الفصل الخامس

173 3 0
                                    

الخامس
خرجت من الملحق لتجلس قليلاً على أحد كراسي الحديقة الخلفية تخلع الحذاء الذي أنهكها ولتلتقط نفسها قليلاً قبل بدء الجولة التالية ...أخرجت مرآتها من الحقيبة لتقوم بتغطية شحوب وجهها بمستحضرات التجميل... انتبهت لوصول السكرتيرة تحمل هاتفها بقلق
"سيدة ورقاء !! السيد "سعدي" يتصل من ماليزيا يسأل لما تأخرنا ولم نعد كما وعدتيه!! "
جف فمها عند سماع الاسم
"هل أخبرته بأمري!!"
"طبعا لا!!هو فقط يريد مكالمتك يشعر أنك تتهربين طوال هذه الأشهر ... لما لا تخبريه الحقيقة !! "
" لا ...لأنه عندها سيغضب مني ويجبرني لأعود...سأراسله الليلة اخبره أنني احتاج لوقت أطول... علي أن ألد هنا وبعدها سأعلمه بكل شيء ففي كل الاحوال انا لم أعد لبلدي من أجل ثروة وسلطة ونفوذ بل عدت من أجل أن أخزيهم وأعذبهم بوجودي هنا...دعك من هذا الأمر وهيا لمقابلة باقي المجرمين".
بعد مدة كان هنالك تجمهر كبير بالحديقة ...مشهد للوهلة الاولى ينذر بمعركة ضروس ستشتعل هنا ...عدوتان لدودتان تقودان الجهتين... تنظران بنفس النظرات لبعضهما... الجانب الأيمن تقف كواكب تهز رأسها برفض بعد سماع كلام من كانت خادمتها يوما وحاولت سرقة أبنها يتبعها حرسها والخدم متأهبين بحزم للدخلاء ...بينما على الجانب الاخر الذي لا يقل شراً تقف "ورقاء" بحديقة قصر من كانت تخدمهم قديماً تبتلع وجعها الذي بدأ يتصاعد لينتشر على طول جسدها... تدعي قوة وصلادة لا تناسب وضعها الصحي فهي لا تريدهم أن يروها مكسورة وضعيفة ...هذا اليوم الذي طالما حلمت به أنه يوم العقاب لكل من ظلمها... نظرت للسيدة "كواكب" والفزع بائن على ملامحها بهجة سرت بأوصالها وهي ترى هذه المرأة القاسية وقد شحب لونها هي من عذبتها يوماً بهذه الحديقة وأدمتها وتركتها لمصيرها المحتوم أكيد لم تتوقع رؤيتها بعد هذه السنوات ومعها جيش من الحراس والخدم يقفون ورائها ينتظرون أي اشارة منها ...هي اليوم قوية مثلها مثلهم لكنهم من بدأوا الظلم والعدوان فليحصدوا نتاج زرعهم الفاسد لتهتف كواكب مذعورة
"كذب!! هذا الطفل أكيد لقيط وتريدين تشويه سمعتنا"
ضحكت ورقاء بهستيريا مخيفة لترد بثقة
"تستطيعين أن تتأكدي بأي طريقة تريدين وكل الطرق ستخبرك أن من بأحشائي هو حفيدك الغالي "
ليطل أخيراً معذب قلبها وروحها يبدو أنه جاء راكضاً من ملامح وجهه المتعب... دوى قلبها بعنف يحطم اضلاعها يخبرها أنه بالماضي قد أخطأ وأنها كانت غبية وتستحق ما جرى لها ...استفسرت والدته بعدم تصديق ترجوه أن يقول الحقيقة لينطق بصوت أجش جعل حواسها لثواني تستيقظ شوقاً له فتعود وتنظر بعينيه بفضول لرد فعله
"لا أصدق دناءتك!! دنست نفسك مع أخر فقط لتنتقمي مني !! أنا لم اعرف أنك موجودة حتى أتصلت أمي...أفهميني أيتها الكاذبة متى اجتمعت بكِ !!"
وكأن طلقة خرجت من فمه وليست مجرد كلمات أماتتها وهي على قيد الحياة... كزت على أسنانها بقوة
"معك حق فنحن لم نجتمع منذ سنوات طوال عانيت فيها لوحدي بينما أنتم تعيشون رخاء وسلام ... لكنه طفلك وأعترف من دنسني مشرط الطبيبة فقط!!"
لم يفهم أحد ما تثرثر به اعتقد الكل أنها مجنونة وخصوصاً أن خدم القصر كلهم تغيروا ولم يبقى سوى عبد البر من القدماء...أول من حطم سكون المكان هو نهشل ...تقدم ناحيتها ببطء وغضبه يجعل كل عصب داخله يهتز بعنف...ينظر لبطنها يريد تحطيمها على ما فعلته...منذ اتصلت أمه به ومشاعر عدة اختلطت داخله اولها كان الصدمة وهو بالمشفى من خبر وجودها على قيد الحياة حتى أن صديقه الدكتور "ماجد "اعتقد أنه اصيب بمس!! بعدها سرت حرارة داخل جسده جعلته يشعر باختناق وضيق ليتحول شعوره لنكران وهو يركض خارجاً للسيارة وبدء بتحليل وتخمين ما يحدث ...لقد كان يكلم نفسه كالمجنون
"انها أخرى جاءت تخدعنا أكيد!!"
ليصل القصر ويراها من بعيد... مختلفة بهيئتها ونظرتها وكل شيء فيها كانت تتجادل مع أمه دون أن يهتز صوتها تطلعها على حقيقة فظيعة... وهنا تصاعد غضبه وشعر بالدم ينفر من عروقه فقد خدعته سنوات طوال بموتها الزائف والذنب كان يمزق احشائه يمنعه من العيش كالبشر...نطق وهو يسيطر على البركان الذي أوشك على التفجر بوجهها ليمسك ذراعها دون خوف من جيشها الذي توقف مع إشارة منع منها
"كيف لعبت علي!! كيف استطعت العيش وأنا كنت أصارع الموت!!كيف جعلتني أدفن غريبة وأبكي على قبرها!!"
