فى منزل محمد الشبراوي
جلست مي تتصفح الفيس بوك كعادتها اليومية .. عالمها الخاص الذي تهرب إليه من الواقع ومن وحدتها القاتلة فلقد أنعم الله عليها بمحبة اصدقائها فلديها اصدقاء كثر ومتابعين اكثر
فإذا بشخص يقتحم ذلك العالم الخاص بها مرسلاً لها رساله كان محتواها
"القَلبُ الطيّب بطبيعتهِ يَتواجد داخلَ الإنسان الحساس، إنسانٌ يشعرُ بألمِ وأحزانِ غيرِه، ويؤلِمُهُ أَن يُراهُم يعانون، لذلِك يُشارِكَهُم هذهِ المشاعر وكأَنَّهُ هو من يعاني هذهِ الآلام، ولكِنَّهُ في نفسِ الوقتِ سريعِ الأذى؛ لأنّه يَملِك إحساساً مُرهَفاً، ومشاعِر رقيقة، وقلباً طيباً، يعتَقِد أنّ كُلَ مَن حَولَهُ مِثلَهُ، فإذا بهِ يُفاجأ بطعناتٍ مِن أَقربِ الناسِ إليه، يتأَلّم، يحزن، ويبكي، إنّه إنسانٌ لا يعرِف الحِقد ولا يعرف الضغينة، ولا ينتَقم، ويسامِح بسهولةٍ، لذلِك ترى البسمةِ دائماً على محيّاه، رُغمَ ما يعانيه يطوي الصفحات السوداء داخل قلبه، ويجعل من دمعاتِهِ البيضاء غطاءً لهذا السواد، حتى لا يلَوِّث السواد قَلبَه، وطيات أحاسيسه النقيّة، لا يُمكن أن نحذف أيّ صفحةٍ من قاموس حياتَنا مَهما فَعلنا، فهيَ راسِخة في وجدانِنَا قبل ذاكرَتِنا، ولَن تُمحى بسهولة، لذا فلنحاول إدخال البياض على سطورِها السوداء، حتى تبقى في ذاكرَتِنا نَسمةٌ لطيفة مع شريط الذكريات ".
قرأت تلك الكلمات باستغراب وحيرة شديدة، ما هذا الذي قرأت، ومن مُرسل هذه الرسالة، لماذا يقول ذلك؟
لم تُعره اهتماماً كبيراً فهي تعرف جيداً انه عالم ملئ بالذئاب البشرية التى تسعى وراء رغبات وتفاهات لا وجود لها فبعد ان قرأت تلك الكلمات اغلقت هاتفها وذهبت الى نومها واحلامها التى تتمنها ........
__________
فى منزل ابراهيم
جالساً ابراهيم فى شرودٍ تام وتدور في رأسه العديد من التساؤلات التي لا يجد لها أي إجابات ...
كيف يستطيع ان يخبر سماح بما حدث لها؟
وكيف سيقول لها انهم اقتطعوا جزءاً من جسدها وحرموها من اغلى شئ فى الحياة؟
وكيف ستتحمل هي تلك الصدمة؟
وكيف سيكون تأثيرها عليها؟
فهو يعلم جيداً انها من الصعب ان تتقبل امرٍ كهذا .. وفى اثناء شروده وتفكيره اذا بسماح تدخل عليه بعد ان انتهت من تحضير الطعام لتجده هائماً فى عالمٍ اخر .. وقفت تنظر إليه لفتره طويله فهو لم يشعر بوجودها وذلك ليس من عادته فظلت تتأمل فيه وكأنها تقرأ ما يدور بداخله فهي تفهمه جيداً وتشعر به عندما يكون مهموماً او مشغولاً بشيء ما واخيراً قررت ان تقطع تلك اللحظة قائله
سماح: احم احم نحن هنا
ابراهيم: سماح! حبيبتي انتى هنا من امتى؟
سماح : يااااه ... انا هنا من بدري اووي .. لتُبعد يداه عن قدميه لتجلس فوقهما وتنظر في عينيه عن قرب لتقرأهما كما تعودت .. فيهرب من نظراتها .. فتعود لترفع وجهه وتبتسم إليه ابتسامة صافية وتطبع قبله هادئة علي شفتيه لينعم معها زوجها بالهدوء والامان.
ابراهيم: قوليلي بقا .. انتي ليه متكلمتيش من بدري؟
سماح: علشان انا عمري ما اتكلمت وقولتلك انا هنا .. انت دايما بتحس بيا اول لما بقرب منك .. انما المره دي انت فيك حاجه متغيره .. لأول مرة متحسش بوجودي ..
هاه مالك ياحبيبي في اييه عاوز تقوله و مش عارف تحكيه، وبتفكر في اييه اووي كده؟
ابراهيم: لا ياقلبي بس كنت بفكر فى حاجه كدا
سماح: امممم .... وحبيبي باله مشغول عني فى ايه ومين اللي شاغله عني اوي كده؟
ابراهيم: هاه .. لا لا متقلقيش ده واحد من اصحابي بس انتي متعرفيهوش عنده مشكله كدا وشاغلني أمره وبفكر في حل ليها ..
لم يجد أمامه غير تلك الكلمات ليخرج من الموقف بسلام ويهرب من أي أساله أخري سوف توجهها له سماح فهو بالنسبة لها كتابها المفتوح تقرأه من نظرة عينيه إلي جانب انها على معرفه بجميع اصدقائه
سماح: لعله خير يا حبيبي وربنا يحلها إن شاء الله
ابراهيم: ان شاء الله يا حبيبتي .. هاه خلينا بقاا في المهم عملتيلنا الاكل علشان جعان وهموت من الجوع .. ولا لسه؟
سماح: آه ياقلبي يلا علشان نتغدى وترتاح شويه .. ومن داخلها تقول ياترى مخبي اييه عنى يا إبراهيم، انا أعرف أصحابك كلهم!
مين يا تري صاحبك ده اللي انا معرفهوش، وهيكون أيه الموضوع اللي شاغلك اووي كده وبتفكر في حل ليه؟
ابراهيم: الاولاد ناموا؟
سماح: اه نايمين من بدري
توجه الاثنان لكى يتناولوا طعام الغداء
عندما يرضي الله عز وجل عن الزوج فيرزقه بالزوجة الصالحة.
فَقَدْ قَالَ النبيُّ ﷺ فِي بَيَانِ صِفَاتِ المَرْأَةِ الصَّالِحَةِ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ, الَّتِي إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ, وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ». هَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ صِفَاتُ المَرْأَةِ الصَّالِحَةِ التي هي المتاع والسكن والأمان لزوجها
وهي التي أمر بها نبينا الكريم في قوله عندما سأله المهاجرون ...
يا رسول الله أي المال نتخذ ؟؟ قال : " ليتخذ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة تعينه على أمر الآخرة " (رواه أحمد ، وابن ماجه و الترمذي) .
ويكون منها من المودة والرحمة ما امتنَّ الله تعالى بها في كتابه تلك هي الصفات التى اتسمت بها سماح فى حياتها مع ابراهيم فكانت مثالاً يُحتذي به فى المحبة والمودة والرحمة والصبر وكانت المرأة التي تُعين زوجها على متاعب الدنيا وتخفيف همها .
فى مطار القاهر الدولي
والد مي مسافراً لإحدى الدول الأوروبية لمتابعة أعماله وكانت مي ومحمد بصحبته
والد مي: خلي بالك من نفسك يا حبيبتي وانت يا محمد خلي بالك من بنت عمك.
محمد: متقلقش يا عمي مي في عينيا الاتنين.
مي: حاضر يا بابا وانت كمان خلى بالك من نفسك هتوحشيني اوي.
والد مي: وانتي كمان هتوحشيني اوى .. لو احتاجتي اى حاجه في أي وقت وانا مش موجود اتصلي بمحمد انا مفهمه على كل حاجه.
مي: حاضر يا بابا .. ربنا يرجعك بالسلامة ان شاء الله .
والد مي: ان شاء الله ياحبيبتى .. وفى اثناء حديثهم تعلن المذيعة الداخلية عن موعد الرحلة المسافر عليها والدها انها قاربت على الاقلاع.
مي تحتضنه وتودعه وكذلك محمد يسلم على عمه ثم يذهب فى طريقه لكي يستقل الطائرة وتظل مي تحملق وتثبت عينيها عليه حتي اختفي عن انظارهم.
محمد: يلا بقي يا مي عمي خلاص سافر .. يلا علشان اوصلك البيت .
مي: وقد ترقرقت عينيها بالدموع حاضر .. يلا بينا ..
اتجه مي ومحمد الى خارج المطار واستقلا سيارة محمد وفى اثناء توجههم الى المنزل ظلت مي واجمه شارده لم تتفوه بأى كلمة.
محمد: مي .. مالك ساكته ليه كدا وسرحانه فى ايه؟
مي: هاه .. لا ابداً مفيش بس مش عارفه قلقانه ليه على بابا المره دي كدا.
محمد: ايه يا مي هو بابا اول مره يسافر يعنى!
متقلقيش كلها اسبوع ويرجع بالسلامة ان شاء الله.
مي: ان شاء الله وفى اثناء حديثهم يرن هاتف مي معلناً استقبال رساله
مي ممسكه بهاتفها لترى من الذي يحادثها لتجده ذلك الشخص الذي ارسل لها سابقاً وكانت الرسالة محتواها:
في حُب الصّديق البعيد الذي غيبته الأيام سأكتب لكِ شيئاً مهماً، ربما تكون روحي قد عجزت عن لقياكِ، وتكون عيني أيضاً قد عجزت عن رؤياكِ، ولكن قلبي أبداً لم ولن يعجز على أن ينساكِ .
قرأت مي تلك الكلمات وزادت حيرتها اكثر واكثر .. وبدأت تسأل نفسها من هذا الشخص؟ ولماذا يرسل لي تلك الكلمات؟
لاحظ محمد تغير ملامح وجه مي
محمد: مالك يا مي فى حاجه ولا ايه؟
مي: لا لا .. ابداً مفيش حاجه دي واحده صحبتي بتطمن عليا
محمد: اهااا طيب ممكن أطلب منك طلب صغير؟
مي: اه طبعاً أكيد أتفضل.
محمد: ممكن أعزمك على الغدا ونتكلم شويه
مي: تنظر له باستغراب شديد فهو او مره يطلب منها مثل هذا الطلب من قبل!
محمد: ايه مالك سكتي ليه .. مش موافقه؟
مي: لا مش حكاية كدا بس انت عارف اني ...... وصمتت
محمد: انا عارف انى دي اول مره اطلبها منك بس بجد محتاج اتكلم معاكي
مي: بعد تفكير لعدة دقائق .. ماشي موافقه بس ممكن مش النهارده خليها بكره لان عندي مشوار مهم جداً النهارده ولازم اروح لصاحبتي
محمد : وهو يتظاهر بالزعل طيب زي ما تحبي
مي : بحنيه مصطنعة متزعلش منى انا آسفه بس بجد مشوار ضروري
محمد : اوك تمام بس بكره مش هيكون ليكي حجة ونتغدى مع بعض.
مي : خلاص اتفقنا ان شاء الله.
محمد : بابتسامة ان شاء الله.
وبعدها عاد الصمت يخيم عليهم من جديد الى ان وصلا الى المنزل ..
توجهت مي لغرفتها وبدلت ملابسها واستلقت علي فراشها تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن غلبها النعاس.
في صباح اليوم الجديد استيقظت مي مبكراً لتتناول فطورها وتبدأ في تجهيز نفسها لتتجه الى عملها فهي حريصة جدا على الالتزام بالمواعيد، اتصلت بوالدها لكى تطمئن عليه وعلى اخباره وبعدها توجهت الى عملها.
فى منزل الدكتور حسام
والدة حسام: حسام وانت نازل النهارده خدني معاك عايزه اروح اقضي اليوم مع سماح واطمن عليها.
حسام: حاضر يا ماما.
والدة حسام: الاولاد وحشوني وهي كمان وحشتني اوي
مروة: ممكن يا حسام اروح مع ماما النهارده وانت ترجع من المستشفى على هناك ونتغدى كلنا عندها واهو نبقي قضينا يوم معاها عشان متحسش ان في حاجه اتغيرت بعد ما ولدت وبالليل نرجع مع بعض؟
والدة حسام: والله عندك حق يا مروه .. فكرة حلوة اهو يمكن لما نكون كلنا جنبها ذي ما كنا متعودين نتجمع ده يطمنها ويبعد عنها اى تفكير اما لو غيرنا عادتنا هتشك ان في حاجه احنا مخبينها.
حسام: طيب خليني اتصل عليها الاول ونشوف ظروف ابراهيم هو كمان ولو كدا ممكن نآخد بعضنا كلنا ونسافر كام يوم نغير جو.
والدة حسام: طيب تمام فكرة حلوه .. اتصل بيهم وشوف ظروفهم ايه.
حسام ممسكاً هاتفه ليتصل ب سماح
حسام: صباح الخير يا سمسمه
سماح: صباح النور يا قلب سمسمه
حسام ايه الدلع دا كله .. دي مروة مبتدلعنيش كدا
مروه جالسه بجوار حسام لتضربه ضربة غيره ومحبه على كتفه .. وترد .. بقي انا مش بدلعك ماشي يا سي حسام.
سماح: مروة دي عسوله .. ربنا يحفظكم لبعض ويبعد عنكم كل شر ويرزقكم بالذرية الصالحة يا حبيب قلب اختك .
حسام: يااارب .. المهم انتي اخبارك ايه وإبراهيم عامل ايه؟
سماح: الحمد لله كويسين كلنا بخير وابراهيم نزل على شغله من بدرى اووي النهارده لان عنده اجتماع مهم ويمكن يسافر يومين تلاته الغردقة عنده مؤتمر هناك .
حسام: طب حلو اوى جهزي نفسك علشان يمكن ان شاء الله نسافر كلنا كام يوم نغير جو.
سماح: مش عارفه ابراهيم ظروفه اييه وهل هينفع ولا لأ علشان هو هيبقي مسافر تبع الشغل.
حسام: ملكيش دعوة انتي بس بإبراهيم انا هكلمه وهظبط معاه.
سماح: طيب تمام وماما عامله ايه، وحشتني اوي .
حسام: كويسه الحمد لله وبتسلم عليكي اهى عايزه تكلمك
سماح: وصلني بيها عاوزه اطمن عليها واسمع صوتها .
والدة حسام : ألو ازيك ياحبيبتى عامله ايه، وايه اخبار القطط الصغننين؟
سماح: الحمد لله ياماما كلنا بخير الحمد لله
والدة حسام: الحمد لله ربنا يطمني عليكم دايما يارب.
سماح: وانتي اخبارك اى ياست الكل واخبار البت مروة معاكي؟
والدة حسام: كويسه الحمد لله .. مروة دي بنتي التانية وحبيبتي.
وظلا يتبادلان الحديث ويمزحان معاً قرابة النصف ساعه وكان حسام قد توجه ليبدل ملابسه حتي ينزل الى عمله
حسام: انتوا لسه بيتكلموا يلا بقي علشان انزل شغلي .. انا اتأخرت
#يتبع
#نوري