الفصل الاخير

201 13 1
                                    

الفصل العاشر "الأخير"
مازال يدعو وهو تحت يد المجرم الذي يبث حقده عليه بقبضة يده يشعر أن الهواء ينقطع عنه وروحه بدأت تغيب لكن هي إشارة فقط من بعيد ينتظرها "معجزة" كان لابد أن تتحقق خلال هذه العشرون دقيقة منذ اتصل مكرم به وحتى وصل المقبرة... دقائق يرتبط بها مستقبلهم جميعاً والأمل بورقاء!! وفعلاً جاءت المعجزة والأنوار التي بدأت تختفي من محيطه تعود تشع بكل قوتها صوبهم وعدد من سيارات الجيش الحكومي تطوق المكان...هرب الحرس تاركين نهشل الذي دفع مكرم عنه بقوة ليتنفس الهواء فتراجع الأخير للخلف مصاب بذهول يتلفت فيرى قوات كبيرة يحاصرونهم ولا يوجد مفر !! ينظر للأسفل لنهشل والذي كان يسعل بشدة وهو يفرك رقبته ينظر بازدراء له
"هل كنت تعتقد أن روحي وروح أحبابي رخيصة لأسلمها لك بسهولة !!"
"كيف عرفوا !!"
ليتابع مكرم ودهشته جلية بصوته
"أم أنك اتفقت مع سكان المقبرة ...لكن لا ...هنا لا يملكون هواتف أو سيارات حتى ليساعدوك ولا يمكنهم أن يكونوا من جلب الجيش !! أخبرني من جلب نهايتي !!"
هز نهشل رأسه باستهزاء وهو يقف يتابع بنظراته القوات التي رؤيتهم كانت قرة للعين وهو يلاحقون مليشيات مكرم التي تفر كالجرذان وهذا هو معدنهم وقت الاخفاق تركوا سيدهم المصاب لوحده!!ليتمتم وهو يقترب من النائب يخرج من جيبه هاتف أمه الذي أخفاه عندما أغاروا عليه
"وأنت تكلمني أيها "الأبله" و كنت مضطر أن أسمع اسطوانتك المشروخة عن كيف ظلمك جدي ... عدت لمسكن عائلتي فأمي تركت هاتفها هنالك ...أرسلت رسالة لورقاء أبلغتها بكل ما يحدث وأن حياتنا جميعاً أمانة بعنقها وهذا هو عشمي بها فلم تمضي عشرون دقيقة إلا وأنت بقبضة العدالة ...وشكراً لأمي أيضاً فهنالك شيء يحسب لها الليلة "
وفي أخر خطوة خبيثة من مكرم الذي لم يقبل التنازل... يركع يمد يده لسلاحه المخفي بساقه يوجه حديثه الأخير بمقت
"كم كنت أتوق لرؤية روحك وهي تخرج من بين يدي ...كان وعدي لأبني الغالي صباحاً ...أخبرته أني سأرسلك له قبل أن ينتهي اليوم ولقد هدمت وعدي ... مع أن الموت بالرصاص ليس أسلوبي ولا أتلذذ به وأنتشي... لكنك لم تترك لي خيار..."
وهنا بان وجه نهشل الأخر عندما فعلاً اصبح لديه هدف بهذه الحياة ليباغت يد مكرم بركلة من قدمه قبل حتى أن يستقيم ولم يحتج الأمر عراكاً أو مصارعة فالرجل الكبير يقف بصعوبة وجسده ضعيف جداً بعد كل ما شهده من بداية النهار لحد اللحظة ....ليمسك نهشل بياقته يتحدث من بين أسنانه
" ما يؤلمني ليس أنك وأمي حولتم حياتي جحيماً بل هو تغلغلكم الشيطاني لروحي وتقييدها وسلبي أبسط أحلامي فسلمتكم إياها ببساطة... الأن سأسعى لغايتي حتى لو كانت على جثثكم النتنة"
لينهي حديثه بلكمة قوية انطلقت نحو وجه مكرم... لكمة عبرت عن سنوات ذل وقهر عاشها تحت كنفه ...سنوات لخصت كيف يعيش الأنسان المسالم تحت جور السياسيين ويتحملوا طغيانهم جاعلاً منه ينام بسبات عميق فتأتي القوات الحكومية تستلمه ...ليحمل هاتفه يتصل بها فكل فكره وقلبه معها يتساءل عن أحوالها والبقية!!
.................................
قبل عدة دقائق قرب المشفى كانت ورقاء تزفر نفساً مريحاً بعد رعب دام ثواني مميتة... اعتقدت أنها النهاية لقد شاهدت الارهابي وهو يعلن نهايتهم كان قد ضغط على جهاز التحكم وبأخر لحظة القوات الأمنية تفشل مسعاه البغيض ليقوموا بالإغارة عليه من كل جهة فأردوه قتيلاً ..انقلب الوضع الهادئ بسرعة فعمت البلبلة المكان ...الناس تجمهروا والسيارات الأمنية تحاوط المشفى... خبراء المتفجرات وعناصر "الداخلية" تقريباً كلها هنا ... تتذكر كيف وصلتها رسالة من هاتف كواكب الميتة يرسلها نهشل يخبرها بأمره !! اصيبت بهلع وذهول كيف تنقذ الجميع!! لتقوم بتحويل الأمانة فوراً لعصابتها "الثلاثية" واصف وأبرار ووسناء... حيث بدأوا بالانتشار بكل انحاء المدينة ...كانت دقائق حرجة بالنسبة للجميع ...قام واصف بسرعة بتبليغ الأمن وعاد لورقاء ومع أن نهشل اخبرها أن تهرب لكنها لم تفعل صممت مع واصف أن تكون طعم لأخر لحظة...بينما أبرار ارسلت مع المطافئ للقصر ووسناء اكملت الطريق للتبليغ عن مكرم وتم الاتصال بالسيد سعدي الذي بفضل علاقاته لم تتوقف الهواتف عن الرنين بالبلد وخرج الكل لوضع نهاية شيطان يعشش على قلب الشعب المهموم وهكذا عندما تلاحمت الايادي الطيبة بعضها مع بعض تم انقاذ أرواح بريئة كثيرة كادت أن تلحق من سبقوها فكانت ليلة انهت واحد من عصور الجور والظلام وان شاء الله يتبعه البقية... اقترب واصف من ورقاء يشعر بالأمل لإنقاذهم المشفى فينضم له أحد كبار الضباط ويبدو عليه الفخر
"أنت متهورة أيتها الشابة... لكن لو كنت هربت لما كنا حددنا مكان المجرم ولكان الناس ماتوا ... كانت عيناه عليك لذلك لم ينتبه لوجودنا ... احسنت يا بطلة"
توردت وجنتاها وشعرت بدمائها تجري دافئة بعروقها وهي ترى نظرات من حولها تمدها بالسعادة ...الناس المتجمهرة قلوبها ترتجف بعضها على بعض خائفون على بعض يحمدون الله الأن لنجاة إخوانهم والقوات الأمنية البعيدة عن لعبة "الساسة القذرين" هم بالنهاية يخافون على شعبهم وهرولوا بسرعة لإنقاذهم... قديماً وبين جدران سجنها المظلم اعتقدت أن العدل أنتهى والطيبة محيت والخير لم يعد موجوداً... لكنها كانت مخطئة فالسياسيين لا يمثلون بلدا كاملاً بل "الشعب" من يمثله ...ولو فتشنا بين زواياه سنرى خيره وخيراته الكثيرة سنلمح طيبة أهله البسطاء المسالمين... سنشاهد شجاعة جيشه الباسل وشرطته لحماية مواطنيهم واخيراً سنرى شموخه وصلادته التي بدأت منذ قرون ومازالت تمثل شوكة خاصرة ضد كل من جاء وحاول محقه فبلدنا أكبر وأقوى من أن يزال من ثلة دنيئة اعتقدوا خطأ انهم يستطيعون طمس جذوره الأصيلة وتحريف تاريخه العظيم وتجريده من هويته العربية.
..............................
في هذه الأثناء شرقاً تصل أبرار للقصر الذي كانت نيرانه تخمد وسيارات الإطفاء منتشرة !! حضور غفير يقف ينظر للبناء المحترق والذي وضح تشوهه وقباحته الأن تسأل بوجل ويدها على قلبها
"ماذا حل بأهل القصر؟"
شاهدت توقف سيارات اسعاف وفجاءة يخرج المسعفون يحملون جثة على النقالة مغطاة بالكامل!! اوقفتهم بخوف ومدت يدها ...نهاها أحد المسعفين بهزة من رأسه
" المنظر لن تتحمليه يا أختي!!"
"أنا كنت طبيبة ...لن أتأثر... "
رفعت الغطاء لتشعر بالألم أنه هو " عبد البر" من ربى ورقاء... كان وجهه مهشم بصورة بشعة لتتركه تبتلع ريقها بصعوبة تبحث حولها وسط الجماهير ...لتنتبه لسيارة الإسعاف الاخرى فتشهق بقوة وهي تشاهد ربى جالسة داخلها كانت بحالة فوضوية وملطخة بالسخام ويتمدد على النقالة زوجها وأحد المسعفين يعاينه!! هتفت من بعيد
"ربى"
وكأن الفتاة كانت بعالم أخر لم تعرف من يناديها نظرت بعين شاردة
"أنا ابرار..."
اتسعت حدقة عيناها لتتعرف على المرأة أمامها
"أجل... أعرفك ورقاء حدثتني عنك... "
ارتمت تبكي بأحضانها لتربت أبرار على كتفها أنها تبدو متألمة لتضيف ربى ببؤس
"اعتقدت أنه مات فاستسلمت لأموت ورائه فحرك يده كان يطلب مساعدتي...كان علي انقاذ زوجي وإلا ما فائدة العيش "
نظرت لأثير الذي فتح عينه بصعوبة لتقترب تحتضنه تسمع ما يهمس به
"انا لم أنفذ وعدي لكن أنت نفذتيه حبيبتي... تذكرين قلت أما نخرج معا أو لا ...أنا فخور بك لتغلبك على الرهاب"
"رهابي هو خسارتك أنت يا أثير ...سأتغلب على كل شيء لكن معك فقط ولأجلك"
تبتسم أبرار لهما لتتصل بمن ينتظرون الخبر
"واصف لا حاجة للخوف ... أنا جئت متأخرة فهنا شجاعتنا ربى انقذت نفسها وزوجها وأنتم كيف حالكم..."
يبتسم واصف يعلمها بنجاحهم بفضل المقدامة الأخرى هنا بينما ورقاء تعيش قلقاً يتصاعد فنهشل لم يخبرها باتصاله أي شيء!! تريد الاطمئنان عليه...لتشعر بوجوده ترفع رأسها فلم يخب ظنها... كان يبحث عنها أيضاً ليلمحها من بعيد بين الجموع... عيناهما تلتقطان بعض وقلوبها تشعران بتواجد بعض وحان الوقت لأرواحهما التي تاهت طويلاً لتستقر مع بعض... ركضت صوبه وكأنهما لم يلتقيا من سنوات... الاربعة أيام الماضية منذ وصولها لتنتقم لم تحسب بسجلهما فقد كانت كابوس مروعاً استيقظا منه ليهرول أيضا نحوها يكلمها بعينيه ..."عادت حبيبتي"
ترد عينيها المتلألئة تجيبه ..."عدت اليوم حبيبي"
يتساءل ..."هل نكمل من أين توقفنا ونحقق حلمنا؟"
تومئ بغبطة وسعادة قصوى... "موافقة "
لتحتضنه فيضمها بقوة ينشران الدفء بقلبيهما ...ينثران حولهما الفرح الذي غاب طويلاً عنهما لكن... فجاءة شيء غريب يحدث!! ليبتعدا عن بعض بسرعة فالناس والضباط والمرضى ينظران لهما بذهول!! ليتمتم عجوز بعدم رضا صوبهما
" ماذا تفعلان والدنيا خراب أيها المراهقان!!"
احمر وجهيهما بشدة فلم يستطيعا حتى الكلام... تتمنى ورقاء أن يصبحا غير مرئيان لقد نسيا أين هما ...تنظر لوجه نهشل والذي حاله يشبهها ليتمتم واصف بسخرية من خلفهما
"هل كنتما تعتقدان أنكما تمثلان دراما!!"
ليتسحبا يتواريان من عيون الناس ويدخلا المشفى المنقلب أمره أيضاً وبعد أن اطمئنا أن لا أحد يتبعهم بانت ابتسامتهما الساخرة من حالهما ...شاهدت ورقاء قهر نهشل بعينيه فمن بداية موت أمه لفعلة مكرم القذرة أكيد يصمد بأعجوبة لتؤشر على كتفها فينفذ يريح رأسه عندها تربت بحنيه على ظهره فيقرران تواً أنهما سيمحيان هذه اليوم ...سيمحيان الماضي ولن يعود موجود بذكرياتهما... لقد كانت الليلة نهاية للأشرار حولهما بينما لهما كانت بداية خير وتفاؤل ملأ قلبيهما ولم ينتهي أبداً .
............................
"بعد مرور سنة ونصف"
وصل واصف وأبرار هذا الصباح من ماليزيا فلقد فضلا أن يكملا العمل بشركة الأدوية هناك لكن هذه المرة عادوا لعطلة ستطول لأن طفلة ورقاء ونهشل ولدت اليوم... كانت وسناء معهما الأن تخبرهما بكل الأحداث وتعطيهما جولة بمشفاهم وكي ينقلوا كل الاخبار للسيد سعدي أحد أهم مستثمري المشفى والذي بعد عناد طويل منه قرر أخيراً أن يسامح الجميع لكنه رجل بالنهاية اثبت طيبته و....مساعدته لهم يوم اعتقال مكرم خير دليل على ذلك ليساهم مع نهشل بمشفاه الذي تحول أسمه الى "مستشفى الحياة" ...تم اعماره وتوسيعه بمساعده شركاء أخرين لهم كانوا رجال أعمال وأطباء محبين الخير ومصممين على تغير واقعهم المرير واصبحوا أصدقاء مع نهشل منذ سنة تقريباً لتبدأ حياة جديدة وعهد جديد لهم جميعاً ...اليوم أيضاً يكون مضى سنة على إعدام مكرم وعاد حق الشعب من أحد قاتليه فخلد وكواكب بزاوية التاريخ الأسود وماتا بخزي ولم يبكيهم أحد...دخلت وسناء لغرفة الإدارة حيث نهشل يتكلم مع جودي مثل كل يوم بالهاتف فقد وعدها منذ رحيل والدها انه سيراعيها وسيرسل لها النقود التي تحتاجها للعلاج ولو أحبت العودة يوماً سيكونون باستقبالها هو وورقاء... الفتاة اصبحت مكسورة وعليلة ولم يعد لديها أحد وكانت ممتنة لهم هي أيضاً كانت لعبة بيد والدها وهو السبب بدلالها وفسادها وما آل له حالها... التفت لوسناء وهو يغلق الهاتف لتتهلل أساريره وهو يعلن بفرح
"ها قد اجتمعت العصابة أخيراً "
سلموا عليه والسعادة تغمرهم بما شاهدوه هنا لتتحدث وسناء بعدم رضا
" لقد عملت كثيراً يا دكتور اذهب واجلس مع عائلتك قليلاً " ضحك من كلامها أكيد أنها مبعوثة من ورقاء ليشير لواصف وابرار
" حسناً ...هي فرصة أيضاً أريد أن تتعرفا على الكل هنا"
تمشوا معه لجناح الولادة بالطابق الأخير ليلاقوا أمامهم أثير وربى التي تحمل ولدها الرضيع وصلا أيضاً للزيارة ليرحبا بالضيفان فيهتف أثير
"الحمد لله اشترينا أنا ونهشل بيتان قرب بعض بطابقين يبدو أن الاطفال سيظلون يتدفقون علينا"
يسيرون وضحكاتهم تتعالى لتتحدث أبرار برضا
"جميل أنكم اكملتم قضية النسب فطفلتكم كان لابد أن تعيش طبيعياً مثل أقرانها"
نظروا جميعاً صوب نهشل
"الحمد لله ولو أننا لم ننسب لآبائنا الحقيقين فالموضوع صعب اثباته لكن على الأقل تحولنا من أبناء شرعيين لأبناء بالتبني لكل من عاصي وعبد البر والشكر لمحاميتنا البارعة السيدة "نمارق" من أفضل محاميي البلد وأكثرهم نزاهة وشجاعة ...على فكرة لقد ولدت أول أمس طفلتها وزوجها السيد "غضنفر عز الدين" هو شريكي بالمشفى انتم لم ترونهما سابقاً "
وفجاءة صوت مرتفع من الخلف
"نهشل...مبارك"
استداروا لمصدر الصوت ليسلم نهشل بغبطة على الوافد
"سنمار... صديقي واخيراً ظهرت... مرضاك يسألون عنك منذ الفجر"
قام نهشل بتعريف أبرار وواصف على صديقه الطبيب سنمار السماك والذي شارك معهم هنا بعد زوال مشفاه الاول بمعركة الناحية الكبرى... ومعاً حققا حلمهما ليتحدث سنمار بفرح
"تعرف حورية ولدت أمس طفلتها لذلك غادرت الفجر للناحية وجلبت زوجتي بوران وبسمة و....أين البقية؟"
لتظهر ورائه زوجته فيبارك نهشل لها
"بوران... مبارك الحمل لم أرك من مدة بالمشفى!!"
تحدثت ربى والتي هي من أفضل صديقاتها تمازحها
"صارت تثق بسنمار أخيراً!!"
ضحكت بوران
"على الأقل أنا لست مثل صديقتنا "تغريد" التي تغار على مازن لحد اللحظة"
تساءلت وسناء بقلق "الناحية بخير يا سنمار!!"
"أكيد فزعيمنا فهد الصياد وحدنا منذ ذلك اليوم والموارد والخير عادت من جديد ولا أحد يستطيع المساس بنا"
ليعرف نهشل عن من فهد الصياد
" فهد يا جماعة شريكي وصديقي الأخر مساهمته هنا رائعة هو وزوجته حورية ايضاً "
"أف...."
تتأفف بسمة وهي تنضم للجمع لتهتف بحنق
"سنمار... نهشل... الحقا المراهقان "عاتك ومؤيد" يتحرشان بممرضات المشفى واذا علم الدكتور "عبد الوهاب" سيوبخهما ويمنعهما من الدخول!!"
هز نهشل وسنمار وبوران رأسهم لأنهم يعرفون جيداً هذان المشاغبان وكل مرة ما يفعلان ليصل الدكتور ماجد يطلق حسرة
"آه أنا احسدهم مازالا عازبين والدنيا جميلة بنظرهم"
ضربته وسناء بخاصرته
"هل تريد الطلاق!! "
احتضنها بقوة يهز رأسه
"كي أموت يا حبيبتي "
مواقف جميلة ومضحكة يتخللها الجو وهم يسيرون معاً ليقفوا جميعاً أمام باب كبير وفجاءة خطوات من خلفهم تقترب منهم ليبتسموا فور رؤيته ليسال واصف ويشعر برهبة من أمامه
"هل هو رئيس المشفى ذائع الصيت!! "
أومأ نهشل بفخر ليقترب الدكتور "عبد الوهاب" تغمره السعادة يمسك بيد زوجته السيدة "فريدة" وكأنهما مازالا عروسان فتيان.. كان يعلم الشباب دوماً كيف يعاملوا زوجاتهم بحنو ومحبة أنه مثلهم الأعلى فهو يجسد فعلاً وبعمره هذا كيف يكون رجل العائلة الأصيل...أما ابنتهم أمل الصغيرة فتركض الأن ببهجة ومعها قسور يلحقهم والده الضابط سراج وزوجته آيات يحملون البالونات... ليشير عبد الوهاب بأصبعه للبعيد
" من اليوم سيعمل الشباب هنا معنا من دون تحرش ولا غزل أحمق مفهوم!!"
يحتضن مؤيد وعاتك تحت ذراعيه بحنية والذين انزلا رأسيهما وبانت ملامح البراءة على وجهيهما بصورة مضحكة ليبتسم عبد الوهاب وهو يعي وقفتهم
" يا شباب لما تقفون على الباب أين أبني أنمار !! هيا أريد رؤية حفيدتي مع أنها ولدت من ثلاثة أيام لكنني أشعر كل يوم وكأنها أول مرة اعتقد ان حفيدتي أول من ولدت من الأربعة !!"
تحدث نهشل بمرح
"أنمار وصل قبلنا جميعاً ليطمئن على يمام وطفلتهما الجميلة "
لتزداد الضوضاء قرب الباب وصوت امرأة مسنة يعلوها تقترب منهم تمتمت فريدة
"أوه انها الخالة مكية حبيبة الكل "
احتضنتها مكية بسعادة ليعاتبها عبد الوهاب
" لم تعودي تزوريني لأفحص قلبك "
قبلت السيدة مكية طبيبها تتكلم بسرور
" انا بخير فغضنفر صار أبا أخيراً وحبيبتي نمارق أما ...الحمد الله رأيت ذلك اليوم بعد عناء"
لتعرف مكية عن أبنتها ام مينا وزوجها أبو نور وصغيراتهم الأربعة فتنضم "طيبة" اليهم ويظهر بعدها والداها مازن وتغريد الحامل بطفلها الثاني وهي تتأبط يد زوجها ...تنظر لصديقاتها اللواتي يضحكن من هذا التشبث القوي به... يقف الكل يحملون الهدايا والحلوى واخيراً شعروا أن وقفتهم طالت ليتمتم مازن بقلة صبر
"ألن ندخل يا جماعة!! "
تأييده زوجته فوراً
"هيا يا نهشل أرجوك مشتاقة لأرى أبنة أخي وبقية الصغيرات "
ليفتح نهشل باب الجناح لهم فيتوزعوا على الأسرة الأربعة المتقابلة ...الكل يذهب لمن يعنيهم... فرحت يمام ونمارق وحورية وورقاء بزوارهم ...هذا المشفى قد جمعهم على الخير ...بنوه معاً ليضم أقسام عديدة واهمها القسم الخيري للفقراء ...المشفى الذي يقع بين فندق السفير "لأنمار ويمام" وبين مجموعة شركات انتاج الأسمدة العضوية والكيمائية "لغضنفر ونمارق" وقريب من ناحية آل السماك والصياد التي تمدهم بمواردها الطبيعية بقيادة "فهد وحورية" واخيراً يمسك "نهشل وورقاء" المشفى ويزيلوا وصمة عار عاصي وكواكب ومكرم عنه ويحققا المستحيل به مع اصدقائهم وشركائهم والذين كان ماضيهم مشابه كثيراً لهما فلقد وجدوا السعادة أيضاً بعد عناء ومن ضمن انغماس الجميع بعيش لحظاتهم الرائعة بالغرفة ينتبهوا لصوت خطوات كعب أنيقة تقترب!! ظهر خيالها لتقف قرب الباب فتستقبلها وسناء مبتسمة... دخلت وهي تحمل دفتر ملاحظات صغير أسود تنظر للجميع وكأنها تنظر لمشروع تخرجها هتفت وسناء
"أعرفكم يا جماعة "أنها مروة العزاوي" هاوية كتابة حكايات على الأنترنت تعشق قصص ايجاد السعادة بعد عذاب يستمر عهداً طويلاً!!"
صمت حل و "أنا" أقف بوسط غرفة جناح الولادة لتبتسم الأربعة أمهات الجدد لي ...من كانت كل واحدة منهن بتول مدنسة يوماً أصبحن الأن نساء ذوات رفعة ومقام وفخر لينهض انمار وغضنفر وفهد ونهشل يقفون بخط دفاعي أمامي وعيونهم ووجوههم قد أخذت من أسمائهم نصيبا!!...لم استطع بهذه اللحظة سبر أغوارهم ولما غضبوا مع أنهم من ولادة أفكاري!! تسمرت بمكاني لأمازحهم وقد فهمت السبب
"أكيد لن أكتب عن حبيباتكم لا تخافوا وتخيفوني هكذا!!"
تلوح ابتساماتهم على شفاههم وهم يرون هروب اللون من وجهي يحدثوني ببهجة
"أهلا بك معنا "
آه لقد أصبحت بموقف لا أحسد عليه وأستحق هذا فكم عذبتهم وابكيتهم وأوجعتهم دون أن أبالي!! ليقتربوا مني فتعود طيبة قلوبهم ونقاء أرواحهم تظهر ملياً وهم يرحبون بي... ابتسمت غير مصدقة ما يحدث لقد دخلت عالمي لأراه عن كثب كان عالمي أنا وتصميمي أنا وكم كان رائعاً بالنسبة لي أنا...لأخطوا بسعادة أقترب من سرائر فتياتي... من ولدن من قلبي ولم تترك الابتسامة اللطيفة شفاههن ... ابتسامتهن نحوي كنسمة صيف باردة اخترقت روحي لأراقب صغيراتهن بأحضانهن وآبائهن يحيطونهن بمحبة وولع ... عندها اطمأننت فتلك الصغيرات لن يعانين ما عانته والدتهن فأباءهن هم نعم الرجال ونادر وجودهم بهذا الزمان وسيحمونهن مهما حدث وسيكن أميرات مدللات كما أصبحت والداتهن ملكات يتربعن بقلوب أزواجهن ولا يمكن لأحد المساس بمكانتهن العالية .... اخذتُ نفساً مريحاً لأسالهن أخيراً بالسبب الأول لفعلتهن وقد احطت نفسي معهن بتلك الهالة البيضاء
"لما خطفتهم بتهور يا يمام المسالمة !! ولما عدت لمغتصبك هائجة يا نمارق العاقلة!!لما قبلت بدفنك حية يا حورية العصية !!واخيراً أيتها الورقاء المتهورة لما انتهكت جسدك من أجل لا قضية!!"
يجاوبنني وكلهن فخر وغبطة وثقة بما فعلوا
"نحن نعلم وأنت تعلمين هي أفعال جنونية بلحظة يأس قوية.. لكنها جعلتنا نعيد حقنا وننهي ببؤسنا فنلنا مكافآتنا وارتبطنا مع من نحب بعلاقة متينة أبدية "
كان رداً رائعا منهن لألمح بقايا عتب بنظراتهن لقد شهدن حزناً لا يتحمله أحد لأشرح بتلخيص موقفي "يمامتي الأبية ...كم أن لقمة العيش بشرف صعبة جعلتك عرضة للتحرش والمهانة ...فطمع المنحرفين بجسدك الطاهر لكن تغلبت على الصعاب ونجوت بعدم اعطائهم ما يريدون وقضيت على غربان الفساد... نمارقي الصابرة ... كم هو مؤلم أن يكون الاقارب xxxxب فيغدروا ببراءتك ويسلمونك بأيديهم لغريب يذبحك...لكنك لم تستلمي للوجع بل ثابرت بصدق ونلت سعادتك الكبرى...حوريتي الشجاعة... يا صغيرة شهدت أهوالاً... يامن رأيت وأنت طفلة شذوذ البشر وسفالتهم... يامن كنت صلبة ضد قسوة الرجال واستطعت أن تنالي الحرية وعشت الأمان المنشود ...ورقاءي القوية يامن كان حبك لعنة عليك... لم يسمحوا لك بالسعادة والحلم لكنك خيبت الظنون... لم تتركي من تعشقين لا بل ازداد قوة وتمسكت به لأخر لحظة وانتصرت على ساسة المجون "
شاهدت ملامح وجوههم السعيدة بكلماتي ...اخيراً انتهت رسالتي لهم جميعاً بالنهاية تحية لبطلاتي الأربعة فاليوم كان يوم انتصار قلوبهن النقية فلم يتلوثن ولم يحقدن ولم ييأسن بل تشبثن بالأمل لأخر لحظة ...لا شيء مستحيل مادامت الألباب نظيفة مادام الرجاء موجود والتسامح موجود والأيمان موجود والحب موجود فالسعادة ستدخل من أوسع ابوابها لتنبسط على حياتكم ترجع ابتسامتكم وفرحكم اليكم ...ودعت الصورة التي أراها وما أجملها من صورة أغلقت الباب عليهم فصدحت ضحكاتهم بالأرجاء ...انظر من النافذة الصغيرة للغرفة لمنظر لا يمكن وصفه بالعبارات ألوح أودعهم
"لن يستطيع أحد أخذ ضحكاتكم منكم ولا يسرق حياتكم بعد اليوم ...سنتان معكم عشتها بسعادة وأنا أكلمكم وتكلموني فجراً نضع أحداثا بيننا ومشاهد... تارة اسيطر على مواقفكم وتارة أنتم من يفرضها علي...وداعاً يا أجمل وأحب ما كتبت وداعاً يا سلسلتي التي وصفت "بالسوداء " لكن الأن حان وقتي لإزالة اللون المعتم وطلاء الخاتمة بلون الحب ...لون الأمل ...لون السعادة ...اللون "الوردي" .
.........................
تمت بحمده تعالى

🎉 لقد انتهيت من قراءة واذا البتول تمجنت الجزء الرابع من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوى 🎉
واذا البتول تمجنت الجزء الرابع من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن