الجزء السابع عشر

62 4 0
                                    

كانت الجدة نورية قد لاحظت خروج مروان سريعاً من غرفته ووجهه يتلون باللون الاحمر القانى ،ثم جلس بجانب الشباك فنظرت له جدته باستغراب ثم قالت : مالك يامروان فيك ايه يابنى ،وبعدين انت طلعت من اوضتك ليه انت لسه تعبان !! .
فمسح مروان وجهه بكلتا يديه ثم استغفر الله عدة مرات فأعادت الجدة سؤالها عليه فرد بصوت منخفض :  مفيش يا تيته ،انا متضايق بس شويه متشغليش بالك .
فتركت الجدة ما فى يدها واتجهت نحوه ثم جلست بجانبه وهى تتفحص وجه ثم قالت : لا فيك حاجه يا بنى ،قولى مالك بس .
فنظر الى النافذة بجانبه ثم قال بخبث :لا مفيش حاجه ،انا حاسس انى متضايق شويه ،هروح اشوف تيته اسمهان كده .
فنظرت نورية الى عينيه بخوف وقالت :ليه يا ابنى انت حاسس بايه ؟! ،طيب انا جايه معاك يلا بينا .
فرد مروان سريعاً :لا لا خليكى انتى ،انا هروح اشوفها وكمان اقولها على موضوع فرح علشان تروح بالليل معاكى ولا انتى ايه رايك ! .
فتنهدت نورية ثم قالت :منا مش عاوزه اروح يا ابنى والله ،شوفها كده وقولها على الموضوع شوف هتقولك ايه .
فأومأ مروان برأسه ونهض سريعا ونظر الى نفسه فى المرآة يمينا ويسارا ثم عدل من ياقته وملابسه وخرج بدون قول اى كلمة اخرى وجدته تشاهده وتضحك فى داخلها على حفيدها الذى لا يعلم انها تفهمه .
فرحة شروق كانت لا توصف عند رؤيتها محمود فتذكرت تلك الايام اللطيفة التى جمعتهما ومحمود أيضا قد انفرجت اساريره بمجرد رؤيتها والجلوس معها وتعمدت الجدة تركهم والدخول الى غرفتها خاصة بعد ان اخبرها محمود سبب قدومه وعلمت ما ستفعله الأن واصبح ما ينقصها هو ان تذهب الى المكان وتحضر ما ينقصها من هناك .
لم تتغير ابتسامة شروق منذ وصول محمود واحست بسعادة كبيرة حين اخبرها بأن زوجته فى طريقها ان تنجب الطفل الثانى فقالت شروق بفرح :اللهم بارك اللهم بارك ،انا كنت لسه هسألك اصلا على مراتك وبنتك ،بس الحمد لله ،انت كويس يا بشمهندس وتستاهل كل خير .
فأبتسم لها محمود ثم اخرج من جيبه هاتفه ووضعه أمامها ثم قال : فاكرة الصورة دى ،كانت ايام جميلة اوى ،ان شاء الله هترجع .
فتنهدت شروق فنظر لها محمود بحزن ثم قال :انا مكنتش عاوز اجيلك علشان كده بس انتى عارفه انك اختى ومكنش ينفع مجيش ،اجمدى بقى وان شاء الله هتعدى على خير ،دا اختبار من ربنا .
فحمدت شروق ربها وهمت فى الحديث ولكن قاطعها صوت طرق الباب فخرجت لتفتح الباب بعد ان تكرر الطرق كثيراً ،وفتحت الباب فإذا به مروان يقف بجانب الباب فنظرت له باستغراب حتى نطق بحروف مبعثرة : تيته اسمهان موجودة ؟! ،قوليلها انى عاوزها لو سمحتى .
فأشارت له بالدخول فدخل ثم نظر الى محمود الذى ينظر له باستغراب نظرة مطولة فلاحظت شروق ذلك فقالت وهى تشير الى مروان :دا البشهندس مروان حفيد جارتنا يا محمود .
فتقدم مروان ومد يده ليسلم على محمود ثم قال : اهلا يا محمود ،شرفت الحارة والله .
فصافحه محمود ثم طلب منه الجلوس وقدم نفسه فأرتاح مروان عندما اخبره انه زميل شروق اتى ليطمئن عليها  ونظر الى يده فوجده يرتدى خاتم زواج فى يده ،هنا خرجت شروق وقد احضرت الجدة اسمهان ونظرت الى مروان وقالت بلطف :عامل ايه يا مروان ،تعالى نقعد جوه .
فدخل مروان خلف الجدة وبمجرد ان دخل مروان نظر محمود الى شروق ثم قال :شكله قريب اوى منكم ،على فكرة انا حاسس انى شفته قبل كده بس مش عارف افتكر شفته فين .
فردت شروق :اه ماهو كمان من بنى سويف وجاى يعيش مع جدته هنا ،هو مهندس إلكترونيات تقريبا ،انا معرفش عنه كتير بس جدته صاحبه تيته اسمهان اوى وهو متعود على هنا بقى ،متشغلش بالك بيه ،كمل كنت بتقولى ايه ،الشغل عامله ايه والمكتب كله اخباره ايه ؟! .
فتنهد محمود ثم قال : مش هبقى كذاب لو قلتلك ان المكتب من غيرك ميسواش والله ،كل حاجه دلوقتى بعملها انا ولو احمد خد شغلانه لوحده بيعمل مشاكل وانتى عارفه ،وبعدين احمد ينفع فى شغل وشغل لا انا طلبت من بشمهندس عبد الرحمن يجيب حد يساعدنا بس هو رافض وبيقول المكتب يكفى نفسه كده خصوصاً ان احنا مستلمناش الفلوس لسه والمكتب حالته مش قوى يعنى .
فهزت شروق رأسها موافقة على كلامه ثم خرجت مع مروان وهى تتحدث معه ضاحكة فنظرت لهم شروق بإستغراب فقال مروان : البركة فى شروق بقى يا تيته اسمهان هى حست انها مرتاحه بعد ما اتكلمت معاها ،انا قلت ابلغك يعنى علشان تبقوا موجودين معاها بكره بأذن الله .
ثم ادار وجهه بإتجاه شروق وقال وهو يبتسم بتلقائية فابتسمت شروق بتلقائية ايضا ثم أدارت وجهها سريعاً بإتجاه محمود هنا ودع مروان الحاضرين ثم غادر وابتسامته لا تغادر وجهه مما جعل شروق تبدى استغرابها على هذا الشاب الذى رجعت له ابتسامته اخيرا وبات يشعر بطعم الحياة لا تعلم انها هى سبب هذه الابتسامة ،ثم زفرت بقوة وتمنت أن يزول همها كما زال هم مروان ،ولكنها ابتسمت تلقائياً على غير عادتها عندما تذكرت ابتسامة مروان ،ربما السبب انها لم تراه يبتسم هكذا من فترة ولكن عادة تكون الابتسامة اكثر عذوبة من شخص غاضب، كالشمس عندما تشرق بعد مطر غزير وتفتح السماء لها بين الغيوم طريقا فتظهر كأنها تسير وسط موكب من الناس وهذا هو ما يميزها عن اى ابتسامة من شخص اخر ،،،ابتسامة الفرج ،،،، ابتسامة الامل !.
وانتهت زيارة محمود مبكراً لاسيما وقد ارتاح قلبه وعقله كلاهما على شروق واخبر الجدة بما رآه عسى ان يساعد صديقته ويرد لها جزءًا مما فعلته معه خلال مسيرته ، ووعدته الجدة أن تصل قريباً الى بنى سويف وتعثر على مارآه بنفسها وارتاح محمود كثيراً بعد ان اخبرته الجدة بذلك ودعا الله ان يفك هذه الغمة قريباً ويعود كل شىء على ما كان عليه او ربما الافضل ! ، وغادر محمود الحارة مودعاً لشروق وللجدة ولأفنان أيضاً وقد خيل له انه ودع جميع الحاضرين ولكنه نسى أن يودع مروان الذى ينظر من نافذته متابعاً لهم ويحترق غيرة عندما يرى إبتسامة شروق لمحمود وهى تودعه وقد تبعته الى سيارته ولم تبعد عينيها عنه حتى غابت السيارة عن الانظار ثم وقفت لعدة ثوان فى الشارع والمارة يشاهدون فى صمت حتى لاحظت شروق نظرات الجميع فصعدت الى (الشقة) مرة اخرى .
                      ***********
وها هو مساء اليوم التالى يأتى وقد رفع راية السرور على منزل نورية وأضاء أنوار الفرح والسعادة داخله ،ويظهر وليد وهو يرتدى ملابسه والابتسامة تعلو ثغره ويقف خلفه مروان عاقداً يديه الى صدره ينظر له بفرح شديد ويلتفت وليد وينظر له قائلا بسعادة بالغة : ايه رايك يا مروان !! .
ثم يدور حول نفسه بتباهى فيضحك مروان ويقول وهو يضع له عطر : خلاص يا عم دا انت عريس اوى .
ثم يلتفت وليد وينظر الى المرآة مرة اخرى وهو يتفحص ملابسه ويقول بنبرة حادة : مروان !! ،اوعى تكون نسيت تقول للحاج عبد السلام ،لا يكون نام ولا حاجه ؟!! .
فيرد مروان وهو يخرج ملابسه من خزانته :لا متخافش انا كلمته فى صلاة المغرب وأكدت عليه متقلقش انت .
فيتنهد وليد بحزن ثم يجلس بجانب مروان وهو يجهز ملابسه ويقول : مش عارف هقول ايه لو ابو فرح سألنى هتسكن انت وبنتى فين وانت عارف انى لسه مدورتش على شقة .
فيترك مروان ما فى يده ويجلس بجانب وليد فيكمل وليد :صحيح الفلوس حاضرة فى البنك بس مش عارف هقوله ايه ،خايف اقوله هاخد شقة فى مكان تانى امى تزعل وانت عارف زعل جدتك ،وخايف برضه اقوله هاخد شقة فى الحارة هيقولى فين ،وانا لسه مدورتش على اى حاجه .
فرد مروان : لا متخافش انت عارف المرة الى فاتت ابوها رحب بيك كانه ماصدق انك اتقدمت اصلا ،وبعدين قولهم ان فلوسك جاهرة منين ما تلاقى شقة فى الحارة بقى او بره الحارة مش فارقة .
فهز وليد رأسه موافقاً وتنهد بارتياح لما قاله ثم نظر الى جانبه ولاحظ ملابس مروان ثم قال بمرح :ولاا ،ايه الى انت هتلبسه ده ،انت عاوز تبقى احسن منى ولا ايه ،لا فووق انا الى رايح اخطب مش انت .
فضحك مروان كثيراً حتى سمعتهم الجدة نورية ودخلت الى الغرفة ونظرت الى وليد بفرح ثم دمعت عيناها فمسحتها سريعاً فنهض وليد وقبل يدها ثم تبعه مروان فقبلت الجدة رأسيهما ثم دعت لهما بصلاح الحال .
طرق الباب وخرجت نورية لفتح الباب فإذا به طفل صغير يخبرها بأن الحاج عبد السلام فى اصل البناية ويطلب منهم النزول حتى لا يتأخرو على الموعد ويخرج مروان من الغرفة مسرعاً وقد ارتدى ملابسه فنظرت له الجدة بفرح ودعت الله ان يجعله التالى وأن يرزقه بالزوجة الحسنة فرفع مروان يده بمرح فضحكت الجدة كثيراً ثم ودعها مروان ووليد متجهين بصحبة الحاج عبد السلام الى منزل والد فرح ،ولم تستطيع نورية السيطرة على فرحتها فخرجت للنافذة لتنادى على اسمهان لعلها ترى صغيرها الذى كبر أخيراً واصبح شابا يافعا وها هو الان يتزوج ،لم تستطيع اسمهان السيطرة على فرحتها هى الاخرى فدعت شروق وافنان لرؤية مروان ووليد وهم ذاهبون الى بيت فرح فى إحدى البنايات المجاورة ،وابتسمت نورية حين اقبلت شروق تنظر على جانب الطريق هنا وهناك لعلها تراهم وقالت لها بلطف :تلاقيهم وصلوا اصل بيت فرح مش بعيد .
