة الألم!.. صحيح أنني غبية، لكن ليس لدرجة أن ألقي بيدي مرة أخرى إلى التهلكة...
وبعد أن رضيت الأنثى التي بداخلي من تلك النظرات التي أعادت الحياة تسري في أوردتها الناشفة لتتحول من عجوز هرمت من كثرة البكاء لفاتنة مرغوبة في عيون من تحب... بعد أن أحست بالاكتفاء من نظرات عيونه المتوسلة وصوته الهامس بعذاب... في تلك اللحظة بالذات أخبرته أنني لا أستطيع الرجوع... وأنني حتى وإن كنت حتى اللحظة أحبه فإنني لن أثق به من جديد... لا أستطيع أن أسلمه مفتاحا آخر لقلبي بعد أن أضاع الأول الذي كان يملكه...
لن أنسى تلك العيون الحزينة ما حييت تنظر إلي في انكسار شديد والصمت يقول أكثر مما قد تنطق به الألسن...
نطق من بعدها ليقول: المهم أنك تحبينني... وأعدك أنني سأبحث عن أول مفتاح لنرجع من جديد...
وترك من بعدها الشقة وعيوني تتبع وقع أقدامه حتى اختفى من أمام ناظراي... لست أدري إن كنت قد أجحفت في حق قلبي وحق ابني. لكن شعورا بالرضا والارتياح كان يتملكني... لست أدري إن كان هذا بسبب وعده الذي قطعه على نفسه قبل أن يغادر أم لأنني استطعت أن أتخذ قرارا سليما دون أن أورط نفسي...