الجُزءُ الخَامِس

100 13 32
                                    


Enjoy



Writer
كانَت أنامِلُه الثّخينَة تَتحرّك برَشَاقَة وخفّةٍ على مفَاتيحِ البَيانُو أمامَهُ يعزِفُ مَعزوفَة الصّمت للشهِير بيتهُوفِن.

شعرٌ غرابِي اللّون بغرّةٍ تزَيّنُ جبينَهُ وخصَالٍ مُتمرّدَة على عينَيه المُغمضَة، عقدَةٌ تشكّلت بين حاجبِيه وأصابعَهُ تتحرّك بشَكل هَستَرِي على تِلك المَفاتِيح بينمَا يفكّر في تفاصِيل حياتِه.

يفكّر إن كانَ حقًا مصَابٌ بالهلوَسَة؟
بالفِعل هُو قلّ انتِباهَه وتركِيزُه للغايَة، ربّما هُو في مرحلَةٍ متقدّمَة؟
أو ربّما هلوسَتُه من صنعِ خيالَه--

"أخرُج من هُنا هيونغ! أريدُ البَقاءَ وحدِي."
همسَ تشانيُول بصوتٍ هادِئ مقاطِعًا تفكِيرهُ وعزفُه لا زالَ متواصِل حينَ سَمِعَ خطُواتُ أحدِهِم بالجَوار.

هُو أمرَ أن يغادِر جميعُ الخدَم المنزِل، وحتى زوجَتَهُ، فلقَد أرادَ بعض الوقتِ مع نفسه.

"ما زلتَ تميّزُ وُجودِي حينَ أكُون بالجِوار!"
بصوتٍ جهُورِي أعلَن سوهُو بينمَا يتخِذُ لَهُ الأريكَة مجلسًا لَه.

"لا تغيّر الموضُوع!"
توقّف عن العَزفِ أخيرًا وأعطَى شقيقَه نظرَةً حادّة.

"لَن أغادِر، لقَد أتيتُ لأخبرَكَ أنّي أخذتُ لكَ موعدًا معَ الطَبيب النّفسِي! ما رأيُك أن تأخُذَ معهُ بعضَ الجلسَات قبلَ أن تزدَادَ حالتُك سُوءً."
سوهُو وضَعَ أقدَامَهُ فوقَ الطّاولَة بينمَا يرتدِي خفًّا منزليًا.

"أنا لستُ مجنُون!"
الأصغَر حرّك عينيه بأسى.

"هل قلتُ أنّك مجنُون؟ أنا أقُول أنّه عليكَ بجلسَاتِ علاج! الطّبيب النّفسِي ليسَ للمجانِين يُول! ثمّ لا تأخُذ دواءَ الاكتِئابِ هكذَا دونَ استشَارَةِ الطبيب!"
نظرَ لعلبَة الدّوَاء فوَق سفحِ الطاوِلة ثمّ أعادَ نظرهُ لأخاهُ الأصغَر الذِي أشاحَ بصرَهُ بعيدًا.

"ذكّرنِي بسمفونيّات بيتهُوفن، لقد نسيتُ معظَمهَا."
ضغطَ تشانيُول على مفاتيحِ البيانُو بأنامِل يدٍ واحِدَة صانعًا لحنًا عِشوائيًا.

"لم أرَك تعزِفُ منذُ زمن، ثمّ أنتَ تغيّر الموضُوع؟."
أشارَ الأكبرُ بسبابَتِه لأخاهُ الأصغر ثمّ تنهّد باحبَاط حينَ لم يعيرَهُ الأخيرُ اهتمَامهُ وعادَ للعزفِ بهستَريّة.


.




"سيدَة بَارِك، الفتَاة خَاصّة أمس، عادَت مجدّدًا وهِيَ مصِرّةٌ على مقابَلَتِك."
السكرتيرَة تمتمَت بذلِك بهدُوء منحنيَة لصاحبَة الشّعرِ القصِير بينمَا تقفُ منتصَفَ قاعَة المكتِب.

"مُجدّدًا؟ حسنًا أدخِليهَا! "
جلسَت على الكرسِي تقابِلُ طاولَة مكتبهَا الزّجاجيّة الفارهَة وهِي تُشاهِدُ فتاةً ذاتُ شعرٍ حريرِي طوِيل تتقدّم نحوَها، تبدُو تقريبًا بذاتِ سنّها أو أصغَر، مرتدَيَةً قميصًا أبيضَ ذُو أكمامٍ طويلة معَ تنورَة سودَاءَ تصِلُ لنصفِ فخذِها وحذِاءٍ أحمرَ ذُو كعبٍ عالِي.

هِيَ كانت ترتدِي هكذَا فَقط لدخُول الشّركَة.

لم يسبِق لهَا وأن شاهدَت هذه الفتاةَ من قبل، ترَى ما الذِي تريدُهُ منهَا؟ هل تريدُ وظيفَة أم أنّها أتَت لسبب آخر.
كانَ ألفُ سؤالٍ وسؤَال يجُول برأسِهَا عجزَت على إيجَادِ أجوبَة لَها.

جيسُو جلسَت أمامَ مكتَب الزّوجَة الفاتنَة والخائنَة بنظرِهَا وابتسامَة جانبيّة ظهَرت على زاويَة شفاهِها لرؤيَة نظراتِ الاندهَاش من الطرَفِ الآخر فهي جلسَت دُون طلبِ الإذن حتّى.

ليسَا بدَأت تشعُر بالانزِعَاج وأجزَمت أنّ هذِه الفتَاة غيرُ عادِية، ولا يمكِن أن تكُون عاديّة.

"سأدخُل بالموضُوعِ مباشَرةً-"
"من أنتِ؟"
كليهمَا تكلمَتَا بذاتِ الوَقت لتطلِقَ جيسُو ضحكَة لطيفَة على ذلِك بنبرَتِها الأنثوِية.

"ليسَ مهِمّ من أنا أو مَن أكُون، المُهم أنِّي أتيتُ من أجل المَال، أنَا بحاجَة للمَال، وأنتِ تملِكينَه، لذَا ستسَاعدِيني."
جيسُو وضعَت خصَال شعرِهَا خلفَ أذُنيهَا وهِي تصنعُ تواصُلًا بصريًا مع صاحبَة الشّعرِ القصِير.

"بصفَتِكِ مَن سأساعِدُكِ يا فتَاة؟"
بادَلتهَا ليسَا ذاتُ التَواصُل البصرِي.

"بصفَتِي أعلَمُ بسرّكِ الكبِير، لا يمكِنُكِ رفضُ أي طلَب لي."

"أي سِرّ؟."
باستنكَار سألَت زوجَةُ المدير التنفيذِي.

"لا داعِي للفّ والدورَان، أنتِ تلعَبينَ دور الزوجَة المَثاليّة التِي تحبّ زوجهَا بالفعِل، بينمَا بداخلِك ترغبينَ بأموالِه فقط، لا بِه هُو."
بنبرةٍ واثقَة أفصحَت جيسُو.

"أنتِ تتجاوزينَ حدُودَكِ !"
استقَامَت ليسَا من مكانِها بانفِعَال مـُرخيَةً يديهَا على سفحِ طاولَة المكتَب لتسترسِل بنَفَاذِ صَبر.
"غادِري مكتَبِي على الفَور أو قُمت بابلَاغِ الشرطَة!"

ذاكَرةُ محمُول، قد وضعتهَا جيسُو تحتَ نظراتِ ليسَا، لتبسطَ مرفَقَ ذراعِهَا على طرَفِ الطّاولَة.

"سنعقِدُ صفقَة، أو سأنشُرُ هذا التّسجِيل على مواقِع التوَاصُل الاجتمَاعي!"

انتهَى الجزء.

جُرعَةُ هَلْوَسَة || PCYحيث تعيش القصص. اكتشف الآن