كانوا مدركين تمام الإدراك أن هذا الوقت لن يدوم طويلًا، أن هذا الإقتراب، هذه الضحكات، هذا الأمان.. لن يبقى كثيرًا، آملون أن تظل علاقتهم ناشئة على شبكات التواصل، وأي طفرة هذه.. من أشخاص تقضي معهم ليلك ونهارك وشتى أوقاتك.. إلى أشخاص إفتراضيون، جل تعاملك معهم عبر الرسائل والأحرف.
يعلمون ذلك، لكن جاء الأمر سريعًا بطريقة وضعتهم بأعلى مراحل البؤس.
كانوا مبتهجين، لا تمر دقيقة لا يتحدثون فيها عن مشروعهم وكيفية تطويره واكتساب الشهرة، كانت تشع أعينهم ببريق الشغف، بالتطلع إلى القادم.. معًا.
نوح
ليلة أمس، كنت سعيدًا لدرجة أنه حينما يأتي ببالي شيء يقلقني، أجد نفسي أضع له كل الأسباب التي تجعله غير منطقي، تجعله ملوثًا للصفاء، تجعله لا يستحق إلا الفناء.
كان كل شيء بأعلى درجات الخير، كلنا مطمئنون، متحمسون.
ولكن تحتم علينا أن نصحو.
أنس
وصلنا إلى المدرسة صباح يوم الأحد، كنّا متأخرين قليلًا فكانت جميع الأماكن الأمامية شاغرة، جلسنا بجانب بعضنا بنهاية الصف، ولم يشعر أحدنا بخيرٍ حينما وجدنا الأستاذ مراد يدلف إلى الصف.
وقد صدق حسنا، وزّع علينا استمارات تقليل الإغتراب، هذه المرة كانت خانة المدرسة التي سيتم النقل إليها شاغرة، كُتب لي مدرسة القاهرة.
نظرت إلى ورقة موسى الجالس بجانبي فوجدته بالإسكندرية، ونوح.. بالإسماعلية؟
نوح يسكن معي بالقاهرة!
«أستاذ مراد إذا سمحت، لمَ كُتب لي مدرسة الإسماعلية في حين توطني القاهرة؟»
«لأن مدرسة القاهرة اكتمل عدد الطلاب بها ولن يُسمح بدخلوها أحدٌ آخر.»
لقد اجتمع العالم أجمع على تفرقتنا.
موسى
يا لطول الوقت حينما تكون نافرًا منه وطالبًا انقضاءه، ويا لسرعته.. إن كنت ترجوه ليبقى وخائفٌ من انقضاءه!
براء
حينما دلفت إلى هنا، وخلال أول يوم لي، كنت أتوقع مصاحبة أي أحد من المتواجدين، جميعهم محتملون، إلا هؤلاء الأربعة، لسببٍ مجهول.. بالرغم من أنني كنت أنا الوقح بأول لقاء لنا، شعرت بحاجزٍ مهول، ويا للمصادفة.. لا أعلم متى ولا كيف صاروا بهذا القرب من روحي، صرت أحب جلستهم أكثر من أي شيء آخر، باتت العلامات الكاملة لا تساوي شيء أمام التواجد معهم، إن علمت أمي بهذا ستشن حربًا علي، ولكنها لم تعش شعوري، لم تشعر بالإختلاف الذي أحدثته صداقتنا بي.
هذه المدرسة لا تُطابق ميولي، أنا أميل للفن، اللوحات والرسم، كنت نافرًا منها تمامًا، جاهلًا أنه يقبع وراء أسوارها ما تمنيته طويلًا.. أن تتفوه بما في جوفك غير خائفٍ أن يخطأوا بفهمك أو أن يحكموا عليك، أن تعبر عن ذاتك بإرياحية، فهي متقبلة هنا، محبة، رائعة.
أنت تقرأ
مرسى
Подростковая литератураنسيجٌ من التيه، تآلفت خيوطه من حزنٍ مدقع، فرسى، وأخيرًا.. رسى. فائزة بالقائمة القصيرة في مسابقة النوفيلا الحرة لسنة 2022.
