نوح
لأول مرة منذ زمن سحيق، أنهض عن السرير لأني أريد أن أنهض، لأنه هناك ما يدعونني لبدء اليوم برغبة خالصة فيني، لا لأن الحياة توجب وتفرض علي النهوض والعيش مرافقًا للتوتر والرهبة من أدق الأمور وأتفهها!
لم أكن متوقعًا أبدًا أن يغدو شعوري هكذا بعد مرور شهر فقط، بل لم أتوقع أن يحدث من الأصل.
لم يأخذ مني الشعور كثيرًا حتى أدركت ما كنت ناسيًا إياه، سيغدو حلمًا، حلمًا رائعًا جاء ليضفي لحياتي معنًى، وانقضى.
كنّا في محاضرة الرسم، أخذتنا المعلمة إلى المرسم والذي كان يقبع بآخر طابق في المبنى، كان واسعًا بوسع غرفة الدراسة، عُلقت بجدرانه كلها لوحات لطلاب المدرسة والخريجين القدماء، بجانب كل واحدة يوجد ورقة كُتب بها اسم راسمها وسنة تخرجه أو سنته الدراسية إن كان لا يزال يدرس هنا، وكان يوجد بكل أنحاء الغرفة مقاعد دائرية طويلة بلا مسند، أمامهم مراسم وُضع بكل منهم لوحة فارغة، كان هذا المرسم خشبيًا، له أرجل طويلة ومسند لوضع اللوحة، كان شكله مغريًا.
من المنطقي أن هذه المحاضرة كل إسبوعان فقط، وأننا نملك حرية الإختيار بين المجيء إلى هنا أو البقاء في الصف، فضلت الخيار الأخير ولكن جرّني الفضول لأرى المرسم، وها أنا ذا فيه، كان تأمل اللوحات وتفاصيلها ممتعًا بقدر كبير، بقيت انتقل من لوحة إلى الأخرى إلى أن جذب موسى انتباهنا.
«أيها رفاق! أليس هذا صاحب 'معدومي الإنسانية'؟»
اقتربنا نحوه، فنظر ثلاثتنا إلى حيث ينظر، كان براء يقدم للمعلمة لوحة، من الواضح أنه راسمها، كانت اللوحة مقابلة لنا بظهرها فلم نتبين مهيتها، ولكن تعابير المعلمة أفصحت عن انبهارٍ بالغ.
«انظروا أيها الطلاب! انظروا إلى لوحة زميلكم براء المذهل!»
قالت المعلمة موجهة اللوحة ناحيتنا لنراها، إنها رائعة.
«إنه رسامٌ حقيقي.»
قال أنس فتبعه عمير:
«تشبه لوحات المتاحف العتيقة.»
صفقنا له جميعًا محيين، بينما رأيته يقف بابتسامة وتعابير وجه توحي بتوحي بتوتره.
__________
«كمال، ألم تلاحظ مؤخرًا أن أبنائنا ينفرون مني؟ أجدهم يفرون ويخافون كثيرًا.. لم يكونوا هكذا.
وألا ترى أننا لم نسعد منذ فترة طويلة؟ أشعر وكأننا نقاوم شيئًا على الدوام ولا ننعم بلحظة ارتياح، وألا يحزنك أن علاقتنا صارت غريبة؟ نحن لا نتح-»
تتحدث مودة معبرة عن الفوضى التي تتملكها بنبرتها المتحشرجة ونظراتها المضطربة، تتفوه بما يقلقها لعلها تجد عنده الخلاص، عند زوجها، أقسى أناس الأرض.
أنت تقرأ
مرسى
Teen Fictionنسيجٌ من التيه، تآلفت خيوطه من حزنٍ مدقع، فرسى، وأخيرًا.. رسى. فائزة بالقائمة القصيرة في مسابقة النوفيلا الحرة لسنة 2022.
