الفصل الثاني
استيقظ قاطني القصر عند منتصف الليل على دوي صفارات الشرطة بشارعهم!! هرعوا جميعاً للخارج بمقدمتهم ورقاء ووالدها وجدتها ...لاحظوا تجمهر الناس أمام العمارة التي تسكنها عمتها والوجل تملك قلوبهم وهم يتجهون نحوها هل الشرطة تقصدها أم أحد المستأجرين الاخرين !! لكن عندما وصلوا الموقع كانت الصدمة التي عقدت الألسن وهزت القلوب !! لن تنسى ورقاء وهي ترى داخل شقة عمتها كثرة الدماء المنتشرة على الأرضية والعم "حكمت" غارق بها وعينه مازالت مفتوحة لكنه جامد بصورة غريبة... كان اثير يبكي بقهر قرب جسد أبيه ... فتشت بعينيها تبحث بالشقة ...الجميع يحاول اخراجها من المكان لكنها تقاوم ومازالت تمشط بحثاً عن عمتها واخيراً وجدتها تجلس بعيداً وبيدها سكين مطبخ!!
"سامحوني...سامحوني أرجوكم"
هذا فقط ما تردده والشرطة تحاوطها...شاهدت والدها ينهار من هول الصدمة وجدتها تبكي وتضرب صدرها لكن ورقاء تنكر ما تشاهده أمامها لتسمع الجيران من خلفها يتمتمون
" لابد أنه ضربها بقوة لتنهي حياته بهذا الشكل القاسي !!انظروا للكدمات المخيفة على وجهها يبدو أنها كانت تدافع عن نفسها"
نظرت ورقاء لوجه عمتها الدامي فعلاً كدماتها مخيفة لكن العم حكمت بحياته لم يؤذيها ولم يضربها...كانا يتشاجران أجل كما بقية الأزواج ولم يصلوا لهذا الحد من الإساءة... بينما العكس كان والديها من يتعاركون طوال الوقت فأمها كانت تبحث عن الشجار كلما سنحت الفرصة بينما العمة ابتهال عاقلة وتتلافى أي مشكلة بأسلوبها اللطيف ودوماً ما كانت تهدئ من طباع الجميع لأنها تكره المشاكل وتحب أن تعيش بهدوء وسلام ...هي لا تصدق أن عمتها قاتلة حتى لو ترى الأمر الأن بعينيها!!
سحب العمة احد رجال الشرطة حاولت أن تمسك بيد أبنها أثير الذي يُبكي الصخر الأن وهو يقبل وجه والده لينظر بمقت نحوها ويدفعها بخشونة فتصيبها حاله من الهستيريا بعد رفض ولدها لها
"أرجوك بني دعني أضمك قليلاً ... "
لكنه رفض أن يحقق لها هذا لتأتي كلمته الخافتة صادمة لها
"ألهذا اتصلت بي و أصريتِ أن أبيت بمنزل صديقي!!"
صمتت العمة ليأخذها الشرطي للخارج وتقوم الشرطة بطرد الجميع...ورقاء فقط من ركض ورائها للسيارة تبكي تمسك بجلبابها تشعر أن عمتها بحاجة لمن يؤازرها الأن ...تتمسك بها بقوة وكأن روحها تتنزع منها تصرخ غاضبة
"عمتي لا تذهبي أخبريهم أنك لم تقتليه "
استدارت عمتها اليها ومازال ارتعاشها قوياً ضمت ورقاء لصدرها لتقبلها قبلة وداع !! لتوجه ابتهال أخر نظراتها للبعيد قبل ادخالها عنوة لسيارة الشرطة ...نظرة حاقدة جعلت ورقاء تصاب بالفزع لتستدير تلاحق نظرات عمتها فتلمح من يقفون أعلى قصر النهشل دون أن يبدو رد فعل على ما يحدث!!
سرت قشعريرة بداخلها وهي ترى دمعة تسقط على خد عمتها وهكذا غابت قريبتها الحنونة وغاب الفرح معها .
.................................
مرت شهور عديدة وسجنت ابتهال وأخذت أقل حكماً بالقانون وذلك لأنها كانت تدافع عن نفسها كما خمن الجيران...لقد أثبت محامي الدكتور عاصي الذي عينه للدفاع عنها أن العم حكمت كاد يقتلها والكسور والكدمات على جسدها خير دليل ....عنف لم يسبق له مثيل ولم يحصل من قبل !! ومع ذلك وحتى لو لم "تعدم" فورقاء لن تراها إلا بعد سنوات طويلة ...خبر سجنها لم يهم أثير الذي منع الجميع من لفظ أسمها هنا ووالدها أيضاً رفض زيارتها ماعدا الدكتور عاصي الذي ظل يتواصل معها وتكفل بكل شيء... يبدو أن عائلتها قررت نبذها للأبد حتى الهاتف لا يمكن لورقاء أن تحدثها منه وانتهت تلك القضية لكن مصائبهم لم تنتهي بهذه السنة!! فبعدها توالت الهموم والأحزان على كل من يسكنون هنا فقد تركت ورقاء دراستها ورمت حلمها خلف ظهرها مرغمة وبدأت الخدمة بالقصر كما أراد والدها لتأتي ليلة مظلمة مكملة لحزنها حيث توفت جدتها التي ظلت حبيسة الفراش شهوراً تنادي على ابنتها وتردد بثقة مطلقة "أنها مظلومة"... تذكر ورقاء أخر كلماتها لحد الأن كانت تجلس معها لوحدهما امسكت جدتها بيدها
"نحن عائلة نجسة !! لم اعتقد أن رجس الماضي سيعود ويلتف على رقابنا... سيعاقب كل من شهدوا الأمر وصمتوا وكلنا يومها شهدنا القذارة وبصمنا بالدم!!"
سقطت الدموع من عينيها وهي تتذكر جدتها كيف بليلة وضحاها تنقلب الأحوال وتذهب السعادة بسهولة ...تنظر الأن لحالها شاحبة متشحة بالسواد كئيبة... هي وأبيها وأثير يعيشون بعزلة ويغلفهم الحزن والقهر لكنهم ليسوا الوحيدين من نالهم الهم فالسنة القاتمة لم تكن لتنتهي بعد الا وحلت أخر المصائب حيث استيقظ الجميع يوماً على خبر موت الدكتور عاصي بنوبة قلبية مفاجئة!!
الليل هي متنفسها الوحيد لتستطيع البكاء لوحدها... سمعت عراكاً من داخل القصر وهذا هو العادي الأن لقد تحول نهشل بعد وفاة والده الى شخص مخيف جداً... بات يكره كل شيء ويقوم بتكسير كل ما يراه أمامه ويزعج أمه كلما عاد للمنزل ...بينما اثير حزنه على والده كان الصمت المريب ....الفتيان كل تبدل حاله وكل حزن بطريقته لكن ما لاحظته بهما أنهما أحبا والديهما بقوة ومقتا امهاتهما بشدة !!
...........................
حل فجر يوم جديد نهضت ورقاء لتذهب وتبدأ عملها لاقت والدها الذي كان دوماً يجلس بصمت أمام الملحق سارحاً بعقله بعيداً ...نظر اليها بحزن
"ورقاء تعالي هنا أبنتي "
جلست أمامه ليتنهد وهو يتكلم
"يوم الجمعة حضري نفسك ستأتي أم اسماعيل لرؤيتك"
قطبت جبينها عند سماع الاسم ليكمل والدها
"ستخطبك لزوجها "
شهقت بقوة ووقفت من فورها هي تعلم من هي أم اسماعيل... المرأة الخمسينية وزوجها يصغرها بعشرين عام وأهل المنطقة يكرهونه لأنه يعيش عالة عليها ويصرف نقودها على النساء... يبدو أن ما يتردد على لسان الناس صحيح ...هي تريد وريثاً من زوجها لتعطيه أموالها لقد اسمت نفسها بهذه الاسم منذ شبابها وكانت تتمنى أن تنجب ولداً وتسميه "اسماعيل" لكن لم يتحقق حلمها ...تزوجت خمس مرات لكن اكتشفت فيما بعد أنها عاقر ...هذه المرأة مخيفة بأفكارها ولديها نقود تجعلها تفعل ما تريد فهي تملك أكبر متجر للخضار بسوق المدينة والتجار هنالك يهابونها لأنها سليطة اللسان ولديها شرذمة من الرجال طوع أمرها مهمتهم ضرب وترهيب من يواجها بالسوق ...شعرت ورقاء بالخوف لا يمكن أن يوافق والدها!!
ليظهر أثير من غرفته في الملحق بعد انتقاله للعيش معهم ولأول مرة يتكلم بغضب هكذا
"هل تريد يا خالي أن تظلم الصغيرة!!"
رد والدها بهدوء مغلف بحزن عميق
"سترتاح من الخدمة هنا "
"هل تعتقد انها سترتاح!! سيجعلونها خادمة أيضاً وستنفذ دون فتح فمها... لهذا بعد أن رفض الجميع مطلب تلك الدنيئة أم اسماعيل جاءت لورقاء المعروفة بأدبها وطاعتها للجميع"
وقف عبد البر غاضباً وقد قست ملامحه ليهتف بصوت عالي
"اذاً ما هو مستقبلها هنا !!ومن سيتزوج فتاة عمتها قاتلة!!"
عم الصمت وأنتهى الحديث ...شعر أثير بالذنب يلفه اذاً بسبب والدته حتى ورقاء دمرت سمعتها وليس سمعته فقط.
...................................
كانت تنظف في القصر منذ ساعات الفجر الاولى بالبداية كان العمل شاق عليها لكنها الأن تعودت عليه واصبحت أشبه بالألة كانت ستنهي اليوم وتعود لملحقها لتلاقيها السيدة كواكب توجه نظرات التحقير اليها عندما تأمرها مثل كل مرة
"نظفي غرفة المكتب قبل خروجكِ "
استغربت مطلب سيدتها فمنذ وفاة الدكتور داخلها لم يدخلوها لكنها نفذت الأمر بصمت وها هي مدة قليلة من دخولها المكتب لتبدأ غارة نهشل جاعلاً كل من في القصر يصاب بالذعر فقد عاد كعادته ليلاً ليغيظ أمه واكيد سيدخن أمامها أو سيتنمر على ربى أو يتواقح مع زوجة خاله... يبدو أنه يتصرف بعدوانية ليغطي على حزن قلبه ...يتمرد بدل البكاء حتى لا يقال عنه ضعيف... هو لم يذرف دمعة واحدة على والده لحد اللحظة كما فعل أثير لقد انتهج نهجاً معادياً فقد تعرف على اصدقاء سوء كما تقول والدته علموه اشياء سيئة ولم يعد فخر آل النهشل كما كان ...وقف هو وكواكب أمام المكتب يتجادلان لا يدركان أن هناك أحد بداخله
"أنت لا تتوبين ولا تستسلمين!! ألم اخبرك أني لن أنفذ وسأدخل معهد الطيران رغما عن أنفك "
صوت الصفعة لوجهه وصل مسامع ورقاء لكن الصفعة زادت من غضبه ولم تجعله يعي ما يفعل !هتفت كواكب ونبرة ألم تخللت صوتها
"احترم أمك يا عاق!!"
لكن رده كان ألعن وهو يكز على أسنانه
"احترمكِ!! أبي كان بخير يومها ...لكن شيء فعلته قتله بمكانه سأكتشف هذا وأجعلك تلحقين به!!"
شجارهما استمر طويلاً ...ظلت ورقاء حبيسة المكتب تهاب الخروج حتى تهدأ الزوبعة وفعلا حصل بعد مدة ... ترددت بالبداية وهي تقف قرب الباب تدعو أن لا أحد موجود وضعت يدها على المقبض تديره ليفتح من الخارج فتقف بمواجه نهشل الذي تفاجأ بوجودها!! قست عيناه وتطاير شرراً منها أرعبها وجعلها تعود خطوات للخلف
"من سمح لك بالدخول!!"
صراخه بوجهها عقد لسانها فحتى أمه لم تسلم من غضبه فماذا سيفعل بها!! تلعثمت وهي تحاول اخراج الكلمات من فمها الجاف
"لقد...لقد امرتني السيدة أن انظفها..."
"لا يوجد سيدة هنا!! ومن الأن لا أحد يأمرك غيري وغرفة أبي غير مسموح لك وغيرك تخطيها ...فهمت!! "
ضرب المزهرية بجانب الباب بيده فتناثرت قطع منها قرب وجنتها خدشتها ...كانت تهتز ذعراً ...اومأت لتتخطاه هاربة
"هل ترينني سيء أنت أيضاً يا ورقاء!!"
تسمرت مكانها وهي تسمع جملته ليكمل ويصدمها
"كنتِ دوماً مدعاة سروري وانظري الأن لحالك منظرك موجع حد البكاء!!"
سحبها للداخل وهي صامتة ذاهلة من تبدل أسلوبه !!
غاب قليلاً بالخارج ليعود ويضع علبة الاسعافات الأولية على سطح المكتب ليقترب يعالج خدش وجهها... هنا اخترقت رائحة الكحول المختلطة برائحة الدخان أنفها ...شعرت بتقلب معدتها أنه يقوم بقتل نفسه أكيد... ليتحدث بأسف
"لم يحولوكِ لخادمة فقط بل سلبوا حتى روحك المرحة!! كنت شيء جميل اتوق لرؤيته دوماً ... كنت تجعلين هذا القصر جنة بدفئك وتفاؤلك...لقد كنت أتحمل عطلتي لأجلكِ فقط!!"
تجمدت العروق بدمها وذاب عقلها يسبق قلبها من بضع كلمات ألقاها بوجهها... صدمة جعلتها لا تفكر بمحيطها لثواني!! أهي تحلم... شعور يخالجها تواً لا تعرف كيف تصفه أو تصنفه سوى أنها لأول مرة تشعر بأن الحياة جميلة وتتمنى أن تتوقف الساعة على هذه اللحظة للأبد... كانت يده على وجنتيها وضع الضمادة وهو يبتسم ويحاول بجهد أن يوازن جسده وفجاءة يحول أصابعه لشفتيها يتفرس بها بنظرة أربكتها
"هل هي دافئة مثلك!!"
لم تفهم ما يقول سوى أنها ابعدت وجهها عن موضع يده ليعود دون مبالاة لحركتها ويرفع يده لفمها يتكلم بشرود
" ألا تريدين أن تجربي !!"
قطبت جبينها وهذه المرة ضربت كفه بقوة ليضيف فيحطم آمالها
"يقولون أن القبلة الأولى لا تنسى"
هنا دفعته عنها بقوة ليمسك بكلتا يديها فتضرب نواقيس الخطر بعقلها شاهدت ملامحه المستفزة لوجهها لتعي أن كلامه قبل قليل كان محض هراء...كيف كادت تقع بشباكه واعتقدت أنه معجب بها!! ركلته بقوة وحزن غلف روحها ...تركها يتألم وهو يفرك ركبته لتقف قرب الباب وعلامات غضب مستعر بانت على محياها تراقب اهتزازه وهنا عرفت أن الكحول أنهى أخر بذرة خير داخله... تنهدت بحسرة تغادر فبثواني رفعها لقمم السماء وبنفس الثانية اسقطها بالحضيض... ترقرقت الدموع بعينيها ها هو هم أخر يضاف لحكاية بؤسها لتسمع صوت اصطدام من خلفها !!
استدارت بسرعة كان تمدد أرضاً يحتضن صندوق والده يتمتم بيأس
"أشعر أني اموت يا ورقاء فلتساعديني أن لا أرتكب اثماً أكبر من شرب الكحول!! "
انتبهت للصندوق وهو يفتحه و يحمل مسدس والده !!
عادت اليه دون تفكير تركع أمامه خاطفة المسدس من بين أصابعه لتتجمع الدموع بعينيه!! يبدو أن الجميع كان مخطئ عندما ظنوا أن نهشل لا يحب عائلته... انهياره هذا خير دليل أنه أحب والده كثيراً... فعلاً كان الدكتور عاصي أقرب لأبنه من كواكب وكان يقف معه كثيراً ويبدو أن رحيله المفاجئ جعله يفقد أخر مصدر دفء بعائلته لكن هذا ليس معناه أن يفقد عقله هكذا ... هنا بان الاختلاف بين الأغنياء والفقراء بردود أفعالهم حتى بالحزن... في هذه اللحظة ودموع من "تعشق" تصب بصمت على وجنتيه تجعلها تبكي بل تتمزق ألما عليه وليس بيدها حيلة لأخذ وجعه... كيف تعيد بسمته أليه وهو يبدو كمن يحتضر!! أحنى رأسه بانكسار دمر كيانها ...قربت كتفها اليه وسمحت له بالاتكاء عليها لتطبب على ظهره بحنان فيجهش ببكاء مرير زمت معه فمها بقوة تردع نفسها من الصراخ والبكاء ليجول ببالها السؤال المؤلم
"هل وجع أحبابنا يميتنا أكثر من وجعنا حتى!!"
بعد مدة هدأ نشيجه ويبدو أنه أخرج كل ما كان يكتمه ...اسند رأسه على الحائط خلفه لتهمس تحاول أن تريحه بكلماتها
"ماذا لو أن الطب سينفعك ووالدتك لها رؤية وخبرة أعمق منك وتريد مصلحتك لما تعاندها قبل التجربة بنفسك!!"
نظر بعيونها وعادت نظرات الاعجاب تملؤه
"تتحدثين وكأنك امرأة كبيرة محنكة... الم اخبرك أنك جنة هذا الجحيم!!"
مسح وجهه المبلل وأخذ شهيقاً عميق ليتحدث من بين أسنانه
" هذه المرأة لا تبحث إلا عن مصلحتها وأنا مجرد أداة كالبقية لنوصلها لأهدافها ...أتمنى أن أطفئ غضبي منها ....."
وفجاءة وجه نظراته صوب ورقاء وكأن فكرة لمعت داخل عقله "لنتزوج !!"
هذه المرة هي من فقدت اتزانها تشعر بكل عضلة بجسدها تهتز وهو يجلس واثقاً من كلامه وكأنه يتكلم بشيء طبيعي... الذهول مازال يعتريها تنتظر أن يضحك يخبرها أنه يمازحها وقبل أن تفتح فمها
"لأني أوشكت على ارتكاب فعل مبتذل معك أريد أن أصلح الأمر وأريدك أن تظلي بجانبي لأخر عمري ... لو كنت شخصا سيئاً كما تظهرني قسماتك الأن لما طلبتك زوجة ...اريدك أنت تكوني لي بالحلال ومن اليوم سأعود نهشل الذي سيجعلك فخوراً ولو أردت أن أدخل كلية الطب سأفعل... بل سنفعلها معاً كما كنتِ تتمنين"
جلست باعتدال بعد أن زفرت بقوة تتخلص مما يكتم أنفاسها...ليواصل حديثه المريب
" اعلم أنك خائفة من طلبي وتشككين الأن بنواياي... لكن أعدك حتى بعد زواجنا لن تصبحي زوجة بالكامل لي ...أنه فقط لأستطيع النظر اليكِ كما يحلو لي و أمسك يدكِ و..."
نظر لشفتيها فانتابتها حالة من الذهول لما يفعل هذا معها!! قبل قليل وتحرشه المقرف بها كان شيء تستطيع التعامل معه وجعله يتوقف ويحترم حدوده أما الأن فقد جعل موازينها تختل ليوقع الصاعقة على رأسها
" أنت حبي الأول!! لقد دق قلبي بسببكِ من سنوات وخبر خطبتك قض مضجعي وأرق ليلي ولن أسمح لغيري أن يقترب منكِ !! "
...................................
كانت الأن بغرفتها حل الفجر عليها وهي جالسة على سريرها تحدق بالسماء ذاهبة بخيالها لأماكن مخيفة فبعد اعلان نهشل الصريح جعلها مشدوهة منه ...هزت رأسها مستاءة وهي تتذكر ما حدث بعدها لقد أخبرها ان كواكب هي من أمر بتزويجها !! تريد التخلص منها وسترسل أثير للتدريب بمعسكر حكومي ...أما والدها فسيبقى لوحده بالملحق وقد قامت بتنحيته من مهنة السواقة للعائلة وسيقتصر عمله على الاعتناء بكلاب الحراسة !! هكذا كانت كواكب تعد العدة لأبعادهم عنها بالدور ...شعرت بضيق بقلبها ليعود صوت نهشل لعقلها
"انت حبي الأول ..." تتذكر عيناه التي كانت تفيض حباً لم تراه قبل الليلة أو كان يخفيه بسبب أمه كما قال!! اذاً كان يحبها قبل حتى أن تفعل هي!! رفرف قلبها الحزين من جديد وهي تغرق بأوهامها لتعود وتضرب رأسها بقوة تتذكر اتصاله الذي نغص فرحها وجعلها تتركه وتهرب... أخبرها بما أنه بعد يومين سيصبح بالثامنة عشر سيتزوجون بقرية صديقه الذي اتصل به وكأنهم يعدون لمعركة معاًً...هذا الصديق الذي تكرهه كواكب وتدعوه بالسيء أخبر نهشل أن عرس جماعي لعشيرتهم سيقام الجمعة وشجع نهشل على الأمر ... أخبره وهي تستمع اليهما دون رد فعل أن مأذون القرية سيعقد عليهم مع البقية بشرط أن يكون للفتاة وكيل وهنا كانت العرقلة لم تعرف ما الذي قاله الصديق ليجعل نهشل ينظر لورقاء نظرة مشبوهة ويقول بهدوء
"ليكن المأذون اذاً وكيلها فالفتاة القاصر يتيمة ولا أحد لديها!!"
هنا وقفت بسخط تفكر هل تضربه لقوله هذا أم ترحل وتنهي الموضوع الذي أتخذ منحى رذيل وخطير !!
ليقف هو الأخر يغلق هاتفه ومن ملامح وجهه يعلم ما اقترفه بحقها وحق والدها ليتمتم يهدئ من روعها بعد تصاعد أنفاسها بحدة
"زواجي منك سيكون ورقياً كما اخبرتك ولن أدنسك قبل أن تلبسي الثوب الأبيض يا ورقاء أنه فقط ضمان كي لا تبعدك كواكب عني !!"
تسمع دون أن تنطق لا تعرف لما يجعلها بكلامه المعسول تخرس بإرادتها فما يجول بعقلها رفض مطلق واشمئزاز لكن ما تظهره الأن العكس أنها توافقه بالصمت والخنوع!! اصراره بالزواج منها أخافها منه لذا وقبل أن تفقد أخر ما بقي من عقلها هربت من أمامه أنه ببساطة يريد الانتقام بها هي ليست ساذجة لتلك الدرجة ومع ذلك تراودها تلك الفكرة اللعينة بقلبها الأحمق تريد الموافقة واسعاده تريد أن تكون زوجة نهشل ...تريد تحقيق حلم السندريلا الطفولي الأحمق!! وهكذا عاشت هذه الليلة حتى فجرها بين كفتين لم ترحماها وكل كفة كانت محقة بالنسبة لها فلمن تصغي يا ترى !!
.............................
عادت ابتهال لزنزانتها لاقتها زميلتها وصاحبتها المقربة والتي واستها تلك الشهور المريرة خصوصاً بعد نبأ وفاة أمها... جلستا بالزاوية بعيداً كالمعتاد لتسأل زميلتها
"من هذا الشاب الذي بات يزورك مؤخراً ألم تتبرأ منك عائلتك!!"
ابتسمت بخيبة وحزن
"أنه طبيب بالطب العدلي كان وخطيبته مثل أخوة صغار لي ولم ينسني لحد الأن وقد طلبت منه أن يساعدني ويجلب لي أخبار عن أبني "
تحدثت صاحبتها
"أهي الطبيبة أبرار التي ماتت بحادث مروري قبل مدة!! "
كانت نبرة ابتهال مؤلمة وهي تتحدث عنها
"لم يكن حادث بل اغتالوها مع مرضى أخريين لدينا... مساكين عندما عرفوا بالحمل كان الرجل فرحته لا تسعه ووزع يومها الحلوى علينا ...أتعرفين "أسوء الناس حظاً بهذا العالم هم من يعرفون سر مخيفاً عن سياسي أو شخص مرتبط بهم" فأما سيكون القبر ختامهم أو السجن مثلي "
لتصمت تبتلع الغصة فتربت صاحبتها على ظهرها
"السجن أفضل من الموت كأبرار والزوجان رحمهم الله "
نظرت ابتهال اليها تهز رأسها
"أنا قلت أنهم اغتالوا أبرار ولم أقل أنها ماتت!!"
................................
مرت الأيام قاتلة على نهشل كان يقف قرب المرأب عابساً يملأه الغضب ... يشعر أن هذا القصر لم يعد يسعه يريد أن يخمد النار بصدره نظر لانعكاسه بزجاج سيارة والده كان حاله مزري فعلاً...قرر أن يخرج السيارة ويقودها رغم رفض كواكب ...لقد أصبح بالثامنة عشر ولم تعد تملك تلك الورقة الرابحة بعد اليوم وفجاءة شخص يلهث يقف وراءه استدار ليصدم لمنظرها تمتم بقلق
"ورقاء ما بك!!"
لتقترب منه والدموع بعينيها المهمومة تخبره أنها تعاني بشدة ...حسناً سيخبرها انه كان أحمق يوم أراد الزواج منها بهذه الطريقة أنها الكحول ولقد تركها بعدما دمرته شخصياً... لينتبه لوجنتها الحمراء أثر صفعة قوية!! هل ضربها عبد البر !! ليتذكر أن اليوم يوم حضور أم اسماعيل لخطبتها ...هل ارغمها على الموافقة بالضرب والتعنيف... استشاط غضباً وهو يتخيله يؤذيها وهي صغيرة وضعيفة وهشة لتهتف بوجع تقطع به كل أفكاره
"لنتزوج فوراً".
.............................
أنتهى الفصل
أنت تقرأ
واذا البتول تمجنت الجزء الرابع من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوى
Romanceوإذا البتول تمجنت وقل حَيائها وتمردتْ فالويل لكل من ضرها ستصيبكم أسهم حقدها فلا تبتغوا رأفة منها فشقاكم سلوى حزنها وخزيكم متمة ثأرها