الفصل الثانى عشر والاخير
"الحمد لله شملك عفو العيد يا صديقي"
كان مازن يستعد للخروج من بوابة السجن ابتسم لصديقه الضابط
"الحمد لله"
ليضيف صديقه
"اعلم أنك لن تعود بعد الآن للسلك القانوني لكني دوماً عرفتك بقاهر المجرمين لا تبتعد عن مسارك مرة أخرى وتابع حياتك مع احبابك عد لهم ولا ترفضهم كما فعلت خلال تلك السنوات لاتكن عنيد كعادتك وعوضهم السعادة بقربك لهم"
انزل رأسه بحزن هو لا يعتقد انه بقي له أحد من الأحباب فقد رفض الزيارات منهم ....سيواصل الأيام القادمة وحيداً سيحاول أن يبني حياته من جديد ويعيش على اطلال من أحبهن أكثر من روحه ...خرج ليسمع نداء صديقه
"غدا أول ايام العيد عليك أن لا تكون وحيداً وإلا لن يكون عيداً "
الجملة مؤلمة لمسمعه طبعاً سيكون وحيد ابتعد وهو يقول
"مع السلامة"
نظر للحشود من نالهم العفو مثله عدى المحكومين بالإعدام...يراهم الأن مع عوائلهم يحيونهم ويحتضنونهم عيونه اشتاقت لشيء هكذا لم يعشه ...كان سيتقدم للشارع ليجدها واقفة من بعيد تشع سعادة وتلهف هتف دون وعي
"تغريد!!"
ضحكت وتقدمت نحوه لينتبه للصغيرة التي تمسكها من يديها صُدم وهو يرى شبهها بابنته الراحلة كيف !!
""طيبة" هيا يا ماما أتبعيني "
وقفتا أمامه ليهز رأسه يحاول ان يسيطر على دموعه!! أنه متأثر بشكل غريب يفكر بنفسه "هذا بسبب البقاء بالسجن أصبحت عاطفي!!"
ينظر لمحبوبته بسعادة
"اخر مرة عندما ارسلتِ الرسالة للضابط قلتِ انك سترفعين قضية طلاق قريباً وأنك اجهضت الجنين !!"
رفعت رأسها عابسة
"اردت ايلامك لأنك لم تسمح لي برؤية وجهك... لقد جعلتني أموت شوقاً لنظرة واحدة لعينيك ...اردت أن احتضنك وأشعر بك حولي لكنني ابداً لم اكن سأفرط بك ولا بأي من رائحتك لم يصلك اشعار محكمة لذلك كان عليك أن تفهم يا ذكي!! "
ارتمت بحضنه بقوة ليشدد من احتوائها لصدره يتساءل هل هي حقيقة!! آه وهو من اعتقد أنه خسرها للأبد وتركته لقد تحطم يومها ليسمعوا همهمة الصغيرة تجرجر بسترة أمها... حاولت تغريد أن تجعلها تقترب لوالدها لكنها اختبأت لا تريد النظر اليه... علم مازن انها خجلت فهي لا تعرفه ومن حقها ليمسك وجه زوجته
"كيف كانت أحوالكم !!"
"نحن نعيش مع العمة نمارق بقصرنا والخالة مكية وعائلتها وكنا ننتظر خروجك بفارغ الصبر وكلنا متفهمين لوضعك لذا تركناك لتستعيد عقلك وتعود الينا الكل الان ينتظرونك ..... و نمارق فعلاً ارادت المجيء لكن لديها محاكمة مهمة.... لا تنفك تعمل حتى بالأعياد رغم انها متخرجة حديثاً لكن الكل يعتبرها محامية ذكية وصارمة"
ابتسم لما يسمع لتضيف بمرح
"دوما تفتخر أمامنا بالفوز وتقول أنا اشبه أخي لو ترى مكتبها الرائع هي وشريكها "جميل" اعتقد أننا سنمع خبر خطوبة قريب لقد تعبت منها لقد رفضت الخطيبان السابقان وقامت بتحطيم نفسيتهم لكنني مع ذلك سعيدة لرفضها هؤلاء المتخلفين "
نظر يستفسر بتعجب "لما !!"
"الاول أستاذها بالجامعة رفض أن تكمل التعليم... ارادها ان تبقى حسب قولها جارية له ولأهله قالت أنه "متناقض" أستاذ راقي من الظاهر و حمار منفر من الباطن والثاني طالب كان معها عندما علم بالماضي شكك بها لذلك المسكين لن أقول سوى اني اشفقت عليه ....واخيراً شريكها المحامي شخص تفهم الماضي ومعها بكل خطوة يعملان بالمكتب لكني لا أحبه "
ابتلع ريقه ليسأل بتردد "هل نسيته اخيراً!!"
زمت تغريد شفتيها بحزن لتقول أخيراً
"لا يمكن لنمارق أن تنسى غضنفر ابداً.... فكما هي السبب بولادته من جديد كان هو السبب بما آل اليه حالها اليوم "
ليسمعوا صوت طيبة الطفولي من تحت
"بابا غضنفر أريده"
جحظت عينا مازن من وصف طيبة ليتهكم
"وأين هو البابا الآن!!"
........................
دخل المزرعة يستند على عكازة وجلب كل الطلبات اللازمة ...كانت الرائحة مازالت قوية بالغرفة لتتأسف الممرضة منه وهي تحمل الأغراض
"حاولت يا سيد غضنفر لكن أنت تعرف أنك عندما عثرت على السيدة رفل كانت حالها سيئة جداً بالمشفى الذي رموه بها ...كانوا يتركونها بلا عناية... الانها مشلولة بالكامل يتركونها فتبقى مع قذارتها ليل نهار حتى تعفنت تلك المنطقة بصورة فظيعة وأنا صدقني أحاول بكل جهدي حتى أخفف عنها وأحاول مداواتها... اه والكدمات على جسدها تأبى الزوال ..تلك الممرضات بالمشافي الحكومية فعلاً عديمات القلب والرحمة "
ينظر لرفل بأشفاق ... منذ عاد من علاجه وبحث عنها عندما علم أن شريكها فقط من مات يوم رجموه ووجدها هكذا.... أنها تشعر بكل ما يدور حولها لكنها لا تستطيع التعبير عن مدى وجعها ولا الشكوى من وضعها...سنوات تعذبت وأهينت ليجلبها للمزرعة السبب بكل حقدها عليهم... ركع بجوارها كانت تحدق بعينيها حزينة عندما تراه
"سبحي بقلبك يا رفل فمن بيده راحتك موجود هنا معك ويسمعك سبحي بحمده ليل نهار وستجدين ما يرضيك... اعتقد أن اليوم هو الأخير لزيارتك.... لا تخافي هنا سيعتون بك ولن تتألمي أو تحزني مطلقاً "
شعر بعينيها تتوتر لتبكي بصمت
"سأهاجر بعد العيد لقد اطمأننت على الجميع هنا واتمنى منك أن تجدي السكينة أخيراً "
كانت تحدثه بقلبها لكنه يفهم من عينيها فهي صديقة الطفولة رغم كل شيء ويعلم بما تسأله
"وهل وجدتها انت يا غضنفر!!هذا سؤالك يا صديقتي وجوابي وجدت أكثر من السكينة وجدت ربي الذي لم يجعلنا أهلنا نعرفه !! وكم هو عظيم بعطاياه وهداياه لو رضي عنا ...اه لو تعرفي هذا الطريق كم هو رائع وجعلني أجد نمارق راحتي وسكينتي واجمل شيء بسنون عمري ويعز علي فراقها"
...........................
وصلت سيارة ونزلت نمارق منها... كان غضنفر يجلس بالحديقة ليصل أبو نور يحدثه باستياء
"هذا هو المحامي جميل لقد اتصلت الانسة واخبرتني ان سيارتها تعطلت قرب المحكمة... أرجوك فلتبعده عنها وتضع حداً له"
نظر غضنفر اليه بحيرة
"انا أثق بنمارق ما قصدك أخبرني"
همس أبو نور
"أعرف أنك تريدها أن تتزوج رجلاً يستحقها لكن افهم هذا ليس برجل... أنه يتعمد ايصالها لهنا ليشوه سمعتها لقد تحريت عنه أنه يغار من نجاحها ولا يريد أن تكون بجانبه بل خلفه ليدوسها كبقية الرجال عندما يصطدموا بنساء أكثر منهم كفاءة وذكاء...هل سترضى أن تكون حبيبتك مكسورة مرة أخرى وخصوصاً بعد أن ضحيت بسعادتك لتنعم بحياتها!!"
هب واقفاً يهرول للسيارة كانت تحمل اوراق كثيرة ويساعدها شريكها وهو يهمس
"على الأقل هل ستفكرين بالموضوع!!"
ابتسمت تنهي حديثه لتتفاجأ بوقوف غضنفر ... لابد انه سمع بخبر خروج مازن فجاء مسرعاً ليتقدم منهم
"مرحبا بمحاميتنا اكيد فزت بالمعركة كالعادة "
تومئ متباهية وهي تلاحظ سعادته لأجلها ...كل مرة ترى افتخار العالم بعيونه ...شعور منعش يراودها وهي تفوز بثقته واظهار نجاحها وتقدمها بحياتها لتبعد قلقه عليها بعد الان ومع ذلك لا يرى قلبها ابداً ويبدو انه قرر محو كل ما قاله لحظة ضعفه بحضنها !!... التفت بحركة غريبة نحو شريكها وتكلم بغرور متعمد
"مرحبا ب...."
فرقع اصبعي السبابة والابهام مع بعضهم بفظاظة
"بالسيد الحلو"
ضحكة أبو نور التي لم يستطع كتمها ورائه جعلت وجه نمارق يحمر خزياً لتهتف
"أنه المحامي جميل لابد أني اخبرتك عنه لكنك نسيت"
بينما المحامي عرف ما يفعل ليقترب منه بثقة اضحكت غضنفر
"اسمي السيد "جميل" أي من جمال الوجه والأخلاق والقليل من يمتلكهما الآن وأنت لنرى ما أسمك!!"
شخر غضنفر وهو يقترب منه ليبان فرق الطول الذي يجعل أي رجل اضحوكة قربه
"أسمي غضنفر ولا داعي للسيد قبلها لكي أثبت أنني راقي!!وأسمي يعني الأسد الذي يمزق فرائسه وخصوصا الجميل منها "
لم يستطع أبو نور ان يتحمل وهو يضحك لتصل نمارق تأخذ الملفات من جميل "هيا اذهب الآن "
لقد شحب وجه المسكين ....صح هو محامي لكنه جبان جداً... دخلت تحمل ملفاتها الثقيلة وتساءلت لما لا يساعدها !! اشارت لما بيدها كان مازال مستاء فهو لم يرد اظهار غيرة لا فائدة منها لكن دمه غلى بعروقه وهو يتخيلها حزينة وتحت رحمة هذا الدنيء... هي تستحق افضل من هؤلاء جميعاً ليجيب يبث غضبه عليها لسماحها له بتوصيلها كان عليها ان تتصل به أو بأبو نور!!
"ألا ترين انني استند على العصا !!"
ضحكت وهي ترمى الملفات بقوة صوبه وتجعله يحملها
"عندما تحاول التمثيل بعجزك وكأنك عجوز بالسبعين ستنطلي على المسكينة تغريد وأبو نور وأم مينا وحتى الخالة مكية لكن لا تمثل قربي أنا بالذات!!"
قطب جبينه وهي تضع حقيبتها فوق الاوراق الثقيلة أيضاً
"ومنذ متى أصبحت خادمكِ ها!!"
عادت اليه تهز رأسها بخيبة
"هذه تسمى مساعدة انسانية ....عندما اعتنيت بك وانت مريض هل قلتُ أنني خادمة !! ثم نحن أقارب أنت خال طيبة وأنا عمتها لذلك ليس بين الاقارب رسميات هيا اتبعني بهدوء "
صمت لا يقصد شيئاً مما قاله يا ليتها لا تغضب هو فقط مستاء للرحيل ولا يعلم كيف يتصرف!! أكان يريدها أن تنزعج منه من الآن حتى لا يكون الخبر مفاجأة!!
...............................
جلسا على طاولة الطعام بالمطبخ يتناولان الغداء ...كانت كعادتها عندما يعود من سفرته ويزورهم بالعطل تطلعه على كل ما يجري معها من تحدياتها وشغفها بعملها وندواتها مع النساء لتتمتم هذه المرة
"حسناً بما أني جمعت مبلغ الاقساط الذي دفعته لي لدخولي كلية القانون الاهلية أريد أن اعيده اليوم "
تنهد منزعجاً من تكرار الموضوع
"اخبرتك أنه جزء من أرثك أنا لم اصرف شيئاً من جيبي "
لوت شفتيها "وانا اخبرتك انها أموال مسروقة فلتصرفها لمساعدة الناس المحتاجين"
كيف يقنعها أنها من حق أمها لتضيف بأسف
"لا يجب أن نأخذ حقوقنا بالنهب أليس كذلك!!"
شاهدت نظرة الغضب وكانت متوقعة لتضيف تقنعه
"انت لن ترضى أن أكون مدينة لأحد انت قلتها يا معلمي في الحياة"
كلمة معلمي جعلته يبتسم ....كل مرة تبين له بقصد أنها تطبق ما علمها اياه اومأ برأسه و حزن عميق بان بعيونه لم تعرف ماهيته
"لكنني اتمنى أن اكون الوحيد الذي ستظلين مدينة له"
احست بخوف من هذا الكلام ليضيف بهدوء
"حتى لا تنسيني ابداً"
تساءلت ولما تنساه وهو قريب جداً ومعها خطوة بخطوة والحمد لله كل شيء صار على ما يرام لما يجعل قلبها يعتصرها ....عندما شاهد خوفها قرر أن يغير الجو قليلاً سألها ولم يستطع ان يخفي فضوله
"اذا ما هو الموضوع الذي سألك عنه الوسيم!!"
ردت بسرعة "الزواج وما غيره يريد أن يفرح أمه بطفل قريب"
ضرب المائدة واجفلها
"وهل انتِ بقرة عساها أمه لم تفرح سأقتله ان رأيته مرة أخرى"
"من قال أن الاطفال شيء سيء أنهم سعادة للمرأة قبل الرجل!!"
"بعد مشاهدة تغريد تتعذب بت لا أريد أن تعاني أي امرأة من هذا الوجع ....او على الاقل عندما يريد الرجل أطفالا من زوجته فليحترم نفسه ويحاول ان يساندها بكل خطوة ولا يستخف بالموضوع لأنه يعلم أن زوجته ستعيش اصعب ايام حياتها ستموت ألماً... ستعيش وهنا ومرضا ومعاناة شهوراً طويلة فقط ليفرح هو وأهله ويرفع رأسه بين أصحابه دون أن يعاني!! "
دمعت أم مينا واستدارت تكمل عملها تتمنى أن تتلبس شخصية غضنفر كل رجال العالم.... بينما نمارق ابتعلت ريقها هذا الرجل يجعل كل من البيت يشعر بغصة عندما يفتح فمه لتبادر بتهدئته
"لهذا يا غضنفر الله وعد كل أم بأن الجنة بعرضها تحت أقدامها... هي لا تحتاج تقديراً من زوج أو أهل فرب السماوات والأرض سيكافئها "
همس ينظر بعينيها الجميلة لقد أتخذ كلامهم مسار أخر
"وانا اتمنى أن تكون مكافئتك بالدنيا قبل الأخرة لهذا أنا خائف عليكِ"
خرج من المطبخ لتسمع أم مينا تهمس
"السيد يريد لك افضل رجل لا يكون تافهاً وغبياً ...يهتم بعقل المرأة قبل جسدها"
تنهدت نمارق
"اعرف جيداً ذلك وانا ممتنة له كثيراً ...لكن كل الرجال حولنا تقريبا هكذا المختلف الوحيد بينهم هو من لدي ذكرى أليمة معه ولو اردت النسيان فهو لا يستطيع أن ينسى جرحي ابداً ...ها أنا نفذت ما يريد وقبلت كم شخص خطبني وأنظري لعيوبهم الشنيعة حاولت أن اجعله يعي أن لا أحد متكامل وأخرهم جميل من هذا الشخص لأفكر به كل همه كيف يبعدني عن المكتب بعد أن صرت ذائعة الصيت وغلبته لكنني أجاريه لوجه الله فلقد ساندني بالقضايا كثيراً....بينما من يستحقني حاولت ان أتفهم منطقه انه خائف علي وحزين ومشفق ...حاولت كثيرا ان أقنعه بانني لم يعد يهمني ...حياتي وبنيتها من جديد وانا حرة بمشاعري لكنك الأعرف بغضنفر وعاطفته "
ضحكت تسخر من نفسها فالجميع يعرف عقدة الأمر وهي اكبر من ان تحل بكلمة ... غضنفر قلبه لن يتحمل ان تتألم مرة أخرى
"سيهاجر بعد العيد"
وقع الصحن من يدها عندما نهضت وهي تسمع الجملة التي هزتها حدقت ببلاهة لأم مينا لتؤكد الامر
"قال ان مازن الحمد لله سياتي لذا لن يقلق عليكن بعد الأن"
اخذت نفسا مؤلماً امسكت بقلبها بقوة تشد قميصها .....وصل للمطبخ وهو يطلب الشاي من أم مينا لتقف نمارق تنظر بخيبة اليه لم يفهم ما بها!! صرت على اسنانها لتهمس قرب وجهه
"هو الطبع لا يتغير ترمينا وتخلي مسؤوليتك ....المهم أن تريح ضميرك أما البقية فليحترقوا بعدك بالجحيم!!"
خرجت كالعاصفة من المطبخ لتخبره أم مينا أنها عرفت اخيراً.
.....................................
خرج غضنفر من المطبخ ليجدها متسمرة تنظر للوافد الواقف قرب الباب.... دخلت تغريد وراءه وطيبة هبت راكضة نحو خالها ليحملها... شعر الجميع بأن الموقف موتر للأعصاب ...نمارق بعينيها دموع شوق لمن رباها لأخيها... لمن ظلمته لم اساءت الظن به... دموع لهفة لضمه ....وبعينه دموع لا تقل شوقاً لصغيرته التي عانت وكُسرت وتحطمت دون أن يستطيع رد الأذى عنها.... زفر مازن نفسا طويلاً وكأنه يزفر طعم مرار تلك الأيام واخيرا فتح ذراعيه لم تتردد لتحتضنه بقوة احتواها كما كان يفعل كأب اكثر من أخ لها كان مشهد أبكى الجميع .
كانا الأن يجلسان بالصالة كلام كثير قيل وذكريات أكثر استعاداها ليتمتم مازن
"علينا بالعيد أن نزور أمي وأمك "
شاهد نظرة الذنب على وجهها ليضيف بسرعة فهو لم يكن لديه وقت يومها ليخبرها بالشيء المهم
"اياك والغضب من خالتي زهور... اذكر يومها أنها ارادت الذهاب لوالدك وحدها ...هي ابد لم تجر أمي والتي تشبهك فعلاً لقد حزنت على شقيقتها يومها فتبعتها برضاها يا نمارق ...فلنقل أن امهاتنا كانتا غير محظوظتان ومظلومتان حتى النهاية بهذا العالم"
مسح دموعها رافضاً بكائها لتبتسم تمسك بكفه
"هل تقوم بالإيفاء بوعدك وتمسح دموعي.... حسناً لن أبكي فأعز ما بالكون عاد ينير حياتي "
أمال رأسه يسأل بقصد
"وذلك المعاق ما دوره بحياتك!!"
شاهد كيف اجفلت من النعت ليبتسم
" كنت اعتقد بعد فعلته ستكونان معاً اذا ماذا حصل لما سيهرب للخارج ويترك كل شيء لي!!"
زمت شفتيها وتنهدت بحسرة
" يوم عاقب نفسه بالرجم ...الناس تركوه وبصقوا علي واتهموني وأهانوني هو لن ينسى ذلك أنه يتمزق من يومها... لو لا انه التهى بعلاجه كل تلك السنوات لكان يتعذب من الذكرى "
"أنه ذكي فعلاً وداهية.... أ تعلمين لما اختار هذا القصاص لنفسه ...لأن الان بذاكرتنا جميعاً لا يوجد حادث المزرعة بل حادث عقابه لنفسه فقط "
تعجب وهو يشاهد ابتسامتها من ذكره فقط ....كانت مترددة وهي تسأل وخائفة من الجواب ليشجعها أن تتكلم
"هل مازالت.... تكرهه وتعتبره عدواً"
"ليس كرهاً... كما اخبرتك هو كان ايضاً بيدق بيد أبي وظمياء .... لكن لحد اللحظة متفاجئ كيف سامحته بسهولة "
امسكت بيد اخيها تربت بحنية تنظر بعينيه وهي واثقة مما تقوله بل ومقتنعة
"كل الرجال الذين مروا بحياتي آذوني أقل منه.... فلم ينتهك منهم احداً جسدي ولا سلبني شرفي وهو اقصى عذاب لكل بنات حواء ....لكن كلهم أما تخلى عني أو انتقم بالخفاء مني أو حاول قمعي أو خانني و ذلني وهم واعون لفعلتهم... قاصدون لنيتهم ...كارهون لمن أمامهم ودموعي لم تؤثر بقلوبهم بينما غضنفر الوحيد الذي فعل فعلته تلك دون أن يعي من امامه ...كنت مجرد شخصية كونها له أقرب الناس لي واظهروني عاهرة وقاتلة وخبيثة ورغم كل هذا لم يترك ذنبي ودمي وجرحي على الأرض بل حمله على كاهله وربط وجعي بجسده وروحه وواجه جرمه بأكثر الطرق ايلاماً ومهانة امام العالم ....ولحد اللحظة يخاف علي وكأنني قطعة أثرية نفيسة يخاف أن تنكسر أو تتهشم .. معه فقط وبجواره ومن نظراته صوبي أشعر بأني شيء غالي وثمين بهذا الكون وهو شعور يبهجني واحتاجه كثيراً يا أخي ولا أريد خسارته لأنني سأعاني من جديد"
علم مازن بأنه لم يفهمها سابقاً الأن توضح كل شيء ... يا ألهي انها معضلة حقاً انها تحتاجه احتياج أنسان يائس ليعيش... احتياج غريق لقشة ليطفو... احتياج ظمآن لشربة ماء ليرتوي... لم يفهم قبلاً أنها وغضنفر ليسا مثل أي عاشقين يصادفهما بحياته بل حبهما أنساني وجذوره عميقة لن تزال بسهولة بل الاهم حبهما هذا يجعل قلبيهما الذي كان يوما من الأيام ميت قد عاد ينبض ويحيى.
...........................
خرجت تغريد تبحث عن شقيقها تعرف أنه الأن بحديقة والدته فهو سيحرم من الاعتناء بها ...شاهدته قرب النافورة ليشعر بها وراءه
"منظرهما جعلني افتقد أخي ويبدو اني سأحرم من الدلال كثيراً "
وقفت قربه ينظران لجمال المكان ...تعرف جيداً عند اجتماعهم هنا يعود لذكرى ضربها ليحاول تغير الجو الكئيب
"وكاذبة ببراعة... لقد عاد حبيب القلب ...انظري لوجهك المشع نوراً فقط لعودته نحن اصبحنا مجرد اشكال مبهمة قربه "
ضحكت تمد يدها للماء
"لا أحد يعوض مكانة أخي الحبيب من اعتنى بي وقت مرضي وولادتي لطيبة ومساعدتي لتربيتها رغم أنه كان الأكثر احتياجاً للمساعدة والاعتناء به بتلك الفترة المؤلمة "
عندما صمت حزنت لتتنهد
"فقط احذف تلك الذكريات لكي استطيع ان أمحي حقدي لأمي "
أصابه الذهول وبان استياءه لترد بحقيقة لا يمكن انكارها
"بلى يا أخي امي ككل مجرم صادفناه وهي الأكثر فداحة... عندما اتذكر أبي على فراش الموت اعتقدت أنها ملاك تعتني به من حبها له لكنها كانت تبتزه لتحصل على ورقة زواج ظنت انها ستنال نصيباً من اموال جدي الملعونة ولم تعلم ان الموت بيد الله لتموت قبل جدي ولم تأخذ شيئاً ....انا اخبرك انه عقاب الله وتستحقه يا الهي اتخيله بالمشفى المعدم وحيداً اكيد كرهني كثيراً"
اجابها غضنفر بسرعة
"لقد احبك لأخر نفس لفظه لا تقولي هذا يا حبيبتي"
وضعت يده على كتفها لكي يضمها وهما ينظران لتغير الألوان داخل النافورة
" تمنيت ان نعيش اخيراً سوياً... اعتقدت بعد رؤية خاتم خالتي انك نويت فعلاً أن تفرحنا لكني كنت مخطئة"
شعرت بإجفاله لتخرج علبه الخاتم الذي كان ملكاً لأمه
"اليس هذا الخاتم الذي لم تعطيه لرفل مع أن والدتك كانت تخبرك بطفولتك انها ستلبسه لزوجتك ...اذكر أن رفل عندما أخبرتني كان الحقد يملئها بسببه"
امسك بالعلبة ...لم يستطع التخلي عنه لم يشعر أن اي واحدة تستحق أن ترتدي ما ارتدته غاليته.... لكنه كان يفكر أن من تستحقه تلك التي تقبع بالقلب وتجعله ينبض سعادة تارة وخوفاً وقلقاً تارة أخرى ...لكن لا يمكنه وسمها به لأخر حياتها ولو كان يموت من داخله لتتمتم تغريد
"اتعرف كم أحترم حبك لنمارق "
"لماذا يا ترى !!"
"لأنه حب غريب لم يصادفه البشر بعد ...حب ولد من رحم الألم من رحم الأحقاد ورحم المعاناة ليس حب كلام بقول "احبك" دون الشعور بها بل حب أفعال وأفعال اسمى ما في الوجود... هكذا حب لن تهزه الريح ولن تكسره السنون ولن يزول حتى ببعد المسافات ...هذا الحب سيظل معمراً بقلوب محبيه ينمي نفسه دون حاجته لحافز هو كشجرة اللبلاب تلك أمامك راكزه وعظيمة وحذار من يدنو منها يحاول بترها"
كان ينظر للشجرة المتسلقة أمامه لتنظر تغريد صوبه
"اتمنى لو تفهم أن نمارق لم تستاء لأن العالم كرهها واحتقرها بل ستستاء من الأن ...نحن جميعاً رمينا الماضي باستثنائك!! أرجو ان تفهم أن من يبقى يغرق بذكرياته سيموت وحيداً وحزيناً ونادماً يا أخي "
استدارت بسرعة فنادها بحيرة فقد كان مصدوم من كلامها "الى أين"
فتحت فمها بصدمة "لن افوت دقيقة من عمري بعيدة عن سعادتي واليوم هي بدايتها... سأعيش مع من أعشق يوم بيوم ولن ابقي بنفسي شيئاً وسنكون عائلة كبيرة وننسى ما مر بنا حتى لا أندم واتحسر يوما ما على الماضي"
حزن خيم على روحه هو يعرف ما تقصده ....ركع قرب الماء ولم يعرف انك هنالك من تراقبه شاهدت لمعان الخاتم تحت ضوء القمر .....كان يكلم نفسه بالماء يتذكر قولها بالمطبخ
"انا لا أخلي مسؤوليتي ... مناي ان أكون مسؤول عنك ارعاكِ وأحميك وأحبك أكثر حتى مما تحبيني وأجعلك تري حبي هذا... علي الابتعاد مرغماً وعليك الزواج بذلك المخنث بالنهاية "
من ضمن دموع حزنها جعلها تبتسم لتشبيهه الفظيع لتهمس من بعيد
"اعلم باعتقادك انك لا تستحقني لكن كل من خطبني لم يكونوا يساووك شيئاً ... الفرق بينهم وبينك انك أنسان تحركه احاسيسه وهذه علتك "
رفع غضنفر الخاتم عالياً يحدثه يائساً
"ان لم تكن ملك لملاكي فلا اي يد أخرى ستدنسك وستبقى هنا مدفون كحبها الذي مدفون بداخلي "
رماه بحزن ليستقر بقعر الماء.
..............................
تنظر للخاتم بالماء ضربت قلبها بخفة
"ماذا تقول سيرحل للأبد... انا بلحظات حرجة ما بينك وأنت تدق من أجله وترفرف برؤيته وسماع صوته وضحكاته وبين عقلي الذي يذكرني بما يقوله الناس حولي وأن ماضينا ليس اي ماضي سيمضي ويمر مرور العابرين... اخبرني يا قلبي من سينتصر منكما!!وعندما أتبع اي واحد منكما هل سأندم أم سأنال الجائزة الكبرى!!"
اخذت نفسا عميقاً لتراودها الفكرة الجريئة "هل أرمي العالم وعقلي أم انني اعبث بالنار وستحرقني وتحرقه معي!!"
.................................
جاء صباح العيد وانتهت التكبيرات والصلاة ....دخل غضنفر وبعده أبو نور يهتف لزوجته ووالدتها وهما يحضران المفرش الكبير بالحديقة تحت شمس الصباح والجو كان دافئاً بالخارج....غريب ان الجو اليوم كان صافياً ونسيم الهواء منعشاً حتى العصافير تستقر حولهم بكثرة وكأنها تعلم أن العيد هذهِ السنة مختلف ....ليخبر النساء بمرح
"ذبحنا الذبائح بالمقبرة ووزعناها وأقمنا المولود للنبي عليه أفضل الصلاة والسلام ووزعنا العيديات على أصحاب مركز النمارق وها هو "القيمر و الكاهي" ولم يبقى سوى شاي أبو الهيل من يد أمي مكية ويكتمل عيدنا البهيج "
عايد الجمع بعضهم البعض بغبطة لتظهر تغريد وعلامات النعاس بائنة على وجهها وهي تسحب ورائها مازن شاهده غضنفر ليكلمه بحدة
"اليوم كان سماح لأنك لم تأتي معنا للصلاة ...لكن عليك مستقبلاً ان تذهب مع أبو نور للمسجد والاهتمام ايضاً بالمركز هنالك فهمت"
وضع مازن يده على فمه يخفي تثاؤبه ويتجاهل الكلام عمداً... الكل يعرف أنه من الغريب ان يجمعوا هذان الأثنان معا بمكان واحد والكل ينتظر ساعة اشتعال الفتيل وانفجاره.... عايدت تغريد شقيقها وقبلته وعايدت الجميع ....لتطلب مكية من حفيداتها معايدة الكبار واللواتي ظهرن الآن مع "طيبة" وهن يرتدين ملابس العيد فقد باتت معهم أمس بعد أن طلبت تغريد ذلك ....هبوا لغضنفر فرحات وهن يصرخن "عمي كل عام وأنت بخير "
تجمعت الفتيات الخمسة حوله بمنظر يسر النظر وزع لهن العيديات واحتضن طيبة التي لم تتركه كان يشتمها وحزين لفراقها لتهمس ببراءة فلم تعرف قول كل الجملة
"بابا ...بخير"
لتتمتم تغريد بسرعة وهي ترى نظرة مازن الحاسدة
"هيا يا فتيات مازن ايضا سيكون عم أخر لكم عايدوه "
شعرت الفتيات بخوف فوقفته عابس هكذا جعلهن يبتعدن لوالدهن ليهتفن بعد أن حثهن أبو نور أن لا يخجلن.... نطقن وكأنهن بطابور مدرسي
"كل عام وأنت بخير "
نظرت تغريد لأبنتها واشارت لها لتنادي الصغيرة مازن
"وعمو بخير"
ليضحك غضنفر وهو يقبل خدودها الوردية
"يا ألهي وصل البارحة ويريد أن يكون محبوباً... انسى لن تأخذ مكاني فانا محبوب بالفطرة لا تجبروا أميراتي والا لن اسامحكم "
ضحكت الصغيرات فهن يحببن عندما يناديهن هكذا...همس غضنفر قرب وجه مازن بتشفي
"تذكر أنك دوما رقم أثنان بعدي بما يتعلق بالنساء وبمختلف أعمارهن"
صر مازن على أسنانه ليأخذ زوجته بحضنه ويحمل طفلته وهو يهمس لغضنفر
"لا يهمني حب أي من النساء فلدي هنا اثنتان تغنياني عن الدنيا وحبهما هو كل ما أريد"
لتطل نمارق من البوابة لكن ملامحها غريبة ليرفع مازن حاجبه ويعايدها ويضمها لدائرة حبيباته ويضحك
"وحبيبة أخرى ....صغيرتي التي حبها يحي الفؤاد"
نظر غضنفر اليهم وشعر بالهزيمة... عايدته نمارق لكنها هنالك بأحضان شقيقها ليست ملكه ولا من حقه حتى أن يتباهى بها وبحبها...معركة قاتلة تحولت من الفوز بثأر قديم وسلب أموال الى من يغلب بحب عدد أكثر من نساء المنزل!! لتصرخ مكية وتجفل الجميع
"لا تفرضوا سلطاتكم هنا على نساء بيتي وتقيموا احزاب يكفي الأحزاب البائسة التي تحكم.... هيا عايدوا بعض أنتما الأثنان"
نظر مازن لنمارق بنزق
"من هذه العجوز لتتحكم بنا وكأننا اطفال"
ضحكت نمارق ليجيب غضنفر بفخر
"انها أمك من الأن فلتتحمل كل شيء لأنها شمعة هذا القصر "
وقفت مكية وأم مينا وأبو نور وصغيراتهم الاربعة وتغريد ونمارق وحتى طيبة.... كلهم موجهين بأنظارهم للذين يقفان الآن وسط الحديقة بمعركة الكبرياء والشموخ والرجولة أنها معركة جديدة بين غضنفر ومازن من سيتخلى عن كرامته اولاً ويتنازل للأخر سيكون رقم أثنان دائماً لينطق فجاءة مازن بقلة صبر
" أعايده أتمزحون معي !! كيف تريدون أن نعيش طبيعياً نحن لدينا ماضي معقد ...انتم تشبهون فيلم رعب الأن بنظري وانتم تعيشون وكأن لاشي حدث!!"
ليتفاجأ الجمع وغضنفر يمد يده لمازن ويعايده ويرفع حاجبه بكيد يعلن فوزه بالمعركة.... تنهد مازن بإحباط لقد فضح نفسه والفخر الأن اصبح لغريمه ....سيطر على غضبه حسناً هو لن يكون اقل دهاء ...لم يسلم على غضنفر فضرب كفه ليقوم باحتضانه بقوة وهو يعايده
"وأنت بخير يا حبيبي غضنفر"
شهق الجميع غير مصدق وحتى غضنفر تفاجأ ليتمتم مازن بأذنه
"لن تغلبني وتفوز بعطف الجميع وتذكر أنني كنت محامي "
ليحتضنه غضنفر بقوة يربت على ظهره شعرت نمارق بما يفعلان لتشير لتغريد فقامتا بتفريقهما بقوة ... كانا يبتسمان ابتسامات مريبة لبعضهما!!ما حصل الأن كارثة أكبر من كارثة اشتباكهما أمام مركز الشرطة لكن مكية كانت راضية عن الامر...اكملت وضع الصحون على مفرش الأرض وهتفت
"هيا قبل أن يبرد الشاي تفضلوا يا أولادي جميعا"
جلسوا جميعاً على الأرض بدائرة حول الطعام ليسأل أبو نور مازن
"هل تستطيع بعد العيد أن تبدأ العمل أنت تعرفه أصلاً...نحن لا نريد تأخير لان تغريد قررت أن تستقيل فجاءة دون انذار حتى"
نظروا اليها لتبتسم
"اسمعوا أنا من البداية امرأة كسولة جداً وأحب من يدللني ويحمل مسؤوليتي لست مثل نمارق لذا لا تنظروا لي هكذا!! والسنوات القادمة سأكون مشغولة بأطفالي ...انا سأخاوي ابنتي لن تبقى وحيدة واتمنى أن ليلة أمس حققت....."
كمم زوجها فمها أنها لا تخجل هذه الغبية ان هنالك اغراب وليسوا من عائلتها... نظرت اليه محرجة لتضحك على فعلتها هي متعودة أمام ابو نور أن تبوح بكل شيء فهي تعتبره كأب لكن مازن لا يعرف كيف تدور العلاقات بالقصر ..شيئاً فشيئاً سيتعود همست تراضيه
"أنه من العائلة الآن حبيبي لا تغضب مني أرجوك "
اخذت يده تحتضنها قرب وجهها والكل يضحكون بخفية لن تتعلم فهي هكذا... لتتمم مكية بحنان
"حبيبتي نمارق خذي الشاي كما تحبينه من يد والدتكِ "
لتمد يدها اليمنى بسعادة فتشهق تغريد وتتعدل بجلستها... انتبه غضنفر ليجدها ترتدي الخاتم ببنصرها!!
نظرت تغريد لأخيها الذي فقد القدرة على التفكير والنطق ...توقف عن التنفس للحظة الكل مشغول لكنهما ينظران لبعضهما بصمت همست بجواره
"فعلتها اخيراً أنا واستطيع القول أني اشجع منك يا غضنفر ...انت لن تهاجر ابداً وتتركني أتخبط بالحياة لوحدي أنت اعطيتني القشة أجل... لكنك ما زلت تمسك بها من طرفها الأخر وعليك سحبي لجانبك لأنجو"
يحدق بوجهها مطولاً دون رد فعل واخيراً وجد صوته
"لم تكن هجرة يا نمارق بل عزلة وموت بطيء بعيد عنكِ"
يشعر ان سعادته كثيرة عليه في هذه اللحظة...وقلبه يكاد ينفجر من الفرح ...ما يحصل هو أكثر مما يستحق لا يمكن أن يكون الآن مع نمارق الوضع بات غريباً... والجو المحيط به من ضحك ودردشة وبهجة كان اغرب!! لا مستحيل ليراوده السؤال وهو يغمض عينيه
"هل أنا ميت!! "
الأن عرف أن هذه السعادة الخيالية غير حقيقة ....اجل لا يمكن أن تكون سوى وهم .....فتح عينيه ليصدم بالخالة مكية وهي تطلق زغاريد فتح فمه أنه ليس حلم ولا وهم!! ....يا ألهي الكل يضحك هنا وجالس يبارك لهما ....استدار لمحبوبة القلب ينظر لابتسامتها المشعة وهي تريهم الخاتم ليهتف أبو نور بفرح
"وبالنهاية التي لم يعرفها نمارق وغضنفر فقد كانت مقدرا لها أن تكون وسادة اسداً كليلاً لم يعرف الراحة الا بين ذراعيها"
صاحت تغريد "فعلا اسمائكما هكذا!! وانا ما معنى اسمي" لتمازحها الخالة مكية
"معناها ثرثارة يا مدللة العائلة"
عبست كالأطفال جاعلة حتى ابنتها الصغيرة تضحك
"ما هذا أريد أن يكون لأسمي معنى لحبيبي"
هتف مازن بفخر وهو يحتضنها
"تغريد يامن من غردت أجمل الكلمات بحياتي وكنت أتحرق شوقاً لسماعها تلك السنوات لأعرف أني على قيد الحياة "
ابتسمت برضى وهي تقبل خده وارتاحت وأراحت الكل من تذمرها ليضيف مازن بكيد
" اذا هذا معناه أنك ستبقى هنا وستراني ليل نهار بالشركة والقصر وقت طعامك وصحوك ومنامك هل ستتحمل يا ترى!!"
"السؤال يا مازن هل ستتحمل ذكي مثلي التجار كلهم يشهدوا بحنكتي بكيفية ادارة العمل "
ضحك مازن ساخراً
"لولا كنت مشغول بماضيي لم يكن عقلك ليتصور مدى مكري بالعمل ولكنت محيت اسمك من سجل التجار"
امسكت تغريد يد زوجها تنظر لنمارق ماذا سيفعلان لتبتسم نمارق ما داما يتناحران علناً هذا معناه ان القلوب لا تضمر شراً فالخوف كان أن يخبأ أحدهما شيئاً بداخله الآن كل شيء صار طبيعياً
تنحنحت مكية تضرب يداً على يد ليضيف ابو نور
"هذا جيد عقلان متوقدان سيجعلان عملنا يصل السماء ويد واحدة لا تصفق... اعتقد أن العيد اليوم صار عيدين لنا "
اخيرا تصافحا بقوة غريبة والجميع يضحك فلا يمكن ان يتوب هذان عن المنافسة من اليوم .... لكن السعادة بانت على وجهيهما فماذا يريدان أكثر من تلك الموجودات حولهما ويبثن بهما حباً كبيرا وعميقا
بعد مدة تمتم غضنفر قرب أذنها
"اشعر اني أطير فوق السحاب لن افكر وأخاف ان يكون حلم واستيقظ فأسقط على رأسي فجاءة ....انت تعرفين لما لم اطلبك للزواج وتعرفين أنه كان حلمي..........."
اسكتته لكنه لم يكن سيصمت
"حققتِ المستحيل يا "ملاكي الجريء "
ابتسمت ...فعلاً كانت جراءة منها على غير عادتها
"معك حق يا "شيطاني الطيب".... لا تنظر هكذا فالوصف ينطبق عليك وانا سأعلمك من الأن كيف تعيش هذه الحياة... كيف تبتسم فيها, كيف تعيش أيامك بسعادة والأهم كيف تزيل كل السواد والمرار من هذا ..."
وضعت يدها على قلبه
"عليك أن تزرع فيه ذكريات سعيدة وجميلة لتحقق معي حلم الحديقة سابقاً ...منذ قلت لي رؤيتك المستقبلية تلك وانا اسعى لتحقيقها ولم أجد غيرك انت يستحق مقعد شريك حياتي"
يضع يده على يدها التي مازالت على قلبه والذي ينبض من جديد بدفيء وعينه تعد عينيها أنه بات الحلم حقيقة بسببها...نادى أبو الطبول بالخارج.... يعايد الناس ويتمنى لهم الفرح والسعادة... نهض ابو نور ليعطيه عيديته.... علت اصوات الضحك من داخل القصر وخارجه فالعيد كان يعم الأجواء بيوتاً وقصوراً ومزارعاً... مدنا وقرى ونواحي فالعيد اليوم كان يعم حتى بالقلوب التي ظنت يوما انها لن تعرف طريق الفرح.... الخالة مكية سعادتها لا توصف وهي تدعي وتشكر الله على لمتهم هذهِ... يجلس ابو نور مبتسم مع زوجته ويطعمون صغيراتهم وفخرهم بالحياة ....مازن وتغريد وبحضنه طيبة وسعادتهما لا توصف وهما ينظران ويكلمان بعض بخطط وأمل للمستقبل واخيراً يأخذ غضنفر يدها التي لبست خاتمه يقبلها برقة ....لم يكن ليتصور ان يأتي يوم هكذا تبتسم نمارق بوجهه وتعلمه أن الاتي كله سعاة وحب وأمان .... علمته درساً قيماً لن ينساه ....علمته أن البشر يستحقون فرصة للتوبة والبدء من جديد بصفحة بيضاء ...كانت تريد ايصال ما تفعله الان للعالم حولها بمرافعاتها بمشاركاتها بندواتها بصفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي ...علينا التسامح لنزع الأحقاد والسواد من القلوب والا سنظل ندور بدوائر لا تنتهي من النقمة والاحقاد... سنظل تائهين وحائرين مغطين بمستنقع مآسينا... ستنهشنا ذكرياتنا من الداخل فتمزقنا بطيئاً لتمر اعوامنا مهدورة متحسرين على ما مضى ولن يعود...أرادت افهامهم جميعاً أن الدنيا قصيرة جداً والايام تسير بسرعة غريبة والسعادة مادامت امامنا فلنطلق لأنفسنا العنان ونستغلها و لانسمع للأقاويل ولا نمشي وراء العيب والتقاليد مادام ربنا الكريم راض عنا ....كلنا غداً راحل والمحظوظ من يرحل بقلب سليم يرحل وروحه مطمئنة ....يلاقي وجه ربه مرفوع الهامة مرتاح الضمير والأهم عالم أنه نال الرضا والسعادة بالدارين.
............................
تمت بحمده تعالى
أنت تقرأ
الى مغتصبى بعد التحية الجزء الثانى من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوى
Romanceأيمكن أن يطعني القريب فيصدها عني الغريب! أيمكن لعدوي أن يصبح منقذي وصديقي هو المبيد! أسالك يا ذابحي أن تجيب سؤالي واضح سؤالي بسيط! هائمة على وجهي اسأل نفسي كيف أنقلب الحال كيف أنقلب النصيب! سنون مضت ...أفر من ماضِ كريب! ليسقط القناع ويكشف الخداع ويب...