الفصل الخامس عشر
عرض .... هل تستطيع رفضه ؟
رمشت بعينيها وهي تسأل مجفلة :- ما .. ماذا ؟
قال بنفس الهدوء الواثق :- لقد سمعتني جيدا يا لندا .. أنت ستكونين زوجتي
فاجأته عندما وقفت فجأة هاتفة بغلظة :- أنا لست مضطرة للاستماع إليك أكثر
هتف بحزم وهو يقف بدوره :- لندا .. اسمعيني جيدا ..
هتفت به بعنف :- ماذا أنت ؟ .. مما جبلت ونزع منك الرحمة ؟ لماذا تفعل هذا بي ؟ تستغلني .. تقلل من احترامي .. ثم تسخر مني .. أهكذا يلهو رجال الأعمال هذه الأيام ؟
اندفعت تتجاوزه فأسرع بمسك بذراعها قائلا :- أنت لن تذهبي إلى أي مكان
التفتت إليه تنوي مواجهته بشراسة .. ففتح الباب في هذه اللحظة لتطل آية بصينية الشاي .. وقفت تنظر إليهما مشدوهة .. رب عملها كان غاضبا ..مع شيء من التوتر .. ممسكا بذراع الفتاة البسيطة المظهر والتي بدت في تلك اللحظة وكأنها ترغب في قتل إنسان
هتفت بارتباك :- عفوا ...
قال بفظاظة :- عودي لاحقا يا آية .. ولا تسمحي لأي أحد بالدخول ..
حاولت لندا الإفلات منه وهي تصيح بثورة :- أحضري ا لشرطة .. هذا الرجل يحتجزني
غادرت آية الغرفة بصمت كما دخلت .. بينما جذب صلاح لندا ليمسك بكتفيها ويهزها بقوة قائلا بحدة :- هلا هدأت ؟ وعدتك بألا أتعرض لك مقابل استماعك إلي
قالت بانفعال :- لم أعدك بالاستماع إلى سخريتك مني .. اتركني أذهب وإلا صرخت
قال باستهزاء :- هل تظنين بأن صرختك ستتجاوز مكتب آية ؟ .. سكرتيرتي معتادة على إطاعة أوامري مهما كانت الظروف .. وإن حذرتها من دخول أي أحد هذا المكان .. فلا أحد سيتمكن من الدخول حتى لو كانت الشرطة .
قالت بسخرية وهي تحاول التخلص من يديه :- طبعا .. صلاح النجار العظيم .. فرعون العصر الحديث .. يأمر فيطاع بلا نقاش .. اسمح لي بالشذوذ عن القاعدة والخروج من هذا المكان فورا .. حتى لو كلفني هذا حياتي
كما توقعت .. هبت عواصف الغضب في العينين الفضيتين واشتعلتا بنيران العنف والثورة وكأنها قد أيقظت وحشا كان نائما لفترة طويلة في انتظار الاستفزاز المناسب
مد يده يجذب شعرها بقوة مثبتا إياها مقابل صدره .. وشد خصرها ملصقا إياها به حتى لفحت أنفاسه الحارة وجهها .. اختفى غضبها مرة واحدة عندما أحست فجأة بأنها بلا أي حول أو قوة بين يدي هذا الرجل الغاضب .. الذي بدا في ثورة غضبه قادرا على فعل أي شيء .. نظرت إلى وجهه القاسي .. إلى ملامحه التي بدت وكأنها قد نحتت من حجر .. وأحست بكل جزء من جسده القوي ملاصقا لجسدها .. فأغمضت عينيها بقوة وقد توقفت مقاومتها .. وشلها الخوف حتى أخذت ترتعش عاجزة بين يديه .. أحست بقبضته تلين فوقها .. أصابعه التي كانت تجذب شعرها تركتها بسرعة .. كانت ما تزال محتجزة بين ذراعيه .. إلا أن عنفه استحال فجأة إلى شيء آخر .. قال بصوت أجش :- افتحي عينيك يا لندا .. وانظري إلي .
فتحتهما ببطء .. فاتسعتا ذهولا وهما تريان بشرته التي استحالت إلى لون الرماد .. ألم شديد وغضب مرير غطى العينين اللتين كانتا تنطقان قبل ثوان بالشرر .. شيء كالتوسل بدا فيهما وهو يقول بخشونة :- لا أريد أن أرى الخوف في عينيك
ارتجفت .. وهي تضع يديها على ذراعيه لتبعده عنها دون أن تجد القوة لفعل هذا .. كانت ما تزال تحت تأثير المواجهة العنيفة التي جرفتهما معا .. مد يده ليلمس وجنتها الناعمة وهو يقول :- لا تخافي مني
هزت رأسها هامسة :- لا أستطيع إلا أن أفعل ..
قال بإصرار :- أنت ستكونين زوجتي .. الخوف يجب ألا يكون ما يربطنا معا
ترقرقت دموع الحيرة والارتباك في عينيها وهي تقول بضعف :- لماذا ؟ .. لماذا أنا ؟
:- ما الذي يمنع أن تكوني أنت ؟
قالت بيأس :- هناك الكثير ممن تلاءمنك أكثر مني .. أكثر جمالا .. أكثر أناقة .. أكثر ثراءا .. لا أستطيع أن أصدق بأنك قد اخترتني أنا من بين جميع النساء
قال بهدوء :- أنت مميزة
هزت رأسها فتراقص شعرها حولها :- لست كذلك
:- أنت رقيقة .. وناعمة .. أشبه بأزهار الياسمين التي تفوح رائحتها منك .. في الوقت نفسه .. أنت بقوة لبوة عندما يتعلق الأمر بمن تحبين .. قوية وشجاعة .. أنت جميلة جدا .. تمتلكين سحرا دافئا .. يغمر الإنسان فيشعر وكأنه قد عاد إلى بيته بعد غياب طويل .. أنت أمان أحتاجه بشدة .. أتوق إليه منذ سنوات .. فلا تحرميني منه وقد وجدته أخيرا
ارتجفت وقد تغلغل صوته الأجش حتى أعماق روحها .. لم تتخيل أبدا أبدا .. أنها قد تسمع رجلا ظنته دائما مثالا للبرود والقسوة .. يتفوه بكلمات مشبعة بالعاطفة كهذه .. كلمات زلزلت كيانها حتى كادت تعجز عن الوقوف لولا إمساكه بها
همست :- أنت لا تحبني
قال بساطة :- أنت لا تحبينني أيضا .. ولكنك تهتمين لأمري .. وإلا ما كنت اهتممت بي ذلك المساء بينما كنت أنا ضائعا بين غياهب المرض
قالت بيأس :- أي فتاة أخرى كانت فعلت المثل
:- لا .. أي فتاة أخرى كانت استغلت الوضع كما لم تفعلي .. لقد اعتنيت بي لأنك تهتمين لأمري .. لأنني أعجبك .. أرى هذا في عينيك .. في كل مرة تهربين فيها بنظراتك عني .. أنت أيضا تعجبينني .. ومنذ اقتحمت مكتبي يوما كقطة ثائرة ذهبية العينين .. أردتك ذلك اليوم .. وأغضبني هذا .. الآن .. أعرف بأنني لن أقبل إلا بأن تكوني زوجتي .. أن تحملي اسمي .. وتنجبي أطفالي .. وتنشري الدفء في زوايا بيتي الكبير الفارغ
رأى الاضطراب والضياع في عينيها .. فأبعدها دون أن يتركها .. عرف بأنها تحتاج لأن يمنحها المجال لتفكر بعقلانية .. لقد لعب على عواطفها بنجاح .. وتبقى له أن يجتذب الجزء المتعقل منها .. سحبها من يدها قائلا :- تعالي .. اجلسي ودعينا نتحدث
تركته يقودها مجددا إلى الأريكة الجلدية .. أجلسها .. وجلس إلى جانبها هذه المرة .. امسك ذقنها وأجبرها برفق على النظر إليها .. قال بهدوء :- فكري جيدا يا لندا .. كما احتاج أنا إليك .. أنت تحتاجين إلي .. لقد سبق وأخبرتني بأنك لا ترغبين بالوقوع في الحب .. هل كنت صادقة فيما قلت ؟
أومأت برأسها بذهن مشوش .. تابع :- أنت ستتزوجين ذات يوم .. ما هي مواصفات الرجل الذي ترغبين به زوجا لك ؟
نظرت إليه مترددة .. فأومأ لها مشجعا .. تمتمت :- أريده أن يكون قادرا على منحي الأمان
أطل الدفء من عينيه وهو يقول :- أستطيع منحك الأمان الذي تحتاجين .. كما أستطيع أن أساعد عائلتك .. سأجد لشقيقك وظيفة تناسبه في إحدى شركاتي .. وأنقل والدتك للعلاج في أفضل مستشفيات المدينة حيث تلقى أفضل علاج ممكن .. سأجد لهما شقة جيدة في حي مناسب بدلا من ذلك المكان الكئيب والقذر .. أليس هذا ما تريدينه لهما ؟
تمتمت باضطراب :- لن يقبل عادل أي مساعدة منك
قال بإصرار :- اتركي أمر شقيقك لي .. و أجيبيني أنت عن سؤالي
هزت رأسها بموافقة عاجزة .. بينما تابع :- لن تكوني مضطرة للعمل مجددا .. لن تتعرضي لمضايقة أي شخص آخر بعد الآن .. ستعيشين كأميرة في بيتي .. سأحقق لك كل أحلامك .. وأجعل منك امرأة سعيدة
هزتها الصورة المشرقة التي رسمها لها .. وأحست بتعاسة بإغراء الحياة المرفهة التي يعرضها .. تمتمت :- وماذا عنك ؟
:- ماذا عني أنا ؟
نظرت إليه بقلق قائلة :- لقد عرفت كل ما سيدفعني للموافقة .. ماذا عنك ؟ .. ما الذي يدفعك للزواج مني أنا بالذات ؟
نظر إليها بهدوء شديد وهو يفكر بعمق .. نهض واقفا .. وابتعد وهو يستل علبة سجائره .. ويبدأ بتدخين واحدة .. أخذ منها نفسا عميقا .. ثم قال وهو يستدير إليها :- لقد أخبرتك .. أريد عائلة .. زوجة وأطفال .. ذلك اليوم .. عندما مرضت .. أحسست لأول مرة بالعجز والضعف والوحدة .. فكرت بأنني سأكون ممتنا وسعيدا إن عدت إلى بيتي كل يوم بعد نهار شاق .. لأجد يدا حانية تمسك بي .. تلمسني بدفء كما فعلت أنت .. أنت تمتلكين كل ما أريد .. كما أمتلك أنا ما تريدين .. لقد أخبرتني بالأمس بأنك لست أهلا للحب .. وأنا لا أعرض عليك الحب .. بل اعرض الصداقة .. والتفاهم .. والشراكة الكاملة .. هل أنت أهل لما أعرضه عليك يا لندا ؟
نظرت إليه بضياع .. غير قادرة على الرد الجازم أمام المفاجأة التي لم تتوقع الحصول عليها عندما جاءت إلى مكتبه .. أطفأ السيجارة .. واقترب منها .. أمسك بيدها وأوقفها .. نظر إلى عينها الجميلتين الحائرتين ..وقال لها بصوت عميق :- هل تقبلين الزواج مني يا لندا ؟
أنت تقرأ
مرّت من هُنا(الجزء الثاني من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية للكاتبة المبدعة والمتألقة blue me الجزء الثاني من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للمتألقة blue me