الفصل السادس

126 6 0
                                    

الفصل السادس
أخيراً باحت لربى بكل ما عرفته عن ماضي عائلتها ...فالشطر الاول مرجعها كان جدها "سعدي" بينما الأخر فعرفته على لسان الدكتور واصف !! لتنهض تتذكر أن تراسل جدها وتنهي هذا اللقاء الموجع ...وصلت للباب لتصدم بأثير الذي تفاجأ هو الأخر بوجودها مع ربى ...لفت نظرها كيس الأدوية بيده لتبتسم بسخرية
"زوجتك لا تحتاج لمهدئات بل تحتاج أن تأخذ بيدها وتبعدها عن الجحيم!! "
" كفى يا ورقاء... لنفتح صفحة بيضاء لقد اخبرني نهشل عن زواجكما من شهور بموافقة جدك الملياردير!!"
كتمت شهقة كادت تفلت منها لقد بات نهشل محترف كذب كما يبدو ليتمتم أثير
" ولو أني مستاء من تصرفك الأرعن ولجوؤك لنهشل قبلي لكن نظرة الغبطة بعينيه بسببكِ بعد سنوات شقاء عشتماها تجعلني موافق على كل ما قررته وسأحميكما مهما تطلب الأمر!!"
ابتلعت ريقها لتتساءل مع نفسها بحيرة هل كان فرح لتلك الدرجة !!ليقاطع أفكارها وهو يهمس بفضول
"فقط أكدي لي شيء أخير ...هل أحببته فعلاً لتتزوجيه أم أنه مجرد وسيلة للوصول لهدفك!! "
لاحت شبه ابتسامة حزينة على وجهها
"أنا يا أثير احببت جميع من بالقصر قديماً لكن من بالقصر آلموني!!"
"آسف... "
بانت علامات الحزن على وجهه وهو يتطلع إليها لتبتلع الغصة داخلها وتعود لأسلوبها العدائي
"أسفك لن ينفعني الأن فأنت دوماً تطعنني من الخلف!! كيف اعتقدت أنني قد أصل لدرجة من الوضاعة لأسرق!! كيف صدقت أنني ممكن أن أفرط بشرفي حتى لو كنت أسعى للانتقام!!"
أخذ نفس عميقاً ومؤلماً وربى تنظر بحزن لهذان المحطمان ... كم تغيرا عما عهدتهما عليه وكانت تحسدهما على علاقتهما يوماً... ليرد أثير يهز رأسه
"كما تصدقين الأن أن أثير صار كلباً!! "
عم الصمت المكان فلا شيء يقال بعد هذا ...فالثقة بينهما كُسرت والقلوب المحبة تفرقت والشك هو من يحلق بالأرجاء ...لملمت أخر ما بقي من قوة تمتلكها لتخرج وتعود لغرفة نهشل... حثت نفسها أن تنسى أي موقف وأي كلام سيصدر من الجميع ...استحمت لتزيل أثار هذا اليوم الكارثي...أخيراً جلست على السرير ترسم ابتسامة عريضة مصطنعة وهي تتصل بجدها... ظهرت صورته أمامها عبر تطبيق الهاتف وأول فعل صدر منه هو هتافه العالي
"قربي الصورة من وجهك ودعيني أرى حالتك جيداً!!"
"جدي اطمئن فمعي جيش بأكمله يخدمني هذا غير أبرار وواصف"
صرخ بقوة من على الجانب الأخر
"أين هما!!"
"خرجا يتنزهان يريدان أن يستمتعان ببلدهما الذي اشتقا إليه!!"
"لا أفهمكم جميعاً... أبرار وواصف تعرضوا للأذى هنا كيف تعودون لبلد لا تحملون منه سوى ذكريات مريرة !! حسنا مازالت على عهدكِ لي ...اياك والذهاب للقصر أو الاقتراب من كواكب... انا سمحت لك برؤية سقوطها من بعيد ... لا تفعلي شيئاً غبياً كأمك والا سأتبرأ منك... أنت بت تعرفين جدك أنا أمقت الفتاة الذليلة الخاضعة والتي قلبها من يتحكم بها ومستعد لتركك بالشارع دون جيش ولا نفوذ ولا قوة!! "
اسدلت اهدابها تخفي ما يختلجها فهو لا يرى أنها تغرز اظافرها بفخذها تدميه!! رغم كل ما فعله معها لكنه رجل قاسي جداً وخصوصاً فيما يتعلق بعائلة النهشل فلو أنه ساند أمها ولم يتركها هنا لما حدث شيء من هذا ...لكن مع ذلك هي ممتنة له فقديماً عندما باتت نوبات الهستيريا بالمشفى تنتابها وهي "تتذكر التعذيب الذي تعرضت له بالسجن وتتذكر ضرب كواكب لها بالحديقة وجررتها كالكلاب وهروب نهشل" كادت أن تموت عندها... كانت تؤذي نفسها تعاقبها لم تكن تستطيع السيطرة على ثوراتها وجنونها حتى اقترح جدها في ساعة غضب بأنه سوف ينتقم منهم لتتغير نظرتها للحياة وكلمة "انتقام" كانت وكأنها مرهم على جروحها!! لكن هي فعلاً لم ترد خطته بأن ينهي أسم النهشل وثرواتهم من الوجود فقط بل كانت تريد ومستميتة على حزن وبكاء كواكب وأبنها تحت قدميها عندها ستطوي تلك المرحلة من حياتها للأبد!! ".
.............................
يجلس بغرفة الأطباء المقيمين بمشفى والده أو من كانت لهم فلقد تفككت كقطع على يد السمسار مكرم بسرعة... ليصل ماجد وعلامات الذعر تنتابه منذ عاد صاحبه ناوله كوب شاي ساخن ليهدئا ويفكرا بعقلانية
"اذاً ماذا ستفعل لتلك الفتاة الشريرة هل ستردعها!!"
"لما!!"
اقترب ماجد منه أكثر
"الا ترى جنونها أنها عائدة لتقلب الوضع على رؤوسكم ... سوف تنتقم منكم أشد انتقام..."
" يا ليتها تفعل فعلاً وتمحونا من الوجود !!"
صمت صاحبة ليردف نهشل ببؤس
"فتاة بريئة كان كل همها أن تدرس وتحقق حلم بسيط فماذا حصل !! أبن الاسياد السافل اعترض طريقها ولوثه فوقعت عليها العاقبة لوحدها ...ضُربت بوحشية واتهمت زوراً وتركت كالحيوانات تموت لوحدها بينما عاش البقية وأكملوا حياتهم ونسي القصر أنها في يوم من الأيام كانت موجودة هناك... أردعها!! لقد عادت من أحببت وهي تخبرني أن اتزوجها وهي حامل بطفلي أيضاً...أنها تجعل السعادة تطرق بابي أخيراً دون أن تدري تلك الساذجة ...لم تطلخها الأيام مثلنا وانتقامها الغبي هذا بأذية نفسها قبلي أكبر دليل "
لمعت عيناه ليضع رأسه بين يده يشد شعره بقوة جعل ماجد يفهم أخيرا ماذا يحصل ليربت على ظهره
"اعذرني لم أتصور الموقف كما تفعل... اذاً أنت تعلن نهاية عائلتك هكذا... ماذا عن مساعديها ألن تخاف منهم وخصوص الجاسوس الذي هنا!!"
هنا رمق ماجد بأسف لأنه كشف الجاسوس
" اعرف من ساعدها أنها حبيبتك التي دمرت عقلك "وسناء" زوجة مكرم"
ضرب ماجد رأسه بقوة من هول المفاجأة
"يا الهي!! انا أسف يا صديقي كنت أخبرها بكل شيء عن الغرفة السرية لقد أمنتها ولم أعرف أنها أفعى!! اذاً من البداية كان هدفها سيء لأنها تحالفت مع ورقاء وجدها ... دمروني جميعاً بسبب انتقامهم !!"
اصيب الشاب بحزن عميق ليتكلم نهشل بحزم
"لنكن صريحين وسناء منذ عملت ممرضة هنا وهي تبعدك عنها أنت من التصق بها... لكن الأن خوفي عليها صار أكبر !!"
اتصل بها بعد مقاطعة دامت شهور فلقد كان قريباً منها ويساعدها لتتجاوز ماضيها...معها وماجد كانوا يخططون لأبعاد مكرم عن المشفى وفجاءة أخبرتهم انها ملت من هذه الحياة والظالم يعلو شأنه ويمرح وأن أفعالهم بلا فائدة ترجى ... اختفت بعدها ليصدموا برسالة منها بعد شهور تقول أنها حققت ما تريد !! لترد أخيرا تعيده للواقع
"لم اتصل للكلام عن فعلتك ...فقط اعطيني رقم الأثنان الذين يساعدون ورقاء معك !! "
صمتها على الجانب الاخر يخبره أنه محق بما يحدث وهي الطرف الثالث ... سمع نشيجها قبل أن تنطق أسمه
"نهشل أنت بالذات يجب أن تعذرني فأنت مثلي..."
" أخبرتك أن تصبري ...هل تعتقدين أن الشعوب المحتلة تحررت بليلة وضحاها!!"
ضرب ماجد كوب الشاي وخرج يكتم غضبه لتتكلم بأسى
"أرجوكم سامحوني فأنا مكلومة جداً هل تعتقد أني سعيدة وهو قربي بكل ثانية!!"
تفهم نهشل موقفها ليهمس بوجع لا يقل عنها
" حسناً يا صديقتي علي أن أفهم ما يحدث معكم ...فمن يخصها الأمر الأن هي أغلى شيء بحياتي ..."
استمرت تلك المكالمة الليل بطوله تحكي بها وسناء ما حدث بتلك السنوات الغبراء جاعلة نهشل يشعر بأنه مات وهو على قيد الحياة!!.
................................
ها قد حل عصر اليوم التالي ...كانت تجلس أمام مرأة الزينة وهي بأبهى حلتها انتبهت لملامح البهجة التي تعلوها وخفقان قلبها المدوي كلما سمعت زغاريد خادماتها... لأول مرة يحدث هذا بعد سنوات هل هي سعيدة ووقعت بفخها!! هزت رأسها
"توقفي يا ورقاء لا تنسي ما حدث"
كانت تكلم نفسها لتعود ترد على انعكاسها بالمرآة كمن أصابها انفصام بشخصيتها
"دعيني أعيش الحلم الذي راود عقلي منذ أحببته... اعلم ما فعلوه بك وكل ذنبك أنك أحببته بجنون... فقط لأكون لجانبه ويلبسني الخاتم كما بقية الأحباء ...أرجوكِ يا أنا الموجوعة "
ذرفت الدموع تتذكر بالمشفى عندما جلبت أبرار لها صور خبر خطوبته لجودي وكيف كان يحتضنها بسعادة لتنهار يومها تشعر بشفقة على نفسها لكن بالوقت نفسه شعرت أن أحد يسرق مكانها وعليها أن تستعيده بالإجبار... أما تدنيس جسدها كان صدفة بحتة آنذاك سهلت مهمتها ليندم لأخر عمره...استعادت هدؤها تبعد امنياتها وتقتلها فهي لن تخسر دعم المحيطين بها "أنهم بمركب واحد" كل تعهد بأخذ حقه من مكرم وكواكب هي فقط من التفت على الكل ووضعت نهشل فقط بجدولها تريد أن تكون معه بأي ثمن حتى لو كان الثمن غالياً !!
سمعت صوت صراخ من أسفل القصر!! خرجت من الغرفة ليأتي الصوت من غرفة مكتب عاصي...شاهدت الخدم مرعوبين... حتى خدمها يقفون بعيداً والحرس بالخارج لا يتدخلون لأن العراك كان بين كواكب و.... مكرم!!
اذاً عاد النائب بسرعة ...لكن تساءلت بحيره ما به!! لقد كان هادئاً أخر مرة شاهدته بماليزيا و وسناء تخبرها أنه سعيد هذه الأيام...عادت لتشتم بسرها لقد صدمتها وهي تخبرها أنها تزوجته سراً لأن خطط الجميع فاشلة ولو أرادت الانتقام من "قاتل شقيقتها وزوجها وأبنهم الذي لم يولد " فعليها الدخول للوكر وايجاد أي شيء لتدميره ...هزت رأسها محبطة لتتخطى بهدوء نحو غرفة المكتب ...الباب شبه مفتوح فر الجميع بينما بقت تعلوها ضحكة متشمتة وهي ترى بعينيها انهيار عدوتها... لمحت على الأرض صوراً لمكرم وزوجته الثانية بفرنسا!! تأففت بضيق لابد انها "أبرار" مع انه يوم مهم وأرادت تأجيل الأمر قليلاً لكن من حقها أن تتعجل فهي تتمنى التعكير على مكرم وتحويل حياته لجحيم ليصل مسمعها نحيب كواكب
"تزوجت يا ناقص يامن رفعك أبي من القاع الذي نشئت به !! تتزوج وتتمتع بأموالي واشتريت لها فندق بفرنسا... فلتعيد لي ثروتي وإلا..."
شاهدت استهزاء مكرم بها ولا مبالاته
" ماذا ستفعلين!! تعرفين أن رقبتك تحت سكيني ...الادلة كثيرة عليك يا كواكب لا تستفزني واياك والتعرض لزوجتي ..."
"هل تهددني !! أتعتقد اني لن أفضحك أيضاً"
" غبية أنت تملكين معلومات فقط عني ...لكن ما املكه أنا أدلة مادية ...نحن الساسة المحترفين هل تعرفين كيف نعيش معمرين على كراسينا القذرة رغم أننا مكروهين..."
ضحك بتهكم
" لأننا نمسك زلات على بعضنا وعلى كل من يحيطون بنا حتى لو كانوا أباءنا أو امهاتنا اللاتي ولدننا فحاذري مني وإلا خزيك سيجعلك تهاجرين البلد ولن تتمكني من العودة اليه ولتعرفي حقيقة مشاعري ...أنا أبغضك ووالدك وزوجك السابق جداً"
عضت على شفتيها لتهتف
" عاصي كان أشرف منك على الأقل هو لم يكن مجرماً"
قهقهته بقوة جعلت ورقاء وكواكب مصدومتان
" عاصي هو من كان يدبر وأنا أنفذ فقط... أخر ما فعله أبن الأصول قبل موته أخطأ بحق زوجين بالمشفى وكي لا يفضح أمام الألمان ادعى أن طبيبة هنالك أسمها "أبرار "من اخطئت وعندما أمرتُ بقتل الجميع أومأ بالموافقة ...كان يتمسكن حتى أنظف أنا من وراءه فصعب عليه أن ينطقها بفمه!!"
ذهول كواكب كان أخف من ورقاء على حقيقة عاصي!! فكرت ماذا لو عرفت أبرار ان من كانت تحترمه كأستاذ هو السبب الأول بهلاكها !! هي اعتقدت أن مكرم رأس الأفعى بسبب سائقه الذي شاهدته يوم محاولة اغتيالها الفاشلة ... اذاً الدكتور كان موافقاً !! لقد خدع الجميع بنبله لتسمع مكرم يعلن القاضية
"طلاقك قريب فقط سأكمل أوراق هجرتي أنا وولدي وحبيبتي ..لقد مللت السياسة التي لم تجلب لي سوى وجع الرأس والركوع كثيراً لمن يدفع ..الأن سأدخل عالم التجارة الاوروبية وأعيش ملكاً"
هاجت كواكب كما لم تفعل بكل حياتها وتوجهت نحوه بخطوة كانت حمقاء منها لكنها فقدت القدرة على التفكير لتصرخ بقوة جاعلة أثير وربى يخرجان من غرفتهما يقفان مذعورين كالبقية فلأول مرة يتواجه الزوجان هكذا !! أما بالداخل تنظر ورقاء خلسة مصدومة لرد مكرم وهو ينهال بصفعات قوية لوجه زوجته التي اتخذت موقف الدفاع بعد معرفة مدى غبائها بمواجهة رجل أقوى وأضخم منها!!علا صريخها وهي تتلقى ضرباً موجعاً على طول جسدها تكومت عند قدم مكرم تنال ركلات من حذائه الجلدي الفاخر... محاولات فاشلة تصدر الأن منها لعضه من ساقه وخربشته ودفعه عنها لتستطيع الهرب لكنه لم يتركها أنه ببساطة يذيقها ضرباً يظهر مدى حقده عليها... لقد ادمى وجهها المهتمة به بأهم مراكز التجميل وشعث شعرها المصفوف بعناية وهو يسحبه بدون رأفة بين أصابعه... تتوسل أن يرحمها دون فائدة!! وأخيراً كانت الركلة التي جعلتها تندفع لباب المكتب الذي فُتح على مصراعيه فتستقر عند قدم ورقاء !! رفعت كواكب رأسها تنظر لمن تقف أعلاها تضم ساعديها لصدرها ترمقها بنظرة جامدة كجمود قلبها بهذه اللحظات المصيرية ...ليقطع سكون اللحظة مرور عاصفة هوجاء من قرب ورقاء جعلتها تشهق ...انه نهشل يعبر جسد أمه يمسك بخناق مكرم وهو يلصقه بالحائط خلفه... ليدخل جود بعده يساند والده كل هذه المشاهد السريعة تمر وورقاء تقف شاهدة لا أحد يمكنه غبر أسوارها أو ما تفكر به توا ً!!...لكن ما حدث بعدها جعلها تزيل الجمود فالأب وأبنه يحيطان بنهشل يغدرانه بسفالة ...جود يباغته بضربات من خلفه فيطوقه حتى يقوم مكرم بإكمال اللكمات من الأمام ... يبدو أن النائب قد فاض كيله من هذه العائلة
"هل تريد مواجهتي يا أبن كواكب وبيدي حياتك ومماتك!!"
صاح نهشل وهو يحاول تحرير نفسه من قبضتهما لقد تعود على حياة الذل وكان يصبر نفسه بالمقولة القديمة إن غدا لناظره قريب حتى ظهرت ورقاء وقلبت الأوراق
"فلتفعل ما تريد لم يعد يهمني شيء!!"
لم تفهم ورقاء ما يقصدان لتصرخ كواكب وهي تزحف لأبنها تحاول الوقوف بصعوبة
" لا هو لا يقصد مواجهتك ...أتركه يا مكرم "
هز مكرم رأسه بالرفض و"جود" يدفع كواكب بقوة يثبت أبنها ليقوموا بتأديبه والذي اضحى جسده ضعيف ومنهك حتى على المقاومة !! كان سيُضرب مرة أخرى لتدوي صرختها جعلت كل من داخل القصر يتسمر مكانه ... تخطت للداخل تزم شفتيها بقوة لتأمر مكرم بصلافة
"ان لم تتوقف عن ضربه فأعتبر اتفاقنا لاغ!!"
قطب مكرم جبينه ليصل اليها وهو يضع يده على كتفها
"اسمعي يا حفيدة الغالي ..."
شعرت بذهول المتواجدين من كل مكان لكن لم تتجرأ لترى ما هو رد فعل نهشل فأكيد لن يسرها ...نظرت بتهكم للرجل وهي تبعد يده عنها
"أعرف ما تريد قوله وتكلمنا مراراً به ..أنا فقط من سينتقم منه...حفل خطبتي اليوم هل تريد فضحي !!"
أخذ نفسا عميقاً ليسمع هدير جود الغاضب
"أبي لا ترضخ لها لقد ضربت أختي وجعلتها تغادر القصر... الشيء الوحيد الجيد أنها جعلتها تترك هذا المخنث!!"
صاحت ورقاء به وهي تبعده عن نهشل بدفعة عنيفة من يدها
"اياك ونعته بهذا وإلا اخرجت عينيك من محجرها"
لطمة على وجهه من والده أعلم الكل أن ورقاء تملك ولاء مكرم الأن ولا يمكن المساس بها فكم هو غريب وقع النقود على النفوس !!
ليرد مكرم على أبنه
"تستحق أختك التأديب وأنا لا أريده صهراً ..."
نظر لورقاء العابسة من ثرثرته
"أنا خائف عليك أنهم عائلة خبيثة فقط لا تغفلي بعينيك عن الأم وأبنها والا سيأكلانك حية... خذي نصيحة من شخص عاش وهو يتعلم منهم أساليب مخيفة للانتقام من أناس أقل منهم ومن خارج دائرتهم ولا تنسي أنهم تربية النهشل الكبير!!"
خرج بتعالي تاركاً كواكب على الأرض تبكي بقهر بينما ربى وأثير قرب الباب ينظران بمقت للأب ولجود اللذين يستقويان بحرسهما ونفوذهما...نظرت ورقاء لنهشل وهو يمسح الدم من فمه رفعت يدها لوجهه دون شعور منها ليضرب يدها غاضباً فيركع قرب والدته...ربى تجلس على السلم تبكي ولم يتوقف ارتعاشها منذ المواجهة ...قربها زوجها يجلس وعلامات الهم على وجهه ...العاملون بالقصر ينظرون لورقاء بخشية لتنتبه للوضع حولها
أنها تقف شامخة وهم أسفلها ينتحبون !! في هذه اللحظات تبدلت الأحوال فقد اصبحت على جانب الضفة الأخر الذي يقف عليه ذوي السلطة والنفوذ عديمو الرحمة والإنسانية!! لم يكن شعوراً مبهجاً لها بل كان بغيضا...فجاءة همست لنفسها دون وعي
" أن تكون فقير مظلوم لهو أفضل من كونك ظالم تشتري الضمائر بنقودك وتحطم نفوس البشر وتقف على بقاياهم تحتفل "
تركت المكان بسرعة تهرب من النظرات صوبها تعود لغرفتها مستاءة على ما وصلت اليه.
..............................
عُقدت الخطوبة كما تمنت ولبست الخاتم كما حلمت وابتسم لها نهشل كما تخيلت لكن كان هنالك شيء ناقص أكيد فكل هذا تمثيل!! ... الناس حولها من عالم تكرهه أنهم طبقة المنافقين يبدو أن أخبار مكرم لم تصلهم بعد هذا أفضل ...لتكمل طريقها بهدوء فهم يجعلونها شريرة كلما قضت وقتاً أكثر معهم ... لمحت ظهور كواكب للحديقة التي تعقد بها الحفلة فقد أصرت ورقاء أن المكان الذي شهد حزنها يوماً يجب أن يشهد فرحها...كانت كواكب تحاول أن تضحك تغطي وجعها ونهشل صامت يبتسم كرجل ألي لكل من حوله... اثير غاضب يقف بعيداً وربى في غرفتها مكتئبة لينظر نهشل اليها يتنهد
"لا تتنهد يوم خطبتك أنه فأل سيء !!"
رد وأخيراً تكلم معها لكن نبرته تتخللها حدة
"حللت كثيراً وضعك يا ورقاء ورأيت انك بزواجك العلني مني تنتقمين من نفسك بقسوة فستعيشين مع رجل جبان تمقتيه ...رجل لن يستطيع حمايتك يوماً من الأوغاد فهو لا يستطيع حتى حماية نفسه وطبعاً لوثت جسدك فلم تعودي قادرة أن تفرحي بعد اليوم كعروس عذراء لا لي ولا لأي رجل غيري !! أما أمي مازالتُ لا أعرف صدقاً بماذا هددتها لترضى وتذعن لكن احذري فكواكب لن تركع لأحد طويلاً... لديها خطط شريرة ويمكنها مفاجئتك من حيث لا تعلمين فلا يغرنك انهيارها عند قدم مكرم والأخر الذي يحتضنك كشيء ثمين هل صدقته كما تصدقيننا جميعا!!"
ابتسمت بحزن
"من قال أن زواجي منك وربطك بي بالقوة بطفل هو انتقامي!! من قال أنني بعد ما لاقيته منكم كنت سأعيش وأحب وأتزوج وأفرح كبتول مثل غيري!!...أنتم يا نهشل عقرتم السعادة داخلي ولم تعد موجودة بقاموسي ...أنا انتقامي هو جعلك ترى وجهي ليل نهار كي تتذكر ما أنت فعلاً وماهي حقيقتك المشوهة...أما الزوجان البائسان اطمئن لا تشغل بالك فهما تحت قبضتي ولا يخيفانني قيد أنملة... بالنسبة لي أنت هو المخيف الأن ما الذي يجعلك تقف تتفرج فقط!!"
صفق مستاءً من أخر قولها لتمسك يده تنزلها بهلع ...تنظر حولها أن كان أحد انتبه لوضعهم ليتمتم وقد بان مقته الذي كان يخفيه بصعوبة
"تحت قبضتك!! هل دفع الفتيات ليبعن شرفهن ويتزوجن من يكرهن هو ما يجعلك مطمئنة وفخورة!!"
شهقت بقوة وهو يتهمها بتهمة بشعة ليردف مكملا تحطيمها
"لا تنظري هكذا لقد علمت بطبختكم الفاسدة ... تمنيت أن اكون مخطئ بحقك لكن للأسف لم يحدث ... وسناء المسكينة جعلتها تدمر نفسها وتتزوج العجوز القذر لتكون جاسوسة ..اذاً بعد ما ضحيت بها هل نجحتِ أنت وعصابتك بمسعاكم!!"
يبدو أن كلامه أثر بها فلقد اختفى اللون من وجهها وبانت نبرة الأسى بصوتها
"صدق أو لا انا لم اعلم أنها تزوجته... أنا فقط اردت مساعدتها لتنال حقها بعيداً عنه لكنها تمردت علينا ...أما عن نجاحنا فأجل أنا وعصابتي تقريباً وصلنا للهدف المنشود واذا أردت فضحنا عند مكرم تفضل...لكن حذاري لان أول من ستتأذى هي وسناء التي زرعتها قبلنا ضد زوج أمك كممرضة خاصة له... لكن انت زرعتها كي تسرق "ورقة الوكالة" التي كتبتها كواكب لمكرم أما نحن فلدينا هدف أسمى من ذلك وهو استعادة ورقة وكالته لبلدنا الحبيب والتي سرقها من الشعب أجمع!!"
عقد حاجبيه بقسوة ويبدو أنه غاضب جدا ولا تعرف لما فكم أختلف بين أمس واليوم نحوها !!
" منذ القدم وعقليتك تعجبني لكنك صرت مخيفة لقد أبهرتني بهذه الخطبة المنمقة... اذاً ورطت وسناء وورطت ماجد بالمشفى دون علمه ...هذا غير واصف وزوجته واخيراً هل ستضمين ربى أيضا لتسقط معكم !!"
زفرت بحنق تحاول السيطرة على اغتياظها هو يظهرها كأنها السيئة هنا لتتمتم من بين أسنانها
" فلنلعب على المكشوف...انا أسجن مكرم فأثار "لوسناء وأبرار" وأمك تعطيني كل ما تملكه من ضمنهم أنت فأنتقم لنفسي وبهذا يفوز الجميع"
ليتمتم بسخرية جعلتها تعتقد انه فقد ذاكرته فأين ذلك الرجل أمس الذي حاوطها بحنية بالغرفة ماذا حدث ليلاً ليتبدل هكذا!!
" هل تخبرينني أني سأكون عبداً لك لأخر عمري !!"
"الدور لن يكون صعباً عليك فقد لعبته طوال حياتك المقيتة مع كواكب وعاصي ومكرم وجود وجودي فقط تبدلت سيدتك الأن"
ارتفعت زاويتا فمه بابتسامة أخافتها هذه المرة حتى انها ظلت تحدق به تتمنى معرفة ما يفكر به تجاهها لتجذبها من سرحانها الخادمة تعطي الخطيبان عصيراً فتنضم كواكب لهما تلتقط صوراً سعيدة وتمثل كأي أم فرحة بخطوبة وحيدها غير مبالية للهمسات والغمزات من حولها وهم يحللون كيف تبدلت العرائس ولما مكرم غائب والأهم ماذا حل بخطيبة نهشل الأولى!!.
...................................
بعد مدة طويلة تركها نهشل وعاد للداخل والحضور يغادرون لتلاحظ اثير يرسل إشارة لربى التي تنظر بحزن من شباك غرفتها واخيراً تعي حقيقة المكان الذي عادت له أنه عبارة عن مكائد ومؤامرات فأثير يستخدمهم من جهة لصالحه ونهشل وماجد كانا يحيكان مؤامرة ضد مكرم ومكرم وولديه كانا يحكيان مؤامرة ضد كواكب وهي وأبرار وواصف و وسناء وجدها يدبرون ومازالوا يخططون ... القصر الأن يشبه قصر الرمال وهم يحيطونه من جميع الجهات فيا ترى أي جهة تملك الريح العاتية التي ستدفعه للزوال !!
لتشعر بوعكة فتسندها سكرتيرتها قلقة
"لاتخافي...ضغطي انخفض فانا لم أكل شيء منذ الصباح والهيت بالتحضيرات "
لتدخل القصر مسرعة... راقبت كواكب تعثر ورقاء وهي ترتقي السلالم لتعود لغرفة مكتب عاصي تتمشى بصعوبة تشعر بألم على طول جسدها المتورم...كان يجلس على الكرسي مسترخي والحقنة مرمية قربه!! ليفتح عيناه المرعبة بكل مرة تحدق به
" أخبرني ما الذي جعلت الخادمة تضعه بالعصير"
طرق على سطح المكتب برؤوس أصابعه
"الطفل الأن يلفظ أنفاسه الأخيرة...."
شخر فالجنين لم يبدأ بالتنفس بعد ليعود ينظر لوالدته
" الأن... الست أبن كواكب النهشل أم لا!!".
...........................
هدوء يعم القصر بعد انتهاء الحفل الصاخب ...دخل اثير غرفته ينظر لزوجته البائسة تسند نفسها على كرسيها الذي لم يتبدل من سنون تنظر للسماء لقد تبدلت كثيراً منذ لقاء ورقاء
"حسنا من أمس وانت لا تكلميني سوى بالإشارات ماذا قالته ورقاء لك!! لا تصدقي أي شيء أن الغضب يعميها منا جميعاً "
احتضنت جسدها وكأنها تشعر ببرد شديد
"لم تخبرني أكثر مما تعرفه يا زوجي!!"
انتبه للهجة المعادية بكلامها لتكمل
" اعلم اني أحببتك أكثر مما تحبني قبل زواجنا بل عشقتك ولا أنكر حبك العميق لي بعد الزواج لكن السبب الأساسي والذي كنت أعمي نفسي قصداً عنه لوجودك هنا لم يكن أنا!!"
"ماذا تقصدين لا تلفي وتدوري فأنا اشعر بالإحباط والانهاك "
"هم لم يزوجوني لك لأني مجنونة كما قلت لي بل بسبب ما تعرفه عن الماضي!!"
فتح فمه بقوة لتردف
" ألا تهاب ان تلاقي نفس مصير والدتك!! فهي أيضا عرفت وأنهوها"
هنا جلس يكتم انفاسه بألم لتقف أمامه وعاد الحزن يغلف ملامحها
"أمك كانت مصرة على أنها سيئة ولولا المرض لما فضحت كل شيء وانت صادفت نوبة مرضها وطبعاً قبلك واصف الذي كتما هو وورقاء مثلك ..."السر البشع"
تطلعت لشحوب وجهه ...مدت يدها تمسد وجنتيه
" لم تعرف كيف تنتقم منهم والأسوأ تزوجت معاقة فزاد حملك وهمك حبيبي "
أمسك بيدها ينزلها من وجهه ويضعها قرب قلبه يتمتم بقهر
"ورقاء تكذب عليكِ ..."
"توقف !!"
هنا ابتعدت بعصبية عنه
"والدتك تلك الليلة سمعت شجار كواكب ووالدك الذي كان لديه تسجيل بالسيارة لخيانتها للعم عاصي!! كان يهدد أن يفضحها قبل الانتخابات فلا تنكر أرجوك"
تنفس بقوة يشعر بأن قلبه ينقبض ومازالت تتابع وتؤلم روحه
"تساءلت عندما اخبرتني ورقاء لما لم تفضحهم ولما جئت لتكون معي حتى اكملت الفتاة سرد الحقيقة وعرفت أنك جئت لتحمي الجميع"
"توقفي يا ربى لا أريد سماع كلامك أريد النسيان"
ركعت اسفل قدمه تواجهه بصراحة لتزيل عبئه كما أزال عبئها
"بل عليك أن تشاركني وجعك يا أثير فبالنهاية بذرة خيانة كواكب لعمي عاصي كانت.... نهشل ....."
رمقته بحزن لتردف
"شقيقك العزيز!!".
...........................
انتهى الفصل

واذا البتول تمجنت الجزء الرابع من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن