الفصل الرابع عشر

57 6 0
                                    

فجلست شروق مرة اخرى واشارت الجدة لمروان قائلة :روح انت يا مروان كمل شغلك ،انا بقيت بخير دلوقتى.
فاستجاب مروان لجدته وخرج واغلق الباب خلفه ،هنا استدارت الجدة ببطء شديد حتى اصبحت مواجهه لشروق وقالت بلطف : هاخد رايك فى حاجه يا بنتى ،يمكن انا ست كبيرة واتعلمت حاجات كتيرة من الدنيا بس اكيد فاتتنى حاجات برضه .
نظرت لها شروق بعدم فهم فأكملت الجدة :انا هاخد رايك فى شخص بس تقوليلى بأمانه ايه رايك فيه ،واعتبرينى جدتك .
فأومات شروق برأسها إيجابا فأكملت الجدة مرة اخرى ولكن بنبرة منخفضة :فرح الى كانت قاعدة امبارح معاكى ،ايه رايك فيها ؟! ،انتو كبنات تعرفوا بعض وانتى ماشاء الله باين عليكى انك عاقلة وفاهمة.
ابتسمت شروق وقد فهمت ما ترمى اليه الجدة ثم قالت :من ناحية اية يعنى يا تيتة .
فأسرعت الجدة بالقول :من ناحية كله يا بنتى .
فصمتت شروق لبرهة ثم ابتسمت قائلة بمكر : من ناحية مشروع جواز مثلا ؟! .
صمتت الجدة لبرهه ثم قالت بتردد :ايوه .
فابتسمت شروق وقالت : انا يمكن مقعدتش معاها كتير هى مرة واحدة وانتى شفتى بعينك بس بجد دى انسانة صافية اوى وطيبة ،يمكن ظروفها مش مظبوطة وانتو كلكم شايفين أنها متربية فى الشارع ،مش يمكن لو مامتها لسه عايشة او باباها كان انسان سوى كانت حالتها هتبقى احسن من كده ؟! .
تنهدت الجدة ثم قالت بحزن :انا ربنا اعلم يا بنتى عملت الى اقدر عليه فى الاول بس ابوها بهدلنى كتير وعملى مشاكل ،ساعتها سبت امرها لابوها ،انا برضه ست كنت اعتبر مطلقة مكنش ينفع كل شويه مشاكل بينى وبين واحد زى ده ،خفت على نفسى وخفت على سمعتى وعلى ابنى كمان .
تنهدت شروق ثم نظرت للجدة قائلة :طيب وهى ذنبها ايه فى الموضوع ده ؟! ،مش يمكن ربنا بيحبها وعاوز ينجدها من الى هى فيه .
ثم صمتت شروق لبرهة ودمعت عيناها عندما تذكرت حديث فرح فى غرفتها عن حياتها الاشبه بالجحيم وقالت : مسألتيش نفسك هى لو ابنك متجوزهاش هتتجوز مين ،اكيد ابوها هيرميها لاى واحد من الى يعرفهم وساعتها تكون حياتها انتهت وعاشت معاناة ودفعت تمن حاجه معملتهاش .
رق قلب نورية وشعرت انها ظلمت تلك الفتاة عندما تركتها لابيها وكانت ستظلمها مرة اخرى عندما اعترضت على زواجها من وليد هنا شعرت شروق ان الجدة قد مال قلبها فقالت برقة : واهى بكره تكون بنتك انتى وتعلميها على طباعك وتبقى كسبتى فيها ثواب وكمان مزعلتيش ابنك ويكون خد الى بيحبها .
فنظرت لها الجدة مطولا فضحكت شروق قائلة :ايوه هى قالتلى ان وليد بيحبها بس ارجوكى متجيبيلهاش سيرة انى قلتلك الكلام ده .
فضحكت الجدة أيضا ثم قالت بضيق :اذا انتى عرفتى يبقى الحارة كلها كانت عارفه بقى .
فردت شروق :وفيها ايه ما كله يعرف ،اتنين وبيحبوا بعض بس الحارة كلها شايفه اخلاقهم هما الاتنين ،وبعدين الحارة كلها برضه ملهاش عندك حاجه .
فارتاحت الجدة من كلام شروق وربتت على كتفيها بلطف ثم قبلت جبينها وقالت :كلامك مريح يا حبيبتى والله ربنا يفرح قلبك ويفك كربك ،ويرزقك بأبن الحلال الى يسعدك يارب .
فدمعت عيناها ثم مسحتها سريعاً ولكن الجدة قد لاحظت ذلك فجذبتها الى احضانها فاندفعت شروق فى البكاء ولم تستطيع ان تكتم بكائها فحاولت الجدة تهدئتها قائلة :ليه كده يا بنتى ،دا انا بقول عليكى قوية وقلبك كبير ،كل حاجه هتبقى بخير والله بتعيطى ليه بس .
فقالت شروق وسط شهقاتها :بقالى كتير مشفتش اهلى يا تيته واقرب الناس ليا سابونى حتى الشخص الى المفروض كان بيحبنى والناس القريبة ليا وصحابى وكله ،اوقات بقول هتزول وبصبر نفسى بس انا تعبت الصراحة .
فمدت الجدة يدها ومسحت دموعها ثم قالت بلطف :يمكن الحب ده كان مزيف يا بنتى ،او يمكن موضوع السحر ده كان رحمة من ربنا علشان تشوفى جوهر الناس .
فتوقف شروق عن البكاء وقالت بتردد :بس تيته اسمهان بتقول ان السحر بيخلى القريب منى يبعد وتتعطل كل حاجه فى حياتى وكمان الحلو فى حياتى يروح .
ابتسمت الجدة  ثم قالت : ربنا اما بيريد حاجه بتكون يا بنتى حتى لو سحر الدنيا معمولك ،وماهم بضارين به من احد الا باذن الله ،شايفه كلام ربنا حلو ازاى ،وعلى فكره اهلك بيسالو عنك كتير بس مش عاوزين يجولك الفترة دى وجدتك بنفسها الى بتكلمهم وتطمنهم علطول وكمان زمايلك فى الشغل بيسالو عنك برضه متقلقيش .
فتوقفت شروق عن البكاء ومسحت دموعها ثم اعتدلت فى جلستها بعد ان كانت تبكى فى أحضان الجدة فأكملت الجدة : يابنتى السحر بيأثر علينا ماشى وبيعمى بصيرتنا ثم فى القلب عمره ما يتهز والشخص الى بيحب حد بجد بيصبر مهما يتعذب ،يمكن اسلام ده ولا مش عارفه اسمه ايه كنتى بالنسباله شخص عادى فى حياته وجه موضوع السحر ده خلاه يطلع من حياتك ساعتها ربنا هيعوضك بالى يحبك ويمسك فيكى حتى وانتى فى ظروفك الصعبة ومش هيفرق معاه اى حاجه ،،،دى ارادة ربنا يابنتى ! .
فارتاحت شروق لكلام الجدة ثم نظرت الى الساعة فى هاتفها وقالت بخجل :يا خبر زمان تيته اسمهان رجعت ومش هتلاقى حد يفتحلها الباب انا همشى بقى.
فقالت نورية بوجه شبه عابس :لسه بدرى ،اقعدى معايا شويه ،انا قاعدة لوحدى زى ما انتى شايفه ومروان فى اوضته .
فردت شروق بخبث :لا ما انتى تسرعى الموضوع بقى وتجيبى فرح تقعد معاكى فى البيت وتسليكى .
فضحكت الجدة وقالت بلطف :حاضر يا حبيبتى ربنا يسعدك يارب .
فودعتها شروق وغادرت والجدة ترفع صوتها بالدعاء لها .
                    **************
اشتد سواد الليل ولكن هذه المرة كانت هناك مصابيح انارة تدفع هذا الظلام بعيد وتفك خيوطه التى كست على الاطراف ،وتحت احدى المصابيح التى اعدها العمال حتى تنير العمل فى الليل يجلس محمود بصحبة احد العمال يشرح له مالذى سيفعله فى الصباح وعندما انتهى من الحديث معه وتاكد من ان كل شىء يسير على ما يرام سحب احدى الكراسى وجلس بجانب عدد من العمال يكملون عملهم و عرض عليه احدهم ان يعد له الشاى ورفض فى بداية الامر ولكنه وافق عندما اصر احد العمال عليه وعندما انتهى العامل من اعداد الشاى توقف العمال عن العمل وجلسوا حتى يتناولوا الشاى مع محمود بعد ان عرض عليهم ذلك ،وبدأو يتسامرون عندما نهض احد العمال من مجلسه سريعا وجلس بجانب محمود فضحك الجميع وقال احدهم بضحك (١): انت لسه بتخاف من المكان ده  يا عم دا تهيئات .
فضحك اخر (٢) : دا بيتفزع من اقل حاجه دلوقتى .
فنظر لهم محمود بعدم فهم فقال الاول (١): اصله امبارح كان بيشتغل فى الحته اياها يا بشمهندس محمود ولقى حاجه بتتحرك تحت رجليه وسمع حاجه بتقوله شدها شدها ،بصينا لقيناه جاى جرى وطلب يروح البيت وطول النهار مش راضى يروح يشتغل ناحية هناك يا بشمهندس .
فضحكوا جميعهم وقال ثالث (٣): دا طلع قلبه ضعيف قوى وبيتاثر بالسهر .
فهتف رجل اخر (٤) :لا يا جماعة على فكرة بقى انا مصدقه ،انا كنت شغال مع دفعة العمال الى قبل كده وكنا بنشوف حاجات وكلمنا البشمهندس لحد ما غير التقسيمة .
ثم ادار وجهه وسأل محمود :مش كده يا بشمهندس ؟! .
فأومأ محمود برأسه إيجابا وسرح بعقله قليلا وكانه تاه فى عالم اخر غير مبال لما يحدث حوله وتذكر ما حدث لشروق يوم الحادثة وانه امر غير عادى ويجب ان يساعدها ،ولكن لماذا يشعر بأن شيء ما يوقفه ويجعله يكف عن التفكير فى هذا الموضوع كانه يشغله بأمر اخر حتى ينساه ،ولكنه استغفر الله وقرأ اية الكرسى وعندما انتهى العمال من احتساء الشاى ونهضوا ليكملوا عملهم حينها استغل محمود انشغالهم وطلب من العامل ان يذهب معه فى المكان الذى رأى فيه ما حكاه العمال الآخرين فرفض فى البداية ولكنه وافق عندما اصر محمود وعندما وصل الى المكان واشار العامل الى المكان بتوتر فنظر محمود الى المكان ثم مال على المكان المشار اليه وتحسسه بأطراف اصابعه ثم اخرج خريطه على هاتفه ليرى تاريخ هذه المنطقة فإذا بها شارع خلف بيت الشافعى قديما وأغلق محمود هاتفه واحس بانه غير مرتاح للوقوف فى هذه المنطقة فأخذ العامل وعاد الى مكانه مرة اخرى ،وبعد تفكير دام لمدة عشر دقائق قرر ان يعود الى منزله ....
                     ****************
سمع مروان ارتطام الباب فعلم مغادرة شروق فنظر من نافذة غرفته حتى شاهدها تعود الى شقتها واطمأن حين رأها تغلق النافذة ،حينها اغلق النافذة وخرج من غرفته متجها الى غرفة جدته وطرق الباب بلطف حتى أذنت له الجدة بالدخول واشارت له بالجلوس فنظر يمينا ويسارا ثم قال :هى مشت ولا ايه ،انتى كويسه دلوقتى يا تيته طيب ؟! .
فأومات الجدة برأسها ثم قالت بفرح : جدعه وبنت ناس والله ،وكلامها عسل وبيريح ،يلا ربنا يرزقها بابن الحلال ويعوضها عن الى راح .
فجلس مروان مواجها لجدته ثم قال بتوتر :هو انتو كنتو بتتكلموا فى ايه يا تيته ؟! .
فابتسمت الجدة ثم قالت :كنت بتكلم معاها فى موضوع وليد وسألتها عن فرح وكلامها كان عاقل واقنعتنى الصراحة وخلتنى افكر فى الموضوع ده تانى ،بنت ناس ومحترمة والله .
فأبتسم مروان بتلقائية ولاحظت الجدة ذلك فقالت بخبث : ربنا يفك كربها على خير وترجع لخطيبها وحياتها ان شاء الله .
فتبدلت ابتسامته ثم قال باندفاع : ادعيلها ربنا يرزقها بالخير يا تيته ،الله اعلم الخير فين .
فضحكت الجدة ثم قالت :منا قلتلها كده والله يا ابنى بس انت ايه رايك فى موضوع عمك ده ،مقلتليش رايك برضه ؟! .
فتنهد مروان ثم قال بعد ان زفر طويلا :انا رأيى تسيبيه ياخد الانسانه الى بيحبها يا تيته ،انتى واجبك انك تساعديه ياخد قراره وبس وكمان هى مش شخصية بشعة للدرجادى ،واهم عملوا فترة خطوبة لو عمى وليد لقى نفسه مش مرتاح او انتى اكتشفتى حاجه كده ولا كده نبقى ساعتها نتكلم فى الموضوع ده ،ولا انتى ايه رايك ؟! .
فصمتت الجدة لبرهه وكانها تتفرس الامور فى رأسها ثم قالت :عندك حق ،وشروق برضه عندها حق بس انت مخدتش بالك انا هروح اخطبها ازاى وانت عارف الى بينى وبين ابوها يا مروان .
فنهض مروان ثم اتجه ناحية المرآة ونظر الى نفسه وقال متصنعا الغضب :ايه يا تيته مش شايفانى قدامك ولا ايه ،مفيش رجالة تروح معاه يعنى ؟! .
فضحكت الجدة ثم قالت بمرح :يا سلام وسيد الرجالة كمان ،بس انت مش فاهم لازم حد كباره كده يروح معاكم برضه يا مروان هى دى الاصول .
فصمت مروان لبرهه ثم قال :ولا يهمك برضه ،الراجل الكباره موجود ،المهم انتى قولى اوك بس واحنا نظبط الدنيا .
فقالت الجدة بوجه صامت ملامحه : وادينى قلت موافقة يبنى ،انا مش عاوزه ازعله ولا ازعل نفسى كفايه انه عاوزها .
فجلس مروان بجانب جدته سريعا وقبل رأسها وقال :بالظبط كده يا تيته ،وان شاء الله هتحبيها وهنبقى اسرة كبيرة بقى ،مش انتى كنتى عاوزه كده ! .
فتنهدت الجدة ثم قالت وهى ترفع يدها للسماء :يارب يا حبيبى يارب ،ويرزقك ببنت الحلال الى تسعدك انت كمان يارب .
فتنهدت مروان قائلا :يارب .
                
وتبدلت حالة مروان من الفرح الى السكون فجأة واحس ان رأسه يدور قليلا ولكنه اسند راسه بكفيه وجلس سريعا على السرير بجانب جدته بعد ان كان ينوى الذهاب الى غرفته ،ولاحظت الجدة ذلك فنظرت الى عينيه متفحصة اياها ثم سحبت رأسه ووضعتها على قدميها واخذت تقرأ له بعض من ايات القرآن الكريم وهو يتأوه بين الحين والاخر ،حتى سكن أخيراً وكأنه استسلم للنوم او ربما ظنت الجدة ذلك ولكنه كان مازال مستيقظا يقاوم آلالامه الداخلية بصمت حتى لا يقلق جدته عليه ،وبعد ان انتهت الجدة من القراءة قبلت جبينه بحزن شديد وتفحصت انفاسه واطمانت عليه ثم تركته فى غرفتها وخرجت من الغرفة تحضر كوب من الماء او بمعنى اخر تحضر له الزجاجة المعدة من اجله ...

تعويذة الشافعى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن