الفصل الثامن

133 5 0
                                    

الفصل الثامن
كان يحدق ببلاهة صوبها إما انها أخطئت باسم والدتها أو أن شيء لا يعلمه حدث قديماً ليظهر شبح ابتسامة حزينة على محياها
""ليال" هي أمي التي ولدتني وهي أبنة جدي "سعدي" الوحيدة بينما "سعاد" فتاة يتيمة لم يكن لها أهل وجدتي جلبتها من الملجأ للعمل بالقصر... من حقك أن ترتبك لأن جدك منع ذكر أسمها لذا أي غريب نسب قصتها لسعاد المسكينة فهي الشابة الوحيدة المتواجدة"
"كيف عرفت بكل هذه الأمور ...آه انها عمتك مرة أخرى...أقصد من المفترض أن تكون عمتك ابتهال!!"
هتفت بألم واضح
"ستظل ابتهال عمتي وسعاد أمي فهاتان المرأتان كما ساعدتا أمي وقت شقاها ربينني وكأني من دمهن ولحمهن وقبلهن جدتي الحبيبة وأجل أخبرت عمتي الدكتور واصف وأبرار بكل شيء "
"حسنا اخبريني بهدوء ما حدث ولا تنفعلي !!"
لتبدأ هذه المرة بسرد الماضي بإسهاب
" أمي "ليال" أحبت جلال خالك وهو بادلها بالمثل كان شاب متمرد على أبيه وكاره لتسلط أخته كواكب كان يريد السفر والعيش على هواه فوجد بليال شيء مختلف ومميز لكنها رغم كل حبها لها كانت تريد الزواج ولم ترضى بأي علاقة محرمة!!...يومها جدي سعدي ترك العمل عندكم وأخبرها الرحيل لكنها رفضت من أجل من تحبه ليتبرى منها وظلت هنا بهذا المنزل تطالب من ضحت من أجله أن يتزوجها... كان خالك في هذه الفترة يحضرونه للزواج بأخرى عنوة وهي "أم ربى" فترك المنزل غاضباً لشهور و كان يعيش بالمشفى التابع للدكتور عاصي حيث كان مازال طبيب مقيم مثلك الأن لتذهب أمي إليه وأخطأت يوم فكرت بذلك ولا حاجة للتخمين ما حدث هنالك !!"
شاهدت نظرة الحيرة لتضيف بتعاسة
"لقد اخبرت ابتهال وسعاد بكل شيء لقد حقنها بالمخدر كرها ومع فعلته الخسيسة نحوها والتي لا تمت للرجولة بصلة سامحته مع الأسف بينما هو ظل يعدها ويكذب أنه سيصلح خطئه و أنه كان محطماً تلك الفترة ورفضها زاد غضبه فتهور دون وعي!! كانت مجبورة لتصديقه فقد كان مصدر الأموال الوحيد لها حتى بات الوضع أتعس حيث اكتشفت حملها بي وانقطع فجاءة عنها لتلدني بمشفى صغير وحدها!! "ليال" الصغيرة التي كانت حمقاء لتصدق بقصص الحب والفارس الهمام الذي يدافع عن حبيبته لأخر قطرة بدمه وعت أخيراً أنه غير موجود ولن يكون موجود أبدا!!"
بكت تتخيل فتاة لوحدها مع طفل ومهجورة وفقيرة
" ضاق بها الحال بسببي وبخطوة أخيرة يائسة من دنياها أخذتني لأبي وتجرأت لدخول قصر الوزير الظالم لتجده يحتفل بولادة "ربى" هنا جنت وهددت بفضحهم لكن أمك وجدك ضربوها بشكل وحشي كما قالت عمتي وحبسوها بالملحق ...كانت جدتي وأمي سعاد وابتهال عطوفات عليها تلك الفترة وأيضاً الطفلة ورقاء الحقيقة كانت توفت يومها وسعاد عندما رأتني يقال أنها ابتسمت واهتمت بي جيداً "
"ماذا حصل بعدها؟"
"هددهم خالك أن لم يتركوها سيرحل للأبد يبدو أنه أراد التخلص من وجودها بحياته... اعتقدوا انهم سيهدؤون روعه فترة فتركوها لكن هنا كانت أمي وصلت لأخر مراحل الجنون فتركتني مع آل عبد البر ووصية منها أن يفضحوا نسبي واختفت وبالصباح جاء الخبر الأسود للقصر!!"
هزت رأسها بأسف
" جاء للشرطة بلاغ ليلاً ان رجل وامرأة يتشاجران بقوة في هذا المنزل الصغير "
وقفت وهي تنظر للشجرة المبتورة
" بالصور الموجودة عند جدي كانت شجرة جميلة وخلابة يقال انهم وجدوا أبي يقف هنا وأمي تحتضنه وفرع الشجرة المدبب اخترق جسديهما !!"
وضع نهشل يده على فمه لتتابع
" الجار الذي شكى للشرطة الضجيج كان يقف قرب المنزل يشاهد من النافذة المفتوحة ...يقول ان المرأة كانت منهارة ودفعت الرجل متعمدة بعد أن ضربها بقسوة وكان سيتركها ويرحل وعندما دخل للمنزل مصاباً بالفزع ليطلب الشرطة هي لحظة غفل عنها ليشاهدها تنضم للرجل تقتل نفسها وهي تحتضنه!! توقف نشيجها وصراخه وعم الصمت المكان بسرعة!!"
مسدت على اللحاء الميت
"تستطيع أن ترى آثار دمائهم التي حُفرت كدليل هنا ...كم أنها دماء سامة فقتلت الشجرة المسكينة!! "
اجهشت بالبكاء وهي تضرب على الجذع الميت تلومهم على افعالهم السيئة ...كل دمعة تسقط منها الأن هي عتاب لأنهم السبب بما تعانيه ومازالت
"أرادت فضح الجميع وتنكيس رؤوسهم كما أردتُ أنا لكنها عرفت انهم أعلى سلطة بالبلد لذلك لن تستطيع أن تقف نداً لهم ففكرت مثلي بالضبط فلترحل مع المجرم الذي عشقته وسلمته روحها بينما دنسها وخذلها و يا ليتها اخذتني معهم فحالي مثلها تماماً مكسورة ومهزومة ومكروهة وذليلة ...اي امرأة ستعشق ويخيب ظنها ستجن وتتطرف بتصرفاتها ... حتى انهم لم يعلنوا يوماً وفاتها وقالوا للناس أن خالك مات لوحده بحادث سيارة وأقيم له عزاء ضخم وكتم الخبر وسدت أفواه الجميع ودفنوها بصمت وهكذا عاشت ليال وماتت منبوذة ودون أي ذكرى تخلفها!!"
مالت على بقايا الفرع الدامي هنا نهض نهشل بسرعة يضمها من الخلف يبعدها عنه
"لكني أحبك يا ورقاء ...أنا لست خالي وأنت لست كأمك نحن نختلف ونهايتنا ستختلف أيضا"
أدارها اليه ومازالت ضمن دائرة حضنه ليمسح وجهها المبلل بدموعها
" ثقي لو كنت أعرف بوجودك لما استسلمت ورضخت لمكرم أنا كنت يائس من الحياة ... هذا القلب المثقل بالهموم يدق لأجلك فقط ويفرح لقربك وسيموت بحق لو حدث لك مكروه...أنا لن اتحمل مرة اخرى خسارتك ولو علمتُ أنه بقي لي نفس أخير فقط بحياتي سأكرسه لأجل إسعادك ورضائك وسأعيد ورقاء القديمة لي ... سأمحو سواد الماضي وسأقتل شياطين الحاضر برأسك فقط قولي نهشل أفعل وسألبي و لو استطعت أن تغفري خذلاني وجبني ...سيكون ذلك فوزي الكبير فهذا هو الحلم الذي أتمنى تحقيقه الأن ....حبيبتي"
لا تعرف ماذا يحدث داخل ضلوعها ففجاءة حفلة موسيقية انطلقت داخلها لكنها تكتمها بأعجوبة ...حتى أنها تشعر بحرارة تنتشر تدفئها هي وليس هو هذه المرة ...تتمنى أن تظل معه هكذا للأبد هل عادت مشاعر المراهقة الميتة تحيا بجسدها!! عيونه تبدو صادقة جداً وكلماته غمرتها بسعادة كبرى لكن هل ستكون وقتية كما حدث قديماً...كانت تتفرس بعينيه المحبة لا تعرف هل ستصغي لقلبها الذي يدق بقوة مرة أخرى ليأتي جوابها سريعاً لنفسها "أجل سأتبع قلبي وسأمحو ماضيي فقط من نظرة كهذه انا فقط بقلبه وعقله " رفعت يدها المتصلبة تريد احتضانه كما يفعل ليقع رأسها على كتفه!! ارتد للوراء يمسك بجسدها المتهدل ....يهزها يصرخ لكنها كانت قد غابت عن الوعي!!
.............................
فتحت عينيها ببطء ومازال الضباب يحيطها لتتوضح الصورة بعيون نهشل وابتسامته صوبها !! هل تحلم حلم سخيف كعادتها ليتمتم فتتأكد من وجوده
"كيف تشعرين ؟"
لاحظت أنها بغرفة المشفى نفسها
"ماذا حدث ؟"
"أمس أغمي عليك وجلبتك هنا وسهرت بجانبك طوال الليل ولا حاجة لنخمن ما فعلته بك وأنت غائبة عن الوعي.... "
ليقهقه يمازحها فتشخر من كلامه
"مستحيل أنا أعرف أنك تتقزز من جسدي !!"
مال على السرير يتكلم بشجن
"أنت حمقاء لو فكرت أن هذا سبب نفوري منك أنا كرهت فعلتك بينما جسدك هو شيء اتمنى أن أحميه بحياتي ...لم تتح لي الفرصة قديماً لأكون أنا من يتعذب بالسجن لكن سأعوضك "
أخذ كفيها يحتضنهم بين يديه ليبرهن ولو قليلاً عما يشعره لتتمتم
"لنكن واقعيين ألم يكن لديك رغبة بأن أكون عذراء !!"
اعتصر اصابعها لكن ليس بقوة
"مع أني لا أحب قول هذا على فتاة أي كانت لكن خطيبتي السابقة "جودي" المفروض عذراء جسدياً لكنها لا تصل لعفتك وعذرية قلبك قبل جسدك!!كما انني أعرفك يا زوجتي الحبيبة لولا ما حدث بالماضي وهو للأن يطاردك ولو لم تقابلي وحوش مثلنا لما فعلت هذه الفعلة الغبية ... أي واحدة بمكانك كانت ستتحطم وتفعل أسوء من هذا وكثير لجأن للزنا والقتل وأكثرهن قتلن أنفسهن... للأسف هذا هو واقع أي أمرأه قابلت عائلتي ومكرم ومن على شاكلتهم لكن فتاتي كانت مميزة ما فعلته هو اعادة حقها بزوجها ومكانتها العالية عنده وأنا فخور بها ولا يهمني أي ما حدث "
قبل كلتا يدها يمنع الغصة التي كادت تفلت أمامها كيف يواسي ما عاشته بالسجن وكيف يمحو ذكريات تعذيبها ونجاتها من موت قاسي وكيف يعوض سنوات وجعها وألمها واصلاح جسدها الميت !!ببساطة لا يعرف ... بينما أفكار ورقاء بهذه اللحظة كانت تشعر بخيبة كبيرة لتقبيله يدها فقط!! لكن مع ذلك أسمها قبلة اخيراً منه اشعرتها بأهميتها وبأن الحياة عادت لتكون ملونة حولها ...هو لم يعتبرها ماجنة بفعلتها فغيره كان سيشمئز لكن حبيبها مختلف ومتفهم وعاقل فكيف تصورت أنه تغير!! كيف صدقت الظاهر ونسيت أن القلوب البيضاء كقلب نهشل لا تسود ولا تلطخها الشرور والآثام حتى ولو كانت أمه الشيطان بنفسه ...نظر اليها بمكر ليغير الجو القاتم
"كيف سرقتم أطفالي !!"
اسدلت أهدابها وتبدو نبرة الذنب بصوتها
"حسنا وسناء أخبرتنا عن فعلك من شهور لكن لم أفهم لما خزنتهم فغضبي من خطبتك لجودي أعماني أردت ارجاعك لي بأي ثمن الأن فهمت ... "
صدمها وهو يخبرها بصدق
"لم أكن أريد الزواج بعدك وكنت اعرف أني بكبرتي سأعاني من مرضي ففكرت سأجد من احتاجها وتحتاجني نكون بظروف تضطرنا للزواج لكني لن أحرمها من الأطفال ما ذنبها ف..."
سكت وهي ترمقه بنظرة شريرة لترتفع زاويتا فمه ببهجة
"لم أعرف أن ربي قد حفظ لي مهجتي لتعود لي وتحمل أطفالي... أنا محظوظ ولا أعرف كيف أشكره على هذه النعمة!!"
ابتسمت نحوه لتموت فجاءة ابتسامتها
" ماذا حدث للورقة التي وقعت عليها !!"
"لا تخافي انها بيد أمينة... "
لم تفهم ما يعنيه لكنه مرتاح بصورة تثير الشك ليردف بفخر
"ليلة وصولك للقصر كلمت وسناء وتحدثنا مطولاً ...أمس قبل أن أتي لغرفتك وتخطفيني..."
هز رأسه بعدم رضا وهو يتذكر حالها ليتابع
" أخبرتني أنها عائدة للوطن وكلامي كان دواء لجروحها لكنها أصرت أن تسرق خزنته لكني سأخفيها بمكان أمن وسنحاول فضح أفعال مكرم بالأدلة التي استطاعت تهريبها "
نظر لعينيها المرتابة
"بسببك أنت جعلتي الحماس يدق بابي... أعترف أني حسدتكم لأن همكم كان على البلد بينما همي كان على مجرد وكالة سخيفة"
"أوه الحمد لله أني لم اجن وأقتلك امس وإلا كنا فقدنا مواطناً صالحاً"
ضحكت لتشعر بألم تمسك بطنها ليبهت لونه
" أنا وانت سنسافر لعلاجك مفهوم!!"
" تشعروني بأني سأموت ...مرضي ليس كالسكري على الأقل كليتي موجودة أما البنكرياس عندك فأنتهى"
ضاقت عينيه تريد أن تبرهن أنها بصحة جيدة أمامه ليردها
" وماذا عن عينيك!! ألم تقومي بعمل عملية لها بسبب الضربة التي تعرضت لها بالسجن!! "
هزت رأسها اذا يريد مقارنة من أكثر هشاشة وضعف
"الضربة كانت بسيطة ولم تمس العصب...ماذا عن تلف أعصابك بسبب حقن المخدرات كما أخبرتني!!"
"وماذا عن أسنانك التي اضطررت لتعديلها وعمليات التجميل لوجهك..."
أخذ نفساً عميقاً ليضيف قبل أن تتحدث
" واجهاضك الأن الذي أضعف كل جسدك !!"
صمتت بعد معركة مضحكة حولاها لسخرية من أوجاعهم
"حسنا أنت تفوز أنا أكثر علة منك "
مسد شعرها "ما يبهجني أن شعرك عاد كما كان... "
ليشعر بتشابكه فجاءة بين أصابعه نهضت من وسادتها محرجة تبعد يده لتتكلم بكبرياء مزيف
"مشطه لي من يومين لم أعتني بنفسي بسببك!!"
اشارت للحقيبة بالدولاب وسط ذهوله من تصرفاتها لينفذ فجلب الفرشاة وجلس ورائها لا يعرف ما يفعله فهو لم يمشط شعر امرأة من قبل لتسند رأسها على صدره !!
جلى حنجرته فلم تفهم ليعيدها وهو يتحدث
"هلا نهضت يا ملكتي لأسرح شعرك المنكوش !!"
تكلمت بدلال ومازالت تستند على صدره مرتاحة
"لا أحب كلمة ملكة الملكات كريهات وعجائز... "
"اذا يا أميرتي تابعك نهشل يريد أن يسرح شعرك... "
اعتدلت بجلستها تبتسم ليبدأ تسريح شعرها بخطوات بطيئة كانت تكتم الصراخ داخل فمها بصعوبة وهو يقوم بجر شعراتها من الجذور لقد أخطأت بطلب المساعدة منه ...تساءلت كيف يكون الأمر رومانسياً بالتلفاز فالممثلات يكن سعيدات عندها!! لوت شفتيها بمقت وهي تشتم "مخادعون"
وفجاءة هسيسه من خلفها يعيدها للواقع
"هل أنتهى عقابي!!"
ابتلعت ريقها واغرورقت عيناها بدموع اللحظة
"أخبرتك عقابي لك هو أن تلازمني ليل نهار تنظر بوجهي وتبتسم"
قطعت كلامها لتكمل بسرها "عندها سأشعر أني على قيد الحياة"....رد بمرح وبانت البهجة بصوته
"ما أجمله من عقاب أذا أثناء عقابي ما الذي فكرت به أيضا؟"
رفعت رأسها للسقف تحاول تذكر كل ما تخيلته قديماً عن مستقبلهم
"نستيقظ معاً صباحا ومعنا أطفالنا الثلاثة "ولد وبنتان" نجتمع على مائدة الفطور الصغيرة بمطبخنا الجميل...بعدها تذهبون للعمل والمدارس وأنا انتظركم حتى تعودون ...اكون عندها حضرت بيتي ليكون مريح وسعيد وسيكون المكان الذي تفرحون عند العودة اليه لا الهرب منه!! ثم نتغدى ونتفرج على التلفاز وضحكاتنا فقط من تنطلق بالأجواء ...نأخذ قيلولة وبعدها نستيقظ ونخرج جميعاً بنزهة نستمتع بكل لحظة نعيشها مع بعض ولا نفرط بثانية منها كي لا نندم بعدها على ذهاب ايامنا عبثاً فنعود أخيراً لبيتنا ننام هانئين مطمئنين وطبعاً سأنام بحضنك وستكون يداك وسادتي ...عندها وانت تحاوطني وأسمع دقات قلبك تحت أذني والتي ستكون من أجلي هنا الماضي وذكرياته لن يكون لها وجود بحاضري ولا مستقبلي"
كانت الدموع تصب بغزارة من عينيها لم تعرف أنها مزقت قلبه لمئات القطع خلفها بحلمها الجميل هذا ...تساءل بمضض لما حلم بسيط يستطيع اي أحد عيشه يريانه شيء مستحيل وصعب تحقيقه!!ليعود يكمل تمشيطها يسيطر على انفعالاته وحزنه أنه أيضاً يريد هذا بل صار الأن يتمناه بولع لكن ومع حالتهم البائسة هل يمكن أن يصبح الحلم واقع!!ليعود يهز رأسه
"اذاً لنحققه يا ورقاء ولنهاجر لماليزيا لأقابل جدك ولنترك مكرم له وأمي بالفعل خسرت كل شيء زوجها وأملاكها وكرسي البرلمان ورحيلنا اقوى ضربة ضدها أم أنك لن ترحلي حتى ترينها ميتة!!"
الجملة ازعجتها فكم كرهت هؤلاء القوم لكنها أبداً لم تفكر بموتهم كانت تفكر بحزنهم وخزيهم فقط... ابتلعت ريقها
"لا يهم ما أفكر به فجدي تبرأ مني"
صاحت بقوة وهي تشعر بضغط الفرشاة على بشرتها ليعتذر "أسف ..."
كان يمسد مكان الوجع يواسيها
" ما حاجتك لجدك وأنا قبل ان أكون زوجك "أبن عمتك" ودمنا نفسه يجري بالوريد ...هل تعرفين أشعر بسعادة مفرطة الأن"
ليمسد بيده الحرة مكان الوريد على ذراعها فيبتسمان على حقيقة واحدة فقط كانت مبهجة ...اخيراً صاح بفخر وهو ينظر لشعرها بعد أن رفعه على شكل ذيل حصان ...كانت تشتم نفسها بهذه الأثناء لقد جعل صداعها أعلاه ...عبست وهي تنظر للشعيرات التي قطعها واستقرت بحضنها لكنه مازال يتفاخر
"المفروض أن اكون مصفف شعر أنني مبدع ومميز بهذا !!"
اعطاها مرآة صغيرة رفعتها أمام وجهها قليلاً لتشاهد خصلاتها مبعثرة من الجانبين ابتسمت وهي تتحدث من بين أسنانها
"فلتحذف من جدولنا مستقبلاً أنك ستمشط شعري مرة أخرى "
ضحك وهو يجلس قبالتها لتضحك من قلبها معه ونسيا لوهلة أهلهما وكيف عاشا فتلاقت الأعين المغمومة تذكرهما بوجعهما... كل يرى ألمه بعين نصفه الأخر لتتمتم قرب وجهه
"أين ذهب حبنا لو كان فعلاً ما بيننا حب... مات صحيح !!"
"الحب لا يموت ياورقاء ...هو في بعض الأحيان يمرض لأن اصحابه يهملونه ... وأنت أهملته لأنك عانيت من قسوة الحياة وأنا آيست منها... لنتخيل حبنا كالورود يحتاج أن نسقيه ليزهر ويعود مرة أخرى لقلوبنا "
"وكيف نسقيه أيها الذكي هكذا..."
أرسلت له نظرات ماكرة لتقرب رأسه اليها بقوة حان الوقت لأعاده إحياء حبها كما قال!! ...لم ينتبها لمن ينظرون اليهم بصدمة ...كانت ثلاث أزواج من العيون اول من أبتعد هو نهشل وهو ينتزع يد ورقاء المتشبثة بعنقه والتي عقدت الصدمة لسانها وسمرتها بسريرها ...بينما هو يعرف أنهم سيحضرون لتهتف وقد وجدت صوتها
"أبرار...وسناء!!"
تمشت أبرار نحوها تعتذر
"اسفة يا ورقاء على ما فعلت لقد دمرت صحتك كان علي أن أمنعك حتى لو انهرت..."
امسكت ورقاء يدها تهدئها
"توقفي أرجوك لا تحملي نفسك ذنبي ...أذا هل زرتهم كما قال نهشل!!"
" نعم كنت بقريتي وزرت قبور أهلي واليوم صباحاً عدت "
كان واصف خجلاً منها بينما وسناء تأخذ نهشل على جنب يتهامسان وهي تسلمه حزمة من الملفات لتنتبه لواصف وهو يتلعثم
"أسف لهجومي أمس..."
"لا داعي للأسف أرجوك لو كنت بمكانك كنت فعلت أكثر لكن اخبروني وسناء كيف تعود هكذا!! وأنت يا أبرار ألا تخافون!!"
نظرت ابرار لزوجها بقلق واخيراً شاهدت تسمر نهشل من بعيد و وسناء تتكلم بألم
"لولا أنه تحدث معي اعتقد كنت انتهيت أيضاً اليوم !!"
ارتمت الفتاة بحضن نهشل باكية ولم تدرك النار التي شبت داخل ورقاء التي تريد النهوض وسحبها فهذا الحضن محرم على الجميع لتكتم غيظها وتتكلم بدبلوماسية
"وسناء حبيبتي تعالي هنا ....هلا تخبروني ماذا يحدث وما بها وجوهكم مهمومة!!"
ليصل ماجد ينظر لصاحبه بحزن ويربت على كتفه ليتمتم نهشل أخيراً وبدى بعيد عنهم
"غير معقول!!"
فتح ماجد التلفاز المعلق أعلى الحائط امامهم لتفتح ورقاء فمها حيث الخبر باللون الأحمر تردده مذيعة الأخبار لأكثر من مرة
"انفجار ارهابي بفندق بفرنسا هذا الصباح!!"
تنتبه لكلام المذيعة وهي تتحدث
"ومن ضمن الضحايا البرلماني المعروف "مكرم" وأبنه قد قضوا بالحادث بينما أبنته نقلت للمشفى وحالتها غير موضحة للأعلام وشهود عيان يقولون أن انتحاري تابع لأحد الجماعات الاسلامية المتشددة فجرت الفندق ...."
لم تسمع باقي الخبر لأن نهشل غادر على عجل دون قول كلمة
لتتمتم وسناء " سرقتي للأوراق لم تعد ذي فائدة لم نفعل شيء..."
صرخ ماجد يفزعها
"كيف لا فائدة وجودك معنا كله فائدة "
ليغادر مستاء قبل أن يفضح مشاعره ...سأل واصف "وسناء" وقد بان الهم على محياه
"لكن الفندق باسمك ماذا لو..."
"المجرم لم يكتبه لي مجرد وعدني أنه سيعطيني إياه هدية وبعد شجاري معه حرمني من كل شيء... لذا سرقت خزنته وهربت على أول طيارة قلت سأوفي ديني لأختي وزوجها ولا يهمني حتى لو لحقني وسمعت بالكارثة معكم قبل قليل"
ابتعلت ورقاء ريقها تنظر للفتاتين
"حسناً مكرم لم يكن الوحيد المعني بأذيتكم!!عاصي كان اليد العليا..."
شهقت الفتيات ليتمتم واصف "هل عرف نهشل بأمره..."
هزت ورقاء رأسها لتنتبه للتلفاز والكل يصمت فصورة موجعة ينقلها مراسل القناة للعالم الأن وهو يتحدث
"الحصيلة الأولية تشير لوقوع أكثر من مئة شخص بين قتيل وجريح وأكثرهم من الجالية العربية المسلمة بفرنسا!!..."
انقبض قلبها فأن تسمع الخبر غير أن تراه عيناك بحذافيره ...تحدق بالمنظر الذي يندى له الجبين... في هذه اللحظة أخوان لهم هربوا من جحيم بلدانهم وقسوة حكامهم وجورهم ينازعون الموت يتألمون ويشعرون بالصدمة لما عايشوه!! لقد ظنوا انهم سيهربون مع عوائلهم ليعيشوا كما يعيش غيرهم لكن أراذل البشر لحقوهم ليبثوا حقدهم وسمومهم عليهم بدل أن يقاوموا المحتل الحقيقي... اليوم خطفوا فرحة طفل وبهجة امرأة وسعادة رجل وحلم أنسان أراد الحياة الكريمة التي اعطاها له الله وليوجعوا قلوب على من فارقت وستفارق بالغربة ويمزقوا أرواح من سيبقون يعيشون بعدهم... ألم لا يعرفه ولن يستوعب مقدار وجعه إلا من جرب فقدان عزيز بتفجير حقير لا هدف منه إلا قتل المسلمين وتشويه صور الإسلام الحنيف!!بكت ورقاء و وسناء وأبرار ينظر واصف اليهن وكيف تبدلت أرواحهن من قسوة لقهر على ضحايا لا يعرفونهم حتى!!تمتم بحسرة
"اسفي على أمة لا يسمح لها القريب أو الغريب أن تتنفس!!"
لتتحدث أبرار بلوعة
"الأن الحكومة الفرنسية ستطرد اللاجئين وستزداد العنصرية والمقت تجاهنا...ألا يكفي اضطهادنا داخل بلداننا!! هل من فجر مسلم حقاً!!"
تعقب وسناء تهز رأسها
""لا يقتل المسلم أخيه المسلم ولا ينتقم ويعاقب الغير إلا ذوي القلوب....."
صمتت وحقيقة ظهرت وتجلت أمامهن بوضوح... تنظر كل واحدة للأخرى بوجل وأخيراً أدركن معنى كلام واصف... انزلت الثلاثة رؤوسهن خجلات من تلوث قلوبهن فأي ارهاب بالعالم بدأ بفكرة حاقدة وبعدها تتطور الفكرة لثأر ولو أصبح الناقم ذا مقدرة سينفذ وعيده وسيتلذذ بانتصاره الساحق فتموت الطيبة داخله عندها يكون التحول الأخير له من عبدٌ لله لعبد للشيطان وسيطلب المزيد فيصبح الدم والانتقام هو غذائه الروحي ولن يرضى بعدد ضحايا أقل من مئة وبعدها الف وهكذا... فكم من فعلة متهورة صغيرة اصبحت كارثة انسانية لا تغتفر ...شاهد واصف هروب اللون من وجههن لتبكي ابرار تحتضن ورقاء التي كانت اخف منهن حقداً فهمست تناجي بندم
"يا رب سامحنا وأمحي الغل من قلوبنا وأرجعنا لطريقك يا الله"
انضمت وسناء اليهن تجهش ببكاء مرير يغسلن تواً أرواحهن يزلن سواد الحقد الذي زرعه مكرم بهن وكواكب ومن معهم ويعدن نشر البياض الذي ولدن وتربين عليه ... بكت الفتيات بشجن قوي لكن واصف أومأ برضى فقد عرف أنهن قتلن الشيطان بقوتهن وعادت القلوب نظيفة وهو يسمعهن يرددن الكلمة التي كان يجب أن يقولنها منذ البداية
"حسبي الله وكفى "
تردد صداها يقشعر القلب القنوط يحيه... جملة لو أدرك الأنسان معناها الحقيقي لما يأس ولما حزن ولما بكى يوما .
...............................
تغلق كواكب هاتفها وضحكة شماته ترسم على شفتيها... البلد كله يتكلم عن مقتل مكرم لكنها لن تجعله يموت بطلاً بنظرهم ...لقد اوعزت لمساعديها ببدء الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي عن سرقته لأموالهم... للأسف ليس لديها أدلة مادية لكن الكلمة باتت أسرع من الطلقة اليوم وستصيب الهدف... هي لن ترضى أن يدفن إلا وكل العالم يسبه هو وعائلته ...فتحت باب غرفة ربى تعلن بسعادة
"لقد مات المجرم مكرم بتفجير ارهابي "
هبت ربى واقفة ليخرج أثير من الحمام مصدوم لترفع كواكب هاتفها صوبهم والخبر منشور بكل المواقع الاخبارية
"ما بكما!! لما لا تفرحان فقاتل أهلكم لقى حتفه وكان يستحقه لنحتفل سراً لأن علينا أن نحضر لعزاء كبير سيحضره أعيان البلد "
تمتمت ربى مرتعشة "ن...نحتفل!! "
بينما هز أثير رأسه مستهجنا قولها
"ليس لأننا نحبه لكن لما نحتفل !! ما بك مئات الشهداء من بلدنا راحوا معه!! لقد غلبت الشيطان بفعلك هذا "
فتحت فمها من صلافته لأول مرة لتضيف ربى
"انت تخيفينني هل أنت من فعلها!! يا ألهي عمتي اذا بعد أن تتخلصي من كل أعدائك هل ستلتفين علينا!!"
تلعثمت كواكب من محاصرتهما لها
"ما ذنبي أنا كيف تتهميني...."
"من تفرط بشرفها يا سيدة كواكب ليس صعباً أن تفرط بضميرها..."
وصلت لأثير الغاضب كادت أن تصفعه ليمسك يدها وعينه محذرة
"لست كلبك لأسمح لك بإهانتي!! وتذكري أنا هنا أتحمل كل شيء من أجل أخي وزوجتي العليلان وزادت عليهما أبنة خالي ورقاء!!"
قهقهت كواكب ساخرة
"ورقاء ليست قريبتك ...الم تخبرك أمك الخرفة أنها تكون لقيطة رميناها عليكم!!"
هتفت ربى مستاءة
" ورقاء أختي ...وأن لم تعترفوا بها فأنا سأفعل وأفخر بها"
نظر أثير لزوجته الأن فهم ما يحدث وبات كل شيء منطقي هز رأسه
"هذا القصر مليء بالخطايا والذنوب ويبدو أننا الأربعة سنكون ضحايا لجريرتك أنت وعائلتك وعائلتي معكم!!"
................................
في هذه الأثناء دخل نهشل القصر ليشاهد بالحديقة الخدم وعبد البر أولهم يتغامزون وينظرون اليه بريبة...كانت نظرة عبد البر خبيثة هو اعتقد أنها بسبب ورقاء ليشخر الرجل ويترك المكان ...لم يبالي نهشل لأفعاله ليفعل ما يريد فورقاء ليست أبنته وقد فرضت عليه فرضا وكان لئيماً ولا يهمه مصلحتها...تقدم للداخل وكانت الوجوه أسوأ انهم ينظرون صوبه نظرات ليست حاقدة بل كانت نظرات شفقة!!ماذا يحدث!! كان الجميع ينظرون لهواتفهم ويبتعدون هل هو بسبب خبر موت مكرم صاح بنزق "أين امي؟"
اشارت احدى الخادمات للأعلى وهربت كالبقية ...ارتقى السلالم ليسمع صوتها العالي بغرفة أثير !!
بالداخل كانت ربى صامتة بعد مناقشات استمرت طويلاً بينما زوجها علا صوته وصار حاداً
"لا تجعلينا نتحول مثلك والأن تأكدنا أنك من قتله ماذا تريدين منا..."
ردت كواكب بغضب وهي تنطق الكلمات من بين أسنانها
" اسمع يا غبي لقد قتل والدك بوحشية!!"
"والدي خان أمي ودخل لجحركم برضاه لذلك لن أعلق وقد كان ومكرم مجرمين مع بعضهم "
هتفت بسخط
"والدك لم يكن مجرماً لا تتحدث عنه هكذا!! "حكمت" كان رجلاً طيباً... تشاجرنا قبل الانتخابات لأنه أرادني أن أكون له وحده وصحيح هددني بالتسجيل الذي معه لكن عندما أخبرته أن حبنا المستحيل أثمر عن "نهشل" ...عاد وقرر أن يصمت لكن مكرم ازاحه وأزاح والدتك خوفاً على سمعة الحزب... "
لم يرداها بل جعلها تشعر بالقلق وعيونهما محدقة بوسعها وأفواههما شبه مفتوحة وهما ينظران لورائها لتسمع همس أبنها
"ماذا ......قلتِ!!"
..........................
في مشفى خاص بعيداً عن الصحافة يجلس مكرم على السرير يضرب رأسه بقوة ومساعديه يخبروه بموت جود بينما جودي بغيبوبة ....قبض على كفيه بقوة ليسمع سكرتيره الخاص
"الأمن شديد حول الفندق لا أعرف من أين كانت الهفوة !!"
"ألم تفهم..."
ابتلع مكرم ريقه بصعوبة وهو يتحدث وكأنه يتجرع سماً
" أن من فجر الفندق منا وعلينا ككل التفجيرات التي تحصل... لا يوجد غريب ابداً"
"هل تعرفه يا سيدي !! لهذا زيفت موتك للإمساك به مع حكومة فرنسا!!"
"بل "أعرفها" أفعى كوالدها أخذت أبني الغالي مني ودمرت أبنتي الحبيبة...اذاً العين بالعين والسن بالسن....
والأبن بالأبن أكيد!!".
................................
انتهى الفصل

واذا البتول تمجنت الجزء الرابع من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن