زهور الزنبق البيضاء

86 31 14
                                    


هل تعلم....

شجرة متوسطة الحجم يمكن لها أن توفر ما يكفي من الخشب لصنع ١٧٠ ألف و ١٠٠قلم رصاص

________________

راحت الشاحنة القديمة تخرخر باضطراب أثناء سيرها إلى المنزل، حين كان بصرها معلقًا على ابنة اختها في سعادة بالغة، ولم تسكت لثانية، شرحت لها حياة الريف البسيطة، وعن منزلها، والنباتات العشبية، والأشجار، والشجيرات الصغيرة، تحدثت كثيرًا، حتى أن روان لم ي...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

راحت الشاحنة القديمة تخرخر باضطراب أثناء سيرها إلى المنزل، حين كان بصرها معلقًا على ابنة اختها في سعادة بالغة، ولم تسكت لثانية، شرحت لها حياة الريف البسيطة، وعن منزلها، والنباتات العشبية، والأشجار، والشجيرات الصغيرة، تحدثت كثيرًا، حتى أن روان لم يسعها فهم ما تقوله، وبدأ الخوف يساور الطفلة، بل شعور مرير بالغربة، وهي تبصر الشاحنة تتوغل في طريق غارق في الخضرة، وظل كلبها ينبح بجنون، والشمس تزحف نحو المغيب، وحين تنظر إلى خالتها؛ تجد امرأة شديدة النحول، ترتدي ثيابًا كثيرة غير منسقة، وعلى خديها الشاحبين علامات الكلف، وتحدق بعينيها الواسعتين نحوها وهي ترفع حاجبيها الكثين دون ملل.

— «ها قد وصلنا!» صاحت خالتها بمرح لم يقلل من قلق روان، بل جعلت تنظر إلى الظلام المهيمن حول المنزل، وكانت مصابيح الشاحنة الأمامية متذبذبة وباهتة.

جرت الطفلة معها إلى داخل المنزل، وحبست روان دموعها بكل ما تملك من قوة، سمعت خالتها تشتكي في الظلام وهي تبحث عن مقبس الضوء، ولا زالت ممسكة بيديها الجافتين والخشنتين كف روان.

شمت روائح عدة ما أن وطأت قدميها المنزل،
العشب، ورائحة المطر، والعفن أيضًا.

جاء النور الباهر مؤلمًا لعينيها، وبقيت لثواني حتى تعتاده، ثم أبصرت ما حولها مشتتة، النباتات الزاحفة تغطي الجدران، جرار وآنية للزهور كثيرة، طاولة كبيرة محاطة بأدوات الزراعة بشكل فوضوي، وكتب، بل الكثير من الكتب هنا وهناك في كل زاوية ملقاة باهمال.

خلعت خالتها حجابها، وظهر شعرها المضفر الأشعث، وقد انتفشت القصافات المتمردة، وأحاطت وجهها العظمي، وراحت تبتسم باستمرار قائلة:
«إنه ليس البيت المثالي لتربية طفلة، ولكن...»

صمتت قليلاً ثم عادت تقول وهي تشير إلى باب في نهاية الممر، حيث ذكرت أنها غرفتها الجديدة، وهي أقل فوضوية، وحين أطلت روان إلى الغرفة؛ وجدت سرير صغير من خشب شجر الحور الأبيض يرتكز بالقرب من نافذة عارية دون ستائر، وخزانة صغيرة من نفس نوع الخشب في الركنية، ومكتب عتيق رمادي اللون من المعدن البالي الخفيف.

— «لقد صنعت السرير والخزانة بنفسي كما ترين، فهي غير مزينة ومنسقة، ما زلت أعمل على ذلك، آمل أن تحبي المكان يا صغيرتي، هو ليس بالجودة التي تتوقعينها أعرف، لكنني..» قاطعتها بانفعال: «لم يكن لي غرفة لوحدي مطلقًا.»

أطبقت شفتيها ولا زالت ترتعش، أرادت أن تشكرها ولكنها لم تجد سوى تلك الجملة كي تطلق سراحها، وتمنت أن تكون خالتها قد فهمت مغزى كلامها.

طبطبت خالتها على ظهرها وقد عادت تبتسم، لم تعلق على ما قالته، بل راحت تتحدث عن كلب روان المنزعج، والذي راح يقفز في المطبخ حين شم روائح الطعام.

قدمت إليها أرز وسلطة الخضر، وأحضرت للكب شرائح من لحم ديك رومي، وأخذ الاثنان يأكلان بشراهة، ولم يلحظا ثرثرة الخالة.

لم تكن روان في أوج سعادتها حقًا، لكنها أحبت الطعام، وفكرة أن تكون لها غرفة بمفردها، مع ذلك، أرادت العودة للمنزل، إلى أحضان والديها مهما كلف الأمر.

تكلمت مع خالتها بقلة، وأجابت على بعض أسئلتها باقتضاب، حتى شاهدت خالتها نعاسها وسمحت لها بالذهاب للنوم، وقد رقد كلبها مسترخيًا فوق كومة من الثياب المقذوفة بكسل على الأرضية.

مشت روان بتثاقل إلى وجهتها، ثم فجأة ندهت عليها خالتها، أدارت جسدها نحوها وانتظرت بعينين متعبتين أن تخبرها سريعًا.

— «هل يمكنك أن تلمسي زهرة الزنبق البيضاء هذه؟»

رفعت روان رأسها باستغراب شديد إلى آنية زهور الزنبق البيضاء، ثم عادت تبصر خالتها التي حثتها كي تداعب الزهرة. 

لمست روان ورق الزهرة الرقيق، وقد طار النوم من عينيها، وجدت خالتها تقول: «زهرة الزنبق هي أحد أشهر زهور الربيع في العالم، زهرة الزنبق الحمراء ترمز الى الحب الحقيقي، وزهرة الزنبق البيضاء ترمز للاعتذار، وزهرة الزنبق الأرجوانية ترمز الى الملوك، ومن المثير للاهتمام أن الباقة المتعددة من ألوان الزنابق ترمز إلى المجاملة، زهرة الزنبق هي أيضا رمز لمرض باركنسون ( الشلل الرعاش) .»

اقتربت خالتها نحو الآنية، ونظرت بحب إلى زهورها البيضاء.

— «إنها سعيدة بوجودك! هل تعلمين أن زهرة الزنبق صالحة للأكل! في الواقع خلال الحرب العالمية الثانية كان الزنبق والخبز غالبًا يأكلهم من لا يستطيعون تحمل نفقات غيرهم من الأطعمة، الزهور يمكن استخدامها لتحل محل البصل في العديد من الوصفات. هيّا يا صغيرتي اذهبي إلى النوم، يجب أن لا تعتادي
السهر، لقد سجلتك في المدرسة وسوف تداومين قريبًا كل صباح إليها.»

عندما مضت إلى الممر وأمسكت بمقبض باب حجرتها، سمعت خالتها وهي تهمس لزهورها: «لا تخافوا لن يأكلكم أحد، لقد انتهت الحرب العالمية منذ زمن طويل!»

أغلقت الباب، واستلقت على سريرها في الظلام، ثم بكت أسفل وسادتها.

آنسة نبتةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن