ذات فجرٍ مثلج.. (نلتقي مجدداً)

18 3 17
                                    

لم تتقاطع طرقنا من جديد بعد الموقف السابق ، أم أنها تقاطعت لكني كنت استمر بالهرب... لا أعلم.

مرت شهور على الموقف، لم يخطر لأحدنا أن يبادر ويحادث الآخر...

أو أننا وجدنا أن مبادرة كهذه كانت فقط غير ضرورية، حتى بالكاد تحدثنا قليلا بعد مضي فترة طويلة...

-هل هذا المقعد شاغر؟

حدق إلي وهو يشير بيده إلى المقعد بجواري موسعاً بنيتاه، وبالأخرى كان يحمل حقيبته الجلدية الكبيرة، ابتسمت بإحراج وأخبرته بلطف أن الكرسي محجوز بالفعل لصديقتي وأنها تنتظر بجوار متجر المعجنات القريب منا؛ ليهز رأسه عند هذا الجواب ويفتح إحدى الكراسي المتحركة ويجلس عليها.

شعرت بعدم راحته فازحت حقيبتي ونظرت له..

-بالتفكير بالأمر يمكن لصديقتي أن تركب الحافلة الأخرى، تفضل بالجلوس.

ابتسمت بود استقبله هو برحابة صدر قافزا إلى المقعد بجواري، وشكره البسيط كان أكثر من كافٍ.

انطلقت الحافلة بعد فترة قصيرة، ليطالبني أحد الركاب بأن أفتح الشباك الذي بجواري قليلا، وفي خضم العملية أوقعت هاتفي بين المقعد والشباك، و بينما كنت أحاول إخراجه وجدت الشاب بجواري، والذي كان لا يزال مجهول الهوية بالنسبة لي قد أشعل الفلاش في هاتفه وبدا بالبحث أمامه بلهفة، كان يبحث في مكان بعيد جدا عن مكان وقوع الهاتف وأي عاقل سيرى هذا لذا توقفت عند استنتاجي أنه قد فقد شيئا ما.

-هل تبحث عن شيء؟

سالت عندما وجدت أنه لا يزال مرتبكاً بالبحث عن هذا الغرض الضائع، وقد وجدت هاتفي بالفعل..

-يبدو لي أني لا أستطيع أن أجد هاتفك في أي مكان.

تكلم بإحباط، صوته هادئ رغم إحباطه و دافئ... يشبهه كثيراً.
-هاتفي ؟ لقد وجدته بالفعل! خلتك تبحث عن أمر آخر لذا لم أتدخل.

أجبت ضاحكة، لكن بدا عليه أنه لم يفهم سبب ضحكتي هذه، و اكتفى بأن يطفئ ضوء الفلاش ويعود لدراسته.

قضيت بعض الوقت اراقب تحركاته، لكن ما كان هنالك من شيء يستحق المراقبة فعلاً، جلسته وتعابير وجهه لم تتغير طيلة الوقت وهو بكامل التركيز فيما يدرسه، الذي تبين لي أنه شيء متعلق بخلايا الدم، سرعان ما مللت مراقبته، استدرت إلى الشباك بغية مراقبة الطبيعة خارج هذا الزجاج، لكنها كانت ثوان قبل أن أغط في النوم مجدداً..

استيقظت من جديد على صوت السائق يخبرنا أن ننظر من النافذة، استدرت إليه... ما زال يدرس؛ هل تحرك حتى؟

حولت بنظري إلى الشباك... كل شيء أبيض!
عند رؤيتي لمشهد الثلج خارجاً، عدلت جلستي بلهفة واسندت براسي على الشباك ، هذه المرة الأولى التي أرى الثلج بها.

نظرت إليه مجددا...

هو ينظر إلى الشباك هذه المرة، ابتسمت وعدت بنظري للعالم الأبيض خارجا... كانت تمطر قليلا.

صوت قطرات المطر التي تضرب النافذة، الثلج الذي يبدو كأنه كرات قطن صغيرة متراكمة على مساحات واسعة، الدفء اللطيف في الحافلة المعاكس تماما لطبيعة الجو خارجا، و وجود هذا المجهول المجتهد بجواري الذي كان يبعث نوعا من الشعور بالأمان.

ابتسمت بغبطة وعدت للنوم وأنا أشعر بحرارة في وجهي من فرط السعادة، إنها تلك الأشياء الصغيرة التي جعلت من قلبي حديقة.

مجرد قصاصاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن