دخلت وانيتا بعد الظهر جناح لورا لتطمأن من أنها قد تناولت إفطارها الذي تركته لها هذا الصباح لكنها وجدت أن لورا لم تلمس شيئا من إفطارها و وجدتها بصعوبة بسبب الظلام مستلقية على الفراش .. اقتربت منها و همست
- " يا آنسة .. هل أنت مستيقظة "
لكن لورا لم تجبها .. فتركتها وانيتا و غادرت الحجرة ..- " نانيرا إيزابيل "
- " نعم يا وانيتا ماذا تريدين ؟! "
- " إن الآنسة آغنر لم تلمس شيئا من إفطارها الذي وضعته لها هذا الصباح و لا تزال نائمة و لم تجبني "
- " لعلها نائمة بالفعل بعد أن سهرت طوال الليل تشعر بالخزي و العار "
- " لا أعتقد ذلك يا نانيرا فهي مهما طال سهرها تستيقظ باكرا "
- " لا تقلقي عليها إنها نمرة متوحشة و لن تموت من الجوع "
ابتعدت نانيرا و هي تتذمر من تلك الوقحة .. آغنرلكن وانيتا بدأت تقلق كثيرا عندما دخلت جناح لورا في المساء لتجد الغرفة مظلمة و لورا لم تتحرك من مكانها و لم تلمس صينية الإفطار .. اقتربت منها مرة أخرى و وضعت يدها لتهزها فشهقت و أبعدت يدها بسرعة.. يا إلهي إنها ساخنة كالنار..
ركضت وانيتا و طرقت باب جناح الدوق فدعاها للدخول رفع رأسه عن الأوراق و الملفات التي أمامه و نظر باتجاه وانيتا المفزوعة
- " وانيتا ماذا لديك ؟! "
- " آسفة يا سيدي لإزعاجك لكن الآنسة لورا ليست على ما يرام "
- " ما بها ؟! "
- " لم تلمس إفطارها و لم تغادر فراشها حتى ..و عندما وضعت يدي لأوقظها وجدتها ساخنة جدا .. لعلها مصابة بالحمى يا سيدي"اعتصر قلب باتريك فقد يكون هو السبب إن أصابها مكروه .. هب ليلقي نظرة عليها.. دخل حجرتها و اقترب من فراشها كانت متكورة و ملتحفة بالغطاء.. و نائمة.. مثل الحسناء النائمة .. وضع كفه على جبينها يتلمس حرارتها فاحترقت يداه و أبعدها بسرعة .. و قال هامسا إلى وانيتا حتى لا يوقظ لورا
- " اتصلي بالطبيب و أخبريه أن يأتي حالا "
- " حسنا سيدي "خرجت من الحجرة و بقي هو مع لورا وحدهما .. مسح على رأسها و قال بصوت منخفض
- " لورا ... لورا .. استيقظي "فتحت عيناها بتثاقل و نظرت إلى صورة مهزوزة و مظلمة و غير واضحة لباتريك و كانت تسمع صوته يقترب ثم يبتعد و ينادي باسمها .. قرب وجهه من وجهها حتى تراه بوضوح .. أغمضت عينيها مرة أخرى فوضع يده بيدها يهزها لعلها تستفيق مرة أخرى
- " لا يا لورا لا تغمضي عيناك ..استيقظي "
فتحت عين واحدة بصعوبة لتجد صورة باتريك لا تزال موجودة و كذلك صوته .. لعلها تحلم .. ضغط على يدها و أكد ذلك لها بأنه باتريك بلحمه و شحمة و ليس حلما .. فقالت بصوت مرتجف و بالكاد يسمع
- " باتريك .. أنا لم .. مع.. دان.."
وضع سبابته على شفتيها
- " اشششش .. أعرف ذلك .. ارتاحي"
أغمضت عيناها مرة أخرى فجلس على الفراش و أخذ يمسح على رأسها و لا شعوريا ارتسمت ابتسامة ارتياح على محياه ..دخلت وانيتا و قالت
- " لقد اتصلت بكل الأطباء الذين استطعت الحصول على أرقامهم لكن لا أحد منهم يرد إلا الطبيب جيوفاني و قال لي أن اعتذر منك لأنه يسكن بعيدا جدا عن القصر و قال أنه يستطيع أن يكون هنا في الصباح الباكر "
- " حسنا إذا يجب أن نعمل على تخفيف حرارتها.. اذهبي و احضري إناء ماء و مكعبات ثلج و أحضري مناشف صغيرة.."
- " حسنا "
ضغطت لورا على يده و أصدرت أنينا .. رأى دمعة تنزل على خدها .. فمسحها بطرف إبهامه
- " ستكونين بخير يا لورا "
- " باتريك "
- " ماذا يا عز**.. يا لورا ؟! "
- " سأغادر.. "
و فجأة غابت عن الوعي .. فتح عينيه باتساع و رفع ظهرها ليجلسها و أخذ يلطم وجهها حتى تستفيق .. إنها تدخل في نوبة الحمى ..
- " لا يا لورا .. استفيقي .. أرجوك .. لورا ... "
ثم صرخ عاليا ينادي وانيتا ..
- وانيتا ... أسرعي "
بدأت تتهالك بين يديه .. و بسرعة تصرف و حملها و دخل بها إلى الحوض و فتح عليها الماء البارد.. شهقت و أخذت تهتز و ترتعش .. ضمها إليه و هو يمسح على شعرها و يقبل رأسها..
- " لورا .. افتحي عينيك أرجوك "دخلت وانيتا و رأت منظرا لم تره في حياتها من قبل .. الدوق جالسا في حوض الاستحمام و بين يديه فتاة بين الحياة و الموت يمسح على رأسها و يقبلها !!!
انتبه لوجود وانيتا فقال برباطة جأش
- " هيا ألقي مكعبات الثلج بالحوض "
- " لكن .. "
- " هيا وانيتا "
فعلت ما أمرها و ألقت بمكعبات الثلج بالماء .. ازدادت برودة الماء و أخذت لورا ترتجف و شعر هو بتجمد أطرافه لكنه تحمل ..
شيئا فشيئا بدأت لورا تستعيد وعيها و تفتح عينيها .. رأت يد رجل تحوط صدرها و صرها و شعرت بوجود شخص ما خلفها .. فبدأت بالهسترة و أخذت تصرخ و تضرب باتريك بقوة
- " اتركني يا قذر ..اتركني.. ابتعد عني .. ابتعد .."
- " لورا .. لورا .. اهدئي .. إنه أنا باتريك "
اقتربت وانيتا منها و أمسكت رأسها حتى تجعلها تنتبه لها ..
- " توقفي يا آنسة.. أنت بين أيد أمينة "
بالفعل توقفت و قلبها ينبض بسرعة غير طبيعية .. لفت رأسها لتجد نفسها مستندة على صدر باتريك و هما الاثنان في حوض استحمام و الماء بارد كالصقيع .. قالت بخوف
- " ما الذي يحدث هنا ؟! "
ابتسم لها و هو يرتجف و قد تحولت شفتاه إلى اللون الأزرق لكنه قال مهدئا
- " كنت فاقدة الوعي و حرارتك مرتفعة جدا .. و بدأت تدخلين في نوبة "
نظرت بين عينيه لتجد لأول مرة دفئا غير طبيعي على الرغم من برودة الماء ..كما رأت ابتسامة صغيرة صادقة أخبرتها بأنه يهتم بها و يقلق عليها .. ألقت بجسدها عليه و بكت.. ضمها إلى صدره و هو يربت على كتفها
- " اششش .. اهدئي يا لورا .. أنت بخير الآن"
أعطى وانيتا نظرة لتغادر فخرجت بسرعة و تركتهما وحدهما ..
لا تعرف لم كانت تبكي !! .. آه صحيح لما شعرت به بالأمس من خزي .. لأنه ظن بأنها قد أخطأت مع داني !! و لأنها كانت متعبة جدا ..
ظلت بين يديه لفترة وجيزة ثم رفعت رأسها و بدأت ترتجف و كذلك هو كان يرتعش و اصطكت أسنانه و ما هي إلا لحظات حتى انهمر على الاثنان ضحك مفاجئ و أخذا يضحكان حتى امتلأت عيناهما بالدموع .. ثم توقفا فجأة و أخذا يتبادلان نظرات الافتتان و الإعجاب التي قطعها هو بأن استقام واقفا و خرج من الحوض فتقطر الماء من ثيابه التي التصقت بجسده ليأتي بمنشفة و يضعها حول لورا التي ترتدي قميص نوم خفيف و أصبح شفاف بفعل الماء فكشف جسدها لكنه بسرعة أشاح عن النظر إلى جسدها .. فهو يعرف بانه لن يستطيع مقاومتها أكثر من ذلك .. ساعدها على النهوض دون أن ينظر إلى عينيها.. ثم اخذ منشفة لنفسه و وضعها على كتفه ..
- " كيف تشعرين الآن يا آنسة ؟! "بخير .. شكرا لك .."
- " أنت مصابة بالحمى .. درجة حرارتك كانت مرتفعة جدا .. أتمنى أن ترتاحي و تتناولي وجبة عشاء و غدا سيأتي الطبيب ليفحصك "
أومأت برأسها .. إنها لا تريد أن تسمع هذا الكلام منه .. لا تريد وجبة عشاء و لا أي شيء غير أن تبقى نائمة على صدره ..بعد ذلك فتح الباب و نادى على وانيتا ..
- " وانيتا ساعدي آنسة آغنر بتغير ثيابها إلى أخرى جافة ثم أحضري لها طعام للعشاء "
- " حسنا سيدي "
- " أبقي معها الليلة "
- " حاضر "ألقى نظرة خاطفة عليها و سرعان ما أشاح بنظره عنها عندما وجدها تحملق فيه بحزن و قد تجمعت الدموع في عينيها.... و كأنها تعاتبه بنظراتها .. بل هذا ما كانت تفعله .. تريده أن يبقى .. أن يعترف لها بشيء .. لكنه غادر بهدوء .. آلمها قلبها و كأنه خلع من صدرها و غادرها معه .. يا إلهي إنها واقعة في الحب !!
أنت تقرأ
لورا و الدوق الأسباني / ماري روك (رواية مكتوبة )
Romanceوميض آلات التصوير جعلت عقله يومض من جديد ..عاد تفكيره أسابيع للوراء .. حيث كان واقفا في قاعة المطار.. عندما لمحت عيناه امرأة.. ظن للوهلة الأولى بأنها لا تستطيع أن تراه .. لكن عندما ابتسمت له أيقن بأنه وقع في غرامها .. إذا لقد أحب نفس الشخص مرتين...