اللقاء الأول

22 3 18
                                    

لم يكن هناك من شيء مميز، الباص نفسه والمقاعد نفسها، الرائحة الشبيهة برائحة مسحوق الغسيل المفضل لدي ذاتها أيضا.

حتى الشخص الجالس إلى جانبي مألوف جداً، ليست أول مرة أراه بها، ما اختلف به إلا مكان جلوسه، وأني بجانبه الآن.

كان يرتدي بلوزة زرقاء صيفية، وتسللت بضع خصلات من شعره البني الأشعث إلى ما أسفل نظارته المدورة..
وجهٌ مليء بالحبوب وملامح لطيفة أشبه بملامح طفل.

لم ينقضِ دقائق على انطلاق الحافلة حتى مال برأسه على المقعد المقابل له مستعدا للنوم...

أما بالنسبة لي فقررت أن أقضي بعض الوقت محدقة بالعالم خارج النافذة...

"لما قد يجلس بجانب الشباك ان كان سينام، كم كان جميلا لو كنت مكانه.. "
فكرت بسخط وأنا انظر لجسده المرتخي على المقعد الذي أمامه ثم عدت بنظري إلى الشباك وقد بدأت الشمس تبزغ بالفعل.

مع مرور وقت لم أكن بقادرة على تقديره بدأت أشعر بثقل في رأسي، وعيناي باتتا ترفضان أن تفتحا، وما هي بثوان حتى غرقت في النوم.

ما حصل باقي الطريق غير مهم، كلانا كان مغيب عن الوعي... أو هذا ما كنت أظنه.

رمشت قليلا ثم فتحت عيناي أخيرا بعد عدة محاولات، وكل ما رأيته كان فضاءا ازرق واسع وكرة شعر تهيأ لي أنها جبل.

كنت قد استيقظت للتو فأخذني الأمر بعض الوقت لادرك...
آه... أنا نائمة على ظهره.

عند وصولي لهذا الاستنتاج قفزت من مكاني بفزع وعدلت إلى مقعدي ، وفقط بينما كنت أصلي أن يكون نومه عميقا بما فيه الكفاية كي لا يشعر بثقل رأسي على ظهره، نهض هو الآخر جاعلا الوقت بين نهوضنا ثوان معدودة.

لقد كان مستيقظا حتماً منذ وقت وحده الله ثم هو يعلمان به.

لكنه كان يملك من اللباقة ما يكفي ليستدير بنظره إلى الشباك بصمت، "كل شيء طبيعي لا تصدري ضجة" هكذا لاح لي أنه يقول من أفعاله، فما كان لي سوى أن انظر للجهة المعاكسة له بصمت رافقنا كل المسافة الباقية من الطريق .

هويته ومن هو ما تزال مجهولة ، لكني ما زلت أعود بذاكرتي إلى هذا الموقف بالتحديد وأضحك.

مجرد قصاصاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن