الفصل العاشر
"قبل عدة ساعات"
كان يوما بهيجاً من بدايته فهو يوم حفل زفاف أبو نور وأم مينا ....لقد انشغل الجميع بالتحضير له ...ارتدت أم مينا فستان ابيضاً لا مبهرجاً او متكلفاً وجعلت نمارق ترتدي فستان أبيض قصير مثلها لتفك حزنها بعد ما لبست السواد طويلاً ...اخذتها معها للصالون وضعوا لها مساحيق الزينة وطلبت أم مينا أن يقصوا شعرها تدرجات ويصبغوه باللون الأسود الفاحم ....كانت تبدو مختلفة ورائعة احست نمارق وهي تنظر لهيئتها برضى لم تعرفه قبلاً لتكتمل ثقتها بنفسها وهي ترمي النظارات نهائياً وتبدلها بعدساتها اللاصقة ...كانت تختطف نظرة كل فترة للمرآة تمسد شعرها الناعم !!كيف جعلوه هكذا وفستانها ما أروعه كانت تراه فقط بالتلفاز ...تطلعت حولها بالمزرعة حتى لا يراها احد لتدور حتى يدور الفستان معها... والحذاء الابيض العالي كم هو أنيق انها تشعر الآن بما تشعر به الفتيات من سعادة لمجرد اقتناء وارتداء أشياء بسيطة كهذه, هدايا العروسان اليها اليوم جعلتها تشعر بسعادة تماثل سعادة طفل حصل على لعبة جديدة....حل المساء اجتمعوا بالغرفة الكبرى بالمزرعة, غرفة لا يعرف ما جرى فيها سوى نمارق ... لكنها الان لم تعد ترهب أو تخاف من ذكرياتها فهي تجعلها عصيّة على زمانها... قوية لمواجهته وقادرة على تركه خلفها...الان أصبحت تعمل في شركة صغيرة حيث دبر لها أبو نور العمل وهي جد مصممة للمضي قدماً بحياتها... وقفت بالزاوية تتابع الحفل البسيط.... علت الموسيقى والزغاريد, وصل عدد من اقارب الخالة مكية وأبو نور.... الرجال والشباب باتوا ينظرون لنمارق بأعجاب واضح ....لأول مرة تتلقى مثل تلك النظرات!! لكنها لم تزعجها بل و يا للعجب أرضتها فهم لا ينظرون بوقاحة او بإهانة و مؤكد هي لا تريد ان تجذبهم أو تثير اعجابهم بل فقط أشعروها انها ما زالت أنثى......ليدخل غضنفر يهتف بتبريكاته لأبو نور من باب الغرفة ويسلم على الضيوف بتواضع... كان أنيقا جداً وطغى على رجال الغرفة جميعاً... جلب معه الكيك والحلويات لتتجمع الصغيرات يقفزن حوله فيسايرهن....اما الفتيات الشابات ابتسمن بهيام له وهو يحيهن ويمازحهن ونمارق تنظر اليهن بسخرية لكنها وفجاءة اعطتهن العذر!!....شاهدت نظرته اليها لكنه ادار عينه بسرعة !!حسناً لو كان نظر اليها كما يفعل البقية كانت ستغضب ... لا داعي لتلقي الاعجاب منه ..إعجابه سيكون كفتح جرح هو مسببه لتعبس فجاءة تحدث نفسها
"ما بك أنت توليه اهتماماً غريب اهو بسبب البغض من شخصه القديم "الطالح" الذي سحقك كالحشرة دنسك واشمئز من أنوثتك و جعلك تكرهين جنسك!! ام أنه الاعجاب بشخصه الجديد "الصالح" والذي جعلك تستعيدين الثقة بنفسك ولو قليلاً الشخص الذي يجعل اقل فتاة جمالاً وحسباً وتعليماً تواجه الحياة بصدر رحب متغلبة على الصعاب وواثقة وراضية بما اعطاها الله...فهو بنظرة وكلمة مشجعة واحدة يقلب الموازين!! كل تفكيرها نحوه يؤدي لطريق كئيب لذا اوقفت خيالها المزعج وعادت للواقع تسايره مبتسمة!!...بدأ العروسان السعيدان يرقصان وهي تصفق من اجلهما مستمعة بالجو حولها تبدو للعيان الأن أنها فتاة طبيعية لن يشك أحد بأن من مثلها تحمل ندوب أليمة.
منذ رآها عصرا تدور بفستانها وشاهد ابتسامتها وهو حاله مقلوب... كم تمنى لو انه أحد الشباب بالغرفة يشعر بوجع أخر انها شيء محرم عليه ....لو لم يكن غضنفر عز الدين كان على الاقل استطاع أن يعجب بها ويحبها ويعبر عن ذلك دون خجل وخوف ...اكتسى الحزن ملامحه وهو يخطف تلك النظرات السريعة لوجهها من فينة لأخرى ....هذا اذاً هو عقابك يا غضنفر بهذه الحياة.... شاهد احد الشباب يتوجه نحوها لابد انه سيطلب مراقصتها خصوصاً وكل رجل بدأ بسحب اما زوجة أو خطيبة ويرقص ...انها الآن مطمع العزاب لأنها الاجمل هنا.... هو ليس له سلطة ليمنعها لكنها ليست بوضع يسمح لها بذلك التحرش المقرف من قبل أي واحد منهم... ستكتئب وستحس بالإهانة وستعود الذكرى تمزقها بالأخص انها تقف بالغرفة السوداء...لولا أن أم مينا فاجأته بتزيين الغرفة لم يكن ليرضى ان تتألم نمارق بالدخول اليها..... هرول مسرعاً للشاب ليبعده هتف بحدة من خلفه
"اذهب لتجد رفيقة أخرى...الأنسة لا تحب هذه الأمور "
احمرّ الشاب خجلاً وابتعد من فوره لقد اهتاب من نظرات غضنفر.....نظر اليها معتقداً انه فعل خيراً بمساعدتها ليجدها مكفهرة الملامح
"من قال أني لا أحب هذه الامور!!"
فتح فمه بذهول "هل تحبين الرقص!!"
شهقت وبان استياءها
"لقد كان يسألني ما نوع الكتب التي اقرأها!!شكراً لك... حرمتني من محادثة شخص مثقف ومهتم بأمور انا مهتمة بها"
تركته لتجلس مع العروسان على طاولتهم لم يتحرك من مكانه ويشعر بأنه يريد ركل نفسه الآن.
انظم اليهم غضنفر بعد مدة حتى استعاد رباطة جأشه ليصحح فعلته
"لم أعرف انك تحبين القراءة!! هنالك مكتبة ان أحببت........."
"لا ..لا أحب........"
صدها ورفضها جعل من على المائدة ينتبه لتصرفها بينما هو صمت
يشغل نفسه بالنظر للفتيات الصغيرات يرقصن وسط الغرفة وبان الاحمرار على وجه ....لا تعرف نمارق لما بعد مشاهدته بوضع محرج ارادت التبرير له أهو غباء أم ماذا!!
"فقط..... ليس لي مزاج للقراءة حالياً"
التفت اليها لم يتوقع أن ترد عليه او تعبّره برد !!لتنتبه لأبو نور يسألها
"تحبين القراءة !!"
"قبل سنوات في .."
صمتت تنظر لغضنفر هل أخبرهم أنها كانت منفية يا ترى !!على العموم ستتحدث بشكل مبهم
" عندما كنت بالغربة ولأن عملي كان يجعلني أسهر كثيراً كنت اقتني كتبا عربية بين الحين والأخر وأسلي نفسي بعدها أصبح شغف.... صحيح لم أكمل تعليمي لكني لم أكن اريد البقاء جاهلة والحمد لله اكتشفت متعة بالكتب اغنتني وواستني بأيامي العصيبة "
لتضيف بفخر بالشيء الوحيد الذي لم تندم على فعله بحياتها
"كنت اغذي عقلي ... علمت أن هذا الشي سيجعلني اتنفس وأتحمل فالقراءة قوة للمرأة لا تعرف الكثيرات استغلالها....لذلك حرص الرجال قديماً وحديثاً على جعل المرأة تفعل كل شيء الا أن تقرأ!! يفهمونها أنها لو أرادت الحرية ومساواتهم فلتحرر جسدها لا عقلها .... لأنهم ببساطة يعرفون أنه سلاح سيفتك بالعنصرية الذكورية المقيتة"
ضحكت أم مينا بينما أومأ ابو نور محرجاً... اعتقد أنها مجرد خادمة .... اتضح أنها مثقفة ومن النوع القوي بالمناقشة تساءل لما كانت تبدو خائفة و ضعيفة وهي ليست كذلك!!ليمازحها
"الحمد لله الرجال هنا يسمحون لزوجاتهم ان يقرأن صدقيني "
استفسرت أم مينا
" هل قابلت من هؤلاء المتخلفين بحياتك!!"
اغمضت نمارق عينيها وبدأت تعد من قابلت طوال عشر سنوات لتسال أم مينا بقصد
"والسيد غضنفر!! الأن بتِ تعرفينه هل هو من هؤلاء !!"
نظر غضنفر ناحيتها هو يعرف الجواب.... هو بالنسبة اليها ألعن من المتخلفين والمتسلطين فهو يقف أعلى القائمة متصدرها ليأتي جوابها بسرعة عجيبة
"لا... ليس منهم!!"
ام مينا وأبو نور كانوا يعرفون ابتسموا برضا لينهضوا من الطاولة يسلموا على من وصل من ضيوفهم ...بينما غضنفر ينظر اليها مندهشاً
"لما كذبت!! لا تجاملي لأنهم يحترموني قولي الحقيقة ها أنت اليوم تظهرين شجاعة لامثيل لها وتبهرين الجميع"
هزت رأسها بكبرياء
"لم اكذب عليهم... انت فعلاً لست من النوع الذي يحرم امرأة من التعلم أو العمل او الاستقلالية بحياتها ...حتى انك لست من النوع الذي يضرب أو يعاقب زوجة أو اخت مهما فعلن بك وتحترم موظفاتك وتقوم بحمايتهن اذا علمت بوقع الظلم عليهن "
شخر بيأس غير مصدق ما يسمع
"تعرفين ما أقصد لم أقصد شخصي هذا بل من ..."
"لقد مات ..."
حدق بها عابساً لتضيف بقناعة
"ذلك الشخص المجرم الذي اغتصبني هنا وبعدها حاول قتلي بالمحكمة ومن ثم لحقني لبيتي ليكمل مهمته القذرة مات .....أنا قررت قتله بعقلي فهو لم يعد موجوداً... انا لا اشعر به حولي مطلقاً لذلك لا تأتي على ذكره مرة أخرى"
بعد هذا الحديث أجزم أنها قد جُنت .... أجل بعد كل ما مرت به ها هو جعل نمارق مجنونة.
..........................
نادت الخالة مكية الجميع للوقوف حيث سيقوم العروسان بتقطيع الكعكة ....بعض الشباب جلبوا الكعكة من المطبخ ومنضدة ليضعوها قرب الخدش لينهر غضنفر
"لنقف بالجهة الاخرى"
نظر لأسفل ليجدها تقف بحذائها على الخدش متعمدة !!رفعت أحد حاجبيها
"أنت لا تصدقني صح !! لقد اخذت بنصيحتك ولم أعد تلك النمارق الضعيفة "
طلبت أن يكمل الشباب عملهم لينفذ الجميع ما ارادته.... بدأت الخالة بتوزيع الصحون لتوجه اليها دعوة صادقة
"يوم عرسك حبيبتي وأتمنى ان أكون حاضرة.... مناي رؤيتك سعيدة مع من يستحقك"
ابتسمت أم مينا
"اعتقد ان نمارق ستتزوج رجل هادئ ورائع وعائلتها ستكون هادئة مثلها "
عقب ابو نور هو الأخر
"انا متأكد انها ستزرع بهم روح المسامحة والأخلاق العالية "
بينما غضنفر التفت ليهمس قربها بعد سماع تخيلاتهم عن مستقبلها
"سيكون منظرا رائعاً للنظر"
توقفت عن أكل قطعة الكيك فلم تفهم ما يقصد ليضيف بنبرة آسى
"اتخيل منظرك بعد سنوات وانتِ تجلسين بحديقة منزلك الدافئ مع زوجك والذي سيكون رجل نبيلاً وشهماً معك ...أراكم تحتسون الشاي عصراً وحولكم أولادكم الصغار يلعبون بسعادة وفرح غامر لا تشغلكم أمور الحياة المعقدة فحياتكم بسيطة وبعيدون كل البعد عن أصحاب القلوب المريضة والحاقدة فزوجك وأطفالك انقياء وقلوبهم بيضاء كبياض قلبك "
شيء مؤلم يتخلل حديثه حتى أن عيونه باتت غائمة ليكمل بحزن عميق
"يا ليتني يومها أطل من بعيد أراكم وابتسم ...يومها لن اقترب وأعكر جوكم الصافي"
رمت صحنها بقوة واستدارت اليه
" مزاحك فعلاً موجع .... انت لا تريدني أن اهنأ ولو دقيقة !!كل مرة تفعل ذلك عمداً لتجعلني اشعر بالذنب!!"
تأوه وهو يراها تهرول بعيداً يهمس لنفسه المكسورة
" لما لم تفهمي أنا لا أمزح أنه فقط حلمي البعيد يا نمارق رؤيتك سعيدة".
.............................
بدأ الناس بالرحيل ....استأذن أبو نور غضنفر المنشغل بمراقبتها يستغل كل ثانية يتمعن بوجهها ولن يفوت أي ابتسامه توجهها لأحد الضيوف
"نريد أخذ الصغيرات وأمي مكية لنحتفل وربما نتأخر كثيراً "
أجابه بإيماءة ليشير بعينيه
"خذوا نمارق لتغير الجو أيضاً"
تمتم ابو نور بأسف
"لقد اخبرتني أنها متعبة .... لا أريد الضغط عليها لقد تعبت كثيرا "
هتفت أم مينا لتجميع الصغيرات اللاتي ما ان سمعن بأمر الخروج توجهن نحو نمارق وهن يحملن ألعابهن ومنها عصيان حرب النجوم التي ابتاعها لهن غضنفر فنور مدمنة على هذه الأمور وعلمت مينا وشقيقاتها عليها حتى ان الكل مستغرب أن كن فتيات حقا!! اتجهن اليها مباشرة لكنها لم تكن منتبهة فاخترقت عصا منهن راحة يدها تراجعت متألمة لينتبه غضنفر أن وراءها صناديق هدايا العرس متكدسة ...تعثرت عرف انها ستقط هب بسرعة لينقذها لكنه تأخر لتسقط قرب الخدش صرخت وجعاً لا يحتمل... شاهد دماء يدها ليرتد للوراء شاحباً وميضا قوي يخترق عقله الأن كالسيف ... صور كثيرة ومزدحمة تتخلله ... نهضت نمارق والكل انتبه لذعره وخوفه عليها...اصبح كل شيء باهت بعقله لوهلة... لم يرهم وهم يساعدونها ولم يسمعهم وهم يصرخون على الصغيرات ولا نمارق تطمئن الجميع وتضحك لأن الغرفة اظلمت و اثاثها بدأ بالاختفاء !!انه غاضب جداً ... ليقفز خيال فتاة ترتدي الأحمر تقف هنا ...تصرخ تارة وتتألم تارة أخرى شخص حقير يجثو على جسدها يكمم فمها وفجاءة تظهر صور أخرى لنفس الفتاة انها تهرب وتختبئ تحت السرير !! بهت لون وجهه بصورة مفزعة .... ربطت نمارق يدها لتحمل مع أم مينا عصا الصغيرات تبعدهم عن مرمى الأقدام وتضحك لكي لا تذعر الفتيات ليضحكوا جميعاً معها... رمش بقوة ثوران يجري داخل روحه يتذكر أنه كان بالمياه لحظات عصيبة ينازع داخل السيارة ليسكن أخيرا...... عاد النور فجاءة قطب جبينه ماذا يحدث أنه يقف بغرفة المزرعة!! ....لما يجد صعوبة بالتذكر ليشاهدها أمامه انها نمارق !!كانت منذ قليل معه أجل ضربته بالعصا بعد أن سحبها من تحت سريرها لكن هذا كان ببيتها !!.... أمسك رأسه انتبه لحركتها وهي ترفع حاجبها بثقة وتبدو مختلفة جداً عن الفتاة المرعوبة حتى أنها ابتسمت له!!يشعر كمن نهض من الموت وغليان أرتفع وشب بروحه وقلبه نظر ليديها أنها تحمل عصا!! رفع حاجبه بغضب مقيت
"نمارق برهان هل جئت لقتلي مرة أخرى!!"
كان يهمس لنفسه..... اطمئن الجميع عليهما وهم يخرجون لم يرد كان يقف كشخص آلي !! لحظات رتبت نمارق الغرفة توجهت نحوه مرتابة لحاله تساءلت هل ستنتابه نوبه!! اقتربت اكثر لوحت بيدها امام وجه لتجعله مصدوم
" أ انت بخير ما بك!!اهي مزحة أخرى لتكدرني!!"
أنها تخاطبه !! ماذا يحدث ليست هي نفسها نمارق واخيراً وجد صوته
"من....من "
تحاول فهم ما يقول دون فائدة هو الأن بمعركة تدور داخل عقله لتنتابه موجه غثيان هرول للحمام يتقيأ وهي تقف مذعورة اخذت هاتفه ....لتتراجع أصابعها عن طلب أبو نور ...لا يمكنها قطع سعادتهم لكن لو ظل على هذا الحال سيصاب بالجفاف دخلت للحمام كان يجلس ارضاً يبدو ان النوبة انتهت لكن حاله سيء لا يستطيع الوقوف!!لأول مرة تعترف لنفسها حاله الأن يحزنها أكثر مما كانت حزينة على حالها!! شعرت أن المظلوم الله يقف دوماً معه يسنده ويقويه دون علمه لكن الآثم عندما يقع لا يجد هذه النعمة ...
"استند علي "
تذكرت ان الطبيب اخبرهم عند تأزم الحالة وفي آخر مراحل حياته ستشل أطرافه ويمكن أن يصاب بالعمى .....نفذ دون وعي اخرجته للحديقة ليلتقط الهواء قليلاً
"اليوم انهكت جسدك كثيراً كم أنت عديم المسؤولية وعنيد"
كانت مازالت تسنده وتمشي ببطء مع خطواته الثقيلة لكن هو كان الآن بالماضي ..مقتطفات مؤلمة يذكرها يشعر بالألم تذكر كيف بعد معاناة طويلة قضاها وحزن لموت حبيبته الغالية نبراس والتي كانت أخر جملتها انها تريده أن يكون زوجها ورجلها اتصلت به لأول مرة ظمياء تخبره من كانت السبب بخسارته..... اعطته عنوان عمارة قديمة ذهب ليشاهد يومها نمارق تدخلها وبقيت ساعات طويلة ....المنطقة والعمارة بالذات تسكنها العاهرات فقط!! احس بالمأساة مثيلات هذه يعشن ونبراس الشريفة تموت يومها ضرب صدره يحس بالذنب فبسبب زوجة أبيه التي رمت والده بالمشفى وحيداً واختفت وجدّه رفض الذهاب تخلى عن يوم خطبته لنبراس وسافر و ظل مع والده لأخر لحظة ...تأخر عليها وكم كان يشعر بالغضب....لكنه حتى مع كذب ظمياء لم يكن لينتقم هو فجاءة صحى واخبروه انهم وجدوه مع نمارق بالمزرعة لا يذكر كل التفاصيل الدقيقة بل مقتطفات.... اعتقد أنها هي من خدعته ليصبح عشيقها ومثلت الصراخ والبكاء الذي يؤرق عقله ... هو اعتقد بالمحكمة أنها دنسته لذا حاول قتلها واخيراً بعد ما اختفت بمدة اتصلت ظمياء مرة أخرى تخبره بعنوانها الجديد!! استفزته وهي تخبره انه عديم الانسانية لترك عاهرة ومجرمة لعبت عليه بالمزرعة والمحكمة واخذت اموال من جده و ها هي تعيش حياتها منتظرة اصطياد رجل ثري أخر وتشويه سمعة عائلة جديدة... لذلك ارسل صديقه ليكتشف الموضوع وفعلاً وجدها بالبلدة ببيت جديد وحياة جديدة هنا قرر قتلها لإراحة العالم منها.... والان بعد ان زالت الغمامة السوداء عرف الكارثة وحجم الذنب ....شعرت نمارق بيده التي على ذراعها وكأنه يطبطب عليها !!عيناه فيها كلام كثير ويبدو شارداً وغريباً... قبل قليل كان يلعب مع الفتيات لولا وقوعها لما تغير حاله !! اه فقط لو يصبر فخطة ابو نور لأخذه للمشفى باتت قريبة لكنه يبدو أنه يستعجل الموت...... اجلسته لتفاجأ من تحديقه المعذب اليها!! لقد تغيرت نظراته المازحة والمعجبة وحتى الساذجة انه يبدو وكأنه يعرف دواخلها...الآن الأمان الذي اكتسبته بقربه بدأ يهتز بسبب ملامحه
"سأتصل بطبيبك أنتظر قليلاً "
هرولت للداخل ليزفر نفسا محبطاً....كل شيء بات حياً هنا.... يشعر بشعور قاتل يهشم روحه لأشلاء... الان يعرف ما فعل يا ليته ظل فاقد للذاكرة .... تلفت حوله يحاول خطف انفاسه بصعوبة ...نهض يتكأ على الحائط ليخرج من المزرعة يشعر وكأن الدنيا تضيق ولا سبيل للنجاة.
