المقدمة
وقفت الحافلة التي تستقلها أمام المبنى الشاهق ...ترددت وهي تنزل السلالم هل تعود أدراجها وتنسى الأمر برمته! أهي مجنونة للقدوم لرؤية الشيطان نفسه! شعرت أن الركاب ينظرون اليها بفضول ومنهم من أنزعج من وقوفها هكذا دون حركة متسمرة كأنها ذاهبة للإعدام... تنحنح سائق الحافلة لتعي على فعلتها واخيراً قررت الترجل بخطوات ثقيلة... رحلت الحافلة لتنظر حولها كل شيء يسير على ما يرام السيارات تمشي بطريقها الناس يمرون من أمامها وخلفها تشغلهم امورهم الأعتيادية ..الحياة تسير طبيعياً إلا معها فكل شيء متوقف ومنتهي من سنوات طويلة... تحدق من مدة للافتة المبنى البراقة لتعود ذكريات الحادث الأليم الذي مازال يدق مسماراً صدأ بقلبها
"مجموعة عز الدين لإنتاج الأسمدة العضوية والكيميائية"
أخذت نفساً مرتجفاً كل عصب بداخلها يهتز في هذه اللحظة ...لقد اعتقدت أنها ستكون أقوى من ذلك! حدثت نفسها بهمس "لقد مرت عشرة سنوات "يا نمارق" عليك أن تتجاوزي الألم ....الان هذا هو حبل النجاة الأخير"
شخرت من كلامها انها تكذب على حالها فهو ليس حبل النجاة بل... "الخيار الوحيد" لتبقى على قيد الحياة .
تمشت داخل رواق المبنى لتحدق بها العيون! بالتاكيد موظفي آل عز الدين لم يتعودوا ان تدخل امرأة كهذه مبناهم الراقي! بملابسهم الغالية وأناقتهم المفرطة رجالاً ونساء وعطورهم الفواحة كانت هي شيء شاذ في وسطهم ,امرأة ترتدي ثوباً اسود عتيق ...اطرافه ممزقة وترتدي صندلاً اكبر من قدميها ولولا ان صاحبة العمارة عطفت عليها به لأرتدت نعل المنزل المهترئ كانت تمسك بيدها حقيبة سوداء وضعت دبوسا كبيراً ليمسك بأحد حزاميها المقطوع بينما رأسها فكان كارثة للناظرين شعرها غير مصفف حاولت أن ترتبه لا فائدة
هنالك شعرات بيضاء تبان بين السواد لتضحك بسخرية "كيف لامرأة بالثامنة والعشرين تشيب! أم فقط هي من يحدث معه ذلك! هي لاتملك من المال ما تستطيع شراء حتى صبغ لشعرها كباقي البنات وجهها شاحب وترتدي نظارات طبية قديمة بإطار أسود كبير على وجهها الصغير هي نفسها تعرف انها كارثة الآن بدخولها هكذا,
لكن لما تهتم ؟فليس هنالك ما يدعوها لتبالي بهم فبعد تلك السنوات الرهيبة لم تعد تشعر بأي شيء لقد اختفت الاحاسيس كلها منذ عقد من الزمن فلا أنوثة أو رقة او حتى شعور بآدميتها! لقد جعلوها تضع نفسها بمرتبة الحيوانات أن لم يكن أقل لقد أنساها كيف تكون امرأة حتى قبل أن تبلغ ربيع عمرها....ابتعلت ريقها غير عابئة بهم وباستخفافهم بهيئتها وصلت لأخر طابق شعرت بالغثيان بابه شبه مفتوح لكن هنالك جيش من الموظفين أمامها عليها عبورهم تعرف ان مقابلته صعبة فقد اتصلت سابقاً واخبروها أن "سيدهم " لا يقدم الهبات بشركته بل بالمؤتمرات الخيرية, شتمت بسرها يعتقدون أنها تريد استحصال صدقة من الحقير ..أغمضت عينيها بقوة تتحضر لما هو قادم لتفتحهما مصوبة نظرها لهدفها.. امسكت حقيبتها بحزم وبدأت تسير بخطى واسعة ...تعلم أن الجميع حولها مصدوم من سرعتها للوصول لبابه لتصطدم بامرأة طويلة سدت المدخل أمامها يبدو انها سكرتيرته حيث صرخت الاخيرة بقوة
"الى اين! لا يمكنك الدخول "
كانت السكرتيرة هي من كلمتها على الهاتف لقد ميزت صوتها فكرت نمارق "خطوة واحدة فقط تمنعها عن رؤيته بعد كل تلك السنوات الجرداء"
لتهمس بصوت غير واثق "أريد الدخول لرؤيته أرجوكِ"
ردت السكرتيرة بلهجة حازمة
"لقد بلغوني تحت أن متسولة دخلت مبنانا... مما أرى انت هي الفتاة اللجوجة على الهاتف سابقاً فنبرة التوسل هذه أستطيع تميزها ولو بعد أعوام...لقد أخبرتك ان هنالك مؤتمر خيري قريباً جداً سيحضره السيد الكبير "عز الدين" وحفيده وسيقدمون هبات كثيرة لكم..."
دفعتها نمارق بغضب قبل ان تكمل كلامها ..... لكن السكرتيرة مصرة على موقفها تعالت الاصوات بين المرأتين حتى جاء هديره من الداخل
"ما الأمر.... لدي مكالمة مهمة لا أريد ازعاج أمام بابي"
مدت السكرتيرة رأسها بخوف
"اسفة سيدي لكن هذه مصرة للدخول...."
تكلم بغضب مخيف
"من هذه ....التي لا تستطيعين التعامل معها"
لتستغل نمارق انشغال السكرتيرة بالتوضيح وتدفع الباب بكل قوتها وتندفع معها السكرتيرة للداخل.... وجهت نظرها نحو مكان جلوسه تتنفس بقوة وغضب وأحباط ويأس ....مشاعر تداخلت وهي تراه بعد عشرة سنوات كئيبة غير مصدقة لقياه... اغلق هاتفه بهدوء وقطب جبينه يحدق بها لتستجمع شجاعة طالت شهور منذ عقدت العزم على المجيء ليخرج صوتها متقطعاً لكن يحوي نبره حقد وألم وقهر
"هذه... يا سيد "غضنفر عز الدين"... المرأة التي اغتصبت!"
.............
أنت تقرأ
الى مغتصبى بعد التحية الجزء الثانى من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوى
Roman d'amourأيمكن أن يطعني القريب فيصدها عني الغريب! أيمكن لعدوي أن يصبح منقذي وصديقي هو المبيد! أسالك يا ذابحي أن تجيب سؤالي واضح سؤالي بسيط! هائمة على وجهي اسأل نفسي كيف أنقلب الحال كيف أنقلب النصيب! سنون مضت ...أفر من ماضِ كريب! ليسقط القناع ويكشف الخداع ويب...