حاولت شروق ازاحة التراب من على ملابسها ووجهها كى توقف همهمات الجميع وهمساتهم واشارت لهم بمتابعة العمل ولكنها احست بدوار شديد خاصة وان الشمس اصبحت عمودية على رأسها فقررت الجلوس لترتاح فى مكان رطب يبعد عن الشمس ولكن ضربات قلبها بدأت تزداد وازداد الدوار اكثر وفجأة اغلقت عيناها وسقطت مغشياً عليها ....
لم يكن هذا الصباح قاس على شروق فقط ؛ استيقظ مروان على العادة على كابوس مروع بالرغم أنه ترك مسكنه القديم وحياته القديمة ،فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ومسح وجهه بكلتا يديه ثم نهض وقام بثنى جذعه عدة مرات للامام وللخلف ثم فتح النافذة ولم يكن المظهر جذاباً على عكس منزله القديم فى بنى سويف فكانت رائحة المنازل القديمة الرطبة تختلط مع رائحة الفول والفلافل المنبعثة من المطعم فى نفس الشارع وتختلط ايضا مع رائحة الدخان المنبعث من القهوة فى نهاية الشارع المسدودة فترك النافذة مفتوحة ليتبدل الهواء بداخلها ثم خرج من الغرفة ليجد جدته تعد الأفطار فنظرت له ضاحكة ثم قالت بمرح :انت صحيت انا فكرتك موت هههههه ٢٠ساعة نوم بالظبط .
ضحك ثم تقدم وقبل يدها بلطف فنظرت له برضا وقبلت جبينه ثم تركها وذهب الى الحمام عندها رن جرس المنزل ففتحت الجدة فاسقبلها وليد بحفاوة قائلا :صباح الخير يا ست الكل اية الهمة والنشاط ده كله .
ابتسمت الجدة له بلطف واشارت له باستيقاظ مروان فتنهد وهو يضع الاكياس من يده على المنضدة ونظر الى ساعة يده وقال :بكره يندمج معانا متخافيش عليه يا امى .
تنهدت الجدة ثم جلست على الاريكة بتعب وعندها خرج مروان وهو يمسح وجه بالمنشفة وابتسم لهم ثم جلس بعفوية بجانب جدته وبادرها بلطف :تعبتى نفسك ليه كده يا تيته كنت هحضر الفطار .
فضحك وليد قائلا :وانت هتحضر الفطار ولا هتنام ههههههه .
فانفجرت الجدة ضاحكة وكذلك مروان فنظرت له جدته بفرح وقبلت جبينه واجلسته بجانبها وعلم وليد انها تريد ان تخبره بشىء فاستأذن ودلف الى المطبخ حينها اعتدلت جدته فى جلستها حتى اصبحت مواجهه له ونظرت فى عينيه مطولا فحاول مروان تحاشى ذلك ولكن جدته فهمت فسالته :انا سبتك امبارح يا مروان دلوقتى انا عاوزه اعرف كل حاجه ،اخوك فين وانت سيبت بيتك وكل حاجه وجيت هنا ليه .
تنهد مروان ولم ينطق فطرحت عليه جدته نفس السؤال مرة اخرى فمر شريط من الماضى امام عينيه وهو يتذكر وفاة والده ثم والدته ثم تخلى اخيه عنه وزعمه انه يعانى من مرض عقلى لانه دائم الجلوس بمفرده ولا يفعل اى شىء سوى انه يقرأ كتاباً او يجلس امام الحاسوب وهو يقوم باعمال البرمجة التى تعلمها مؤخراً وكانت سبباً فى عمله باحدى الشركات المهمة ودمعت عيناه حينما تذكر كلمات زوجة اخيه وهى تشكو له عن معاناتها فى تنظيف غرفة مروان او التعامل معه وانه لايساعده مطلقاً فى المنزل ومتطلباته فيخبرها ان هذا منزله أيضاً ولكن بعد فترة تزداد صرخات الزوجة والحاحها فيوافق اخيه على الطلب منه ان يغادر المنزل ويسكن مع جدته ،ولاحظت جدته الدموع فى عينيه فجذبته الى زراعيها ثم نظرت له بجدية وقالت :ما انت معدتش صغير يا مروان لازم تنسى ولازم تشوف مصلحتك بقى يا ابنى ،عارف انت عندك كام سنة !! ،٣٠!! يعنى الى قدك معاهم اولاد دلوقتى فووووق .
استمرت الدموع فى النزول ولم ينطق بأى كلمة فبكت جدته على حالته واخذت تحولق وتردد آيات قرآنية وتربت على كتفيه عسى ان يهدأ وتسكن اضطراباته من جديد وكان وليد قد خرج عندما سمع اصوات النحيب ودمعت عيناه أيضا على اثر هذا الموقف .....
يتردد النحيب أيضاً فى منزل شروق ولكن هذه المرة من والدتها التى علمت بما حدث لها فى الموقع وكان والدها أيضا قد علم بالامر فترك عمله ورجع الى المنزل مسرعاً وتنهمر الام باكية حين تحاول ايقاظها ولكنها لا تستيقظ وكأنها فى حالة سبات عميق ويدق جرس المنزل وتدخل افنان ومعها حقيبة مليئة بالاعشاب وتضعها على السرير بجانب الام وتلتقط انفاسها المتلاحقة ببطء ثم تجلس بجانب شروق قائلة :دى كل الحاجات الى طلبها الشيخ هنغليها وبعدين نقرى عليها قرآن ونشربهالها .
تنهدت الام بحزن ودمعت عينيها ثم نظرت الى شروق المستلقية بجانبهم وقالت :وهتجيب نتيجة يعنى الحاجات دى يا افنان .
افنان :ايوه اكيد يا طنط ،يلا بينا بقى .
وتخرج افنان ومعها والدة شروق وتترك شروق بمفردها ويتجها الى المطبخ ولكن فى طريقهم تسمع والدة شروق زوجها يصيح فى الهاتف فوقفت لعدة ثوان ثم نظرت الى افنان وابتسمت لها واشارت بان تسبقها بالدخول للمطبخ ثم ذهبت فى اتجاه زوجها الذى بدا عليه علامات الحزن واليأس فبادرته بالسؤال وعلى وجهها علامات الفزع:خير يا ابو شروق مالك ،فيه اييه .
لم يرد عليها وحولق بحزن فظلت تكرر السؤال عدة مرات حتى اجابها بتردد :اسلام ،،،،خطيب بنتك سافر النهارده الصبح .
فصقت على صدرها بصدمة ثم استجمعت قواها وقالت :سافر ازاى ،طيب وفرح بنتك الى قرب ده ،انت مش اتفقت معاه ميسافرش دلوقتى ايه الى حصل بقى .
صمت زوجها لعدة ثوان ثم جمدت علامات وجهه الحزينة وتبدلت بالثبات وقال :الى حصل انه اخلف بوعده ،وبكره الصبح هبعت حاجته لاهله ،مش هنستنى اهانه اكتر من كده .
صرخت بأعلى صوت فصاح بها زوجها بحدة :مش عاااااوز كلام كتييير ،دا كلام رجالة وملكيش دخل فييه ،روحى شوفى هتفوقى بنتك ازاى الاول .
نظرت له بعيون حزينة ففهم ما تقصده وربت على كتفيها بلطف وقال :ارمى حمولك على الله ان شاء الله هتتعدل .
اقتربت الساعة من الثانية عشر ووصل سواد الليل الى ذروته منذ الان سوف ينقشع ،احدهم يناجى الله يفك كربه الاخر يغشيه النوم وهناك ثالث يجلس فى غرفته منفردا وفى كفة اخرى يجلس الشافعى فى منزله الجديد ينظر الى كتابته الجديدة على الحائط ولكن الغريب هنا ان الكتابة بدات تختفى عند بلوغ الساعة الثانية عشر وفجأة جحظت عينه بشدة وكانه رأى شيئا ما وفجاة بدأ فى دندنه بعض الكلمات الغير مفهومة وعلى وجهه علامات الخوف والفزع،،،،،،،.
وعم الصباح اخيرا ولكن هذه المرة بدون زقزقة عصافير او صوت اطفال او حتى بائع الاسطوانات الغازية ،كان يوما ساكنا منذ بدايته خاصه ان الشمس كانت شديدة فى هذا اليوم ربما لم يخرج احد من بيته لهذا السبب او ربما بسبب انه يوم الجمعة وهو يوم عطلة والجميع يستريح به من اعباء الاسبوع باكمله ،ولكن لم يشأ لهذا الصمت ان يدوم كثيرا لان القرآن الكريم قد خرج من ميكرفون المسجد وهو تنبيه لاقتراب صلاة الجمعة وميعاد الظهر فبدأت الاصوات ترتفع تدريجيا ويعود الشارع الى صوته الطبيعى ،فى تلك الاحيان افاقت والدة شروق بعيونها الدامعة على صوت زوجها يطلب منها ان تحضر له (قفطانه الابيض )حتى يذهب لصلاة الجمعة فنهضت ببطء ثم نظرت الى شروق التى مازلت نائمة ثم نظرت بجانبها فوجدت اخيها الصغير ينام بجانبها فحاولت ايقاظه وجذبه من جانبها فتحركت يد شروق ومسحت على وجهها بتعب فنظرت لها الام بفرح خاصة حين فتحت شروق عيناها ونظرت الى والدتها بدهشة ثم انفرجت اسارير الاخيرة وصرخت بفرح حامده لله عز وجل مما دعا الاب ليخرج من غرفته ليرى ما يحدث وانفرجت اساريره أيضا واندفع نحو فتاته يقبلها بفرح وكذلك اخيها الصغير الذى استيقظ على صراخ والدته ،فابتسمت شروق ثم قالت بدهشة :ايه مالكم فيه اييه .
فلم يرد احد منهم عليها ولكنها نظرت الى ساعة يدها وملابسها التى كانت بها فى الموقع فهمت ماحدث وجمدت ملامح وجهها فلاحظ والدها ذلك فاشار لزوجته بالخروج من الغرفة وان يتركها بمفردها قليلا فاطاعته وخرجت خلفه .
وتحاول ان تتصل على احد من الموقع ولكن لا احد يرد عليها فتركت الهاتف ونهضت للاستحمام وتبديل ملابسها .
ونحو مسجد الحارة يتوجه وليد مرتديا قفطانا ابيض وبجانبه مروان يسير هادئا يرتب فى اكمامه تارة وتارة ينظر الى الباعة بجانب الطريق او الرجال الذاهبين امامه الى المسجد ،ويبتسم له وليد حين يراه على تلك الحالة ويشير له باللحاق به الى باب المسجد الاخر لان هذا الباب يقف امامه الكثير من الرجال والاطفال فيتبعه ويدخلا المسجد ويجلسا بجانب رجل اسود البشرة يبدو عليه انه احد أبناء الصعيد ليس من سواد بشرته انما من ملامحة يبتسم لوليد حين يجلس فيقبل وليد يده ويسلم عليه ثم يشير الى مروان فيقبل مروان يده مسرعاً أيضا فيبتسم له الرجل برضا ،وتبدا الصلاة فيصليا ويسلما على الرجل الجالس بجانبهم ويخرجا وخلفهم الرجل الذى ينطق اخيرا قائلا بمرح :معرفتناش على الضيف ياوليد .
التفت له وليد ووضع يده خلف كتف مروان وقال بلهجة مليئة بالفخر : مروان ابن اخويا من بنى سويف ،اخيرا جه يعيش معانا .
فيبتسم له مروان فيضع الرجل يده على راسه بلطف ويقول :ماشاء الله اللهم بارك كل ده ابن اخوك ،وانا بقى اسمى الحاج عبد السلام ،انا ساكن فى الشارع الى ورا ده ابقى تعالى سلم عليا ونقعد سوا مع بعض .
فابتسم له مروان وأومأ برأسه إيجابا وتركهم الرجل مودعا وأكمل مروان سيره بجانب وليد دون ان ينطق بأى كلمة ،وحين وصولهم الى المنزل استقبلتهم الجدة بمرح وهى تضع الطعام على الطاولة :الغدا يلا قبل ما يبرد يا شباب .
جلس مروان بهدوء امام المائدة وبدأ فى تناول الطعام فنظرت جدته اليه مطولاً ثم نظرت الى وليد فرفع كتفيه نافيا معرفته ما يحدث فجلست جدته تتناول الطعام معهم وبعد الانتهاء امسكت بيد مروان وهو يحاول النهوض واجلسته بجانبها ثم قالت له بلطف :مالك ؟ لسه متضايق ؟ ،متضايق وانت معايا يعنى انا مش مكفياك .
ابتسم مروان لها وقبل يدها ثم نطق لسانه اخيرا :لا مش متضايق ولا حاجه ،كفايه انكم جمبى .
ابتسمت الجدة ثم قالت بمرح :يبقى فيه حاجه شغلاك عننا بقى ،هى مين قولى وانا اخطبهالك الصبح .
ضحك مروان فانفرجت اسارير الجدة اثر هذه الضحكة ولمعت عيناها وقبلت جبينه وجذبته الى احضانها واخذت تلعب بيدها الاخرى فى بصيلات شعره الطويلة وتنهدت قائلة :ربنا يفرح قلبك يا حبيبى .
**********
وعند اقتراب موعد اذان العصر كان محمود يجلس شارد الذهن على كرسى امام النافذة ينظر الى السماء يفكر فى ما حدث مع شروق ويفكر أيضا فى ما قاله له عبدالرحمن فى مكالمته منذ قليل حتى افاق من شروده حين دلفت زوجته الى الغرفة وبيدها كوب الشاى فاعتدل فى جلسته فسالته زوجته عما به فقال بوجه حزين :البشمهندس كلمنى وبلغنى ان المحافظة اتضايقت من الى عملته شروق وطالبه منه انه يرفدها من الشغل وانا مش عارف ابلغها بكده ازاى .
جلست زوجته بحزن بجانبه ثم قالت :لا حول ولا قوه الا بالله ،طيب وهى ذنبها ايه مش كفايه الى حصلها ،كلمه تانى يا محمود وقوله اى حاجه .
فرك محمود وجنته بحزن ثم قال : كلمته والله بس قالى دا شغل واحنا محتاجين اوى للشغل ده ،،،عارفه انا ابتديت اخاف اذا كانت شروق ساعدت المكتب بكل ما عندها والمكتب اتخلى عنها فى يوم انا هيحصل معايا زى ما حصل معاها فى يوم من الايام .
ابتسمت زوجته ابتسامة عذبة محاولة التخفيف عنه ثم ربتت على كتفيه وقالت :متقولش كده مش يمكن دا خير ليها ،ان شاء الله ربنا يفكها عليها على خير .
تنهد محمود :يارب يارب .
![](https://img.wattpad.com/cover/275749337-288-k157650.jpg)
أنت تقرأ
تعويذة الشافعى
Fiksi Umumتدور الاحداث فى احدى حوارى القاهرة حول فتاة تصاب بتعويذة فتتبدل حياتها للجحيم وتسافر لاحدى الحارات حيث تعيش هناك مع جدتها ،وتقابل البطل الذى يعانى من نفس مشكلتها .....