المفروض أن تصرخ وتضربه بقوة وتخبره أنه يستحق ...هذا ما كانت ورقاء التي يعرفونها ستفعله...كانت ستنهار وأكيد ستبكي بسبب ما فعلوه بها قديماً...لكن الصاعقة أنها ابتسمت بخبث وهي تزيح يده
"هل أنت متأكد مما تقول أيها الذكي!!"
نظرت لعيونهم جميعاً كان النظرات متوزعة بين فزع وغضب... حيرة وفضول وأشياء مكتومة لكن كل الوجوه غريبة عليها ولا تهمها ماعدا الأبن وأمه فهي مستمتعة بدورها الذي تدربت عليها طويلاً ومستمتعة أكثر بردة فعلهما ...أرادت تخطيه ليمنعها
"من هو الذي مس جسدكِ !! هل هو من يصرف عليك ببذخ كما أرى!! هل يعاونك لتنتقمي منا وهل يعلم أنك... "
صمت فوالدته لا تعرف بزواجهم لتهز رأسها بسخرية
"وماذا لو مسني أحد وماذا لوكان لدي عشيق!! ماذا ستفعل!! آه ستهرب وتختبئ بحضن "ماما" وتتركني لمصيري الأليم "
اتسعت حدقة عيناه بقوة من ردودها لتقهقه برعونة تؤكد أنها فعلاً مشت بطريق أعوج ودمرته بقوة
" سأخبرك سري فيما بعد فهنالك أولويات علي قولها ...انصحك بشرب عصير ليمون أنت تبدو بحال يرثى له!! "
تخطته وملامح الازدراء تعلوها لتهمس من خلف ظهرها
"يوما ما عندما انتظرتك طويلاً كنت أشعر هكذا...ألم روحي لا أعرف كيفية ايقافه ...هذا غير ألم جسدي الذبيح الذي لم ولن تجربه بحياتك المدللة كلها"
تقدمت تتمايل بمرح لكواكب بعد ترك نهشل كجسد سُحبت من الروح ينظر ارضاً لقد نسي لوهلة الماضي المؤلم... لقد أعمى الغضب قلبه وقلب كيانه ليتعالى هتافها وهي تقف أمام عدوتها
" الأن لنخبر الجميع هنا ما علاقتي بكم ليزيلوا نظرة الفضول من عيونهم ... انا شريكة أسيادكم فأنا صاحبة شركة الادوية الماليزية والتي قام السيد مكرم ببيع نصف أسهمها لنا بالتوكيل الذي معه!!"
ضحكت ورقاء بشماتة وهي ترى وجه كواكب ونهشل الباهتان
"ما يحيرني امرأة سياسية ناجحة مثلك كيف تكون لديها نقطة ضعف كهذه!! طوال تلك السنوات وأنت تمولين حزب زوجك ورفاقه وتقومين بعمل حفلات ومناسبات خيرية لجمع الأصوات لهم ويوم الانتخابات يزيحك ولا يسمح لك بالحصول على مقعد داخل قبة البرلمان!! مؤلم كيف دارت الأحوال بك يا كواكب ...أصبحت مجرد تابعة له بعد أن كنت سيدة القرار بزمن المرحوم عاصي !!كيف تسلمين أملاكك وأملاك أبنك لشخص كهذا !! لو لم أشتري الأسهم أنا لباعها لمن يدفع أعلى سعراً ...تحالف معنا وهو يعلم من نحن فقط لأنه رأى النفوذ الذي نملكه ...طبعاً فرحت بمشاركته فأنا ليس لدي مشكلة معه فهو لم يؤذيني بالعكس هو من جاء ليبرئني من سجني قديماً!!"
صمتت قليلاً لتزيح الذكرى
" والان انا أملك النصف معكِ... أقصد ليس أنا بل السيد "سعدي" لكنه كتب بوصيته أن أملاكه كلها ستصبح لي بعد عمر طويل يعيشه أن شاء الله"
طرأ الحزن على عين نهشل ها قد عادت من تستطيع أن تجعله يحتضر وهو واقف يذكر ذلك اليوم المشؤوم ومكرم يخبره أنه تأخر عليها...نظر اليها بألم اذاً صحيح ما قاله... لديها عشيق لقد اتخذت أخس طريق للانتقام منه وهو استخدام جسدها في سبيل الحصول على حقها منهم وطبعاً لن تجد أفضل من بائع وطنه وعرضه "مكرم" والذي أخر من يهمه كواكب لو وجد بديل عنها!! لكن سعدي هذا هل يحبها لتلك الدرجة ليضحي بنقوده وسمعته من أجلها !! غيرة قاتلة سرت بشرايينه للحظة فحبيبته أصبحت لأخر يملك القوة التي تحتاجها ليحميها والتي لن يحظى نهشل بها يوما...لو أنها فقط لم تزيف موتها وتهرب لكانا الأن بمكان أخر يعيشان بسعادة وهدوء... انتبه أن أمه شاحبة جداً لتعود ورقاء تنظر صوبها
"كواكب تعرفين من هو السيد سعدي ..... "
ابتلعت الأخرى ريقها بصعوبة لتأمر الجميع أن يعودوا لأعمالهم نفذ الكل حتى أن ورقاء اشارت لحرسها بالانتشار متأهبين لأي حركة لتردف بمكر وهي تشير لنهشل
"رأيت أمك تعرف أنه... "جدي " والد أمي "وأحد أهم علاقات ماضي عائلتك الأسود"
قلل المسافة بينهما بعد جملتها... تلعثم وهو يتساءل
"جد..ماذا..كيف!!"
" جدي كان سائق جدك ومعلم عبد البر "
صمتت تجلي حنجرتها تعي زلتها أمامه
"أقصد أبي ...وجدتي كانت خادمة عندكم ...يوماً من الأيام شارك جدي بحصيلة عمره من عمله هنا وأشترى بها أسهم لشركة اجنبية للأدوية كانت ناشئة وغير معروفة ورخيصة ...بعد ظروف واضطرابات حصلت بالبلد صفّت الشركة أعمالها هنا وافتتحت فرعها بماليزيا فضرب الحظ معها ...عندها استدعوا المساهمين للمجيء وجدي كان أكثرهم أسهما لهذا قرر أخيراً أن يرتاح من عمله المتعب وعمل زوجته المضنى... لكن سيادة الوزير النهشل غضب عندما علم بما حدث ولم يبارك لسائقه الذي رزقه الله أخيراً بل طرده بذل واستحقار معهودين... لم يهم جدي حقد اسياده فهو أعرف بدواخلهم لكن المشكلة أن أبنته خذلته ورفضت السفر وهددتهم أنها ستنتحر لو اجبروها الرحيل!! فأمي..."
انزلت رأسها فأبنتها تشبهها لقد أحببن من لا يجب عليهن حبهم
"كانت تحب سيدها وتركت والديها وهنا تبرأ منها جدي لما فعلته وأخزتهم... وبعدها لم يعلم والدها بما حل بها الا بعد سنوات وكيف أمي اضطرت أن تعيش بالملحق الكريه بعد تخلي "من اعتقدت أنه سيأتي وينقذها" من أجل زوجته القاسية أبنة الحسب والنسب وجدي اليوم هو قوة عليا بتلك البلاد وبإشارة واحدة منه يستطيع أن يرفع شأن اشخاص ويدوس على أخرون كالحشرات!! "
كان كلامها وهي تنظر لكواكب ونهشل يتقطر سماً يؤلم فمها قبل أن يؤلم اذانهم لتكمل وهي تمسح جبهتها والتعب ظهر بشكل جلي
"يوم احتضاري كان موجود ...بكى وهو يضع سترته علي يغطي عري جسدي دون أن يتقزز من القذارة التي احاطتني بسبب أمك وبسبب خذلك لي... لقد تلمست به حنان افتقدته طوال حياتي وعرفت أن منقذي جاء ليحررني من عبوديتي وينقذني من جحيم وضعتموني فيه... وطبعا الشكر لعمتي "رحمها الله"!!
صمتت قليلاً تلتقط الهواء لأن الجروح المتقرحة داخلها بدأت تنفتح تعرف أن نهشل وأثير فقط من كانا معها بأيامها الأخيرة وهذه نقطة تحسب لهم لكن ليس مسامحتهم عما فعلوه بها... شاهدت كواكب تشعر بنكبة بينما نهشل بان تأثره لم تتوقع أن يكون مع أثير بتلك اللحظات الحزينة ...هي تعرف معدنه أنه شخص غير مسؤول وهذا هو ما يغضبها منه تريد عقابه على "جبنه" أشد عقاب لتردف ونبرة الاسى تتخلل صوتها
" تمنيت رد جميلها لكن الوقت الذي شفيت به كانت عمتي غادرت الدنيا بسبب اصابتها بمرض الزهايمر المبكر كما تعرفون وها أنا هنا أرد الجميل أعلم أني تأخرت لكن في العجلة الندامة صحيح "
لتمسد على بطنها تضحك
"الأن أريد حديثاً خاص مع كواكب "
حدق نهشل بها بصدمة بعد تلك الحقائق الكارثية ...تقف نداً لأمه تتفرس بوجهها بشكل مرعب فلم تعد تلك الحمامة البريئة بل يبدو وكأن أفعى ابتلعتها بجوفها... اعتقد أنها ستنتقم الأن من نظرات الشر التي تطلقها لتعود تضحك باستهزاء
"أوه لا تخافي يا كوكبتي لن أضربك كما فعلتِ سابقاً "
لتهمس قرب أذنها وتحتضنها والأخيرة تجمدت بين يدها
"حتى يظل مشهد قسوتك فقط ما ببال أبنك... سأسرقه منك كما سرقتُ نسبك الغالي وهذا المرة سرقتي مع سبق الإصرار والترصد "
حاول نهشل أن يتبعها لتوقفه أمه هذه المرة ...بعد مدة طويلة داخل القصر الكبير ...خرجت الاثنتان من غرفة الصالون ...ورقاء تعلو شفتيها ضحكة مخيفة بينما كواكب تبدو مهزومة مهزوزة!! وقبل أن يتكلم نهشل الذي أصبح توتره أقصاه تعلن كواكب بصوت مختنق
"أي شيء تطلبه السيدة ...ورقاء ينفذ فوراً!!"
لم ترى نظرات المترقبين فلقد كانت تنظر لأبنها لقد عرفت حقيقة زواجهم السري !! لأول مرة تشعر كواكب برهبة من فتاة فما قالته أنهى أخر أمل لها بالعيش بهدوء وراحة... خرجت من المنزل راكضة... لتتخصر ورقاء وهي تلقي أوامرها مشوشة عقل نهشل أكثر مما هو تساءل ما الذي حدث لأمه وماذا قالت لها !!صاحت
"فلتحضروا غرفتي الأن والتي ستكون ..."
أرسلت له نظرات كيدية وهو لا يبدي رد فعل حقيقي كاتماً ما يجول بخاطره لتردف
" هي نفسها غرفة نهشل وغداً حفل خطوبتنا الرسمية!! "
"لم أعرف انك كبرتِ لتصبحي وضيعة!!"
صوته العالي من أمام باب القصر أفزعها ...دخل أثير لتشخر فقد توقعت أن يكون حاضراً بوقت أبكر أرادت رؤية رد فعله على خبر وجودها ايضاً... اليس هو من صدق أنها سارقة!! أليس هو من تزوج بعد موت والدته بسنة من "ربى" وبعدها أصبح قريباً من كواكب!! أخباره بالذات قصمت ظهرها وقتلت أخر ذره رحمة عندها ...كيف باع بسرعة كيف ارتد عن مبادئه السامية...كيف ناسب العائلة التي قتلت والده وظلمت والدته !! لكنه الطمع بالثروة والسلطة الذي يغير الاطباع ويقتل الضمير ويشوه القلوب الطيبة...كان يقترب منها بشكل لا ينذر بالخير
"هل تخليت عن شرفك لتنتقمي!! كذبت بموتك وفجعتنا وبعدها عدت تضحكين وتتأمرين على الخدم بسهولة!!خسرت نفسك وارتكبت المعصية ومع ذلك تعودين شامخة رأسك كالشريفات!! أتمنى لو أننا لا نرتبط بالدم كي لا تكوني العار الذي سأحمله للأبد "
رفعت حاجبها كانت تريد أن ترد الاهانة لتتراجع وتتمتم مع نفسها
"ولا أنا يشرفني قرابة مع دمكم الذليل الحمد لله لا تربطنا أي صلة !!" قست ملامحه بشكل مخيف كان نقيضاً للأخر الذي يقف وصمته بدء يصبح مريباً لها !! لتصيح هذه المرة بقوة تجابهه وهي ترفع هامتها عالياً متقصدة
"اذاً فلتدعو من قلبك عسى أن يتحقق حلمك يا كلب كواكب !!"
ما حدث الأن كان سريعاً جداً لأنه رفع يده عالياً ينوي صفعها لتوقفه يد نهشل ويدفعه للخلف!! كان الشابان يتفرسان بوجهها وعيناهما تلمع بشكل أزعجها وكأنهما يحملان هماً كبيراً!! لكنها عادت ووبخت نفسها بصمت "لا تشفقي عليهما ولا تهتزي أمامهما فهما من الشهود الذين تخلوا عنك"
ليتمتم أثير من بين أسنانه
"هل تعرفين يامن كنت بهجتي ونقائي لما اصبحت كلباً!!طبعاً لا فيبدو وكما أخبرني جيشك عشت بالخارج بنعيم لأنك و يا لحظك الجيد حفيدة ملياردير يملك ثروة لاتعد هنالك ولا تحصى ما لا أفهمه لما جلبت أبن الزنا هذا لتتبلي على نهشل ما الهدف من هذه الكذبة!! وكيف اعتقدت أنه سيوافق على ستر جريمتك!! فقط أفهميني ما هذه الوقاحة التي تملكين وأنت بت عاهرة!! "
صفعة قوية لكن من يدها هذه المرة اسكتته فوراً كان نهشل يقف بينهما ويعتقد الجميع أنه يتصرف بعقلانية مبالغة رغم أنه المفروض من يكون غاضباً بعد تبليها عليه!!زمت ورقاء شفتيها بقوة لتنطق الكلمات بمرارة
"عشت بخير هل هذا ما فهمته !!أبداً لن تستطيعوا تخيل كيف عشت حياتي !!حسناً من سيصفني بصفة سيئة بعد الأن سأرد الاهانة له أضعاف....أنا لست تلك الحمقاء التي عهدتموها!!"
ليصرخ نهشل وها هو ما يكتم انفاسه يخرج يهز الأذان والقلوب
"يا ليتك ظللت كما كنتِ!! كنا على الاقل الأن فرحين برؤيتك... كنت على الأقل بردت قلوبنا المتفحمة بفقدانك الأليم... كنا على الأقل شفينا من ما نعانيه ونحن نتذكركِ بكل ساعة ودقيقة وثانية ولا أن تعودي نسخة كواكب الصغيرة !!"
صمت حل كان أثير أكثر صدمة من ورقاء فكلمات نهشل لا تدل إلا على عاشق متوجع !! ماذا يحدث ...هو يعرف أنه تأذى بسبب الظلم الذي وقع عليها زمان والمفروض يكون غاضب من تهمة أبوته لطفلها لكن هنالك بين كلماته شيء أعمق !! ليسمعوا صرخة من المطبخ تجعلهم يتركون المجابهة النارية ويهرولون ليجدوا "جودي" أبنة مكرم كعادتها تتنمر على ربى وهي تخيفها بحشرة التقطتها من الشارع...كانت عائدة بحالة سكر وأكيد شلتها الفاسدة من أبناء المسؤولين قد احتفلوا اليوم على حساب أحد ابائهم الذي عقد صفقة باع فيها دماء الشعب المنكوب... وصل أثير يأخذ الحشرة ويرميها بعيداً وقد زاد غضبه اليوم
"لما تتقصدين أذيتها كل مرة !! لقد خرجت أخيراً من جناحنا أتركيها بحالها وإلا..."
أشار نهشل لأثير بعينيه أن يصمت لتقهقه جودي باستمتاع
" لا تستطيعون فعل شيء والدي حذركم من مجابهتي واتصال واحد مني سيجعلكما تزوران المعتقل لكن أنا لا يمكنني أن أكون السبب بتفرقة العائلة الكريمة "
يسمعان بخضوع ما تتفوه به هذه السامة وهما عاجزان وقليلا الحيلة فإرضاء النائب وأبناؤه هو شيء اعتاد عليه الجميع فكواكب فسحت لهم المجال ليسيطروا ويديروا دفة حياتهم بإعطاء مكرم الصلاحية المطلقة عليهم لتنفث جودي الدخان بوجه نهشل هازئة
"أوه يا خطيبي!! لما أنت بالمنزل اليوم أليس لديك تطبيق بالمشفى ...هل سمح لك أبي أن تتغيب وأنت ما زلت مجرد مقيم!! "
لتعود بعد تجاهل نهشل لها وعدم الرد كعادته تصب جام غضبها على ربى الدامعة وهي تمسك ذراعها
"كنت أمزح معك أيتها البومة بدل نحيبك ليل نهار بغرفتكِ!!"
