أنس
«هل لديكم الكثير لتدرسونه هذه العطلة؟»
قلت بحماسٍ كبيرٍ موجهًا سؤالي إلى نوح وموسى وعمير الواقفين ليرتبون أسرتهم التي وبلا مبالغة خارجة من مقلب قمامة.
تحت كل وسادة هناك مناديل مستعملة وغير مستعملة، وبجانبيه يوجد زجاجات مياه فارغة، وعلى السرير ذاته كتبٌ مترامية بكل طرف وزاوية والتي يضعونها على الأرض حينما ينامون، والأغطية التي لم أرها مرتبة منذ أتيت هنا، هذا غير ما خُفي تحت الأسرة حتى لا تضايقهم الفوضى كثيرًا، ولم ينهضون الآن ليرتبونها إلا بعد تهديدي بأني سأنهرهم ضربًا إن لم يفعلوا، ففعلوا بطواعية أبناء لأمهم العنيفة.
«ماذا؟ ستجعلنا نرتب أسرة السكن كله؟»
«لا ليس الآن.»
سأل عمير بحنق واضعًا يداه في خصره، ليزداد حنقه بعد جوابي، فرمى زجاجة المياه الفارغة التي كانت بيده ناحيتي ولكن تداركتها ولم تصطدم بي.
«على أي حال، يجب علينا أن نفصل عن الدراسة هذه الأيام لنعود الإسبوع القادم بهمتنا، فهو آخر شهر قبل اختبارات نصف العام كما تعلمون.»
«أحييك!»
علق موسى مشيرًا لي بسبابته، وتبعه نوح:
«لديك حق، سيدهسوننا الأساتذة دهسًا.»
وبقى عمير ينظر لي بازدراءٍ مضحك.
«إذًا بما أن جميعنا موافقين، ولنعتبر موافقة عمير تحصيل حاصل، سأذهب الآن لاستدعاء براء لأخبركم بخطتي.»
يكاد حماسي يخترق سقف الغرفة والبناية بأكملها، لقد تغلب نوح منذ ثلاثة أيام على انعدام ثقته بنفسه وغدى يلقي أشعارًا أمامنا بكل طلاقة! أخشى أن هذا يكون قد نتج عن حمى جعلته بعيدًا عن وعيه، ولكن لن أدعه يتراجع، لقد أحسمت قراري!
أخبرني براء أنه يستطيع أن يرسم لي لوحة بوصفي لها في ما لا يزيد عن نصف ساعة فقط إن بقى أحد بجانبه ليفرغ له الألوان التي يحتاجها وينظف الفرش أول بأول، فغدت فكرتي أكثر واقعية!
بملكية الرسم التي لدى براء، والإلقاء التي لدى نوح، والكتابة التي لدي، -لا أعلم حقًا ماذا سيفعل البقية، يمكنهم أن يقدمون لنا المشاريب بينما نعمل- كل شيء مكملٌ وجاهز!
كانت غرفة براء بعد غرفتنا بأربعة غرف، دخلت أبحث عنه بين الأربع أسرة، وجدته ممددًا على سريره شاردًا في السقف بملل.
«أهذه جلسة أحد صاحبي المشاريع الكبرى! انهض الآن هيا!»
أمسكت بذراعه وجررته بجانبي ليسير بنعسٍ ساحق وأعين شبه مغلقة، أشك أنه قد سمعني حتى، هذا الفتى يسهل اختطافه.
__________
براء
أشعر بانطلاقة هائلة! لقد سمحت لي أمي بقضاء أيام العطلة في بيت عمير مع البقية بحجة أن أخته تعمل كمدرسة لغة عربية وستساعدنا في فهم قواعد النحو، وافقت بسلاسة تامة، وما يحمسني أكثر، فكرة أنس هذه التي بددت النعاس من عيني حينما سمعتها!
أنت تقرأ
مرسى
Fiksi Remajaنسيجٌ من التيه، تآلفت خيوطه من حزنٍ مدقع، فرسى، وأخيرًا.. رسى. فائزة بالقائمة القصيرة في مسابقة النوفيلا الحرة لسنة 2022.
