الفصل التاسع والعشرين
حزن ورثاء .... وغضب
..صدح صوت الشيخ يتلو القرآن الكريم في منزل آل عطار الذي ازدحم بالمعزيين منذ تم إعلان النبأ .. المئات من الوافدين .. رجال الأعمال المعروفين ... رجال سياسة نافذين .. شخصيات مرموقة .. الكل حضر ليقدم العزاء في شخص عرف دائما بالاستقامة والنبل .. شخص حظى باحترام الصغير والكبير .. الغني والفقير .. بقوته .. وذكاءه .. وعدله في معاملة الآخرين ..
وصلاح .. لم يكن استثناءا
أصر على أن يقف مع متلقي التعزية .. إلى جوار أقارب هشام وأصهرته .. وتمام الشاحب الوجه .. منذ حضر فور سماعه بالخبر من جودي .. مصطحبا معه لندا التي أقسمت على ألا يذهب بدونها ..
لم يرغب صلاح يوما بموت هشام عطار .. حتى عندما ظن الظنون بعلاقته بأماني .. حتى عندما سلبها منه بزواجه منها .. كرهه كما لم يكره إنسانا يوم شهد خزيه في تهجمه على ابنة عمه .. إلا أنه أبدا لم يتمنى موته ..
فهشام عطار .. نسيبه اللدود .. كان أفضل إنسان عرفه صلاح في حياته .. شرفا ونبلا وأخلاقا .. لقد كان الرجل الذي تمكن بكماله من نبش كل إحساس لدى صلاح ظن أنه قد دفنه بالنقص .. هشام عطار كان عدوه .. وفي الوقت نفسه .. كان مثالا وجد نفسه يحتذي به رغما عنه .. ومعرفة أنه قد مات بهذا الشكل المفاجئ .. كانت صدمة شديدة له .. إذ أنه حتى الآن .. ومنذ أطلعته جودي هاتفيا على ما حدث وهي تبكي كالمجنونة .. كان غير مصدق للخبر .
ما عرفه من تمام الفاقد لأعصابه بصعوبة .. أن هشام كان يقوم برحلة عمل في أوروبا الشرقية .. في روسيا بالتحديد.. عندما استقل طائرة خاصة مستأجرة من موسكو إلى جهة غير معلومة .. سقطت في منتصف الطريق وانفجرت دون أن تترك أي ناجيين .
قطب مفكرا .. موسكو
كان يتلقى التعزية مع عائلة المتوفي بشرود .. بينما كانت عيناه تتحركان لا إراديا نحو باب القاعة الكبيرة للطابق الأرضي من المنزل الفخم والمخصص لإقامة والدة هشام .. وعقله يفكر بالطابق العلوي .. حيث تجتمع النساء .. مواساة لزوجة الفقيد .. لأماني ..
أطبقت جودي يدها على فمها محاولة كبت نشيجها الذي لم يتوقف منذ عرفت بالخبر .. وهي تنظر إلى أماني التي انزوت منذ ساعات في غرفة نومها رافضة الخروج للقاء المعزيات .. جلست فوق سريرها باستقامة .. ترتدي اللون الأسود الذي أظهر شحوب وجهها الجميل .. وتغطي شعرها الأشقر بوشاح ناصع البياض .. تتلو بصمت من مصحف صغير ذي غلاف مذهب .. تعرف جودي جيدا أن هشام قد أهداها إياه يوم أنجبت عمرو .. النائم الآن في غرفته بسلام غافلا عما يجري حوله ..
من الغريب أن سلاما شديدا كان يطل من وجه شقيقتها في الوقت الذي ينزف قلبها فيه دما .. حزن أماني الصامت .. كان في مفهوم جودي إنكارا لما يحدث .. وكأن أماني ترفض تصديق أن الرجل الذي عنى بالنسبة لها الحياة بأسرها .. قد مات حقا ..
أغلقت أماني المصحف .. وقبلته بهدوء .. ثم ضمته إلى صدرها وكأنها تستمد منه السكينة .. بينما تحدق عيناها في الفراغ بصمت .. حتى قالت جودي بين شهقاتها :- أماني
لم تجبها أماني على الفور .. بل ارتسم البؤس في وجهها وهي تبتسم بحزن .. تبتسم حقا مما أذهل جودي .. نظرت إليها أماني قائلة بهدوء :- كيف أبكيه إن كان قلبي ما يزال يسمعه ؟ .. صوته .. خفقات قلبه .. رتابة أنفاسه .. مازالت تتردد في أذني وكأنه معي يا جودي .. كيف أبكيه إن كان ما يزال حيا داخلي ؟.. إن كنت أنتظر دخوله في أي لحظة دون أن يعني لي الموجودين في الخارج شيئا ؟
تدفقت دموع جودي وهي تجهش بالبكاء مجددا .. بينما قالت أماني بحزم :- لطالما أرادني هشام قوية .. طوال فترة زواجنا .. لم يترك طريقة إلا وزرع بها داخلي المزيد من القوة .. علمني ان حب الله أقوى من حب الدنيا وما فيها .. لم يتركني إلا وهو عارف تماما بانني قادرة على الاهتمام بنفسي .. وبولدنا .. كيف أبكيه وأنا اعرف يقينا أن رجلا رائعا مثله .. هو الآن في مكان أفضل ..
أغمضت جودي عينيها للحظات .. ثم فتحتهما صائحة بانفعال :- تبا يا أماني .. ليس عليك ان تكوني قوية اليوم .. من حقك أن تبكي وتحزني كأي امرأة أخرى فقدت الرجل الذي تحب .. بحق الله افعلي هذا لاجلك .. ولأجل ولدك .. اتركي العنان لنفسك ويمكنك أن تكوني أماني القوية عديمة الإحساس في الغد .
لم تغضب أماني لهجوم شقيقتها .. نظرت إليها بشيء من الشفقة عارفة مدى حب جودي لهشام .. وقالت بحنان :- أنا حزينة يا جودي .. حزينة بطريقتي الخاصة .. ليس عليك أن تقلقي علي
وضعت المصحف الصغيرفوق المنضدة المجاورة للسرير .. ثم نهضت قائلة بهدوء :- من الأفضل ألا نترك ضيوفنا في الانتظار وقد جاءوا للقيام بواجب التعزية .. صحيح ؟
أنت تقرأ
مرّت من هُنا(الجزء الثاني من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية للكاتبة المبدعة والمتألقة blue me الجزء الثاني من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للمتألقة blue me