استيقظت شروق صارخه بسبب كوابيسها المعتادة ولم تستطيع النوم إطلاقا فنظرت فى الساعة فوجدتها الخامسة ففركت وجهها بتعب ونهضت ثم شربت من المياة التى اعطتها لها الجدة حتى تنسى تلك الكوابيس ثم نهضت ودخلت الحمام وتوضأت وصلت ثم جلست على سجادة الصلاة بضع دقائق تقرأ اذكار الصباح ثم سحرتها اشعة الشمس على النافذة فترددت فى الخروج خوفاً من ان تجد مروان او وليد فى النافذة ولكنها تذكرت ان الساعة الان الخامسة والنصف صباحاً وربما مازالوا نائمون فارتدت عباءتها وحجابها ثم فتحت النافذة وابتسمت للهواء وهو يلفح جبهتها ثم اخرجت هاتفها والتقطت عدة صور لنفسها ثم أسندت رأسها على النافذة واغمضت عيناها لتهدأ قليلا من اضطرابات عقلها المتزايدة وتنسى قليلا ما يحدث معها هذه الايام ،كانت الحارة هادئة جدا ورطبة او ربما هى مراسيل الخريف تطرق الابواب ،وقد يساعد فى هذا الهدوء شكل المنازل فى الحارة وألوانها الهادئة والعتيقة وتسرح شروق قليلا مع اصوات العصافير وصوت تواشيح النقشبندى المنبعثة من راديو قديم عند احد الجيران ،كانت الجو هادئا جدا لدرجة ان شروق ظنت انه لا احد مستيقظ غيرها ولكنها لم تكن تعرف ان مروان أيضا مستيقظ وينظر اليها من نافذة غرفته النصف مغلقة ولكنه تراجع للخلف سريعا عندما احس بثقل فى صدره فوضع يديه على كتفه اليسار سريعاً لعله يسيطر على هذا الالم الذى ينتقل من صدره الى كتفه ثم الى زراعيه ،وتدارك مروان ما يفعله فاستغفر الله عدة مرات وجلس على كرسيه ثم دارت افكاره وكأنها تتسارع نحو معرفة الحقيقة ،ترى لماذا يشعر بذلك عندما يراها ولماذا يريد ان يراها ولكنه فى نفس الوقت يشعر بأن شيئا ما يخنقه ويؤذيه ،كأنه يخنق قلبه ويكاد يوقفه ،ثم نظر الى كلتا يديه وهى ترتعشان بقوة فأغمض عينيه عدة ثوان ثم نهض مسرعا وخرج من الغرفة فوجد الجدة تجلس فى الصالة تعد تقشر البطاطس وتدندن مع التواشيح المنبعثة من نافذة الجيران فسعل مروان بقوة وابتسم للجدة قائلا :صباح الخير يا تيته .
انتبهت له الجدة وقالت بمرح :صباح الخير على اجمل حد يقول تيته فى الدنيا .
فضحك مروان وجلس بجانب الجدة التى قبلته من جبهته وفركت شعر رأسه الكثيف ثم قال بحنو :هتدلعينى كده يا تيته وانا مش صغير .
ابتسمت له الجدة فى حنو ثم قالت :لسه صغير فى عينى برضه ،بس مزاجك رايق النهارده ووشك منور كده .
تنهد مروان ثم قال :مش عارف يا تيته انا حتى صاحى من بدرى ومش عارف انام ،بس كويس انى صحيت ورايا شغل كتير اوى .
وفجاة توقفت الجدة عن تقشير البطاطس ثم قالت وكأنها تذكرت شىء :نسيت اقولك يا مروان ،خد بالك علشان احفاد الست اسمهان الى قدامنا بيطلعوا فى البلكونة كتير ودول بنات ،خد بالك .
ضحك مروان ووضعه اصابعه على عينيه فنظرت له الجدة باستغراب وقالت :اييه ،فيه حاجه حصلت .
فرد مروان بضحك : انتى لسه جايه تقولى دلوقتى يا تيته ،يلا حصل خير .
شهقت الجدة ثم قالت بحدة :فيه اييه فهمنى بس الى حصل .
اعتدل مروان فى جلسته ثم قبل رأسها قائلا :مفيش حاجه حصلت يا ست الكل ،اطمنى انا مش بتاع الحاجات دى .
ابتسمت له الجدة بحنو وقالت :طايب الحمد لله ،يلا قوم صحى الواد الى نايم جوه ده خليه يصحى يروح شغله.
اوما برأسه موافقا ونهض ليوقظ وليد .
****************
استيقظت الجدة اسمهان فوجدت شروق قد اعدت الافطار ووضعته على المائدة فقالت لها بلطف :ليه تعبتى نفسك يا شروق .
ابتسمت لها شروق ثم اشارت لها بالجلوس قائلة :المفروض انك متعمليش حاجه اصلا يا تيته ،اتفضلى يلا علشان تفطرى .
جلست الجدة تتناول الافطار وفجاة دخلت افنان وفى يدها بعض الفواكه والخضروات ووضعتهم بجانب الباب ثم اتجهت نحو الحمام وغسلت يدها وجلست تتناول الفطور فصاحت بها الجدة :مين قالك تروحى تشترى الحاجات دى اصلا ،فيه كتير جوه .
نظرت لها افنان ثم قالت بصوت خافت وهى تتجنب النظر لشروق :
ما دى حاجات تكفى للاسبوع كله علشان انا راجعه بنى سويف .
توقفت شروق عن تناول الطعام وقالت :اييه !! ،راجعه ليه ؟! ،وهتسيبينى لوحدى ؟! .
فنظرت لها افنان آسفة وقالت :ماما تعبانه يا شروق ولازم ارجع لحد ما تبقى بخير .
نظرت الجدة لشروق نظرة عتاب ثم قالت :ليه يا شروق خايفه تقعدى معايا ولا ايه ،هو انا مش فى مقام جدتك ؟! .
اسرعت شروق بالرد فقالت : لا يا تيته انا مش قصدى ،انا بس مش متعودة على المكان لسه وكده .
فنظرت لها افنان وقالت :متقلقيش يا شروق انا مش هتاخر كتير وهبقى على تواصل معاكى .
اومات شروق برأسها ولكنها شعرت بالقلق لانها غير معتادة على الجدة بعد ،بالرغم من لطافة الجدة وطيبتها لكنها ما زالت بعيدة بعض الشىء عنها ،حاولت الجدة تغير موضوع الحديث فقالت :طايب يا افنان شوفى هتمشى امته وانا هروح اشترى حاجات انا وشروق .
فأسرعت افنان بالقول :طيب ما انا اشتريت اهو يا تيته عاوزه ايه تانى .
فنظرت الجدة لشروق ثم قالت :عاوزه شويه بهارات كده وتوابل هبقى انزل اجيبهم وكمان عاوزين نعمل حلويات ونبعتهم للست نورية علشان مش هينفع نبعتلها طبقها فاضى ،عيب ! .
فنظرت افنان لافنان وقالت :تيته عندها حق فعلا ،اوك يا تيته انا هقوم انضف البيت ونمشى معاكى .
فوضعت افنان الملعقة من يدها وقالت مصطنعة الحزن :طايب بقى ،تيته وشروق اتصاحبوا اطلع منها انا بقى ،يلا اما اقوم احضر شنطتى .
ابتسمت الجدة لشروق التى ضحكت بشدة ثم قال بحنو :تدوم الضحكة يا حبيبتى ويدوم الاكل الجميل الى عملتيه ده .
ابتسمت شروق للجدة بشكر ونهضت لتنظيف المائدة وتنظيف المنزل اما افنان فكانت تحضر حقيبتها استعدادا للسفر .
وانتهت شروق من تنظيف البيت وطرقت الباب ودخلت على افنان التى انتهت من تنظيم حقيبتها واستعدت للسفر ونظرت لها بلطف وقالت :اوعى تغيبى عليا يا افنان .
ابتسمت لها افنان فأكملت شروق بحزن :ولا هتبعدى عنى انتى كمان زى ما غيرك بعد .
ضمتها افنان الى زراعيها فبكت شروق بشدة وكذلك افنان ولكنها مسحت دموعها بسرعة عندما دخلت الجدة ولاحظت الجدة ما يحدث فنظرت لافنان ان تغادر وجذبت شروق الى زراعيها وضمتها كثيرا ثم اجلستها على طرف السرير وجلست بجانبها ثم قالت لها بحنو :انتى عارفه يا بنتى انتى ربنا هيعوضك صدقينى ،يمكن هى ايام صعبة بس هتروق وتحلى كمان ودا نصيبك لازم ترضى بيه وتحمدى ربنا .
توقفت شروق عن البكاء وقالت :الحمد لله يا تيته ،انا زعلانه على حالى بس ،حاسه انى فكابوس ،والغريب انه محدش فكر يتصل بيا حتى يطمن عليا بعد الى حصلى ،حتى اسلام سابنى ولا اكن كان قريبى او حتى خطيبى ،دا فرحنا كان خلاص مش مصدقة انه طلع ندل كده ومشى ومبصش وراه .
رق قلب الجدة على هذه الفتاة التى ترتفع شهقاتها بالبكاء فقالت لها بعيون دامعة :غصب عنه يا بنتى معمى عنك ومش قادر يكلمك حتى ،دا سحر يابنتى ومش اى سحر ،كله بأمر ربنا يا حبيبتى لو اراد ربنا يفكه دلوقتى بس دا نصيب واكيد دا الخير ليكى مش يمكن تتجوزى وبعدين تطلقى او يسيبك لوحدك ويسافر .
استمرت شروق بالبكاء حتى جذبت الجدة الزجاجة من جانب السرير ووضعت بضع منها على وجه شروق فتهافتت شهقاتها حتى توقفت عن البكاء وقالت للجدة انها تريد النوم فتركتها الجدة لتستريح وخرجت من الغرفة ثم دخلت الى غرفتها واخرجت بضع كتب لزوجها وكأنها تبحث فيهما عن امر ما ثم احضرت ورقة وقلم وكتبت بهم بضع كلمات ووضعتها جانباً ثم احضرت ورقة اخرى وكتبت بها اسماء اعشاب كأنها وصفة ووضعتها جانباً أيضاً ثم اخدت الكتب ووضعتهم مكانهم مرة اخرى فى صندوق واغلقته جيدا ووضعته اسفل السرير ثم خرجت من الغرفة واغلقتها جيداً وجلست فى الصالة ثم اخرجت الهاتف واتصلت بأحد ما :
_الو يا شيخنا ،كان معايا موضوع كده عاوزه استشيرك فيه وعاوزاك تساعدنى ضرورى .
_ازيك يا حاجه عامله ايه اخبارك ،انا تحت امرك طبعا ،شوفى انتى عاوزه ايه وهتلاقينى موجود فى المحل بتاعى .
_الله يكرمك يارب ،وكمان فيه شويه طلبات كده كنت عاوزاهم ومحتاجاك تجهزهملى كده لحد ما اجى .
_تمام يا حاجه الى تحتاجيه كله ،ملينى كده عاوزه ايه .
_طايب اكتب ورايا يلا ...
واملته الجدة ما فى الورقة ثم ودعته واغلقت المكالمة ثم نظرت من النافذة فوجدت مروان يقف بها معقود اليدين ينظر الى الشارع تارة ثم الى الشباك المقابل له تارة اخرى فنظرت له الجدة وقد صنعت صوتا بيدها على الشباك كى تجذب انتباهه وقالت :انت مروان بقى ،مش شبه جدتك خالص .
نظر لها مروان ثم تغيرت ملامح وجهه فأكملت الجدة وهى تنظر له بجدية : لينا قعدة سوا مع بعض اكيد .
فلمعت عين مروان واحس بأن شيئا ما يدفعه للدخول للغرفة مرة اخرى ،واحس بأن راسه تدور واستغرب مما يحدث له ولما شعر بأنه لا يريد ان يرى تلك الجدة ولماذا تنظر لها هكذا ولما دخل مسرعاً فدخلت عليه جدته الغرفة ووجدته ينظر الى يديه بصدمة فنظرت له باستغراب وقالت متسائلة :مالك يا مروان ،حاسس بأيه يا حبيبى .
نظر لها بعدم فهم ثم قال :مش عارف يا تيته ،انا حاسس بحاجه غريبه كده ،بس هقولك انا ليه بحس انى مخنوق فجاة وليه حسيت انى مش مستريح للست اسمه جارتنا دى مع انك بتقولى انها ست كويسه .
ثم سكت للحظات واكمل بتردد :ومين الى ساكنه معاها فى البيت دى .
فهمت الجدة ما يحدث وان الجدة اسمهان كانت صادقة عندما اخبرتها بأن حفيدها يعانى بالسحر او ربما هو (ملبوس) ولكنها دهشت من سؤاله عن تلك الفتاة التى تسكن معها فردت عليه :الى معاها دى واحدة قريبتها بتسال ليه يعنى .
فرد مروان :لا ولا حاجه كنت بسأل وبس .
ابتسمت له الجدة بخبث قائلة :عاجباك ! ،لو عاجبالك انا ممكن اكلملك جدتها .
فاسرع مروان بالقول :لا لا مش الى فى دماغك خالص ،انا حاسس بحاجه غريبة بس مش اكتر ،انى عارفها قبل كده او .... بصى يا تيته انا مش عارف اقولك ايه وانتى دماغك هتروح لبعيد .
فضحكت الجدة بشدة فنظر لها مروان عاقدا حاجبيه وقال :مش قلتلك ان دماغك هتروح لبعيد ،انا نازل اقعد مع وليد فى المكتبة ارحم .
فنظرت له الجدة بحنو وقد التفت زراعيها حول رأسه ثم قالت :انا مبسوطة اوى انك بتتكلم معايا يا مروان ،انا كان بيعدى ايام عليك من غير ما اسمع صوتك يا حبيبى .
فقبل مروان يدها بلطف ثم نظرت له بعيون دامعة وقالت : فيك شبه كبير من ابوك يا مروان ملامحك الهادية دى ورسمت عيونك بالذات ،يمكن معرفتش اقضى معاه باقى عمره بس كان غصب عنى .
فنظر لها مروان وقد ارتسمت علامات الحزن على وجهه فأكملت : حصلت مشاكل بينى وبين جدك من سنين انا نفسى مبحبش افتكرها جبت عمك وجيت على هنا علطول مكنش ينفع انى اسيبه اصلا كنت هسيبه لمين بس ،ومعرفتش حد مكانى نهائى والحمد لله اهل الحارة عاملونى كانى واحدة منهم وساعدونى اما عرفوا حكايتى ،وحاولوا كتير انهم يخلونى ارجع او حتى ابعت وليد لابوه بس اما وليد راح هناك معجبهوش الحال وجه علطول وبعدها جدك مات علطول الله يرحمه بقى .
تنهد مروان بحزن :الله يرحمه ،متتعبيش نفسك وتفتكرى الحاجات دى يا تيته ،انا كمان مش عاوز افتكرها .
نظرت له الجدة بحنو ثم قالت : تعرف انى بحب اسمع كلمة تيته منك اووى ،دى هى الى مصبرانى على تاخير وليد فى الجواز لحد دلوقتى بس اعمله ايه بقى هو حر .
ضحك مروان ثم قال بمرح : يووه دا على كده عمى وليد لو سمعك بتقولى الكلام ده هيخلينى قاعد معاكم هنا علطوول .
ضحكت الجدة ثم طبعت قبلة على جبينه وقالت : تسلملى ضحكتك الجميلة دى ،تدوم عليك الفرحة يا حبيبى ،ويشفيك يارب من كل شر .
![](https://img.wattpad.com/cover/275749337-288-k157650.jpg)
أنت تقرأ
تعويذة الشافعى
Ficción Generalتدور الاحداث فى احدى حوارى القاهرة حول فتاة تصاب بتعويذة فتتبدل حياتها للجحيم وتسافر لاحدى الحارات حيث تعيش هناك مع جدتها ،وتقابل البطل الذى يعانى من نفس مشكلتها .....