الفصل الرابع
تضرب ابتهال رأسها بيديها والطبيب واصف "خطيب أبرار" يخبرها بما حدث لقريبتها أمس ...صاحت بقهر
"كواكب الظالمة لم تكتفي بأذيتي بل الأن ورقاء!! أكيد لم تسرق أنه كذب وافتراء لإزاحتها من القصر "
ركعت تقبل يد الطبيب ليبتعد يشهق بفزع
"ساعدني يا واصف ستدمر الطفلة البريئة "
ليركع يتمتم بقلة حيلة
"وماذا نفعل أنا وأنت لوحدنا!! انظري لحالي ولأبرار أنها تختبئ منهم بقرية بعيدة وحالتها الصحية تزداد سوء وأنت انتهت حياتك هنا يا أم أثير فقط أدعي لها أن تتحمل ما ستواجه داخل جدران سجنها "
زمت شفتيها بقوة وقد تصاعد مقتها
"هنالك شيء ولو تطلب مني بيع روحي سأنقذها فلتتصل بهذا الرقم أرجوك وهذه ستكون أخر مرة اعرضك للخطر بطلباتي"
أخذ الرقم ينظر مرتاباً اليه ليسمع نبره الأسى بصوتها
"بالماضي بسبب حقدها وعدم وقوف أحد بوجهها شهدنا كارثة ويبدو أن نفس الكارثة ستتكرر وبنفس الصيغة وبنفس الدماء!!"
قطب واصف جبينه
"هل تقصدين أنها انتقمت أيضا بزج بريئة أخرى بالسجن!!"
اخذت نفساً طويلاً
"سعاد زوجة أخي وأم ورقاء"
"لما ما الذي فعلته المسكينة ؟"
تنهدت محبطة لتهز رأسها بعدم رضا
"رغم أني كرهت ما فعلت وكيف نظرت لشخص غير أخي لكن أن تسجن وتسلط كواكب عليها السجينات هو شيء قاسي ...لكن الوجع أننا اكتشفنا حملها وولدت بالسجن وبعدها بمدة طويلة عفو عنها عائلة النهشل لكن الطفلة التي ولدتها كانت معاقة ذهنياً وظلت هكذا حتى ماتت ودفنتها أمي بالحديقة"
اجهشت بالبكاء وهي تتحدث
"ماتت بين يدي...قالوا أنه بسبب تعذيب الأم وقت الحمل تأذت برحمها لقد تعذبت حتى قبل مولدها "
اشفق واصف على حالهم جميعاً لكن كان لابد أن يسأل ما الذي اقترفته سعاد كي تعاقب هكذا!! لتنظر ابتهال بحزن اليه تخبره وتريح فضوله الظاهر بعيونه
"ذنب سعاد كان حبها المحرم لعاصي "
.........................
ارتدى بذلته العسكرية وحضر كل أغراضه كما تم أمره ليلة أمس يشعر بحزن وصدمة مما حدث ليتمم عبد البر ينتشله من سرحانه
"قلت لكما أنت وورقاء أحذرا جيداً فنحن نعيش بغابة!! هي اغرتها المجوهرات وأنت حمقك وغضبك أنهاك ...قلت لك لا تتدخل ولا تصرخ بوجوههم... لا تجابه من هم أعلى مكانة منا... لأني اعرف من أمامي وما مدى سطوتهم واجرامهم نحن مجرد عبيد ليس لنا قيمة ...لكن أنت غبي يا أثير بل أغبى شخص رأيته بحياتي"
كور أثير يده بقبضة لقد عوقب كما يعتقدون بنفيه للحدود حيث المعارك لا تنتهي هنالك ضد التنظيمات الإرهابية ...لقد تعمدوا تجنيده كي يموت أو يبقى هنالك ويستقر بتلك الأراضي البعيدة عن مدينته فقط لأنه بعد اعتقال ورقاء صرخ باستهجان
"لم تسرق يا سيادة النائبة المستقبلية ... انتم تلفقون هذه التهمة لأنها رفضت زيجة المهانة التي عرضتها علينا" لكن صدم بعدها عندما قامت الشرطة بتفتيش ملحقهم وأخرجوا المصوغات من صندوقها الخشبي فعقد لسانه فوراً... بعدها النائب مكرم وبهاتف واحد أزاحه من القصر... لكنهم مخطئون فهو لا يعتبر حماية أرضه من المنظمات التي هم من جلبوها لزعزعة أمن الشعب عقاب!! بل هو فخر سيناله وأن مات فهذه الجائزة الكبرى... ليتمتم عبد البر وهو يرى اثير يفتح الباب
"فلتعش من اليوم لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم فهكذا ينجو الفقراء والضعفاء بهذا البلد الملعون وأترك عنادك فلقد بت رجلاً الأن".
وصل للبوابة الخارجية ليلقي نظرة أخيرة على قصر ملؤه الظلم والسواد قصر لا حياة فيه لا أحد يودعه فلقد غادر الأحباب جميعهم قبله ...زفر بحزن ما الفائدة من المقاومة فكل شيء يصب لصالح الكبار حتى عندما يسرق الفقير يكشف بسرعة البرق بينما هم يسرقون من سنوات ولا أحد يستطيع فتح فمه ومعاقبتهم!! ليسمع صرخة من الحديقة الجانبية !!... ركض لمصدر الصوت شاهد ربى وأحدهم يقوم بإطفاء سيجاره برقبتها!!رمى حقيبته العسكرية ليعدو صوبها بسرعة يمسك يد الغريب الذي تجرأ على إيلامها!!رفع يده ينوي تحطيم وجهه لتصرخ ربى تبعده مذعورة ... هتف أثير بغضب
"من أنت أيها المعتوه!!سأبلغ عنك الشرطة"
ضحك الأخر وهو يعدل قميصه ليمسك برقبة ربى يسحبها اليه
"فلتتصل بهم وقل لهم أبن النائب مكرم يمزح مع خطيبته أيها الجندي الوضيع ولنرى من سيجرجرونه كالجرذ انا أم أنت!!"
هنا اتخذ أثير خطوة للخلف وهو يركز بملامح الشاب... انه أبن الأكابر "جود" المعروف بصولاته الحقيرة مع الجميع لم يتعرف عليه بسبب حالته الفوضوية... يبدو أنه عائد من أحدى الملاهي الليلة فأثار بائعات الهوى على رقبته واضحة وعيونه تفضح ادمانه المخدرات وليس بكامل وعيه حالياً... نظر لربى والتي يبدو أنها أول مرة تراه على حقيقته... لا يعلم لما انتابه شعور شفقة تجاهها و ماذا ينتظرها من هذه البيعة!! ليقوم جود بتقريب وجهها اليه عمداً يحاول لمسه بشفتيه المقززة لها وهنا كانت لكمة أثير المباغتة قد أعطته قيلولة مبكرة ...نظر للفتاة المصدومة من فعلته
"فليفعلوا بي ما يريدون لم يعد يهمني أحد"
استدار يغادر ليحمل حقيبته وفجاءة جاءه هسيسها من الخلف
"ألن تعود يوما؟ "
عاد ينظر اليها وقد ارتفع حاجباه باندهاش
"ما هذا الموقف الغريب!! أعتقد اننا لسنا مقربان لتلك الدرجة لتشعري بالحزن على رحيلي!!"
"وضربك لجود من أجلي أليس موقف غريب !!"
ابتلع غصه كادت تخرج تفضحه بعد ردها السريع
"دفاعي عنك هو شعور بذنب يمزقني فهنالك من بعمرك ولا أستطيع قتال العالم من أجلها!!"
ترقرقت الدموع بعيونه ليسير مبتعدا... تمتمت "ربى "باستياء
"لما سرقت وكانت تستطيع أن تحصل منه على كل شيء وأنا الغبية حسدتها... اعتقدتُ أنها سندريلا !! "
لتعي على حالها لن تخبرهم أنها كانت أيضا بوضع مخل مع نهشل لتزيد بنظرهم حقارة يكفيها ما حصل معها... تمتمت أخيراً ويبدو أنه لم ينتبه لزلتها فلقد وصل البوابة الخارجية
"الا تستطيع تأجيل ذهابك أو ترفض القتال بداعي المرض !!"
هز رأسه أنها بإلحاحها تصر أنهما مقربان ليستدير اليها بامتعاض
"لأنني لو رفضت أوامر الجيش سأكون أنسان أناني أعيش بنعيم بينما أقراني يذودون عن الوطن بأرواحهم وثانياً حتى لوكنت شخص تافه فسأسجن بتهمة الفرار من المعركة وأعتبر عار على بلدي ولا أستحق أن أحمل هذه الجنسية بجيبي"
"عدني أنك ستعيش... أنا لا امزح الأن "
ليجاريها بقلة صبر
" أن حياتي وموتي بيد الله توقفي عن مشاهدة الأفلام وعمل مشاهد مضحكة"
اسدلت أهدابها الطويلة لتختفي عيونها العسلية وهي أجمل ما فيها وقد لاحظه تواً!! للحظة شعر بأنها تستحق منه أن يكلمها ويرد عليها ويودعها أيضاً
" حسناً انت أيضاً عديني بشيء ...لا تتزوجي عندما تكبرين من هذا المقرف!!"
ليضع يده على مقدمة رأسها يمسده بخفة
" اسف لأني ازعجتك وأخفتك اعتقدت لأنني أكبر وأقوى فمن حقي التنمر على رقيقة مثلك... أنت قيمة جداً لا تدعي أحد يثبط عزيمتك بالمستقبل يا ربى"
ليغادر وهنا تلمست موضع كفه عند مقدمة رأسها
"أعدك لن يلمسني رجلاً بعدك ولن أسمح لأحد بنطق أسمي كما فعلت يا أثير".
.................................
تجلس منزوية بالغرفة الباردة التي جلبوها اليها صباحاً... لا تعرف بعد ما مصيرها وماذا يخططون لعقابها!! تتساءل هل فضحوا ما فعلته... هل كشف زواجها!! لتتذكر المصوغات التي جلبوها من بيتها والشرطة اليوم أخبرتها أنهم وجدوا بصماتها على خزنة السيدة كواكب !! كيف وهي حتى لم تقترب منها !!لكن ما تتعجب منه كيف وضعوا خطتهم بهذه السرعة أم أنها خطة مدبرة من مدة !! السيدة كواكب عرفت كيف تدمرها هي تكرهها حتى قبل أن يكون لها علاقة بنهشل... تساؤلات كثيرة تكون فوضى عارمة الأن بدماغها لكن أكثرها مرارة نهشل أين هو!! وهل فعلاً لن يتدخل ويخرجها!! لا سيأتي مؤكد هو أخبرها انه سيحميها...وبضمن انغماسها بقهرها تُفتح الزنزانة وتدخل سجينات يبدو أنهن نزيلات معها... كن ضخمات جداً ومخيفات رغم أنهن بعمرها أكيد...أحنت رأسها وعقدت يديها داخل حجرها ورجت أن تخرج اليوم من هنا ليحطنها بنصف دائرة
"لدينا نزيلة طازجة"
ضحكن بسخرية لتتكلم رئيستهم على ما يبدو فهي من تقف وسطهن
"ماذا فعلت كي يتم التوصية عليك من فوق!! عليك اشارة حمراء يا فتاة!! ...معناه أنك لعبت بالنار"
لتتقدم عليها السجينات وكن أربعة لترتعش وهم يجرجرونها لمكان أخر وكل السجن يبدو تحت أمرهن!!وصلوا حمام مهجور بنهاية بناية الاصلاحية لتتحدث كبيرتهم وهنا نظرت ورقاء لوجهها كان مليء بأثار سكاكين جعلتها بشعة ومخيفة للنظر
"اجلبوا كل ما نحتاج لتبدأ الحفلة "
تركوها واقفة ترتعش بمكانها تنظر حولها للمكان بخوف كان الحمام شبه مظلم والرائحة النتنة جعلتها تسعل بقوة ...أما الهواء البارد الذي يدخل من النوافذ المكسورة فيلسع بشرتها الرقيقة ...لم تتوقف ارتعاشاتها وهي تنتظر المجهول!!... يبدو أن كواكب لن تأخذ حقها بالقانون بل قررت أن تلعب بقذارة ...لتنتبه لفتاة تدخل محنية تحمل كرسياً اقتربت من الرئيسة ليبان وجهها لورقاء أنه محترق من الجانب !!تساءلت بوجل هل سيحرقونها ايضاً!!جلست الرئيسة تضحك بخبث لتصل السجينات يلهثن من الركض لينتبهوا لاهتزاز جسد ورقاء القوي ليس من البرد بل وصل الذعر أخره داخلها...لتشهق بقوة واحداهن تخرج ألة حلاقة الشعر أما الثانية فجلبت معها دلو كبيراً مليء بالماء القذر والثالثة جلبت عصيّ وسلسة حديدة كبيرة بينما الأخيرة تقف بعيداً لتشير رئيستهم بيديها
"أخلعن ملابسها كلها"
حاولت الهروب وهن يتقدمن نحوها صرخت بكل قوتها تناجي المساعدة تحاول التملص من ايديهن دون فائدة فكلما تقاوم احداهن للتحرر من جهة تباغتها الأخرى بركلة قوية من الجهة الثانية ...حتى اضعفنها جسدياً لتقف الرئيسة تلتقط الماكنة بعد ركوع ورقاء مستسلمة عنوة لتبدأ بحلاقة شعرها الطويل دون رأفة ...تشاهد خصلاتها تسقط بأحضانها فتصرخ روحها معها... الدم يتقطر من بشرة رأسها فالماكنة العمياء تأخذ الجلد أكثر من الشعر صرخاتها المتتالية تهز جدران السجن القاتم لكن هذا هو أخرها... يتبعها أنين ونشيج وتوسلات لا تجد صدى لها ولا مجيب!! لتنتهي أول عذاباتها بعد مدة فتأخذ أحدهم شعرها كغنيمة حرب
"سأقوم بحياكته كباروكة لي "
بعد ان أصبحت صلعاء بالكامل حملت الرئيسة دلو الماء بمساعدة أحدى السجينات لتدلقاه فوق رأسها شعرت وكأن صاعقة ضربت دماغها...قلبها سيتوقف فالماء العكر والبارد جداً اخترق جروح رأسها العميقة ...الألم مبرح لا يمكن تحمله لكن هذه لم تكن سوى البداية!! كانت تلهث الأن تحاول التقاط ما تستطيع من الهواء بينما السجينات يحاولن جعلها تثبت بجلستها فعلى ما يبدو أنه سيغمى عليها ... تسمع تعالي ضحكاتهم المستهزئة بحالها ليبدأن جولة جديدة من ضربها لتفوق وتنتبه لهن وهذه المرة بالعصي... أحست بضلوع صدرها تتحطم وأسنانها تقع من فمها!!...حتى الصراخ توقف داخل حنجرتها لتنادي الفتاة المشوهة بوجع
" لا تقتلوها أرجوكم فقط نالت ما يكفي!!"
لتصمت والرئيسة تضربها على فمها بقسوة فتخاطب الاخيرة ورقاء
"أراك ترتجفين كعصفور يحتضر ونحن لم نفعل سوى الشيء اليسير ...حسناً قبل أن نخسرك لندفئك حتى تستعيدي صوابك لحفلة يوم غد... اجلبن أخر ما بقي من الأشياء!!"
رفضت الفتيات بتقزز لينظروا لزميلتهن الواقفة بعيداً حيث جلبت معها الدلو الكبير وهي تمشي بحذر ....ابتعدن عنها ما أن وضعته أرضا والذباب يعلوه بكثرة!! لتأمر الرئيسة الفتاة المشوهة
" قومي بدلقه عليها وسأعفو عنك يا "بشائر"
بكت المشوهة تهز رأسها لتقوم أحداهن بإخراج سكينها الصغير وضرب عين ورقاء التي علا صراخها بعد تلك الضربة المباغتة تنازع أرضا الأن والدم يسيل من عينيها ...لم تعد تتمنى بهذه اللحظات سوى أن ينهوا حياتها ويريحوها ...الركلات تتوالى عليها وبشائر ترفض مطلبهم انهم ببساطة يسحقونها تحت أقدامهم القذرة
"حسناً ...توقفوا !! "
ركعت بشائر تبكي لتقوم بتقريب الدلو منها...تقيأت كلا من ورقاء وبشائر لتأمرها الزعيمة
"قومي بتغطيتها بغائطنا الذي جمعناه لها من الصباح ولا تتركي مساحة فارغة !!"
لتفعل ما أمروها بمضض وقامت بتفريغ محتواه على وجه وجسد ورقاء العاري الدامي فلم يبقى شيء غير ملوث بها من رأسها لأخمص قدميها ...كانت الأن بعد معاناة شبه واعية تسبح حرفياً بالدم والقذارة وأخير ربطوا أحد قدميها بالسلسلة الحديدة وعلقوها بزاوية الحمام وصوروها!! تلك الليلة الباردة والأليمة الرعد والبرق لم يتوقف فيها وكأنه غاضب على الروح المعلقة هنالك والتي لم يكن ذنبها سوى "أنها يوماً من الأيام قد حلمت حلماً به ألوان!!"
ساعات معلقة من قدم واحدة وباقي جسدها يتدلى مصاب بالخدر لم تعد تشعر بالوجع وحتى رائحتها لم تعد تميزها فلقد تقيأت حتى جف جوفها تسمع همساً يقترب منها
"أنها أنا بشائر...نصيحتي لا تكوني مثلي والا ستعيشين بالعبودية لهن أمد الدهر... انظري ما فعلوا بوجهي خلصي نفسك وإلا عذابك سيستمر والألم سيطول والنهاية واحدة موتك المحتوم ... خذي..."
انزلتها من الحائط لتتمدد على الأرض النتنة فتضع بشائر بيدها حبلاً يشبه حبل الاعدام ...رمته من يدها لتخرج الحروف بصعوبة من بين أسنانها المحطمة
" سيأتي...وينقذني"
"من سيأتي ؟ لا أحد يستطيع الاقتراب من هنا !! "
"بلى... نهشل يستطيع".
...........................
"كيف اذهب للمؤتمر وصحة أبني متدهورة!! فلتذهب السياسة للجحيم ما يهمني الأن نهشل فقط أنهم لا يسمحون لي برؤيته سأموت أن مات اغلى ما لدي !!"
يحاول مكرم اقناعها مبتلعاً غضبه عند سماع أسم ابنها
"من أجله يجب أن تكوني قوية... سأذهب اليوم للمصح وسأسهر معه أن اردت أيضا "
وصلت أم ربى تقاطعهما بنزق
"يومان منذ تخلصنا من المشؤومة ألم تسمعي شيء عنها!! "
لتصرخ والحقد يملأها
"لا تأتي بسيرتها أمامي ...بسببها أبني محطم "
نظرت أم ربى لمكرم وبنبرة مشككة
" علمت أنك طلبت صور من مشرفة السجن لورقاء هل لي أن أعرف لما!!"
وقفت كواكب تنظر بارتياب لمكرم الذي ضحك ضحكة لم تصل لعينيه
"أردتها كي اخيف موظفونا وخدمنا أن تجرؤا يوماً للوقوف ضدنا...أنها مجرد ورقة ضغط على خصومي هل توقعتِ أني سأستخدمها لغرض دنيء!! "
أخرج الصور لكواكب ليصيبها الاشمئزاز فتبعد الهاتف عن وجهها
"معك حق لابد أن يخافنا الجميع حتى لا تتكرر أخطاء أبي "
خرج مكرم يتوعد أم ربى التي بات لسانها طويل ليتحمله... نظر لسائقه يأمره بغيظ
"تلك العلقة نوع أخر من الخصوم...يبدو انها تفهم عقليتي وأخبث من كواكب بكثير فلتجد لها حلاً الليلة "
انطلاقا ليصل للمصح ...جلس أمام سرير نهشل الذي ما أن لمحه بغرفته وهو يحاول النهوض يقاوم السم الذي يحقنونه به... لم يعد يعرف من متى هو هنا وكأن ذاكرته تدمرت !! لما فجاءة لم يعد يعرف أن يحسب وقته!! وماذا حل بورقاء!! يراقبه مكرم بسخرية ليجلس على كرسي قرب السرير ويضع ساق فوق أخر ويخرج سيجاره ويبدو الفرح على ملامحه ...غضب نهشل وغليانه الداخلي لا يمده بالقوة التي يريد كما كان سابقاً فجسده نصف مخدر لكن سيصل اليه ويقطعه... ليتمتم من بعيد بأحرف غير مفهومة فيسقط من سريره بشكل مثير للشفقة فيستقر تحت قدم النائب وبعد معركة مؤلمة مع بدنه ومراقبة مكرم الساخرة له ينطق بصعوبة
"أين هي..."
"حبيبتك تتذوق أسوء تعذيب لم يشهده أحد بسنها هذا"
حاول أن يمسك بساق مكرم يشد بقوة عليها حتى أبيضت مفاصله يستجمع ما يستطيع من تركيزه ليستوعب ما يثرثر... ليفتح مكرم هاتفه ووضعه امامه فيشاهد صورتها التي هزت كيانه
"أجل هذه ورقاء... للأسف هنالك متوحشات بالسجن انظر ماذا فعلن بها لا أعتقد أنها ستنجو المسكينة"
يطلق أنينا متقطع لتنتابه حالة من الهستيريا يحاول الوصول لعنق مكرم الذي ضرب يده الضعيفة بخفة
"انها أمك من فعلت هذا لما ترمي نوبة غضبك علي!! "
أنهى حديثه بدفع نهشل ليرتد يقع أرضاً ...لوعة تغلغلت داخله تمزقه تواً على من راحت ضحية طيشه ليردف الرجل الكبير بمقت
" جدك هو من درسني وأمك هذه الاساليب المقيتة!! هل تعرف يا حفيد النهشل حجرة جدك شهدت صراخ صغيرات كورقاء ونساء عفيفات ورجال أبرياء كان يعذبهم بكل الطرق البشعة والمقززة التي لا تخطر على بال أنسان طبيعي!! هل تعتقد أننا وكواكب لن نكمل الدرب هذا!! من ورقاء هذه لتكون استثناء ومن أنت لتقف بوجوهنا ...أنتم مجرد اخطاء بحياتنا وبثانية واحدة ستكونون بملف المفقودين لو أردنا!!"
ليخرج مكرم ورقة من جيبيه ويضحك
"أمك فعلت هذا وهي لا تعرف اصلا أنها زوجتك!!"
صدمة تلو أخرى يرميها عليه هذا المجرم لقد سرق عقد زواجهم!! ...رفع الورقة بغيه تمزيقها لتبان ملامح الذعر على نهشل والألم بدأ يتصاعد داخله فأعصابه بدأت تستيقظ معلنة حاجتها للمخدر الذي تجرعه بكثرة حتى بات مسكنه ..وفجاءة زحف للنائب يمسك به بتوسل
" أرجوك ساعدنا..."
كانت رد فعل الرجل الأكبر سناً هي ابتسامة مستهزئة ليرمي أمامه مغلف جاهز!! ساعد نهشل ليجلس القرفصاء ففتح المغلف وأخرج ورقة غريبة
" وقعها وسأعيد زوجتك اليك!!"
انحنى للورقة ليبدأ التركيز وفجاءة رفع نظره بحدة وتصلبت ملامحه الكريبة ليردف النائب بلؤم كان يكتمه سنوات
" أنها ورقة تعترف بها أنك منظم لمنظمة ارهابية تحاول الاستيلاء على حكم البلاد وشاركت بعمليات اعدام مواطنين أبرياء وتهجير قسري لبعضهم وتعذيب أخرين !!"
ينظر بقلة حيلة لمن يجلس عالياً مختالاً بنفسه وبسلطته المطلقة ليبتسم نهشل ابتسامة جانبية ساخرة على وضعه وما آل حاله اليه بعد رحيل والده الذي كان عزوته ضد وحوش السياسة حولهم ...هز رأسه برفض قاطع ليتعدل مكرم بجلسته
" هل تعرف أن وقعته سأنفذ وعدي غدا وأمك لن تستطيع منعي ...وهذا الدليل سيجعلنا نعيش معاً بسلام "
"ما الذي سينفعك من مسك دليل علي !!"
" الورقة مهمة لأنك يمكن ان تكشف أمري وأمر أمك وما فعلناه لكما ونحن لسنا اناس عاديون أي زلة واي اشاعة ستجعلنا موضع شبهة والشعب متعطش لدمنا بصورة مخيفة ومستعدون للإطاحة بنا وسحلنا بالشوارع لو عاد الأمر لهم ...لذلك أن هويت ستهوى معي...كن ذكياً كما فعلت منظفة مشافكم ووقعت قبلك ورقة مشابهة ورضت بكم سنة سجن وحافظت على نفسها وأبنها وعندما تخرج سنعيدها لأحضاننا معززة مكرمة"
اتسعت حدقة عيناه "أم اثير لما!!"
لم يجبه أو لم يرد أن يطلعه عن السبب
" قرر بسرعة لدينا مؤتمر صحفي ونريد الاحتفال "
أخيرا بعد صراع نفسي مد يده للورقة ليعطيه مكرم قلمه بضحكة انتصار شريرة ...نهض الأخير يحمل ورقته بجيبه ليتمتم بتحذير
"أن طعنتني غد أو بعده ...انت تعرف أن هذه الورقة معناها الموت بدون محاكمة ... بعض السياسيين مثلي نستخدم القانون ليس للقبض على ارهابيين فوجودهم نعمة لنا... فهو يعمي نظر الناس عن إجرامنا لذلك نستخدمه للتخلص من اعدائنا ونصفيهم به ...والتهمة هذهِ لن تدعك تصل للمشنقة بسهولة بل ستتعذب حتى تتمنى الموت بسرعة... سيجلبون كل امرأة بعائلتك وينتهكونها أمامك وبعض الأحيان تكون أنت التحلية لهم خصوص بهذا الوجه الوسيم!!"
كان سيغادر ليشعر بنهشل يمسك ساقه ليتمتم باستحقار
"يا ألهي لقد أحزنني حالك يا أبن الأكابر وأنت تتذلل بسبب خادمة!! اطمئن ستخرج غداً وانت سأطلب أن يعالجوك جيداً ويعتنوا بك جيدا هذه المرة"
ليرحل ويتركه يشعر بانهيار تام وعجز ويأس مميت ... صورتها الاليمة لن تفارق خياله مطلقاً...انهمرت الدموع من عينيه بحرقة يتمنى أن يكون قربها الأن يداوي جراحها ويطلب السماح منها ...يريد أخذها بين احضانه يخبرها أن تعذبه كما فعلوا بها ...ضرب رأسه بحافة السرير يعلم جيداً أن جلد ذاته هو لا شيء بالنسبة لما قاسته هناك وستقاسيه أن خذله مكرم!! دخل لغرفته أطباء مختلفون!! ساعدوه على النهوض واعادوه للسرير ...يبدو أنهم سيعالجونه... تمنى أن يأتي يوم غد بسرعة ليأخذها بعيداً وسيعيشان بهدوء لأخر يوم بحياتهما .
...............................
وصلت للمشرفة مكالمة من كواكب فجأة !!اغلقت الهاتف ونادت السجينات ...بهذه الأثناء كانت بشائر تضع رأس ورقاء على حجرها وقد غطى الألم قلبها والأخيرة تبدو أن الحياة تفارقها وما زلت تردد
"نهشل قادم ليأخذني...زوجي قادم..."
وصلن للحمام لتشاهد السجينات ما فعلته بشائر فيركلوها للخارج حاولت التمسك بورقاء لأخر لحظة لكنه حكم القوي الذي يجعل من مثلها يخضع ويطيع... أخرجت الرئيسة خنجر سُلم اليوم اليها خصيصاً للمهمة ...ركعت تمسك بمؤخرة رأس ورقاء التي دمعت من عينيها السليمة وهي تشعر بنهايتها قادمة لا محالها تنظر لقاتلتها عسى أن ترأف بحالها!! لتهمس الأخيرة وهي ترفع السلاح
"لا تنظري هكذا فنحن لسنا السبب بما وصلت اليه...نحن مجرد أدوات لمن يدفع أكثر ...لأخبرك أمراً أنت سجينة محظوظة لأن أمر تصفيتك جاء بعد يوم تعذيب واحد فقط بينما لاقت سابقاتك قبل موتهن طريق طويل من الويل والهوان "
اتعست عين ورقاء بقوة وفتحت فمها لتنطلق منها آهة متقطعة والخنجر يغرز عميقا داخلها ينشر سواد البشر وظلامهم لروحها النقية يخبرها أن هذا العالم لم يكن صالحا ليعيش به أمثالها ... تمسك موضع الخنجر الذي غادر بيد قاتلتها يترك جرحاً عميقاً ينزف ولن يشفى ...غادروا جميعا بعد تنفيذ المهمة لتصرخ بشائر من بعيد وهي ترى ما فعلنه ... فقدت صوابها وهي ترى ورقاء تتقيأ دما لتركض تنشد المساعدة بأمل أخير أن تجد في هذا المكان "أنسان"!!
بينما جسد ورقاء وصل بعد مدة حد الهدوء وعدم الاحساس فبدأت دنياها البشعة تغادرها ببطيء... ليلفت نظرها حمامة رمادية تنظر صوبها !!رفعت يدها بارتجاف تشير اليها شاهدت السماء خلفها صافية واشعة بسيطة تتخلل الجو بعد ليلة عاصفة وهوجاء!!...بكت دموعاً ودماً والبرد يهد اوصالها تتمنى ذلك الدفء الذي احتواها ثوان سرقتها من عمرها القصير مع من أحبت ...يبدو أنه تلك الليلة ارتكبت الخطيئة الكبرى ولابد من موتها ليسعد الكبار...لتحلق الحمامة بعيداً تمنت لو تحلق هي ايضاً... اغمضت عينيها وسلمت أمرها لربها فبدأت الكلمات تعلو وتصدح بأركان السجن العفن
"يا أيتها الورقاء الشجية فلتحملي أخر عباراتي وحلقي بحرية
أفضحي ظلم النفوذ وظلم الساسة والأحزاب القوية
أخبري من ينتظرني عند الباب لقد انتهت القضية
فقد أصدروا حكمهم الجائر وتمت بسرعة العملية
ستبكون وتتألمون أحبابي... لكن هذا مصير النفوس الأبية
وما دامت مصائرنا بيد مجرمون فاسدون صاغرون أغلبية...
اذاً فلتصمت الأفواه وتعمى العيون ليعيش أهلنا البقية!!".
.................................
"هل تعرفين أين ورقاء!!"
كان الدكتور واصف يسأل مشرفة السجن بقلق وقد جلب معه لجنة حقوق الانسان لتدليهم رغماً عن انفها على مكان تواجدها وعند وصولهم للحمام تسمر وهو ينظر لورقاء!! وصل أحد الرجال الكبار اليها ونزع سترته ليغطيها فبكت رئيسة لجنة الحقوق بندم وحسرة ...التفت للمشرفة تتوعدها العقاب لترد الأخيرة بسفاهة
"مجرد صغيرات وتعاركن ما ذنبي أنا ...أنتم كل مرة تهددوني هكذا وماذا يحصل ...لا شيء "
ركع واصف قربها يبكي
"ماذا سأقول لعمتها!!"
احتضنتها رئيسة اللجنة ولم تقرف لحالها بل استبد الألم واليأس داخلها ليتمتم رجل السترة
"نستحق الموت جميعاً لصمتنا على ذبح البراءة يومياً بدم بارد ...لا أحد بهذا البلد البائس يقول أنني شريف وصالح مادامت سجوننا عبارة عن مسلخ كبير وبأيدينا ننتخب جزارها القميء"
بينما يبكي هنا البعض ويبتلع وجعه فبمكان أخر بالمدينة احتفال وتصفيق وهتافات لكواكب النهشل ...فقد اعلنت كمرشحة رسمية بالحزب... لتنتهي مرحلة سوداء اليمة فاز بها كالعادة الذئاب البشرية المقيتة وراح الأبرياء تحت الأقدام البغيضة ...مشهد متكرر وممل ورتيب يخبرك "أنك يامن كنت يوما عزيزاً ببلدك ...اصبحت موجود فقط للمذلة والسحق وأحياناً للتصفية!!".
..................................
"بعد عدة سنوات"
ترجلت من السيارة السوداء الفارهة... حملت حقيبتها الأنيقة على كتفها وعدلت نظارتها الغالية... اعادت خصلات شعرها الأسود الطويل للوراء... استدارت بغطرسة لسكرتيرتها تشير أن تتكلم
"أنت كاملة يا سيدة ورقاء!! "
"هل عملية التجميل واضحة !!"
هزت الموظفة رأسها
"ابداً وأكيد ستكونين مختلفة عما عهدوكِ كل أنسان عندما يكبر يتغير قليلاً"
"أخبري حرسي والخدم ان ينتشروا بالقصر حتى تصل الأفعى وأبنها وزوجها مكرم "
ردت السكرتيرة تذكرها
"مكرم بالخارج تعرفين لقد تزوج سراً من شهور لكن ولديه الاحمقين هنا"
ضحكت ورقاء بسعادة
"واخيراً جاء يوم التلذذ بتعذيبهم ...الأن سأذهب لأرى أول المجرمين!! "
مسدت بطنها المنتفخ قليلاً لتعدل فستانها الأنيق تتمشى بخيلاء متعمدة ليراها من تجمع من عمال القصر !!وصلت الملحق لتجد عبد البر يعتني بالكلاب وحاله لا يسر عدو أو صديق... نظر اليها دون أن يبدي رد فعل لقد توقع ان تأتي منذ التقيا سابقاً...جلس محني الظهر لتشخر بسخرية وهي تشرف عليه
"لا تمثل دور الأب المنكوب الأن فلا أحد هنا!! "
انحنت قليلاً تتحدث بحقد دفين
" تعلم جيداً أنني لست أبنتك الحقيقة ورقاء...رحمها الله"
................................
أنتهى الفصل
أنت تقرأ
واذا البتول تمجنت الجزء الرابع من سلسلة بتائل مدنسة لكاتبة مروة العزاوى
Romansaوإذا البتول تمجنت وقل حَيائها وتمردتْ فالويل لكل من ضرها ستصيبكم أسهم حقدها فلا تبتغوا رأفة منها فشقاكم سلوى حزنها وخزيكم متمة ثأرها