|ثورة فكرة|

129 26 19
                                        

موسى

«غمضت عيوني خوفي
لناس يشوفوك مخبى بعيوني.»

واضعًا السماعات بأذناي، أخذت أتمايل مع الألحان متنقلًا بين أركان الغرفة المظلمة، وكما المعتاد، اندمج تمامًا مع الأغنية بالرغم من كونها لا تعبر عن شيءٍ واحدٍ بي!

«وهب الهوا
وبكاني الهوا
لأول مرة
ما بنكون سوا.»

دُعس شيءٌ ما تحت قدمي مخربًا صفائي، انحنيت ملتقطًا إياه، كان دفترًا، بما أنني بقرب سرير الفتى الغامض، الذي عملت من عمير أنه يُدعى أنس، فلابد أنه له.

جذبني غلاف الدفتر، طُبع عليه لوحة من لوحات ڤان جوخ، وكُتب في خانة العنوان:

«مرسى.»

وبخطٍ صغيرٍ في الأسفل:

«عملٌ أدبي.»

لم أقاوم حماسي، وجدت نفسي أفتح الصفحة الأولى موجهًا ضوء هاتفي عليها لأتمكن من رؤية الكلمات.

«للذين لا ينجرفون خلف التيار، الحافرون لأنفاقٍ يصنعون منها دروبهم، ذوي الأفكار الفذة، المملون في نظر ذوي الأعين العليلة، الأعجوبة.. بنظر ذوي الأعين المبصرة.
هنا، بين الأسطر وطيات الجمل، يقبع مرساكم.»

دون التفكير في العواقب، أو إن كان من حقي أم لا، لم أتردد في أخذي للدفتر والخروج من الغرفة، ذهبت لغرفة الدراسة حيث أستطيع تشغيل الضوء ليتسنى لي قراءة ما به.

_____

نوح

«أسيل حبيبتي، أمي كانت حتمًا ستعلم، كان ذلك سيحدث عاجلًا أم آجلًا، فقط أكدوا لها حقيقة أنني دخلتها لرغبةٍ فيني ليس إلا، وأنها ليست شقاءً عليّ حتى.. ستسعد حينما تعلم أنها مدرسة مرموقة.

ستُشفى أمي يا أسيل، ستُشفى وسيعود بيتنا كما كان، هذا فقط اختبار من الله لصبرنا، فلننجح به إذًا!»

بعثت بهذه الرسالة لأسيل ليلة أمس، بينما يغمرني شعورٌ عجيبٌ بالرضا، واتزانٌ بأنفاسي.

«شكرًا لكَ على الفطور.. كنتُ أحتاجه حقًا.»

كنتُ قد نهضت لأتجهز في وجودهم باعتيادية، بالطبع لم تخرج مني هذه الجملة بسلاسة، فأنا نوح على أي حال! ولكنها خرجت بالنهاية، وكان ذلك مريحًا.

«أوه يسعدني ذلك!»

ابتسمت له، ثم اتجه ثلاثتنا نحو المطعم، لم يوجها لي حديثًا، فقط علمت أنهما يُدعيان عمير وموسى، وأن ما حدثني بالأمس اسمه أنس، وكان قد سبقنا إلى المطعم.

حينما جلسنا على الطاولة أمام فطورنا، قطعتُ ورقةً من دفترٍ كان بحقيبتي، وكتبتُ عليها ما بذهني تجاه أنس دفعة واحدة دون أن أعيد قراءتها، فأنا أعلم تمام العلم ماذا سيحدث إن قرأتها، فقط سأجدني سخيفًا وسأمذقها، ولن أشكره، وسأرتدي قناع الوقاحة والجحود برضاءٍ وحب.

مرسىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن