السابع والثلاثون

3K 104 0
                                    

الفصل السابع والثلاثون

كانت تشعر ببعض اللمسات الخفيفة على وجهها .. كأجنحة الفراشات وهى تتنقل من منطقة لأخرى .. فى البداية رفعت اناملها تمسح بيها تلقائياً على انفها.. ثم على جبهتها .. ثم وجنتها ثم على ثغرها برقة .. حتى انها اصبحت تلوح بكفها فى الهواء وكأنها تطارد هذه الذبابة الوهمية .. واَخيرا شعرت باختراق حواسها رائحة قوية وجميلة محببة اليها وليست بغريبة عنها .. جعلتها تستقيظ من نومها .. فتفاجأت بوجهه الجميل قريبُ جداً من وجهها .. رفت باجفانها قليلاً تستوعب فباغتها بقبلة رقيقة على جبهتها وهو يقول بابتسامة رائعة :
- صباح الخير.
حاولت دفعه قليلاً وهى ترفع نفسها عن الوسادة بتوتر من هذا القرب المُهلك..
- صباح النور .. هو انت جاعد جمبى هنا من بدرى عشان تصحيني؟
زم شفتيه وهو يومئ برأسه وعلى وجهه ابتسامة مستترة :
- امممم .
اجلت حلقها قليلا قبل ان تسأله بخجل :
- هو انت كنت بتصحينى ازاى ؟
حرك رأسه مضيقاً عينيه بتصنع .. حاولت أن تتجرأ وتسأله بوضوح :
- هو انا ليه كنت بحس بلمسات على وشى وكأنها......
بابتسامة عبثية أكمل جملتها :
- قصدك يعنى قبلات رقيقة ؟
جحظت عيناها الجميلة وهى تنظر اليه بصدمة .. مع توقف الكلمات بفمها .. فرفع كفه يضغط بأطراف انامله على اسفل ذقنها يداعبها بسعادة :
- مكشرة ليه ومصدومة ؟ مش تقومى بقى وتبطلى كسل .. عشان تلحقي تنزلى مع "سعاد " وتشوفى الحاجات اللى ناقصاكى وعايزة تجبيها عشان الفرح الى قرب .
ظلت تحدق اليه وهى صامتة ولا تتجرأ على المجادلة .. فنهض من جوارها وهو يأمرها بجدية مزيفة :
- ياللا بقى قومى وبطلى دلع .
استدار من امامها ليذهب فانبلجت على وجهه ابتسامة عريضة وهو يردد مع نفسه بصوت مسموع مع تنهده :
- امتى بقى الاسبوع دا يخلص ؟
تتبعته عيناها حتى خرج من الغرفة وهى تكتم غيظها .. قبل ان تتمتم بصوتٍ خفيض :
- قليل الادب .
...........................
كان مستلقياً على فراشه .. ناظراً لسقف الغرفة بشرود .. ذراعيه المعقودان على الوسادة .. مريحاً راسه فوقهم .. فعلى الرغم من مرور عدة ايام منذ المواجهة الحاسمة بينه وبين اخيه ..الا انه مازال على حالته ذقنه غير حليقة .. فاقد الرغبة فى الذهاب الى العمل فى حادثة لم تحدث طوال ايام حياته .. فلاطالما كان احساس المسؤلية هو من يحركه .. وجعله يتناسى الاَمه حتى لو كان مريضاً .. تترد كلمات " قاسم " فى رأسه طوال الوقت وبدون رحمة .. يشعر بجرح فى قلبه وكرامته لم ولن يندمل ابداً .. هل كان خطأه حينما سار خلف مشاعره وتقدم لخطبتها .. وهى كانت كالحلم لكل شباب القرية .. ولكن مع تصرفات " قاسم " المجنونة حول كل من يقترب منها .. اصبحت كتمثال شمع جميل .. يراه الناس ولكن لا يصح التقرب منه .
هل كُتب عليه حقاً ان يتزوج وينجب الذرية وفقط .. ولا يصح له الحب الذي تمناه معها .. وبسبب افعال اخيه حرمت عليه لتصبح من نصيب غيره .. اغمض عيناه بتعب مع كثرة هذه الأفكار التى تعصف بعقله وتكاد ان تصيبه بالجنون ..
افاق من شروده على طرق خفيف على باب الغرفة .. وبحكم العادة حفظ مصدره جيداً :
-ادخلى يا" مروة " ..
دفعت الباب بخجل تطل برأسها وهى تلقى اليه التحية:
- صباح الخير ياخوى هو انت صحيت ؟
اعتدل عن نومه ليجلس بجزعه على الفراش قبل ان يجيب عليها بسخرية :
- امال مين اللى بيرد عليكى دلوك عفريتى مثلاً ؟.. ادخلى يابت وبلاش وجع دماغ .
تبسمت بزاوية فمها وهى تدلف بتردد :
- طب على كده احضرلك الفطار عشان تروح شغلك.. ولا برضك جاعد فى البيت زى الايام اللى فاتت ؟
هز برأسه مغمضاً عيناه بسأم من كثرة ماسمع هذه السؤال :
- تانى برضوا يا" مروة " انا مش جولتها يجى مية مرة .. سيبونى براحتى ولما احس نفسى رايج هاطلع على طول من غير كلام.
فغرت فاهها للتحدث ولكن اغلقته مرة اَخرى حتى لا تزيد عليه .. هز برأسه متسائلاً
- عايزة حاجة تانية يا" مروة " عشان انا لسة حاسس بتقل فى دماغى وعايز انام تانى .
حركت راسها بالنفى وهى تستدير للعودة ولكنها توقفت فجأة قبل ان تصل للباب .واضعة كفها على جبهتها وهى تلتف اليه بتذكر:
- دا انا نسيت صح اقولك السبب الاساسى لجيتى ؟
نظر اليها باستفسار ... فتابعت
- معلش البسلك حاجة عدلة عشان خطيبتك مستنياك بره وجيالك مخصوص .
اجابها ببلاهة متناسياً:
- خطيبتى مين ؟
..........................
واضعة احدى الوسائد الصغيرة على قدميها وهى جالسة تفرك بيديها بتوتر .. امام نظرات " نفيسة " المتربصة بتعجب..
- على كده دى اَخر سنة ليكى فى الكلية يا" مروة "؟
رفعت عيناها تجاوب باقتضاب :
- ايوة يامرة عمى اَخر سنة.
اومأت نفيسة برأسها:
- طيب يابنتى ربنا يعديها على خير وتتخرجى منها بالشهادة الكبيرة .
رددت خلفها بتمنى:
- يارب مرة ياعمى .
- الشاى يا" شيماء " .. مع انى كان نفسى احضر فطار .
قالتها " مروة " وهى تضعه الصنية امامها على الطاولة الصغيرة.. فتفاجأت بصوته وهو يردف خلفها :
- وماحضرتيش ليه ياقليلة الزوق ؟
شهقت " شيماء " وهو تنهض عن مقعدها مرددة بلهفة:
- رفعت .. حمد الله على سلامتك .
تقدم اليها بخطواته يصافحها بيده:
- الله يسلمك يا" شيماء " ..عاملة ايه انتى ؟
- انا زينة وعال العال المهم انت ؟
اومأ برأسه بارتباك قبل ان يخاطب شقيقته :
- ماحضرتيش ليه الفطار يابت ؟
- هى اللى مرضتش والله ياخوى ..
قاطعتها " شيماء " :
- انا اساساً واكلة فى الجطر قبل مااَجى .. ولو جعانة هاكل مش هاتكسف يعنى .
ضيق عينيه يسألها باندهاش :
- هو انتى واصلة من السفر على طول ؟
اومأت برأسها وقبل ان ترد فاجئتها " مروة " وهى تهتف .. طب عن اذنكم بجى .. انا وامى هانروح نشوف ابويا يكون ناجصه حاجة ..ياللا ياما.
اذعنت " نفسية " لطلب "مروة " وذهبت مع " مروة " وهى تعتربها الدهشة .
تحمحم يجلى حلقه وهو يشير بيده لها :
- طب انتى واجفة ليه ؟ اجعدى يا" شيماء " اجعدى .
ظلت واقفة حتى جلس على احدى المقاعد.. فتحركت تجلس امامه .. فاقتربت منه بلهفة
- الف سلامة عليك يا" رفعت " من اى شر .. انا بمجرد مادخلت البيت وسمعت باللى حصل .. ماجدرتش ادخل فى فرشتى ولا اريح غير لما اشوفك واطمن عليك .. هو انت لسة تعبان ؟
انتفض يرجع بجسده مجفلاً منها حينما شعر بيدها اللى ارتفعت لتلامس موضع كدمة فى وجهه مازالت اثارها ظاهرة .
- زين يا" شيماء " زين " .. بس انتى مكانش ينفع يعنى تستنى شوية لما تريحى من تعب السفر .. وانا جاعد يعنى هاروح فين ؟
بنبرة متلهفة :
- ماجدرتش والله يا" رفعت " .. ماحسيتش بنفسى غير وانا بطلع من بيتنا ورجلى بتاخدني على بيتكم عدل .
اطرق بعيناه ارضاً قبل ان يرفعها مرة اَخرى متسائلاً :
- هو انتى ابوكى حكالك كل حاجة يا" شيماء " ؟
اجابته بلهجة قوية :
- انا مش عايزاك تزعل يا" رفعت " من كلام اخوك.. دا سفيه وكل كلمة بيقولها بتبقى عشان مصلحته وبس .. دا غير انه حاقد عليك عشان انت احسن منه .. ولما اتقدمت ل" سمره " قبلت بيك عكسه هو اللى عمل المستحيل وبرضك فضلت كارهاه .. ولولا عمايله وضغطه عليها لكانت دلوك زمانها متجوزاك من زمان بس النصيب بقى حكم .
عقد حاحبيه بدهشة :
- هو انتى ابوكى لحج يحكيليك التفاصيل دى كلها. ؟
هزت كتفها ترد عليه بسهولة :
- لا انا ابويا حكالى على العركة بس .. لكن التفاصيل دى انا كنت عارفاها من الاول.. عشان " سمره " كانت بتتصل بيا وتطمنى على حالها .
فعر فاههه وجحظت عيناه بذهول :
- انتى بتجولى ايه ؟
.............  ...............

سحر سمرهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن