توجهت مي مع محمد نحو الغرفة، دلفوا معا وإذا بها ترى والدها مُمددًا فوق الفراش بين الأجهزة لا حول له ولا قوه لا يشعر بوجودهم .. اقتربت منه وسالت دموعها واغرقت وجنتيها وهي تتحدث إليه ترجوه قائله:
- بابا حبيبي، رد عليا، اوعي تسيبني في الدنيا دي لوحدي، انا مش هعرف اعيش من غيرك لازم ترجعلي تاني، كفاية ماما سابتني من زمان لوحدي ومشيت.
اقترب منها محمد مربتـًا على كتفها قائلا:
- مي، مش ده اللي احنا اتفقنا عليه، كفاية كده يالا بينا نخرج، عمي تعبان ولازم نسيبه يرتاح.
أجابته متوسلة: لأ يا محمد سيبني معاه شويه كمان علشان خاطري
وفجأه صدحت اصوات الأجهزة معلنة توقف القلب، دخلت الممرضة مسرعة لتتفقد المريض ثم طلبت منهم الخروج سريعاً من الغرفة .. ساد التوتر علي وجوه الموجودين بما فيهم الطبيب الذي توجه مسرعاً نحوه يحاول اسعافه ولكن بعد لحظات خرج ليبلغهم
الطبيب: Sorry, the patient died
( نعتذر لقد توفي المريض )
صرخت مي والحزن يعتصر قلبها، بكت بكاء هيستيري لتنطق بوجع: بابا .. باااابااا
ضمها محمد لصدره في محاولة لمواساتها ثم تركها مع المربية رُقيه حتى يقوم بإنهاء اجراءات نقل الجثمان ليتم دفنه في مسقط رأسه
انهي محمد الاجراءات سريعاً وتم نقل الجثمان بالطائرة ودفن في مقابر العائلة، أبلغوا زملاء مي في العمل واتصل ابراهيم بها تليفونياً يستأذن في الحضور للڨيلا لمواساتها والوقوف بجانبها حيث ان الجميع لم يعلموا بالخبر إلا متأخراً حتى ابراهيم عندما غابت عن العمل حاول الاتصال بها ولم يستطع الوصول لها نهائياً إلى أن وصلت للقاهرة بعد ثلاثة أيام من غيابها عن العمل.
ابراهيم: ألو، مي، البقاء لله، شدي حيلك، كان نفسي أكون جنبك بس حاولت اتصل بيكي لما غيبتي ومعرفتش أي خبر غير متأخر .. تسمحيلي أزورك في البيت؟
مي: ازيك يا ابراهيم، سبحان من له الدوام، انا متشكره جدا ليك، البيت بيتك ممكن تتفضل في أي وقت.
- خلاص ان شاء الله .. الساعة 7 مساءً هكون عندك
- إن شاء الله هكون في انتظارك.
سريعاً انتهى النهار ودقت الساعة السابعة، ابراهيم وصل لزيارة مي، جلس بجوارها يتحدث إليها ببعض الكلمات في محاولة لمواساتها
- شدي حيلك يا مي انتي اقوي من كده، بس لازم ترجعي الشغل، الوحدة مش كويسه عليكي وممكن تدخلي في مرحلة اكتئاب فبلاش الاستسلام كله مقدر ومكتوب والحمد لله إنك لحقتي تشوفيه قبل ما يترك الدنيا، لازم تنزلي وتشوفي شغلك واصحابك وتشغلي يومك علشان متتعبيش
بكت مي قائله: ابراهيم، بابا كان كل حياتي بعد وفاة ماما الله يرحمها، وانا مش عارفه هعيش ازاي من بعده.
- الله يرحمه ويرحمها، وانتي هتعيشي معانا وكلنا جنبك ومش هنسيبك، أنا وسماح جنبك ومحمد كمان وداده رُقيه كلنا جنبك، انتي لازم تتغلبي على حزنك وترجعي وسطينا
- حاضر ان شاء الله هحاول، يومين كده وهرجع الشغل تاني بإذن الله.
استأذن ابراهيم في الانصراف وعاد لبيته وسرد لسماح عما دار بينه وبين مي
- بصراحه يا سماح هي صعبانه عليا جدا، ربنا يصبرها
- ان شاء الله هتبقا كويسه، والموت يا حبيبي هو الحاجه الوحيدة الحقيقية في حياتنا، لازم نرضى بالمكتوب علينا، ربنا يصبرها على الفراق بإذن الله، ياله علشان تآكل وترتاح شويه عندك شغل الصبح بدري
- انا مليش نفس لأي حاجه، حاسس اني مخنوق
- مخنوق وانا معاك .. مخنوق وانت ف حضن حبيبتك، طيب ازاي ده؟
نظر لعينيها ووقف ليقترب منها واحتضنها مربتا على ظهرها برفق قائلا:
- ربنا يباركلي فيكي وميحرمنيش من وجودك اللي منور دنيتي وحياتي، ياله علشان ناكل انا بقيت كويس الحمد لله.
____________
في صباح اليوم التالي، استيقظت مي من نومها وتحدثت للمربية رقية قائله:
- داده
- نعم يا قلب داده، عامله اييه النهارده، لأ الحمد لله شكلك أحسن كتير من الأول.
- الحمد لله انا بخير، أنا من فتره كبيره منزلتش الشغل وبفكر انزل النهارده، ايه رأيك؟
بفرحة ارتسمت على وجه المربية وتحدثت قائله: بجد! ده خبر حلو أوي، انزلي شوفي شغلك واصحابك وغيري جو البيت والخنقة دي.
نهضت مي سريعاً تتناول طعام الفطار وبدلت ملابسها وتوجهت للعمل ليستقبلها إبراهيم:
- مي، اهو كده، حمدلله على سلامتك، المكتب نور، عامله ايه دلوقت؟
- انا كويسه الحمد لله بخير، حبيت آجي اشوفكم واكمل الشغل بقا، فكرت في كلامك لقيت ان عندك حق طول ما انا قاعده في البيت لوحدي شايفه بابا وسمعاه وهو بيكلمني وبفتكر كل حاجه كنا بنعملها مع بعض... هزارنا وضحكنا وكلامنا فقولت لأ بقا خليني انزل وسط الناس احسن، ابراهيم عنده حق، واديني نزلت، ايه رأيك بقا في المفاجأة دي؟
- والله احلي مفاجأة .. طيب ياله ورينا همتك عندنا شغل كتير وتقارير كتير لازم تتسلم للمدير.
- حاضر انا جاهزة وهبدأ على طول.
__________
انتهي اليوم سريعاً وعندما دقت ساعة الانصراف طلب ابراهيم من مي ان تقبل عزيمته على الغداء مع اسرته الصغيرة وتمني ان لا ترفض
مي: معلش مش هينفع النهارده داده مستنياني وانا مش مبلغاها ومش عوزاها تقلق وحتى لو اتصلت بيها مش هتقتنع بس ممكن نخليها وقت تاني ان شاء الله.
ابراهيم: طيب خلاص تبلغيها انك بكره هتتغدي معانا ومش هسمح بأي اعذار
- خلاص اتفقنا، ان شاء الله بكره هتغدي معاكم، انا كمان نفسي اشوف سماح والولاد
- خلاص اتفقنا، وسماح كمان كان نفسها تشوفك بس انتي عارفه الظروف معاها بسبب الولاد ملغبطة شويه.
- خلاص أنا هروح لحد عندها.
__________
توجه كل منهم لبيته ليتحدث إبراهيم لزوجته:
- سماح انا عزمت مي تيجي تتغدى معانا بكره ان شاء الله، معلش ملحقتش اقولك قبلها او آخد رأيك، حسيت انها نزلت علشان تبقا وسطنا وتعدي الازمه فقولت هو ده الحل الوحيد.
- بجد عزمتها وهي وافقت، بالعكس انا فرحانه جدا اني هشوفها تاني، انت متعرفش انا حبيتها ازاي والله يا حبيبي ربنا وحده هو اللي عالم باللي في القلوب.
- سبحان الله وهيا كمان قالت أنها حبتك جدا ونفسها تشوفك انتي والولاد.
__________
في اليوم التالي... ابراهيم مع مي في المكتب واتصل حسام ب ابراهيم قائلاً:
- ألو، ازيك يا ابراهيم، ايه اخبارك واخبار سماح والاولاد؟
- الحمد لله الاولاد بخير وسماح كويسه بس انا مش عارف لحد دلوقت اقولها ازاي
- ابراهيم، سماح لازم تعرف لان ميعاد التحاليل والكشف بتاعها فاضل عليه اسبوع واحد بس ومش هينفع نتأخر لازم في الميعاد بالظبط نعمل التحاليل
- طيب ان شاء الله، ربنا يقويني واعرف ابلغها، انا خايف عليها من الزعل، مش قادر اتخيل اني انا اللي هزعلها، حاسس ان روحي بتطلع كل ما افكر انها هتتوجع او هتزعل.
- ان شاء الله ربنا هيقويك وهتقدر تقولها، انت لازم تكون اقوي من كده علشان هي مسنودة عليك ولو حست انك مش قادر هي وقتها هتتعب، فشد حيلك وان شاء الله هتعدي وبعدين انا عارف سماح كويس وعارف انها مؤمنة بالله وبقضائه وهتتقبل الموضوع وهستناك الاسبوع اللي جاي علشان اعاده الكشف، سلام.
- ان شاء الله، سلام.
لاحظت مي تغيير وجه ابراهيم فسألته:
- ابراهيم في حاجه حصلت، في حد بلغك بخبر مش كويس؟
- لا .. لا .. متشغليش نفسك انا كويس.
- كويس! كويس ازاي، لا مش كويس، انت هتخبي عليا، هو احنا مش اصدقاء ولا ايه، ياله احكيلي يمكن نلاقي حل.
- طيب انا هحكيلك علي كل حاجه علشان تقوليلي اعمل ايه، وبدأ في سرد الحكاية واخيراً سألها: قوليلي اعمل ايه وازاي اقولها؟
- كان الله في عونك، اقولك مش احنا النهارده هنروح عندكم البيت، خلاص انت تشتريلها هديه حلوه تكون حاجه هي بتحبها وبعد ما انزل من عندكم انت تقدمهالها على انك بتشكرها على تعبها في شغل البيت وتعبها طول اليوم النهارده وكلمتين حلوين منك طبعاً، وبعدين قولها انا عاوز اتكلم معاكي في موضوع مهم، ومن هنا ابدأ الكلام وقولها ان ده حصل حفاظاً على صحتك واحنا الحمد لله ربنا رزقنا بالأطفال ومش عاوزين اطفال تاني، ربنا يكرمنا فيهم وخلاص المهم انتي وصحتك تكون بخير وكده بقا مش هقولك تقولها كلام حلو علشان متزعلش، انا عارفه انك حنين أوي و كلامك كله حلو، والاكيد ان حبك حلو ومش موجود كتير، استشعر ابراهيم من هذه الكلمات بأن شيء ما يحدث داخلها تجاهه لينظر إليها نظرة مليئة بالأسئلة فشعرت بالتوتر والقلق ا... ا... ا... اقصد ان كلامك حلو
أبعد ابراهيم نظره عنها حتى لا تشعر بالحرج وتحدث: خلاص ماشي، ادعيلي ان الامور تعدي على خير، انتي متعرفيش سماح اول ما بتبص ف عيني بتعرف اني عاوز اتكلم معاها او مخبي عليها حاجه.
- متقلقش إن شاء الله الأمور كلها هتبقى تمام .
انتهي وقت العمل سريعاً، مي بصحبة ابراهيم يختارون هدية لسماح فاختار(خاتم من الفضة على شكل قلب مفرغ، وطلب من البائع ان يقوم بحفر حرفي الألف والسين بداخله) لتتحدث مي قائله:
- الله، تحفة، انت كمان زوقك حلو
فكر إبراهيم للحظات ثم قام بشراء خاتم مماثل له تماماً وأهداه لمي ولكن بدون اي حروف
- لا، لا، انا بس بقولك رأيي، مش علشان تشتري ليا انا كمان واحد
- انا عارف انك بتشاركيني رأيك، وانا عاوز اهديكى واحد، ايه مش هتقبليه مني؟
- ميرسي يا قلبي، ربنا ميحرمنيش منك، استوعبت ما قالته عندما رأت ابراهيم ينظر لها، طيب ياله علشان منتأخرش
ابتسم إبراهيم ابتسامة رضا لشعوره انه نجح في اسعاد مي ولو بشيء بسيط
ابراهيم ومي صعدوا سلم البيت ولاحظت مي ان سماح تفتح الباب قبل وصولهم والغريب ان سماح لم تغير من عاداتها حتى في وجود اي احد ما، فقابلت زوجها بكل حب كما تعودت،
لتشعر مي بقليل من الغيرة، ولكنها حاولت ان تُخفي ما شعرت به حتى لا تلاحظ سماح، وبدأت في رسم ابتسامه على وجهها
سماح بابتسامتها المعتادة التي ترسمها على وجهها البشوش رحبت بمي قائله: اهلاً، اهلاً، البيت نور، تعالي يا مي يا حبيبتي وحشتيني والله.
- ميرسي يا سماح، انتي كمان وحشتيني
جهزت سماح الطعام وتناولوه في جو مليء بالهدوء، قضوا وقتاً طيباً تخلله بعض الفكاهة والضحك ثم استأذنت مي للانصراف حتى تتيح الفرصة لإبراهيم ليتحدث مع سماح كما اتفقوا، وبعد انصرافها توجه ابراهيم إلى غرفته ثم رفع صوته مناديا: سماح.
- حاضر يا حبيبي، انا جيت اهوه
أخرج ابراهيم الخاتم وامسك يدها ثم ألبسها اياه ووضع قبله حانيه فوق يدها ثم على جبينها
شاكرا لها ما فعلته:
- انا تعبتك النهارده معايا، يارب يكون عجبك
احتضنته سماح وهي تضحك والسعادة تظهر على وجهها قائله: الله ده جميل اوي، ربنا يخليك ليا يا حبيبي.
ثم نظرت الي عينيه واختفت ضحكتها لتتساءل: مالك، انت عاوز تقول ايه من زمان ومش عارف تقوله، انا عارفه انك مخبي عليا حاجه من زمان ايه بقا، ياله حالاً تقوووول وتحكي اللي جواك.
ابراهيم بتردد: انا... انااا ..
- على طوووووول قول ياله.
- حاضر
#يتبع
#نوري