أحدث ذلك الرجل الضخم جلبة في القطار أفزعتها، انكمشت على كرسيها ما أن ارتفع صوته أكثر، وظنت أن وحشًا ما سيخرج من أحشاءه في أي لحظة، في حين ضحك عجوزًا مقابل كرسيها وتجعد الجلد
حول عينيه.— «لديك رفيق وسيم للغاية».
شعرت به يحدق إلى رفيقها البني ذو الشعر الكثيف الذي غطى عينيه، وراح يلهث مدلياً لسانه، قابعًا بحجمه اللطيف في حجرها.
اهتز القطار بغتة، فصمت الرجل الغاضب قليلاً، وعضت روان لسانها إثر الارتجاج، ثمّ عاد الرجل بعد لحظات لصب جم غضبه على فتاة ترتدي حجابًا ورديًا لفت نظر روان، لكنها لم ترغب بأن تكون في مكانها ولو لدقيقة، تحتضن دميتها الممزقة ورذاذ من اللعاب الثائر يتطاير عليها.
— «هل هو من نوع جريفون؟» سأل العجوز شديد النحول مبتسمًا وقد اختفت عينيه خلف التجاعيد.
أطبقت روان شفتيها، لم تجبه، ليس لأنها لم ترغب، بل لأنها لم تعرف ماذا يعني (جريفون)، إن كلبها يدعى (بندق) لأنه بني كلون البندق. وقد حصلت عليه قبل شهرين حين وجدته تائهًا بأحد الشوارع الراقية حين كانت والدتها تعمل لدى عائلة آل جابر، وتكوي ثيابهم وهي تتذمر. أرادت والدتها بيعه ما أن عرفت أنه كلب أجنبي من سلالة أليفة، وسوف يغدق عليهم بمال وفير، لكن روان أصرت على إبقاءه معهم، بعد أن تشبث الكلب الصغير بها، وراح يقفز حولها سعيدًا، وما كان لوالدها إلا أن نفذ رغبتها، فلم يرها سعيدة هكذا بشيء منذ مدة، ولم يلبث حتى أطلق عليه اسم بندق وأعجبت روان بذلك الاسم، شعرت بالسعادة وهي تعانق فردًا جديدًا من الأسرة، بالرغم من أن والدتها ما زالت تُذكرها بتلك الأحذية الجلدية طويلة الأعناق التي ستحمي قدميها لو أنها اشترتها بدلاً من بقاء كلب نجس سيأخذ حصة من طعامهم الناقص أصلاً. ولكنه هو السبب الوحيد الذي جعلها توافق على ركوب القطار، من دونه ما كانت ستشعر بالأمان مطلقًا، وحيدة مع غرباء من حولها.
— «إنه من سلالة بروكسل جريفون، وأصلها بلجيكا، كان ابني يدرس هناك.» اختفت الابتسامة عن وجه العجوز، وكما لو أن أحدهم نبأه للتو بخبر سيء.
أنت تقرأ
آنسة نبتة
ChickLitعندما مضت إلى الممر وأمسكت بمقبض باب حجرتها، سمعت خالتها وهي تهمس لزهورها: «لا تخافوا لن يأكلكم أحد، لقد انتهت الحرب العالمية منذ زمن طويل!» أغلقت الباب، واستلقت على سريرها في الظلام، ثم بكت أسفل وسادتها. _____