فأبتسمت شروق بفرح وهى تنظر الى أفنان ثم الى نورية : دلوقتى فرح زمان الدنيا مش سايعاها بجد ،ربنا يفرحها كمان وكمان وعقبال الفرح بإذن الله  .
فرد الجميع :بإذن الله .
ثم دخلت شروق وأفنان الى الداخل وبقيت نورية واسمهان كل منهما فى نافذته وبادرت اسمهان قائلة :مرحتيش معاهم ليه يا نورية كده تسيبيه يروح لوحده ! ،افرضى ابوها دلوقتى فكر انك مستقليه بيه .
فأجابت نورية بضيق :لا يا اسمهان لا ،دول رجالة مع بعض انا مش هروح غير يوم الخطوبة بإذن الله ،انتى عارفه انى لسه برضه مش صافيه تجاههم ومش عاوزه اخرب الجوازة على وليد ،انا مصدقت انه مبسوط اليومين دول .
فتنهدت اسمهان ثم قالت بضيق :اهو فرح قاعدة لوحدها هناك يا حبيبتى تسوى ايه فى يوم زى ده ،بنت غلبانه والله يا نورية دا بدل ما تروحى تقعدى معاها وتطمنيها ! ،طيب والله لو اعرف انك مش رايحه كنت بعت افنان وشروق يقعدوا معاها شويه .
فتظاهرت نورية بالضيق من كلام اسمهان وطلبت منها ان تغير مسار الحديث حتى لا تعكر صفوها فسكتت اسمهان حتى سألتها نورية وهى تشير برأسها الى شروق الجالسة فى نهاية الغرفة : عامله ايه النهارده ؟ ،هتنزلى البلد امته ان شاء الله !؟ .
فتنهدت اسمهان : مش عارفه والله ،كل يوم بيتأخر عليا بيزيد الموضوع صعوبة بالنسبالى علشان كده عاوزه انزل بكره ان شاء الله ،على الفجر كده انزل ولا حاجه .
فأطرقت نورية التفكير قليلا ثم قالت مسرعة :مروان كمان كان بيقولى انه نازل بنى سويف بكره يخلص شغل هناك ،لو كده روحى معاه افضل وابقى تعالى معاه برضه .
فهزت اسمهان رأسها وكأنها قبلت عرض نورية ثم اوقفهم عن الحديث صوت اطلاق الزغاريد قادم من ناحية منزل فرح فأبتسمت نورية وكذلك اسمهان .
لم تكن الزغاريد خارجه فرح بل من إحدى الجارات اللواتى يصاحبنها مؤخراً ،كان المشهد مفرحا بالنسبة لمروان وهو يشاهد وليد وهو يجلس بجانب فرح أخيراً وينظر اليها بحب وتبادله نفس النظرات فيلتقط لهما مروان صورة بهاتفه لعله يريها لجدته او يحتفظ بها تذكارا لعمه ، ويأتى والد فرح وقد مال هامسا فى أذن وليد فتتغير ملامح وجهه من الفرح الى السكون ويشعر مروان ان هناك امر ما فيتقدم نحوه ويسأله عما يدور فيرد وليد هامسا لمروان : ابوها عاوز نأجل الخطوبة للجمعة الى بعد الجاية !! .
فنظر مروان لوليد وكأنه يطمئنه وقال بصوت هامس :معلش يا وليد قوله ماشى ، مفرقتش الجمعة دى من الجمعة الى جايه ويلا بقى كفايه قعده خلينا نروح الوقت اتاخر .
فنظر له وليد بضيق وهو يتوعده فضحك مروان بشدة وكذلك فرح التى تشاهد حديثهم فى صمت ولكنها لا تسمع ما هو ..

تعويذة الشافعى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن