رواية "ظلال الزيتون"الفصل السابع عشر، الفصل الثامن عشر.
اكتب الحقائق وضعها نصب عينيك فإن حاول أحدهم تغييرها ولم يكُن لديك دليل فودع الحقائق من هذه اللحظة.
༺༻مضى شهرٌ كامل أقامت صَدفة بمنزل والدها ولكنها ظلت بغرفتها دون رؤية أيًا منهم، كانت تجلس كعادتها تنظر من النافذة تنتظر أن يأتي موسى لرؤيتها فقد مَر الشهر بأكمله دون أن تراه وقد أخذ والدها الهاتف حين أتت ولأنها لم ترغب بمحادثته لم تذهب لطلبه منه منذ وقتها، زفرت بضيق ثم وقفت أمام المرآة بتردد وبدأت تنظر لما فوقها فقد كان هناك الكثير من الأشياء طلاء للأظافر بألوان مختلفة وطلاء للشفاه بألوان هادئة ولكن هناك واحد مختلف والكثير من منتجات العناية بالبشرة وجدتها بأحد الأدراج فنظرت لانعكاسها بالمرآة واتجهت لحقيبتها المُغلقة منتقية أحد القطع وذهبت للمرحاض بخطوات سريعة وهي تتراقص ..
كان جسور جالسًا مع والده يُخبره برغبته بإقامة مشروع بمشاركة وجدان بعد أن تعافت تمامًا بينما كانت جلا تجلس أمام التلفاز بغرفتها وجيلان تتصفح بعض مواقع التواصل الاجتماعي، بينما آمال تجلس بالخارج باندماج وهي تحادث إحدى رفيقاتها..
صدح صوت الموسيقى المُرتفع فجأة مما جعل الجميع ينتفض من مكانه وهم يرون صَدفة تهبط مسرعة وهي تتمايل بدلال وتُغني بصوت مرتفع مرتدية فستان نبيذي يصل لركبتيها ولا ترتدي شيء بقدميها وقد وضعت طلاء الأظافر باللون الأحمر وطلاء الشفاه أحمر كذلك، بينما جعلت خصلاتها مجعدة فبدى مظهرها غريبًا ولكن جميل وصلت إليهم وأمسكت بيد جسور الذي نظر لها بتعجب واضح فمنذ أتت لم يرها ولم يُحاول فقد أخبرته جيلان عن محاولاتها المتكررة التي بائت بالفشل، تركت يده واتجهت إلى جيلان التي شاركتها الرقص بحماس بينما تنظر لهن جلا بغضب وضيق فاتجهت صَدفة لها وهي تجذبها إليهن وقد شاركتهن بمرح فلم يكن منزلهم هكذا ابدًا ..
_ هنخلص الكبارية ده إمتى؟
اقتربت صَدفة لآمال التي صاحت بعبارتها بعجرفة ثم قالت بمرح :
تعالي معانا يا عمتي.. بصي الحركة دي.
ثم تمايلت بخصرها بانسيابية مما جعل آمال تشعر بالغيرة فردت قائلة :
شوفي إنتِ الحركة دي.
ثم تمايلت بحركة جميلة وهي تنظر لـ صَدفة بانتصار فصفق جسور وشهاب وشاركت الفتيات بالتصفيق كذلك بينما شعرت آمال بالخجل ولكن تغيرت ملامحها فجأة وكادت تصرخ فامسكت صَدفة بيدها وقالت بابتسامة لطيفة :
بلاش تزعلي وتتضايقي، كنتِ جميلة وإنتِ بطبيعتك بليز بلاش ترجعي تاني .. إنتِ مميزة زي ما أنتِ كدا وعيلتك بتحبك.
سكنت ملامح آمال وابتسمت بلطف لأول مرة منذ سنوات وقالت :
وإنتِ بتحبيني؟
ترددت صَدفة ولكنها قالت بجدية :
أنا معرفش حضرتك ومعرفش حد فيكم عشان أحبكم ولا أكرهكم حتى، أنا معرفتش حد غير ماما وفريال ويزن .. يزن سافر وفريال بتكرهني وماما كانت بتعاملني بطريقة مختلفة عن فريال وأنا عارفة إنها لو كانت فضلت عايشة كانت هترجعني هنا بردك عشان كدا مكانتش بتخليني اختلط بحد من عيلة طنط مريم عشان منتعلقش ببعض ماما كانت هتبعدني عنها نهائيًا يا عمتو .. بس ملحقتش وأنا معرفش ده حلو ولا لا بس أنا كنت بحبهم وهما كمان.
اقترب جسور منها وقال بحنان :
صَدفة إنتِ مسمحتيش لحد مننا يقربلك اصلًا، مش يمكن لو خلتينا نقربلك تحبينا؟
نظرت صَدفة له وقالت بابتسامة :
أنا بديلكم الفرصة اهو .. حالًا ودلوقتي حسسوني بجو العيلة وإن مش كل حاجة هعملها هتتحسب عليا وإن حقي اغلط عادي ومش هتحبس ف البيت لو عملت حاجة غلط وإن كل حاجة بتتحل عادي وإن مش كل المشاكل في الدنيا بسببي .. عايزة أكون بخير.
أنهت حديثها والتفتت لوالدها وقالت بمزاح :
هموت واكلمك والله بس مكسوفة.
ضحك شهاب بصوت مسموع ثم فتح ذراعيه فركضت تجاهه معانقة إياه بشدة ثم تراجعت فجأة قائلة بمشاغبة :
إيه رأيكم في فستاني؟؟
اقترب منها جسور وقال بجدية :
حلو أوي يا صَدفة بس .. مش قصير شوية؟
كادت ترد عليه ولكن وقعت عينيها على موسى الذي دلف للتو بعد أن فتحت له إحدى العاملات الباب، كان موسى ينظر لها مشدوهًا فقد شعر فجأة أنها ليست تلك الفتاة التي أحبها بل فتاة فاتنة لم يكُن يعلم عنها شيئًا، ركضت صَدفة للأعلى بحرج شديد وتبعتها جيلان وجلا ثم تبعتهن آمال والتي كانت تضحك بشدة على تعبير وجه موسى والذي فهمته جيدًا ..
نظر موسى للأسفل باحراج وقال بأسف :
والله أنا مكنش عندي أ....
قاطعه شهاب بجدية وقال :
ولا يهمك اتفضل.
نظر له جسور بتمعن من رأسه إلى قدميه ثم استأذن وصعد للأعلى، فوجد جلا وجيلان وآمال يجلسن بغرفة صَدفة التي كانت داخل المرحاض تُبدل ملابسها فجلس فوق الفراش حتى خرجت وقد عادت لهيئتها الطفولية من جديد برداء طويل وحذاء وردي وخصلاتها التي جمعتها كجديلتين بجانبي وجهها..
قال جسور فجأة :
بتحبيه؟
تغير وجه صَدفة للون الأحمر وقالت بتوتر :
عي.. عيب عليك يا أبيه أحب مين بس ده أنا عيلة صغيرة.
قال جسور وهو يبتسم بخبث :
مكانش كدا من شوية.
ابتلعت صَدفة ريقها ورفعت وجهها بتكبر وقالت :
عادي أنا أقدر ابقى كبيرة أو صغيرة عادي يعني زي كل الناس.
وقف جسور فتراجعت صَدفة للخلف تلقائيًا مما جعله يشعر بالضيق فامسك بذراعها ثم قربها إليه قليلًا وأمسك يدها بكلتا يديه وقال بحنان لم تعهده سوى من يزن :
قوليلي الحقيقة عشان اساعدكم لو بتحبوا بعض.. بتحبيه؟
رفعت صَدفة عينيها وقالت بخفوت :
آه .. وهو كمان بيحبني وقالي كدا.
فتدخلت جيلان بالموضوع قائلة بصوت مرح :
لو تشوفها وقتها يا جسور وقعت من طولها لما قالها بحبك بس .. لكن بصراحة الراجل محترم وعلى حسب ما العصفورة قالتلي إن دكتور موسى شخص كويس وهو اللي كان بيساعد صَدفة على طول وغير كدا هو اللي لحقها يعني.. لما كانت هتنتحر بعيد الشر عنها.
كاد جسور يتحدث ولكن قاطعه صوت الباب وفتحت جلا فدلف شهاب بوجه بلا تعابير وقال بصوت مسموع :
موسى طلب إيدك مني يا صَدفة، وكان قايلي إنه فاتح أمجد ابن مدام مريم في الموضوع ده كمان.
تطلعت صَدفة بوجهه بصمت فقال مسترسلًا :
وأنا مش موافق !
༺༻
وقفت سيارة شرف الدين أمام منزل عائلة سُكر ونظر لها فوجدها تعبث بأزرار ردائها الصوفي بتوتر شديد ثم رفعت يدها لحجابها فامسك يدها بلطف وقال :
مالك يا حبيبي.؟
نظرت له سُكر وقالت بحيرة :
خايفة ميصدقونيش إني سُكر .. ومش عارفة هعمل إيه وحاسة إن ك...
قاطعها شرف الدين وقال ببساطة :
متخافيش كل حاجة هتعدي على خير وترجع زي ما كانت.
هزت سُكر رأسها وقالت بثقة :
عارفة كويس .. وواثقة في كلامك وفي كل حاجة بتعملها.
صمتت قليلًا ثم قالت :
بس ليه خليتني أظهر قصاد هشام كتير كدا؟
تحدث شرف الدين بأمل :
عندي أمل إنه يكون شك في موتك خصوصًا إنه مشافش الجثة اللي كان جايبها كرم.
ارتجف جسدها بالكامل بسبب ذكر اسمه فقال شرف الدين بهدوء :
سُكر عشان خاطري توافقي على الموضوع اللي فاتحتك فيه.. مش إنتِ واثقة فيا؟
هزت رأسها بالموافقة فأكمل حديثه :
وأنا عمري ما هضرك ممكن بقى تسمعي كلامي؟
ابتلعت سُكر ريقها وقالت بتصميم :
هسمع كلامك يا شرف الدين، عشان واثقة في كلامك ولأني عايزة انهي الصفحة القديمة دي كلها وهبدأ من هنا.
رفع شرف الدين كفها الصغير وقبله بلطف ثم قال بتشجيع :
يلا نرجع الأمور لوضعها الطبيعي.
ثم هبط من السيارة والتف ليفتح لها الباب فهبطت بابتسامة مُحبة ومُحببة لعينيه فامسك بيدها بشدة واتجهوا إلى الباب ..
قال رجل الأمن بجدية :
خير يا فندم ؟
قال شرف الدين بجدية كذلك :
عايز أقابل أستاذ هشام الراجي.
قال رجل الأمن :
اقوله مين؟
فرد شرف الدين بهدوء :
شرف الدين صديق والمدام.
مرت لحظات وفُتح الباب الكبير سار شرف الدين وسُكر في طريقهم إلى المنزل الكبير بينما تنظر سُكر حولها بحنين وقد بدأت عينيها تدمع فقال شرف الدين بحنو :
لا يا حبيبي متعيطيش اهدي.
قالت سُكر بتلعثم :
حاس.. حاسة إنه .. إني مش هقدر.
ربت على يدها وقال بحزم :
اششش هتقدري.
وضع يده فوق جرس الباب وفتحت لهم سيدة تبدو كبيرة بالعمر وما أن رأت سُكر حتى صاحت بفرحة :
سُكر !!
ثم اقتربت منها وجذبتها باشتياق وهي تقبلها وتردد "الحمد لله كنت حاسة"..
فقالت سُكر بابتسامة حزينة :
إزيك يا دادة.
ربتت السيدة فوق رأسها وقالت بسعادة :
بقيت بخير بعد ما شوفتك يا عمري.
نظرت خلف سُكر وقالت لها :
جوزك ده يا حبيبتي؟
فقال شرف الدين بتهذيب :
خطيبها يا مدام.
فرحبت به وهي تقول لهم :
اتفضلوا تعالوا البيت نور .. الحمد لله يارب.
دلفت سُكر وخلفها شرف الدين الذي امسك بيدها من جديد يمدها بالقوة حتى وصلوا لغرفة الاستقبال وكان هشام جالسًا ينتظرهم وما أن دخلوا حتى هب واقفًا وقال بريبة :
انتوا مين؟
فقال شرف الدين بابتسامة هادئة :
أنا شرف الدين صديق ودي خطيبتي .. نيللي.
تغيرت ملامح وجه هشام إلى خيبة الأمل وقال باستياء :
اسمها نيللي؟.. حضرتك متأكد؟
فقال شرف الدين بهدوء :
هو حضرتك كنت عايز يبقى اسمها حاجة تانية؟
قال هشام بلهفة :
سُكر مثلًا ؟
أغمضت سُكر عينيها وهي تستمع لاسمها من شقيقها بعد غيابٍ طويل وشعرت بالأرض تدور بها فترنحت فامسك بها شرف الدين بقلق ولهفة واقترب منهم هشام قلقًا وقال :
ألف سلامة.. اجيب دكتور؟
فقالت سُكر بلا وعي :
لا يا هيشو أنا كويسة.
تصنم هشام بمكانه ونظر لها وبدأت دقات قلبه تتسارع بينما اتسعت عيني شرف الدين بسعادة مخفية..
جثى أمامها هشام وقال بجدية :
قولتِ إيه؟
تنحنحت وقالت بابتسامة مزيفة :
أستاذ هش..
قاطعها بقوة :
كدابة .. قولتِ هيشو صح .. قولي إنك قولتِ كدا.
ثم ادمعت عينيه وهو ينظر لها برجاء ويقول :
مفيش غيرها اللي كانت تناديني كدا وتضايقني عشان خاطري قولي إنك قولتِ اسمي زي ما بتقولهولي دايمًا.
بكت سُكر وهي ترى كم يتألم شقيقها وهبطت له باكية وقالت :
أنا سُكر يا هشام .. أنا سُكر يا حبيبي.
عانقها هشام بقوة فتأوهت ولكنها بادلته العناق بقوة كما يسمح لها جسدها الصغير وبكى كلاهما باشتياق ..
ادمعت عيني شرف الدين بتأثر فازال دمعاته واقترب منهم وقال بمرح :
كفاية كدا .. قوم يا هشام بيه نحكيلك.
وقف هشام وحمل سُكر بين ذراعيه وجلس بها فوق الأريكة وهو يقول :
وحشتيني اوي اوي .. كنت حاسس إنك عايشة وكل يوم بدعي لك لو عايشة ترجعي ولو لا تكوني متعبتيش قبل موتك.
دلفت زوجة هشام مسرعة وهي تقول بلهفة :
سُكر !
نظرت لها سُكر بابتسامة لطيفة ونظرت لشقيقها وقالت بمرح :
اتجوزتها اهه .. مش كنت بقولك تقولي اي بنت إلا نغم اي بنت إلا نغم.
ضحك هشام على حديثها فخرجت من بين ذراعيه واتجهت تعانق نغم باشتياق بينما بكت نغم وقالت :
عيطت كتير اوي علشانك يا سُكر.. مكانك مكانش حد هيملاه ابدًا.
قال شرف الدين بجدية :
لو سمحتِ يا مدام تاخدي نيللي معاكِ.
قال هشام بضيق :
سُكر.
ابتسم شرف الدين وقال :
ماشي اتفضلي يا سُكر وأنا هقعد مع أستاذ هشام شوية.
خرجت سُكر بصحبة نغم وما أن خرجت حتى نظر هشام لشرف الدين بعدوانية فرفع شرف الدين يديه باستسلام وقال :
أنا جاي اقولك الحقيقة.
وبدأ يخبره بكل ما قالته سُكر وهو يراقب تعابير وجهه بدقة وما أن إنتهى حتى وقف هشام بغضب شديد وصاح لاكمًا الطاولة :
ابن ال***** إزاي يعني كل ده يحصل؟
ثم قال بندم :
ياريتني كُنت مُت قبل ما اسمع كل ده.. هو فين؟
ابتسم شرف الدين بجدية وقال :
مات.
التفت له هشام بتعجب وقال :
نعم !!
أعاد شرف الدين مجددًا :
مات.
قال هشام بجدية :
مات إزاي؟
قال شرف الدين بأسف :
سُكر ولعت فيه.
ابتسم هشام بانتصار وضرب كفيه ببعضهما وقال :
هي دي سُكر بحق.
قال شرف الدين بجدية :
أنا خايف تتحبس لو حد عرف إنها قتلت ال*** ده.
دلفت سُكر وهي تبتسم وقد استمعت لآخر ما قاله فقالت بهدوء :
متخافش.. محلولة.
اقترب منها شرف الدين وقال :
إزاي؟
قالت سُكر ببساطة :
أنور.. ظابط.
أخرجت هاتفها وهي تقول بحماس :
هشام .. هوريك مروان.
قال هشام بتساؤل :
مروان مين؟
فقال شرف الدين بابتسامة :
ابننا.
أمسك هشام بشرف الدين وقال له بشك :
انت مش قولت خطبتها بس.؟
ابتسمت سُكر بمرارة وقالت بصوت مرتجف :
سيبه يا هشام .. ده ابني أنا وكرم بس .. بس أنا مبحبش اقول كدا.
اقترب منها شرف الدين وقال بصرامة :
مش اتفقنا منجيبش الاسم ده في حياتنا تاني؟
هزت سُكر رأسها بخفة وأعطت الهاتف لشقيقها الذي قال بسعادة :
شبهك بالظبط يا سُكر .. ما شاء الله .. فينه كدا؟
تذكرت سُكر إكرامي وتعلقه الشديد بالصغير ونعته الدائم له بأنه حفيده الجميل فضحكت بخفة وقالت :
عمو إكرامي مش بيسيبه ابدًا.. هجيبهولك معايا المرة الجاية.
بهت وجه هشام وقال :
هو إنتِ مش هتقعدي معانا هنا؟
ادمعت عيني سُكر واقتربت منه ولكنها عادت للخلف وكورت يدها وركضت للخارج تبعها شرف الدين مسرعًا وجدها واقفة تبكي أسفل إحدى الأشجار فاقترب منها ببطء فرفعت نظرها إليه فامسك بيدها وقال بصبر :
مش لازم تقعدي لو مش عايزة .. ولو حابة تقعدي هجيبلك مروان واقعدوا براحتكم وأنا مش هسيبكم هخلص شغلي كل يوم واجيلكم اتطمن عليكم، أنا مش عايز اشوفك بتعيطي تاني إحنا بقالنا شوية بنعمل جلسات مع دكتور وسيم وبنتخطى كل حاجة مع بعض مش هسيبك بعد كل ده ولو مهما يحصل ومش هسيب ابننا مروان يا سُكر سامعة ابننا.
أمسكت سُكر يده بصمت وسارت فسار هو خلفها باستسلام حتى وصلت إلى شجرة ما بمكان منعزل عن المنزل فالتفتت إليه وقالت بابتسامة :
دي شجرة.
ابتسم شرف الدين وقلدها قائلًا :
حياتي بقت أجمل بكتير أنا حسيت فعلًا بالتغيير.
ضحكت سُكر بشدة على دعابته ثم اقتربت منه وقالت وهي تتنهد بحُب :
دي شجرة زيتون يا شرف الدين.. أنا لقيتها وأنا صغيرة مكنش حد عارف مكانها ولأني كنت بحب اهرب كتير من ماما لقيتها وقعدت احاول اجيب من الزيتون لما لفيت الناحية التانية لقيت كام واحدة واقعين أخدتهم وروحت البيت ووريتهم لبابا واديتهم ليه كمان بس أخدت واحدة آكلها كانت مُرة أوي.
قالت آخر كلماتها ووجها يتجعد وكأنها تتناول الزيتون الآن ولكنها أكلمت قائلة بسخرية :
شكلي بحب أدوق المُر من صُغري.
صمتت قليلًا ثم نظرت بعينيه وقالت بابتسامة وعينين مُحبتين :
إنتَ ومروان الحاجة الوحيدة اللي حلوة يا شرف الدين، إنتَ مكسبي اللي جالي بعد أيام طويلة من الخسارة والتعب.
ابتلعت ريقها ثم مدت يدها ممسكة بورقة من الشجرة ووضعتها بين كفيه وقالت بصوت ناعم:
بحبك يا شرف الدين .. بحب كل يوم من ساعة ما شوفتك وحسستني إني استحق أعيش، بحبك ومعنديش حاجة اديهالك غير إني أحبك ولو إنه مش كاف...
قاطعها شرف الدين بابتسامة هادئة :
شششش! .. كفاية نظرة عينك ليا طول الوقت بحس إنك عايزة تشيليني تحطيني فيهم.
تنهدت سُكر بخجل وقالت :
ياريت اقدر .. إنتَ نادر أوي يا شرف الدين وجميل أوي.
أمسك شرف الدين بيدها وقال بجدية تمتزج بالحب :
يبقى يلا بينا كفاية تأخير لحد كدا.
وسار بها مجددًا وهي خلفه وتنظر له ببلاهه غير قادرة على فهم أي شيء!!
*********
وقف أمجد أمام وسيم ولكمه بشدة فتراجع وسيم للخلف بعنف وكاد يسقط أرضًا ولكنه تدارك نفسه ثم عاد مُسرعًا تجاه أمجد ولكمه لكمة أقوى اسقطت الأخير ارضًا ولكنه وقف من جديد وأمسك بتلابيب وسيم وقال بغضب :
بقى أنا بقولك بحبها وعايز اتجوزها تشتمها وتقول ماشية معايا ده إنتَ أخوها يا ***.. جتك القرف.
أعاد وسيم رأسه للخلف ثم للأمام فاصطدم بوجه أمجد بقوة شديدة مما جعل الدماء تتساقط من أنفه بغزارة ..
كانت زينيا تتابع كل هذا من الأعلى وتخشى الهبوط ترددت ولكن قاطع ترددها دخول شرف الدين وسُكر التي ما أن رأت حالة أمجد ركضت تجاهه بخوف وقلق وقالت بصوت مرتعش :
أنا.. أمجد .. إنتَ .. حصل إيه ده ده دم ده !!
قال أمجد محاولًا تهدأتها :
متخافيش يا سُكر .. بسيطة.
ولكنها كانت قد تجمدت وهي تشعر بالبرد بينما بدأ جسدها يؤلمها بالكامل فاحاطت نفسها بذراعيها وهي تتأوه بخفوت وأنفاسها تتسارع تغيرت ملامح وجه أمجد وقال بسرعة لشرف الدين الذي يتشاجر مع وسيم :
الحق سُكر يا شرف الدين.
التفت شرف الدين إليها سريعًا وجدها تحرك يدها على ذراعيها ووجها وتردد ببكاء وجسدها يرتجف :
ده دم ده دم .. أنا مكنش قصدي مكنش قصدي .. أنا بردانة أوي بردانة بردانة بردانة.
مد شرف الدين يده يُحاول امساك يدها ولكن سمع صوت وسيم المُحذر :
بلاش يا شرف الدين .. متلمسهاش خالص.
شعر شرف الدين بالغضب وصاح به بصوت جهوري:
اعمل إييييه؟
توقفت سُكر عن الهمهمة وعينيها تتسع وجسدها يسكن وبدأت حركة يديها تتوقف وقالت مبتسمة :
شرف الدين!
ثم أغمضت عينيها وكادت تسقط ايضًا فاسندها أمجد ولحقه شرف الدين الذي حملها فأدله وسيم إلى أقرب غرفة وضعها شرف الدين فوق الأريكة بهدوء وخرج وقال ببرود :
ممكن أعرف اتخانقتوا ليه؟
صمت كلاهما ولكن أمجد قال بقرف :
أنا عايز اتجوز زينيا .. وكلمتها قبل ما أقوله عشان آخد رأيها شافها بتكلمني وزعقلها وعاملها بطريقة زي الزفت ولما جيت اطلبها منه بيقولي ما إنتَ كنت ماشي معاها هتفرق إيه .. إنسان مُقرف وواطي.
ثم تركهم وكاد يخرج فقال وسيم مبتسمًا ببرود:
مبروك عليك زينيا.
التفت أمجد إليه فأكمل وسيم حديثه قائلًا :
كنت بختبرك عادي يعني.
كاد أمجد يفتك به ووصل غضبه إلى نهايته ولكنه توقف فجأة حين بدأ عقله باستيعاب ما قيل فخرج مسرعًا لمنزله ليخبر والديه بالذهاب إلى منزل زينيا ليلًا لطلبها.
بينما قال وسيم بصوت مرتفع :
زينيا .. زيزي.
هبطت زينيا الدرج وقالت بابتسامة :
نعم يا حبيبي.
ضيق عينيه وقال بخبث :
دلوقتي حبيبك؟.. ماشي ياختي.
ابتسمت بخجل بينما انتقلت أنظار شرف الدين للغرفة التي ترقد داخلها سُكر فقال وسيم بجدية :
عايزك تجيبي حاجة بنص كم من عندك عشان سُكر وتلبسيهالها قبل ما تصحى يلا بسرعة.
ذهبت زينيا لتنفيذ طلب وسيم بينما قال شرف الدين بجدية :
بس سُكر مبتحبش تلبس حاجة بنص كم.
قال وسيم بثقة :
عارف .. بس لو طلعت دي الصدمة اللي المفروض كانت تحصل كدا أقدر أقولك إن سُكر بخير.
سعد شرف الدين وقال برجاء :
يارب .. هتبقى أحسن حاجة حصلت النهاردة بعد موافقتها هي وهشام على كتب الكتاب والفرح.
ابتسم وسيم بسعادة وقال :
بجد .. سُكر وافقت تتجوز؟
هز شرف الدين رأسه بسعادة شديدة ورد :
ايوه .. لو كل حاجة مشيت مظبوط وورقها خلص بعد الأسبوعين هيبقى تمام جدًا.
ربت وسيم على ظهره وهو يعانقه ويهنئه بسعادة على زواجه السعيد.
*********
جلست صَدفة بحزن فوق الفراش بعد أن أخبرها والدها بأنه غير موافق على زواجها من موسى وحاولن الفتيات التخفيف عنها بينما هبط جسور يود معرفة السبب من والده ولكنه لم يقُل شيئًا ..
رن هاتف صَدفة فوجدته شرف الدين فردت بهدوء :
وعليكم السلام.. ازيك يا شرف الدين وازي سُكر ومروان.؟
استمعت للجانب الآخر ثم صرخت بسعادة ووقفت قائلة :
بتهزر!! .. بجد ده أحلى خبر سمعته .. مبروك يا شرف الدين بجد.
أغلقت الهاتف فنظرت للفتيات وقالت بحماس :
عندنا فرح.
فصاحت الفتيات بسعادة وركضت صَدفة لوالدها وقد مُحي رفض زواجها بسرعة شديدة..
صَدفة بصراخ :
باباااااا.
فزع شهاب وهب واقفًا وقال بخوف :
مالك يا صَدفة؟
ركضت معانقة إياه وقالت بسعادة :
شرف الدين وسُكر صحبتي هيتجوزوا يا بابا بعد أسبوعين.
ابتسم شهاب وقال بحنو :
مبروك يا حبيبتي.
نظرت له بتأمل وقالت :
بابا هتخليني أروح صح .. هروح عشان سُكر.
عبس شهاب بوجهه وهمهم فقالت برجاء :
عشان خاطري.. سُكر دي حلوة اوي بجد يا بابا عارف كانت بتدافع عني في المدرسة وبتدافع عني دايمًا .. وافق بلييز.
نظر شهاب لها وقال بجدية :
بس جسور هيروح معاكِ تمام.؟
قالت صَدفة بسعادة :
وحضرتك وجيلان وجلا وعمتو وميرا ووجدان كمان.
دلفت ميرا بوجه متجهم وقالت :
مش هروح في مكان فيه آمال هانم.
وقفت آمال ووقفت أمام ميرا وقالت بندم :
سامحيني يا ميرا.
ابتسمت ميرا وقالت بقسوة :
أسامحك على إيه .. أنا اتطردت من البيت وكله كرهني بسببك وابنك ال****، مكنتش لاقيه مكان أروحه لولا عيلة ماما كان زماني في الشارع.. ولا أنا مش هسامحك عمري أنا كنت جاية هنا عشان ادمرك بس الواضح إن ابنك ال**** دمرك ف هقعد قصادك واريح قلبي وأنا شايفاكِ متبهدلة كدا.
كادت تغادر فصدح صوت آمال ممزوج بالبكاء :
عيلة أمك أنا اللي خليتهم يدوروا عليكِ يا ميرا وطول السنين اللي عشيتها هناك كنت بديلهم فلوس عشان يعلموكِ ويعاملوكِ كويس، ولو حصل اي نقص في فلوس من اي حد فيهم كنت بدفعها عشان ميحسسوكيش إن فيه حاجة، أنا غلطت وندمانة على غلطي وطول عمري بحاول أصلحه حتى لو مسامحتينيش فأنا مش هبطل أحاول.
ثم خرجت وصعدت لغرفتها شاعرة بآلام الندم والخزي فقد تركها ولدها الذي فعلت كل ذلك من أجله، تركها وحيدة لا تملك ولو قليلًا من المال بل ولولا مساعدة إحدى رفيقاتها لما استطاعت العودة إلى مصر ولكنها تُقنع ذاتها بأنها تستحق كل ذلك وتدعو أن يغفر الله لها ذلك الخطأ وأن تسامحها ميرا قبل فوات الأوان.
**********
جلست رهف أمام عاصم وقالت بجدية :
عاصم أنا موافقة.
ابتسم عاصم وقال بسعادة :
بجد؟
هزت رهف رأسها بالموافقة وقالت :
لولاك ولولا أبيه موسى كان زماني في الشارع ولا كان زماني مُت، أنا ممتنة لوجودك في حياتي يا عاصم وبحبك اوي.
كاد أن يرد عليها ولكن دلف موسى من الباب -المفتوح- مسرعًا تجاه غرفته ويظهر على وجهه الضيق الشديد، بينما شعر عاصم بالحزن وقال لرهف :
شكل والد صَدفة موافقش على الجواز.
هزت رهف رأسها بحزن كذلك وقالت :
مع إن أبيه طيب أوي .. يلا ربنا يكتبله الخير يارب.. أنا هطلع بقى وابقى طمني على أبيه تمام.
ثم خرجت لتذهب لمنزلها بينما كان عاصم يشعر بالضيق ولكن سرعان ما رن هاتفه فوجده شرف الدين فرد بهدوء :
إزيك يا شرف الدين.
آه معلش هو متضايق شوية .. لا لا خير متقلقش طمني إنتَ في حاجة ولا إيه؟
بجد!! مبروك يا شرف الدين عقبال مروان كدا يارب.
تمام هبلغه متقلقش.
سلام.
وقف عاصم بسعادة ودق باب غرفة موسى الذي فتح الباب بتجهم فقال عاصم :
شرف الدين كلمني.. بيقول رن عليك كتير مرديتش.
قال موسى بلا إهتمام :
آه تلاقيني مأخدتش بالي.
ابتسم عاصم وقال :
عندي ليك خبرين حلوين.
نظر موسى باستفهام فقال عاصم :
طلبت إيد رهف للجواز ووافقت.. وشرف الدين وسُكر هيتجوزوا بعد أسبوعين.
ذهب الضيق عن وجه موسى واقترب من عاصم وعانقه مُهنئًا ثم قال بتعجب :
بس شرف الدين وسُكر!! .. إزاي ده؟
ضحك عاصم وقال بمرح :
نصيب بقى.
فشاركه موسى الضحك ولكن ذهب عقله إلى الحسناء الصغيرة وابتسم بحُب شديد دون تفسير.
*********
بعد مرور يومين**
ارتدت سُكر فستانًا صيفيًا باللون الأبيض ووضعت وارتدت حذاء بُني وحجاب بنفس اللون وكذلك الحقيبة، خرجت من غرفتها حاملة صغيرها تداعبه بحنان وهي تتجه لـ غُرفة ميلان التي كانت تُحاول جمع خصلاتها لترتدي الحجاب فقد علمتها سُكر الكثير من الأسس الدينية وكذلك الإجتماعية فأصبحت أكثر طبيعية..
قالت سُكر بلطف ومرح:
صباح الحلويات يا ست البنات.
ضحكت ميلان عليها وقالت:
صباح النور يا ست سُكر.
اقتربت سُكر منها وجعلتها تُمسك بـ مروان وقامت بجمع خصلاتها بسرعة وتنسيق ثم أخذت منها طفلها وقالت بحماس:
يلا عشان نلحق نجيب الحاجات، شرف الدين قال إن معاذ هيوصلنا وهيرجع لينا لما نخلص.
وضعت ميلان لمساتها الأخيرة وهي تقول باستفهام:
هي صَدفة مش جاية ولا إيه؟
ابتسمت سُكر وهي تتذكر الليلة الماضية فقد أتت لها فريال بتوتر شديد تطلب المساعدة منها لتُصلح علاقتها بـ صَدفة..
عادت من شرودها وقالت بابتسامة:
لا هتيجي معانا بكرة إن شاء الله.
حملت ميلان حقيبتها الصغيرة بخفة وقالت بابتسامة مرحة:
وطبعًا مارو مع عمو إكرامي.
التفتت سُكر تجاه الباب وهي تقول بتأكيد:
ايووون بالتأكيد.
مرت سُكر لغرفة إكرامي لـتعطيه الصغير بينما هبطت ميلان كالفراشة فوق الدرج فوجدت أمامها مُعاذ فنظرت للأسفل بخجل فابتسم معاذ بمشاكسة وقال:
مش هستنى كتير ياللي في بالي.
هبطت سُكر مُبتسمة وقالت:
صباح الخير يا معاذ، معلش هعطلك.
قال معاذ بصدر رحب:
على راسي يا عروسة والله أنا فرحان جدًا عشانكم.
ربتت سُكر على ذراعه بامتنان ثم خرج ثلاثتهم معًا..
مرت بضع ساعات حتى حصلت سُكر على ما أرادت وقد ابتاعت بعض الملابس من أجل ميلان، خرجن سويًا بانتظار معاذ ولكن مرت سيارة مُسرعة تجذب ميلان الواقفة جوار سُكر ولكن وصلت سيارة معاذ وهبط من سيارته وكاد يقترب من سيارة الخاطفين ولكن سُكر صعدت عنوة للسيارة وتركت الأشياء وقالت بسرعة شديدة:
خُد الحاجة يا معاذ ومتخافش.
رحلت السيارة بسرعة شديدة وحاول معاذ الركض خلفها ولكنه توقف حين فكر بحديث سُكر وقرر أن يستمع إلى ما قالت فقد بدت الثقة بنبرتها.
أنت تقرأ
ظلال الزيتون
Azione"كلما حاولت الإنتقال والتأقلم لتجد من يتفهم آلامك لن تجد سوى نظراتٍ خالية مِمَن حولك وكأنك لا تُرى، ولكنك ماذا إذا سقطت فجأة بين ذراعي من يتفهمك ويستمع إليك ويحتوي آلامك دون شكوى!؟.. سيتحول كل شيء من الموت للحياة دون أن ترى لكنك ستشعر حتى وإن تجاهلت...