.................................
"هو هنا منذ تلك الليلة!! كل يوم يأتي للصلاة ...هل ترين ذلك البناء الذي بدأ حديثاً انه مركز أمر السيد بإنشائه لمساعدة الفقراء والأرامل والأيتام"
نظرت نمارق للمسجد الذي يشير عليه أبو نور والمركز بقربه لترى الاسم وتردد بقوة
"مركز النمارق البيضاء!!"
احنى أبو نور رأسه بعد أن علم اصل الحكاية منه لم يعد قادراً حتى النظر بوجهها هو من جلبها لتسكن قرب مغتصبها... انه يشعر بالقرف من نفسه وايضاً وبنفس الوقت لا يمكنه ان يكره سيده هو شك بالأمر لكن عندما سمعها من لسان غضنفر الذي كان منهاراً منذ ليل الزفاف...علم حجم الوجع أنه عذاب لنمارق ما يحدث هذه الايام ...المشكلة أن غضنفر القديم اسوأ حالاً أنه لا يبدو كجاني يبدو وكأنه المذبوح!! عسى تواجده هنا يلهمه الطريق الصحيح.... قابلو حارسا المسجد رجل وزوجته كانوا ينظفون لتقترب السيدة من نمارق ببشاشة حيتهم ليبادر أبو نور
"مازال هنا اليس كذلك!!"
اومأت بحزن ليتركهم أبو نور متحججاً بعمله هو تعمد جلبها هنا لترى بؤسه ...تبعت السيدة ووقفت خارجاً بفسحة المسجد تنظر من الشباك كان خالياً الا من رجل يفترش سجادته وأمامه القرآن الكريم يقرأ بصوت شجي تمتمت المرأة بقربها
"الحمد لله من بعثه لنا... كثر الفقراء والاغنياء لا يهتموا بأمرنا الا اذا دخلوا عالم السياسة فيأتوا يطالبونا بترشيحهم وبعدها نرمى بسلة المهملات......لكن السيد هنا يساعدنا فك ضيقنا وأدعو الله ان يفك ضيقته تلك التي لا تجعله يستطيع العيش بسعادة!! هو يملك الاموال غيره لكان الأن يعيش ببذخ ورفاهية لابد ان الله يحبه ليجعله يرتاد الجوامع بدل اماكن السوء... ادعي له بطول العمر فهو هبة لنا "
احساس كئيب يختلج روحها ..أنها تطلب ان تدعو له هي لا تريد موته وحاولت على قدر ما تستطيع مع أبو نور ثنيه هي تريده أن يأخذ قصاصه على ماجناه لكن هو من خط نهايته هذه!! وايضاً لا تستطيع الدعاء لا تستطيع فعلاً .....لكن وهي ترى تجمع الفقراء من بعيد مبتهجون وهم يأخذون حصتهم من المساعدات حزنت... الناس هنا سيخسرون شخصا كريماً مثله هم لا يعرفون انه قد حسم أمره همست المرأة
" الان وقته الخاص مع ربه ما دام أنهى القراءة "
"اريد سؤالك يا خالة ان كنت تعرفين هل يغفر الله الذنوب الكبيرة ؟"
أجابت المرأة بهدوء
"نفس سؤاله لشيخ الجامع"
اذا سأل عن أثمه ليعلا فضولها
"اذا ماذا أخبره الشيخ...؟"
"اذكر انه اخبره عن "التوبة" هي سورة بالقرآن ...والله يتوب عن العاصين لو فعلاً كانت نيتهم ذلك و كلنا بشر خطاؤون "
انزلت رأسها تفكر ...هم لا يعرفون حجم الخطيئة اكيد.... تركتها المرأة لتكمل عملها والذي جعل نمارق تحسدهم فجاءة تراهم مطمئنين آمنين من الأشرار قرب الله هنا..... لتسمع أنينه من ورائها استدارت لترى عيناه مليئة بالدموع انه يناجي الله بحرقة وبصوت عالي رافعاً يداه للسماء
" عبدك أثيم يا الله ... عبدك لفته الذنوب يا الله ..عبدك اغرقته الرذائل يا الله.... عبدك نسيك وباع روحه للشيطان يا الله .... خجل من طلب الغفران منك لكنك غفور رحيم رب الاكرمين اكرمني بعفوك يا الله...لا أريد لقائك وانا مذنب طهرني من ذنوبي ...عاقبني بدنياي وبعدها لو غفرت لي فخذني اليك صاف من الآثام يا الله ...يا رب العالمين... يا رب التائبين ... عبدك هنا عاص يريد التوبة فتب علي... مُن علي برضاك فلا شيء أريده الان سوى رضاؤك وبعدها لقياك يا الله.....مناي أن اكون من يفوز بغفرانك من يفوز بحبك من تستقبلهم بجناتك ...ممن سيرون وجهك العظيم يا الله .... اشر علي كيف اصلح خطاياي فانا نادم يا الله.......لا تتركني تائه بدنياي... ملفوف بمعاصي ودموع ضحاياي.... امنحني السكينة يامن لا ترد عبد مهما كان يا الله"
بكى بنشيج عالي يدعو ويناجي بوجع ...بكاءه صداه علا المسجد......ركعت تبكي لم تعد تستطيع السيطرة على موجه الحزن التي تنتابها ....غطت وجهها بالشال حتى لا يراها المستطرقين وكتمت فمها حتى لا يسمعها هو تهمس مع نفسها
"يا ليتني استطيع مساعدتك لكنه صعب ...صعب جدا.. يا الله ساعده انا أشعر بالوجع..لكن وجعي هذه المرة مختلف وبات يؤذيني كثيرا "
تركت المسجد وحالها اسوأ الآن من ذي قبل .
حل المساء تريد أن تراه فوراً دخلت لغرفة المزرعة ...كان هنالك على الارض يفترش الحصيرة وحوله أدوية وأوراق كثيرة لم تعتقد انه رآها فهي مختبئة ومترددة
"لا تقلقي سأموت قريباً حتى ترتاحي من الذهاب والمجيء "
نهض وخرج ككل مرة يفعلها عندما يراها انها تشعر بأنه تغير!!
بنبرة غضب توقفه وهي تلحقه للحديقة
" أنت اناني جداً تريد الراحة والخلاص و يا لك من وقح لتذهب وتطلب المغفرة من الله!! لا تناجيه من الآن لأنه لن يسامح شخص جانٍ مثلك"
نظر اليها بألم واضح لكنه فكر هذا أفضل...لقد عاد كرهها ومقتها له ...اجل أرجوك انتقمي مني اجعليني أتلقى عقابي فما فعلته وانا فاقد للذاكرة ذنب لا يغتفر جعلتك بتصرفاتي الغبية تشفقين وتتناسين وجعك لتكمل باستياء
"شخص قد كتب نهايته ويريد الموت لا اعتقد ان الله سيسامحه أو يغفر له ...الله يريد الانسان أن يعيش ويصلح اخطاءه ويتوب ويصبح صالحاً ويخدم الفقراء والمساكين... ينصر المستضعفين يساعد الأرامل والأيتام لا أن يستسلم ليموت ......هنالك اناس بهذه اللحظة يتمنون لو أن لديهم فرصة النجاة التي تملكها ليعيشوا ويبقوا مع عوائلهم ومن يحبوهم وانت بطر على نعمة ربك هكذا "
استدارت لتسمع نداؤه البائس
"دعيني أموت لأتخلص من ألم ذنبك يا نمارق"
التقت عيناها بعينيه الباكية ....بكى امامها وللمرة الثانية... أنه الان بأشد حالات ضعفه وانهياره هل وصل للنهاية فعلاً ليهمس بقهر زاد كربها
"ارجوكِ انا أتألم كثيراً "
ضرب على صدره بقوة
"أنه يطبق على انفاسي يخنقني... اريد الخلاص فأسمحي لي .. دعيني انهي وجع طال سنون ظلماء فقبلا لم أعرف ماهيته!! جسدي كان يخبرني ما نسيه عقلي!!"
لم تفهم قصده أنها تعيش جحيماً صامتاً وهي تستمع اليه ليتمتم وينهي حقبة ظنت خطأ أنها أنهت حزنها
"أنا اذكر!!"
وضعت كلتا يديها على فمها وتسمرت بمكانها ليضيف بكآبة
"اذكر يوم جنيت عليك ... أذكر رعبك وخوفك وبكاؤك وقهرك يا نمارق ...حتى لو أحرقتني حياً الان فهو لن يكون كافياً لتعويضك عما فعلت"
اسندت نفسها على الحائط شهقات متقطعة يتخللها صوتها الحزين "توقف ...توقف عما تتفوه به لقد مررت بهذا الموقف وانت فاقد للذاكرة لا تفعلها مرة أخرى لا تجعلني أبكي و أتألم "
ابتسامة حزينة رسمت على محياه
"يومها كنت أتحدث عن اثمي دون أن أشعره... لكنه الآن هنا بعقلي وقلبي أعيشه معك أحسه بقوة.... لا تبكي فدموعك هي أسهم قاتلة تمزق هذا وتسحقه"
أشار لقلبه يهز رأسه
" لا استطيع أن أتحمل وجعك بعد الآن"
ابتلعت ريقها ومسحت دموعها تسيطر على صدمتها نظرت نحوه تتصنع حقداً وكرها
"اخبرتك يوم الزفاف انني نسيت كل شيء لا تحاول تذكيري لا تحاول استعطافي بهذه الكلمات... لنعش معاً لحد يوم ارجاع حقي ولنتفرق وبعدها لن تضطر لتحمل وجعي فتوقف عن تمثيل هذه المأساة و ما دمت عدت ذلك المجرم سأنتقل غدا ولتطمئن فما زلت بخير ولن انكسر أو أرهب أمامك"
"لن تستطيعي الكذب علي...أنا كنت هنالك وموجود لما مررت به!!انت لست بخير ولم تنسي بل اقفلت على جروحك بصورة سيئة ... انها ملتهبة وستنخر روحك يوماً ما .... يجب أن تخرجي آلمك لا تكتميه... عيونك وصوتك هنا يرن برأسي وقلبي فيدميه "
دموعهما هي من ردت بعد صمت مرير حل ... لاهي ترد ولا هو بقادر أن يضيف شيئا.... صدمة رهيبة لها بعد أن شعرت بأن الدنيا قد ضحكت بوجهها ها هو يعود ليذكرها ...لكنه محق فعلاً ان جرحها ملتهب لكنها لن تخرجه بل صار لازماً عليها تضميده.
.....................
" انه شيء مهول حدث جعله هكذا"
كان أبو نور يتحدث بحزن ليزيد بؤس هذه الليلة لقد طلبت منه الرحيل من المزرعة لتأتيها المفاجئة التي لم تتوقعها
"بعد ليل زواجي السيد غضنفر حاول فتح قضيتك "
نهضت بسرعة من مكانها لينهض أبو نور معها
"أجل عرفت بالقضية الماضية بصراحة انا شككت بالأمر من زمن لكن لم ارد التدخل ... حتى تذكر السيد وفوجئت انه يطلب محامي الشركة يسأل عن امكانية فتح قضية قديمة!!"
ليكمل بأسف
"ثم تفاجئنا بأن القضية باطلة فلا الدليل الفعلي موجود وكل الملفات المخزنة من عشرة سنوات كلها تؤكد انك لم تغتصبي وأخبرنا غضنفر أنك وعائلتك وقعتم بذلك"
شخرت لتتذكر طعنات عائلتها أجل أجبرت على العملية والتوقيع بعدها متنازلة عن حقها ... مازن لعب جيدا عليها وقتهاوحول قضيتها من مدعية اغتصاب الى حفارة ذهب تبتز عشيقها تنهدت وهي تجلس
" اذا لهذا حاله ساء هكذا... فليتوقف افضل هذا هو القانون كله تم رشيه من قبل جده... "
"لكنه لن يتوقف........."
استغربت تستفسر
"سيفعل شيء وقريبا جداً فغضنفر الذي عاد الينا يبدو أنه لن يرضى بالموت على طاولة عمليات فقط!!"
"ماذا تقصد!! "
" هو عين نفسه قاضي وجلاد والوعد الذي قطعه أخافني ...أخبرني انه سيجرب أخر وأقوى شيء للقصاص من نفسه وبنفس الوقت سيرد حقك الضائع ويجعلك سعيدة"
فكرت مطولاً اذا القانون لم يقتص منه فماذا سيفعل!! هي أيضاً خافت ما الذي يفكر به غضنفر القديم والذي جعلها تتمنى لو يفقد الآن ذاكرته ويعودوا ليعيشوا تلك الأيام الهادئة مرة أخرى.
....................................
أيام كانت على نفس الوتيرة بين صراع نمارق وحيرتها وحزن كبير يعيشه غضنفر يلفه ويعزله عن عالمه وبرأسه فكرة واحدة هي كيف يجاري التيار وينهي مازن قبل نهايته وبين توسلات أبو نور لأقناعه بالعيش والعمل على حياته القادمة بفتح صفحة جديدة دون فائدة الأحوال كانت تقريباً مستقرة حتى جاء يوم غير مسار الجميع وخط أسطر النهاية ...
لم تصدق نمارق وأبو نور يعلن للجميع
"مازن انتهى... وقد أمرت الشرطة بإلقاء القبض عليه لعدم تسديده تلك المبالغ الطائلة لشركائه ....ديونه ضخمة وطبعا ستكون نهايته الحبس لعدة سنوات "
شاهدت رضى الجميع هنا لكنها حزينة لذلك لم تتكلم ...لتأتي مكالمة تغريد المنهارة تستنجد بشقيقها أخيراً .....تطلب المساعدة هي ذاهبة لمازن الآن اخبرته انه بالمصنع اقفل على نفسه بعد أن خسر كل شيء.....انها ذاهبة لتقنعه بتسليم نفسه ليلقى جزاؤه تحدث غضنفر بحزن
" الغبية مازالت على حالها..... علي الذهاب اليها انها شقيقتي وعلي مساندتها "
نظرت نمارق اليه "هل ستعلم الشرطة بمكانه!! "
"اجل فبالنهاية اوصلته لما كنت أريده "
اومأت بألم ودموع لم تعرف كيف تمنعها من النزول
" هذا أفضل فهو لن يتوقف عن أجرامه الا اذا دخل السجن"
ارتدى سترته وهو يتمتم براحة
"أنه مسك الختام انه نصرك الأول وانتظري الباقي.... الكل عليه أن يدفع ثمن خطاياه"
" خذني معك يا غضنفر "
تجهم يرفض ويمنعها من التقدم
"انه خطر عليكِ ...حتى انا لن ادخل سأحاول ايقاف تغريد عن تهورها فقط"
بصعوبة نطقت الكلمات
"لكنه ...يبقى أبن خالتي الشخص الذي فتحت عيني على الحياة فوجدته...... كان هنالك دوماً بجانبي... أريد أن أكون هنالك انظر بعينيه أريد رؤية ندمه وأسفه وتوبته لأسامحه"
تنهد ونسي كم هي ذات قلب حنين لكنه شعر بمرار
"أنه محظوظ لأنه قريبك وستسامحينه لو ندم وتاب "
ابتلعت ريقها هو يحدق بحزن اليها متأكد بانها لن تسامحه أو تغفر له لكنها تريد قولها له تريد أخباره أنه بعد ما فعل وحاول فتح القضية ورجوعه الى الله ومساعدة الناس فهي ستعطيه فرصة وستفكر بمسامحته
"أنا ...."
رفع يده أمامها
"كما أخبرتك بمرآب الشرطة لا اريدك أن تسامحيني وما زلت"
استدار يمنع نفسه بقوة من طلب الغفران والا سيبكيها مرة أخرى !! اخيراً انطلقا لمصير مجهول ولقاء لم يكن يتوقعه أحد.
...............................
يقفان من الصباح ينتظران خروج الخادمة التي عينتها تغريد للاعتناء بجدها الذي تبرأ من احفاده ويرفض أي علاقة تربطهم به....تحدثت رفل بغضب
"اخبرتني أنك ستخرج من السجن بسرعة وانظر كم جعلتني انتظر والآن فكرت بخطة سخيفة كعقلك ليس فيها أي متعة... لو كنت اعرف لجئت من البداية لتسميمه لوحدي دون الحاجة اليك"
ضاقت عينا زهير "لكني أريد ان أشاهده وهو يموت بعيني مثلك لقد اذاني كثيراً"
سحبت نفساً عميقاً
"اليوم يا عز ستموت وبعدها حفيدك...طبعاً لن ارث شيئاً بعد موتهما فسيذهب كل شيء لتغريد بالحالتين ان بقي المال مع مازن أو استعاده غضنفر لذلك علي وعلى أعدائي "
"مازن خسر كل شيء ...لا تخافي تغريد أبنة زنا لن ترث شيئاً ولو مات غضنفر الآن فهي فرصتك أنت فقط لكن على المعاق أن يموت سريعاً قبل انتهاء عدة طلاقك"
ضحكت ....لقد انتظرته أن يموت بالمشافي لكن الأمر لم يحدث لذا عليها التنفيذ بيدها.....أخيراً خرجت الخادمة ليتعدل زهير بوقفته وهو يخرج زجاجة تحوي محلولاً غريب!!
"أتعرفين كم هو غال هذا المنتج لقد استوردته لك ودفعت دولارات كثيرة .....الآن عز سيموت ولن يعرف أحد ما حصل ..خذي وتمتعي "
كان عز الدين يجلس يتفرج على التلفاز شعر بحركة من خلفه وقف ليحاوطاه من كلا جانب ....تجهم وهو يراهما وبدأ بشتمهما ليكتفه زهير فتقوم رفل بفتح فمه وجعلوه يتجرع ما بداخل الزجاجة ضاحكون ..انتظروا يراقبونه كان على الأرض الان ينازع الموت ....قهقهة زهير
"هيا لقد أرضاني ما حدث والمنظر أفضل مما تخيلته "
لتقف دون حراك نار تخرج من عينيها وهي تتذكر كل افعاله الخسيسة حثها زهير
"بسرعة ستعود الخادمة "
تراقب عز الدين بمقت يمد يده يطلب المساعدة لتنحني تلتقط العكاز بهدوء ...ادارته ووجهت حافته فوق رأسه ....ابتسامه خبيثة بانت وهي تنظر لعينيه صرخ زهير
"لا تفعليها سيعرفون أنه لم يمت بنوبة قلبية...توقفي ستكتبين نهايتنا ....."
لم يكمل فها هي توجه ضربات العصا محطمة جمجمته والدماء لم تثنيها بل زادت من غضبها وحقدها... لقد شوهت ملامحه هو مات لكنها مستمرة بضرب رأسه ...كرهها لهم لم يموت أنه مزروع داخل قلبها يجب ان ينتهي كل آل عز الدين أمامها غارقين بدمائهم حتى تفرح وترتاح ....غابت عن واقعها حتى خطف زهير العصا ودفعها بقوة ...مسح بصماتها بملابسه ليسحبها وهي تضحك بهستيريا ويختفيا دون أثر.
............................
"من اخبرك بمكاني !!"
هتفت بغضب اشتياق وخوف وقلق وتوتر تركها تلك المدة لا تعرف مصيره حتى ظنت أنه مات في مكان بعيد وأصبح من الجثث المجهولة الهوية التي لن تعود لعوائلها..... دخلت غرفة مكتبها بالمصنع حيث يقف هنالك بدأت بدفعه بقوة تريده أن يبرر هذا الهروب الغامض!!
"لماذا تركتني أين كنت تلك المدة"
ابعدها عنه بقوة يكتم انفعاله من رؤيتها فأخر شيء يريده في هذا اليوم أن يرى تغريد رد عليها بجفاء
"كنت أبحث عن ما حدث بالماضي ....لم تجيبي من الغبي الذي أخبرك عن مكاني !!"
حزينة وهي تسمع قوله هذا بعد ما أستنزف مشاعرها هما وقهراً لغيابه
"أحدهم أرسل لي رسالة الا تصدق أنظر"
جحظت عيناه لقد عرف الرقم جيداً!! هذا الشخص يعلم أن تغريد نقطة ضعفه لذا بلغها بالأمر لن يسمح له بالمساس بها أبدا عليها الرحيل لتغيظه بكلامها الساذج
" انها بضعة سنوات... لا تقاوم الشرطة والا سيقتلونك أرجوك "
نظرت لزوجها الذي تغير منذ ذلك اليوم أنه ليس بسبب ما يجري معه الان بل ذلك الماضي الذي لا تفهمه .... تحاول اقناعه وهي تمسك ذراعه ليضرب كفها
"ابلغتِ الشرطة عني صحيح!!"
"اخبرت أخي فقط.... يجب أن تعي أنها النهاية لتحاسب عما فعلت وبعدها لتبدا من جديد"
فتح فمه بقوة وهو يسمع كلمة أخي بحب واضح
"اذاً قررتِ بيعي لعدوي رغم اني لم أفعل بك ِما فعله !! حسناً يقولون أن الدم يحن..... لكني يا زوجتي الخائنة لن اذهب للسجن فشقيقك دمر ماضي وحاضري و لو أتى مع الشرطة سأخذ روحه هنا وأمامكِ "
تراجعت برهبة أنه يظهر معدنه الحقيقي كلماته لأول مرة صارت مخيفة أنها حقيقية وخصوصاً وهي تشاهده يلوح بسلاح مخيف... الآن شعرت بغبائها ستنهي أخاها اخرجت هاتفها ليضربه ويقع ارضاً
"كم كنت أتمنى ان لا تكون وغداً.... لكنه طبعك اليس كذلك اخطئت بمجيئي لمحاولة إصلاح أمرك!!"
استدارت للخروج سحبها للداخل بقوة تحاول الافلات من يديه كان الغضب يعتريه.... لا يمكنها اعلام أحد بما يفعله حتى ينهي كل شيء واليوم .... لن تفسد تغريد الأمر حتى لو أضطر منعها بالقوة
" انت ستظلين هنا مفهوم "
عضته من ذراعه بقوة لكنه لم يفلتها
"هي عادتك المقززة ها.... فلتتحملي بضع ساعات"
تقاوم بكل قوتها تبكي وتترجاه أن يتركها هي خائفة منه جداً.... خائفة كما لم تكن من قبل صرخت به
"مجرم مقزز كان يوم رؤيتك اسوأ يوم بحياتي ...حتى انه اسوأ من يوم لقائي بأخي هو على الاقل رجلاً اكثر منك وندم على كل أفعاله أما أنت ..."
صمتت وهو يدفعها للحائط متعمداً ايذائها بحركته وشراراً خطير يخرج من عيناه يتنفس غضباً... هل كانت متهورة وكتبت نهايتها!! لقد ايقظت الوحش بداخله... الوحش الذي لم تصدق بوجوده لقد اخرجت مازن الحقيقي ليتمتم بهدوء مخيف
"يوم لقائنا جعلتني اركع حسناً أركعي وأنا لن أقتله"
لم تتردد كانت ستركع لتزيد استياءه وما زالت تثرثر
"سأركع واقبل قدمك لكن أرجوك فكر ملياً بكل اخطائك عليك..."
شدها بقوه اليه نزع حزامها لتهدد بخوف
"أن مسستني بشعرة سأقتلك بيدي"
ظل ينظر لها مطولاً واخيراً شخر وهو يحاول أن يكمم فمها الذي أكثر ما يزعجه فيها عندما تثرثر به كثيراً دون أن تسكت
"لا تسرحي بخيالك هل تصورتِ أني بمزاج للمسكِ عزيزتي!! تذكري أنا لست أخاك الحيوان الهمجي......أنا لا أفرض نفسي على امرأة مهما كانت.. أنت تشوشين رأسي لذا هذا هو الحل الوحيد حتى يصل من اريد وبعد النهاية سيعثرون عليك "
ابعدت وجهها وهو يحاول لتترجاه بضعف
"ألا يمكنك أن تتراجع وتفكر بي ولو لحظة واحدة !!"
تسمرت يده لن تضعفه بهرائها ....وضعت يديها على صدره وكأنها تريد مناشدة ذلك القلب الذي كان يدق من أجلها اياماً ...القلب الذي لم يكذب عليها يوماً ولبى نداءاتها كثيراً.... أبعد يدها لكنها تشبثت به بقوة تبكي
"انا أحبك... سأنتظرك لأخر الدهر فلتتلقى عقابك بالسجن أرجوك وبعدها لنعش معاً ببداية جديدة"
كان يصر بقوة على أسنانه
"غبية!! ستظلين غبية أنت تعرفين أني استغليتك "
لانت ملامحه وهو ينظر لوجهها المحطم انها سيئة الحظ لأنه ظهر بحياتها ليسمع صوت سيارة بالخارج ركض للشباك ليبان غضنفر أمام البوابة
"شقيقك هذا لم يتوانى عن الحضور سيجعلنا نذهب جميعاً للجحيم "
اقفل الباب عليها صرخت تناديه .....وصلت للشباك ليدخل غضنفر ونمارق معه!! كانت تصرخ تخبرهم الرحيل لكن مازن خرج واصبح ورائهم وصدمته بوجود نمارق كانت لا توصف ليتحدث بغضب
" اذا لحقتم وراء الغبية وطبعاً الشرطة وراكم "
صرخ غضنفر يتمنى قتله وهو يشاهد تغريد وراء النافذة باكية
"لم نبلغ أحد.....جئنا نحاول اقناعك كما أرادت أختي"
انتبه لوجه نمارق الحزين اليوم لا يستطيع أن يرفع عينه بعينيها... كانت تنظر لمسدسه الذي أشار به نحو غضنفر أول رد فعل كان تغريد تمد يدها من بين قضبان الشباك تمسك ذراع شقيقها فهي من جلبته ....والرد الاخر كانت نمارق دون وعي تمسك بذراعه الأخرى بقوة !!تقدم غضنفر يغطي كلا الفتاتين ليضحك مازن بسخرية
"في السابق هاتان الاثنتان كانتا تموتان خوفاً وقهراً ورعباً بسبب جورك وطغيانك واليوم تقفان خلفك خائفتان عليكِ !! أي وضع لعين هذا لتنقلب النفوس فيه!! "
هتف غضنفر ببأس فهو لا يخيفه قيد أنملة
"اسمع انت ايها المخبول حرر تغريد ودعها ونمارق تخرجان و واجهني كرجل دون سلاح ...لا ترهبهما بالحبس والتهديد "
ضحك مازن بيأس
"التنمر على النساء صفتك أنت"
نظر لزوجته التي تستند على الشباك وشقيقها يمسك بيدها يطمئنها
"انا فقط أردت أخافتها لا نية لي لإرهابها!! مع انني احببتها لكنها لا تريدني بعيوبي تريد حبسي وبعدها ستعيش معي ....كلكن سيئات لا يمكن ان أثق بكن.... أن تشبيهن نبراس التي رفضتني لشيء لا ذنب لي به!! وظمياء كانت تبحث فقط عن ما يرضي قلبها الأسود ورفل أرادتني أداة لأنتقم لها ...الكل يبحث عن مصلحته "
بكت تغريد تهز رأسها بخيبة
"بل احببتك لشخصك وبكل عيوبك انت من جعلني بتصرفه الآن اكره نفسي وحبي الأعمى لك "
همست نمارق لتعذبه بقولها
"وانت لم تبحث عن مصلحتك ابداً!!.... ماذا عني عشتم سعداء بخيري ...وأنا عانيت من فقراً مدقع وتحملت الأهوال وسدت كل الأبواب بوجهي وأخر باب كان مفتوح لي هو باب مغتصبي!! "
وكأنه الآن يحمل جبلاً على ظهره لقد انحنى ببؤس شديد ... يريد قولها لكن لا ينفع بعد اليوم ....لن ينفع سوى موتهما وتخليص نمارق من الشياطين حولها
"لن تصدقي لو قلت أني لم افعل ما تتهميني به لم أؤذيك بحياتي كلها أنت أغلى ما لدي صغيرتي ....لم انفيك متعمداً وأعيش متمتعاً بإرثك فأنا لسنة كاملة كنت اتعذب لأنك اصبحت مدانة ولم أعرف أن هذا الحقير على قيد الحياة لأنه كان قد سافر يتعالج فعلمت بالصدفة .... أموالك وبعد سفرك أعدتها للبنك وكانوا يرسلون المبالغ من حسابك لحساب أبن عم ظمياء ... تستطيعين الذهاب للبنك والتأكد لابد أنهم يحتفظون بمثل هذه الأمور لقد بعت المنزل المشؤوم ذلك وتركت مكتبي أردتك أن تعيشي برخاء دون الحاجة للاعتماد على ذلك الرجل !! "
"كاذب انت اخذت كل شيء وبنيت الشركة التي احتالت على عز الدين "
هتفت نمارق فهم يعلمون أنه أخذ الوديعة ليتمتم
"هذا بعد ان علمت بموتك أغلقت الحساب لأبدا عملية الثأر منهم من أجلكِ أنتِ!!"
أنه يشوش الجميع الأن بقوله لتهمس تغريد
"أنها تلك الحرباء ظمياء اكيد تمتعت مع أبن عمها بنقود نمارق ولم يوصلوها لها "
هز غضنفر رأسه باستياء عادت تغريد لتسانده وتتعاطف معه ونمارق يبدو انها صدقت أمره ليتمتم غضنفر بازدراء
"انت أجرمت جرما كبيراً والكذب الان لن ينفعك فلنلعب على المكشوف.... انت انتقمت لنبراس من الجميع وانا معك وجدي ورفل وزهير لذلك فلتتوقف واعترف انك جعلت ظمياء تريني نمارق وهي تذهب لشقة الدعارة تلك وجلبتني لأعتدي عليها وكنت تضحك بالظلام لمأساتها ووجعها"
شعر بيد نمارق تضغط على ذراعه وهي تسمع شقة الدعارة ألهذا أعتقد أنها عاهرة ضحكت وهي تهمس
"الدكتورة ماجدة كانت تسكن هنالك لكن مازن وظمياء لم يجعلاني أذهب اليها أنه ........."
صمتت لا تريد تأكيد ما وصلت اليه أفكارها ليسهب غضنفر فهو لم يخبره كل ما يريد
"زوجتك فضحت كل شيء قبل أن تقوم بقتلها بالمشفى لا تنكر الأمر يامازن"
"صحيح ........باستثناء شيء واحد بطل القصة لم يكن مازن بل أنا!!"
نظروا للبوابة وفاضل يدخل وعلامات اشمئزاز تطل من عينه
"لم يقتل ظمياء ولم ينتقم من نمارق ولم يحرق مكتبه ولم يريد الوديعة ولم يداري شيء انتم مخطئون ....انا من فعل كل هذا "
تمتمت نمارق برجفة وصدمة
"لما انتقمت مني !!ما لذي فعلته انا يا عمي!!"
صرخ بقوة مرعبة
"لأنك تحملين دم برهان القذر!! "
شدها غضنفر خطوة للوراء بعد أن حاولت التقدم دون وعي !!الرجل جن جنونه وعيونه تنذر بشر
"حبيبتي التي عانت وهي تحت التراب على يد أبوك ... هي خالتك "بدور" لقد اغتصبها وافلت بفعلته الدنيئة ومازن كان النتيجة!!"
........................
أنت تقرأ
الى مغتصبى بعد التحية الجزء الثانى من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوى
Romanceأيمكن أن يطعني القريب فيصدها عني الغريب! أيمكن لعدوي أن يصبح منقذي وصديقي هو المبيد! أسالك يا ذابحي أن تجيب سؤالي واضح سؤالي بسيط! هائمة على وجهي اسأل نفسي كيف أنقلب الحال كيف أنقلب النصيب! سنون مضت ...أفر من ماضِ كريب! ليسقط القناع ويكشف الخداع ويب...