لتنضم ورقاء للحدث الذي شدها بتمتع ابتسمت وهي تتفحص الفتاة ويبدو أنها جريئة بحق!! فمن لبسها والوشوم الكثيرة الظاهرة من رقبتها وزندها وحتى فخذها تؤكد نظرتها... بينما أقراطها لم تكن فقط بالأذن بل بحاجبيها وأسفل شفتها!! لقد نكست رأس نهشل جيداً لتضحك بتهكم تفاجئهم وهم يستديرون صوبها
"ما هذا المسخ البشري!! "
تركت جودي ربى التي شحب وجهها وبان المرض عليها ...حملها زوجها ليتمتم قبل أن يغادر المطبخ
"كانت ماجنة واحدة والأن... يا ويلنا جميعاً "
لتتقدم جودي دون مبالاة تتمايل لورقاء تتحدث من بين دخانها المنفر
"من تقصدين بالمسخ !!"
كان نهشل سيسحب جودي لغرفتها فهذا دوره هو مجالسة أبنة سيده لتباغته ورقاء بالوقوف أمامه ساحبة سيجار الفتاة بقوة من فمها
"هل تعلمين أن السيجار مضر جداً"
استهزئت جودي بها وهي تراها تلقيه بالمغسلة
" هل ستعطيني درساً أخلاقياً مثل هؤلاء الفشلة بالقصر!! "
ابتسمت ورقاء ابتسامة ماتت بسرعة والخاتم الذي ترتديه جودي يلمع بعينيها
"انا قصدت مضر بي لأني حامل وأبن خطيبكِ لن يكون هدف لقذارتك!! "
وضع نهشل يده على رأسه "توقفي عن استفزاز الجميع يا ورقاء"
بينما جودي أصيبت بدهشة لتنتبه أخيراً للأمر
"آه هل هذه هي الخادمة السارقة من قبل ألم تمت وتخلصتم منها!!"
صرخات الفتات علت ونهشل يحاول تخليصها من بين يد ورقاء القوية التي انهالت عليها بصفعات متتالية بعد أن قالت جملتها!! فهيئة ورقاء الراقية خدعت خطيبته وظنتها من نساء المجتمع المخملي لكن ها هو أسلوب الشوارع متمكن منها منذ وصولها... كان يحاول أن يبعدهما عن بعض يسيطر لأخر لحظة على غضبه الذي تخلى عنه منذ أمد بعيد ...حدث نفسه لا لن يعود ذلك النهشل المراهق المتهور العنيد والذي بسبب حمقه أضاع كل شيء "حبيبته ومستقبله وحلمه وصحته" هربت جودي أخيراً من مرمى ضربات ورقاء العنيفة تتوعد أن تتصل بوالدها بالخارج ليبعث رجاله لها
"سأدعك تتعفنين بالسجن انتظري فقط انتقامي!! "
ترد ورقاء عليها بتعب شديد
"أن كنت ابنة أبيك المجرم بأفعاله فأنا سليلة جدي الحكيم بانتقامه وسأجعلكم تندمون على اليوم الذي وقفتم بوجهي فيه"
ركضت وراء الفتاة تسحبها من شعرها فلم يكفيها الصفعات التي ورّمت وجهها أنها ببساطة تشعر بلذة وهي تقسو على الجميع!! ليعود منظر ضرب والدته قديماً لعقله...هنا أنفجر غاضباً ولم يعد يتحمل تصرفها لينتزع خصلات خطيبته من يدها التي هربت للخارج مذعورة لكن ورقاء مازالت ضمن ثورة اهتياجها التي تفجرت وصعب أن تهمد وتستكين أنها تريد المزيد لترضى!! أخبرها أن تهدأ لكنها كانت عنيدة ليحملها و يصعد السلالم بسرعة وسط ذهولها ...دخل غرفته التي يتم اعداها لها ...أمر الخادمات بالخروج فألقاها على الأرض بخفة ...حاولت النهوض لتنطلق منه صرخة مدوية يتبعها كسر مرآة الحائط بجانبه فينزف من يده بغزارة!!الموقف جعلها تركع صامتة تنظر اليه ولوجهه الذي احتقن بالدماء لقد فقد صوابه!! هدأت مستسلمة اخيراً لتسمع نبرته الغاضبة من فوق
"ذكرك الموقف بموقف مشابه صحيح !! "
لتعض على أسنانها بقوة كاظمة غيظها
"انتبهي لأسنانك المعدلة أنت لا تريدين الذهاب لمركز تجميل وأنت حامل بهذا اللقيط فسيؤثر عليه الأمر!!"
هذا لم يكن تعليق على فعلها أنما تحذير أنه سيضربها وهي شهدت فظاعة الضرب ولن تعود لتجربه...حسناً ستدعه يفعل ما يريد يبدو أنه يحب أبنة النائب ودافع عنها بقوة... شتمت داخلها
" ورقاء الغبية تستحقين الموت ألف مرة لحبك له... أنه أبن أمه أكيد"
ليردف يجبرها أن تنتبه وترفع وجهها صوبه
"اذاً سعدي جدك لا عشيقك الذي وافق على انحلالك وها هو يشارك حزبي مجرم لقتل الشعب ...ماذا أتوقع منكم!! فقط اخبريني من هو عشيقك هل هو شخص ماليزي أم من هنا!! أتعرفين كنت سأحترم كل ما تفعلينه لعقابنا الا أن تعودي مفرطة بشرفك وتطلبين مني تحمل مجونك فلا لن أسمح بهذا..."
اختفى قليلاً لتسمع صوت تحطم قوي داخل غرفة الملابس الصغيرة بالزاوية ليخرج منها ويرمي قطعة ورق قديمة محفوظة داخل لفيفة نايلون استقرت بحجرها أنه عقد زواج!!ارتبكت لثواني لن تنهار ولن تجعله يلاحظ اهتزازها لتنهض تخلع حذائها وترسم ابتسامة على شفتيها لا تعنيها تعدل من تكتيكها الأهوج ...اقتربت تهمس منه بغنج وسط عبوسه لتغيرها
"لا تهن جدي رجاءً و لا تقل عن أبنك لقيط مرة أخرى !!"
ثارت أعصابه من كذبها البائن ليمسك بوجنتها يعتصرها
"كفى ..."
لكن ما صرحت به بعدها جعلته يخرس
"لقد سرقت حيواناتك المنوية من الغرفة السرية لمشفاكم !!"
تركها وارتد للحائط لتردف بهدوء
"اعرف أن لا أحد هنا وخصوصاً خطيبتك البلهاء تلك يعلمون!!وحتى المشفى لا احد يعرف سوى أنت وصديقك "ماجد" لا ترتبك المسكين لا ذنب له بالسرقة... أنا وشخصان ناقمان من الماضي من فعلنا هذا أحدهم من زيف موتي والأخرى من قامت بالعملية لا أنكر هنالك يد ثالثة ساعدتنا من الداخل ... لم أفهم لما فعلت هذه الغلطة ...لما تذخرهم بشكل سري... ألديك خلل ما برجولتك!!"
انهت جملتها تستفزه ...سفاهتها وكلامها البغيض وهي تشير اليه لم يهم فلقد عقد لسانه فور سماع حقيقة ما حدث !!ماجد الغبي أخبره باختراق داخل الغرفة و لأن ما فقد ليس أجهزة طبية لم يخطر بباله أن أحد سيدخل ويسرق حيوانات منوية لمجهولين!! لكن هنالك جاسوس بالمشفى من هو!! صديقه قد جن من شهور بسبب زواج حبيبته وبدء يؤثر فعلاً على حياتهم وهو من جلب شركة الادوية الماليزية لمكرم من الأساس !! لكن بالمقابل راحة سرت بجسده وهو يعلم أن من داخلها طفله ولم تسلم نفسها لأخر!!ليعود يهز رأسه غاضباً من فعلتها...هو ايضاً فقد رشده وسيغير تكتيكه مع هذه الشخصية المخيفة فمن تفعل هذه الفعلة المشينة لابد أن شرها وصل أعلاه... تحدث وقد أستعاد رباطة جأشه
"سأنفذ ما تريدين بعد أن أتأكد من كلامك ...لكن لن تخبريهم كيف حصلت على الطفل لأن سمعة المشفى ستكون على المحك... هنالك أزواج كثر يحلفون باسم أبي ولن أسمح لك بتحطيمه "
"طبعاً يجب أن تتأكد وسنقول للعالم أننا تزوجنا سراً من شهور...لا تخف لن أطلع العالم على حيلتك وكيف استطعت أن تكذب على مراهقة لتتزوجها وترضي فشلك!!"
أسلوبها العدواني يجعله يريد اسكاتها بأي وسيلة
"توقفي عن تحويل حقيقة ما شعرته نحوك لشيء كريه... انت تجعلينني أبغضك عندما تفتحين فمك ..لا تنسيني كم كنت أحبك وتألمت لفراقك... أرجوك دعي تلك الصورة تبقى لا تأخذيها من قلبي!!"
اقتربت منه تتكلم بحقد ظهر واضحاً
"مهما فعلت بك الأن ليس من حقك قول هذا ...أمامك طريق طويل لرد الدين لي ... فحقيقة الأمر أنت من يقوم بتحويرها فبسبب بكاءك على والدك أهتز قلبي وتزوجتك... اعتقدت أنني سأذوق طعم السعادة لكني تجرعت المرار... وانت بعد تخلصك من الخادمة درست الطب "حلمي" و كما أرادت كواكب ...وخطبت تلك القليلة الحياء وأصبحت صهراً رائعاً ومطيعاً... حقاً أحييك على تمثيلك الرهيب وجعلي أصدق أنك كنت حملاً طيباً بينما كان ذئباً شريراً يتخفى داخلك!!"
لم يعلق بعدها يشعر بالجفاف وقد استنزف حديثها كل طاقته لكنها لم تكتفي بعد لتصل لأصبعه تنتزع خاتم خطبته حتى أنها خدشته بوحشية بأظافرها المؤنقة ولم تبالي ...شاهد كيف رمته من الشباك وهي تتحداه أن يمنعها فلم يفعل لتعود وتقفل الباب ورمت مفتاحه يلحق بالخاتم !! أن كان نهشل يعتقد أنه شاهد شخصيتها الحقيقة فقد كان مخطئ فما تفعله الأن يجعله متسمر مكانه لا يستطيع أن يفكر حتى... لقد خلعت ثوبها كانت شبه عارية وهي تتقدم اليه بدلال وميوعة!! هنا عاد خطوة للوراء يشير بيده الدامية أن تتوقف
"أرتدي ملابسك ...ماذا تفعلين!!"
انحنى يلتقط ثوبها لتدفعه على السرير بقوة !! حاول أن يسند نفسه ليوقف جنونها... لكنها كانت تخطط لشيء أخر بدماغها ...شدته نحوها من ربطة عنقه وهي تشرف عليه تمنعه من النهوض تتحدث بتلك اللهجة السوقية فتثير الغثيان داخله ...يحاول الإفلات منها وبنفس الوقت يحاول أن لا يدفعها بقسوة لكنه يعترف أنها بالنسبة لحجمها الضئيل قوية ومصممة وهي تحاول تثبيته على سريره لتخاطبه بجرأة وهي تقرب وجهها من وجهه
" سأعطيك دفئي كما فعلنا قبل سنوات بالحديقة ولنكمل ما بدأناه يا زوجي الحبيب !! "
أمسك بكلا ساعديها التي طوقت عنقه يبعدها قبل أن يقع أسير لسحرها ويعترف أن كاد يقع لوهلة... ليجلس ولم يتركها فيجلسها بحضنه يطوقها بكلتا يديه ليصيح بوجع قرب أذنها حتى تذعن
"لا يوجد بك دفء... البرود يحيطك ويجعلني أرتعش ...لو اردت أن تكوني زوجتي فلتتخلي عن المجون بتصرفاتك!! "
هنا لم تعد تستطيع تحمل كلامه ولا سجن ذراعيه ...تنفست بصعوبة تحاول التحرر بكل قوتها...يشعر جسدها بحضنه ينتفض وغضب عارم يتخلله ...كل لحظة شخصية داخلها تذوب وتخرج الأخرى تسد المكان ...سيفعل المستحيل حتى يقتلهن جميعاً فتعود حبيبته ورقاء الأصلية اليه
"ماذا تريد مني !! أن أعود بعد كل ما مررت به راقية وهادئة ومثقفة لأليق بك !!"
نطقت الكلمات بارتجاف ولوعة ...وضع رأسه على ظهرها وبنبرة توسل ورجاء موجع
" لا .... يكفيني أن تعودي من أحببتها ...تلك الملاك..."
"تلك المقرفة ماتت قتلتموها فلتصمت الأن "
اصابتها نوبة بكاء هستيرية دموعها تصب على كم قميصه الأبيض تغسله... نشيجها يدمي القلب ويظهر مقدار الأذى الذي لاقته بالحبس ...جعلته الأن يعي كم الدمار الذي الحق بروحها الطيبة التي اغتالوها بقسوتهم وطغيانهم فقط لأنه قربها منه...هو السبب بما وصلت اليه فلماذا هو مستاء... لماذا هو من يغضب أنها هي ضحيته وعليها محاسبته وعقابه ولكنها مع كل هذا لم تفعل سوى شيء بسيط!! شعر بالألم يغزو قلبه المكلوم ليشدد من احتضانها لجسده... يشعر الأن فعلاً بدفئها القديم ...لو تغير وجهها ولو تغيرت كلماتها وهيئتها لكن قلبها الذي ينبض الأن تحت يده مازال كما هو!! أنه يعرفه يعرف كيف يدوي بقوة متوجعاً لوجعها ويرفرف يحلق سعيداً بفرحها... لكنه يعرف أيضاً أن كل ما يفعله لن يعيد تجميع ما انكسر وتبعثر فلقد عرف الجميع كيف يميتونها وهي على قيد الحياة ...أخيراً حررها فالتقطت ثوبها ترتديه بإهمال لتستدير اليه وحالها بات يعذبه... لقد تورمت عيونها وسالت المستحضرات التي تغطيها... بدت غريبة جداً نهض ليقترب منها لتصرخ بل ازداد حنقها وتبدلت قسماتها فصارت وكأنها روحاً شريرة تبث لهيبها الحاقد ولا يمكن إخمادها ... كادت تضربه ليمسك يدها يهتف بألم
"توقفي عن ضرب الجميع وكأن فعلك هذا سيشفي قلبك الدامي ...ما دمت تكرهين نفسك القديمة لما عدتِ!! لما لم تستمتعي مع جدك بتلك الدولة!! لم تتفتحين جروحك الملتهبة بيدك!!والأهم لما انتهكت نفسك هكذا!!"
صرير اسنانها هو كل ما يسمع الأن
"اتمتع!! لقد عشت سنوات طوال داخل المشافي... انت لا تعرف معنى دخولك وخروجك كل يوم وشهر وسنة لإصلاح ما أفسده السجن بي!! استطيع القول أنه من سنة فقط توقفت عن الزيارة الدورية للأطباء وكل عقلي كان معكم ومتى القاكم!!"
" أنا أشعر بوجعك يا ورقاء..."
اخرسته بإشارة من يديها
"لا تحاول أن تواسيني بكلمات منمقة وتسحرني بها... هل جربت يوماً أن تعيش سنوات مع مرض مزمن يأكلك وتنتظر الموت بأي لحظة!!"
قطبت عيناه ليضع يده على فمه يمنع نفسه من استفزازها لتكمل
" اخبرني كيف تشعر بوجعي آه... ذرفت دموعاً لمدة قليلة وأنت تدفنني "أقصد تدفن السجينة المسكينة التي صادف أن قُتلت يوم قتلي" ...شكراً لك أنا ذرفت دماً وأنا أردد سيأتي نهشل ...أنا يا زوجي العزيز قضيت بماليزيا اكثر وقتي وأنا أقوم بغسيل كليتي الوحيدة التي أملكها !!"
عقدت المفاجئة لسانه لتهمس بأمر
"تحضر للخطبة لتعلنوا عن وجودي ...سنتزوج وهذه المرة أمام الناس ولتعلنني سيدة قصر النهشل وشريكة لمشافكم"
زفرت بإنهاك تتركه مفطور الفؤاد لتتمدد على السرير فتعود تلك النظرة الوقحة ...اشارت اليه ليقترب ليستدير ومازال أثر قولها قد حفر ثقباً أخر بقلبه الذي امتلأ ندوباً من الجميع نادته
"ان غيرت رأيك وأردت دفئاً أنا ساهرة هنا حبيبي... أوه هنالك مفاجئة حزينة ...زوج أمك ينوي تطليقها بعد أن باع أكثر املاكها وأشتري xxxxات بفرنسا وهو ينوي أن يهاجر مع أولاده للأبد بعد الانسحاب من الانتخابات فلقد وعده جدي بالعيش برخاء هنالك لو تحالف معه ...لم أرد اخبارها فلدي حفل سعيد ... يبدو أنكم لم تعودوا تملكون سوى القصر ونصف المشفى !!"
ليفاجئها يضرب الباب يحطمه ويخرج لتنهض تتنهد بحزن ...خرجت تقف أعلى السلم لقد حققت الشيء الذي أرادت لتتذكر كلمات نهشل عن دفنها
"جيد أنك دفنتها بيدك لا تعرف كم أشعر بالذنب بسببها... اسفة أني لم أستطع انقاذك فأنا وأنت كان مكتوب علينا الموت هنالك ".
تلتفت حولها تريد رؤية من بقي من بيت النهشل فلم تجد وقتاً للحديث مع "ربى " بالمطبخ ...هي سمعت بالكارثة ...بعد خبر موتها بالسجن وفرحتهم بالتخلص منها تعرضت ربى وأمها وسائقهم لهجوم ارهابي مسلح!! لا احد يعرف لحد الأن الحقيقة كاملة عن ما حدث فقد وجد الناس أمها مهشمة الدماغ وربى مقيدة قربها مغمى عليها والسائق تم ذبحه... وصلت لغرفتها بنفس الطابق استقبلتها خادمة على الباب
"أريد ان أراها لبرهة "
"لكن السيد أثير أوصانا قبل خروجه..."
"أعرف انها مصابة برهاب اجتماعي أنا لست غريبة لا تقلقي"
بعد موقف كهذا أكيد لن تكون الفتاة بخير هي لم تخرج من القصر من حينها حتى الحديقة لا تخرج اليها ... تمشت بخطوات بطيئة تنظر للغرفة حولها المفروض تكون غرفة زوجين تدعو للتفاؤل لكنها كئيبة جداً ...كانت ربى تجلس على حافة سريرها تنظر للشباك ساكنة ...استدارت ورقاء حول السرير تنظر بحذر وترقب ... هي الوحيدة ممن عرفت أخبارهم احزنتها فهي مظلومة من بينهم جميعاً فبعد الحادث ثارت لأول مرة وكادت تقتل خطيبها السابق "جود" بمقص ومرة بعد زواج كواكب وزوجها مكرم نائم لجانبها لم يشعرا إلا ووسادة على فمه ...أرادت التخلص منه بشكل غريب !! عندها تركها خطيبها حتى أنه لا يسكن القصر معهم بل يحضر ليراهم ويهرب كالجبان... أراد مكرم ابعادها للخارج لمصح نفسي ولولا أثير وزواجه منها لكانت نفيت للأبد... شاهدت ملامحها انها عبارة عن جثة تتنفس لتستدير ربى تحدق بالزائرة
"لم أعتقد أنك تريدين رؤيتي يا ورقاء!! "
عبست ورقاء
"لما هل تعتقدين أنني سأفعل بك مثلهم !!بالعكس أنك هنا ضحية وسطهم وأولهم أثير عليك أن تتركيه ...دعيه يعود لما كان عليه "
رمقتها ربى بنظرات استياء
"لولا أثير لكنت أعيش كابوساً لا ينتهي!! هو فقط من يتحملني ولم يتذمر يوماً وحتى بعد اجهاضي المتكرر كان يتمسك بي ويساندني ومازال "
شخرت ورقاء بسخرية من سذاجتها
"ألم تفكري لما وافقت كواكب ومكرم عليه!! لما جعلاه قريباً منهما ولما هو تزوجك بالأساس ولا تقولي أنه كان عاشقاً ولهاناً... يبدو أنك فعلا تحبيه بجنون لكن احذري تفقد المرأة نفسها عندما تسلم للرجل قلبها!!"
"ماذا تقصدين بقولك هذا... هل يمسك عليهم زلة!!"
وضعت ورقاء اصبعها على يدها
"اش لا تثرثري فكل من مات بهذا القصر لأنه تكلم بإهمال!! "
لتهمس وهي تجلس
"لهذا قتل مكرم والدتك سابقاً!!"
ضاق تنفس ربى لتنهض تحاول الصراخ فتمسك ورقاء بها بقوة تجلسها وتوبخها بعنف وهي تكز على أسنانها
"توقفي عن ضعفك هذا أنا اعرف جيداً أنك رأيت القاتل وأثير أجبرك على البقاء ولو أنه فعلاً يحبك لكان حررك منذ زمن وابتعد لكنه جشع ولئيم لن يترك الرفاهية من أجلك حتى لو كنت تذوين أمامه...افتحي عينيك زوجك سينهي كل شيء معك مع زوال عمتك وزوجها والموعد بات قريب!!"
فتحت فمها وتساقطت دموع القهر من عينيها نظرت ورقاء بشفقة نحوها
" أعرف بما مريت به وكيف القاتل يمرح أمامك... اعدك أن نهايته قادمة وسقوطه وزوجته سيكون مدوي جداً"
نظرت لربى تمسك بكلتا يديها
"اسمعي يجب أن تساعديني فحالك يشبهني سابقاً عندما كنت مكبلة وحزينة علينا أن نعاقب نهشل وأمه ومكرم وأيضاً أثير وعبد البر المجرم"
سحبت ربى يدها
"اعرف أنك حاقدة على الكل لكن والدك المفروض لا تقولي هذا عنه !!"
"لا ليس والدي !!"
صرخت لتعود تنظر بمقت
"عليك كتم السر عن أثير...انا لست أبنة عبد البر ولا أقرب لأثير لا من قريب ولا بعيد!!"
صدمت الفتاة الباكية
"هل ما يشاع صحيح !!أمك هربت مع عشيقها قديماً ...لكن يقال أنها تركتك بعمر السنة وأن طفل الزنى مات !!اذاً أنت ذلك الطفل!!"
هزت ورقاء رأسها بوجع
"أمي أحبته صحيح لكنه أجبرها عليه...ولا أعتقد أن طفل المجبرة يسمى أبن زنا "أنا"... مجرد بذرة رجل قذر دنس أمي بعد أن خدرها بالمشفى!!".
................................
أنتهى الفصل

واذا البتول تمجنت الجزء الرابع من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن