الفصل الثاني والثلاثون 💥💔

11K 335 21
                                    

احفظوا ملامح مَن تحبون فقد يرحلون بدون موعد .. تشعر بمعاناة شخص لديه فوبيا اماكن مغلقة محبوس في غرفة تصغر شيئاً فشيئاً ببطئ .. تشعر بالاختناق .. تشعر بأن الهواء قد ضل طريقه عن رئتيها .. غصة مريرة تحتل حلقها ودموع حارقة تنساب بصمت على وجهها .. مازالت لا تصدق ما حدث منذ ساعات مرت عليهم جميعاً كالقرون وبالأخص هي .. هي التي رأت حبيب عمرها ومن دق القلب بأسمه ولم يدق لأحد سواه يقع أرضاً وقد تفجرت الدماء من صدره كما يتفجر بركان من نار في منتطقة مليئة بالجليد .. مازال ذلك المشهد عالقاً في عقلها ولا ترى سواه .. ذلك المشهد الذي سحبها من العالم وسلمها لغياهب الظلام .. ذلك المشهد الذي عصف بقلبها الذي اعترف انه مازال وسيظل دوماً ملكاً له هو فقط .. ملكاً لمن أدماه في الماضي وعاد الآن ليُدميه مرة اخرى .. عينيها معلقة بباب غرفة العمليات ولكن نظراتها شاردة .. تتذكر آخر لقاء جمعهم قبل ما حدث .. تتذكر حديثه معها .. تتذكر كيف شعرت بأنفاسها تغادر صدرها مع كل خطوها كان يخطوها مبتعداً مودعاً إياها للمرة الاخيرة
*فلاش باك*
فرحة غامرة تحتل قلوب جميع الموجودين فإن لم يسعدوا لزينة شباب قريتهم وعروسه التي صارت واحدة منهم لمن سيسعدوا .. ابتسامات ترتسم على الوجوه وعيون تلمع بضياء الفرح .. تتحرك لغرفتها لتحضر هدية الزفاف التي اشترتها لإبنة اختها الغالية ولإبن اخيها الحبيب .. فتحت باب غرفتها وخطت للداخل لتتجه نحو دولابها وتسحب تلك الحقيبة الصغيرة لتسمع صوت باب الغرفة يُغلق .. أدرات وجهها بفضول حول تلك التي تجرأت بدخول غرفتها دون إذنها لتنصدم به امامها .. ثاني مواجهة بينهم بعدما مرت الأولى البارحة وسط الدموع والصرخات والندم والعتاب .. ثاني مواجهة بعد ان عرفت الحقيقة كاملة .. ثاني مواجهة بعدما كشفت له الستار عن كواليس القصة .. تلك الكواليس التي لم يعيشها سواها .. كواليس من كلام جارح وذكريات تطاردها ودموع تغرق عيونها كل ليلة .. كواليس ربما لو عاشها هو لما تحملها .. كواليس جعلته يكتشف بشاعة ما فعل .. كواليس أوقفته امام نفسه .. تلك النفس التي ظلمت قلباً أذنب حين عشقه بصدق .. تلك النفس التي لجأت للهروب في الماضي وقررت اللجوء له مرة ثانية الآن .. نظرت له بأنفاس سريعاً ما احتدت بصدرها لتردف بغضب
رحمة(بنبرة غاضبة): أنت هتعمل ايه إهنيه؟! .. اطلع براااا
حمزة: رحمة..
رحمة(مُقاطعة بنبرة قوية): ماتچيبش اسمي على لسانك .. اطلع برا هجولك بدل ما انادم على سالم وزين واخليهم يعرفوا شغلهم معاك
حمزة(بنبرة يسكنها الحزن والكسرة): اسمعيني يا رحمة
رحمة(بحدة وأنفاس حادة): يعني انت مش راضي تطلع بالذوج .. طيب اني..
حمزة(مُقاطعاً بنبرة منكسرة وحزينة): اني مسافر
صمتت لثواني ونظرت له بألم يحتل قلبها لتردف بنبرة باردة وقوة زائفة
رحمة(ببرود كاذب): مايهمنيش انت هتعمل ايه بس جبل ما رچلك تخطي برات البلد تكون مطلجني
حمزة(وهو يبتلع غصة مرة بحلقه): حجك يا بت عمي .. اني اتعذبت كتير زمان بس انتي اتعذبتي اكتر مني .. اني كنت اناني وچبان ماهفكرش غير في روحي .. زمان خوفت اواچهك ف هربت .. ولما رچعت كنت عايز اشوفك عشان اجولك تسامحيني وانا اللي زيي السماح مش مكتوبله .. اللي زيي ذنبه ماهيتغفرش .. اني چاي دلوكت اجولك حاچتين .. اول حاچة اني عمري لا حبيت ولا هحب غيرك ولحد اخر نفس هتنفسه هيكون جلبي هينبض باسمك انتي وبس .. وتاني حاچة اني اترجاكي في طلب
رحمة(بجمود زائف وهي تقاوم ألم قلبها): طلب ايه؟
حمزة(بتوجس من ردة فعلها): اني ماطلجكيش
احتدت نظرات رحمة ليردف حمزة برجاء
حمزة(برجاء يشوبه الحزن): المرة دي اني مش هغصبك على حاچة .. لو عايزاني اطلجك هنفذ كلامك .. بس..
رحمة: بس ايه؟
حمزة: بس اني نفسي تفضلي على ذمتي لحد ما اموت .. اصلي جريت جبل إكده ان الزوچة الصالحة ممكن تشفع لچوزها
صمت قليلاً ليردف وهو ينظر لها بعيون تلمع بدموع الندم
حمزة(وعيونه مُعلقة بعيونها): هتشفعيلي يا رحمة؟
حديثه عن الموت ارجف قلبها .. طوال السنوات الماضية كانت تقول كذبة موته لعل قلبها يصدقها .. لعله ينساه .. لعله يتلاشى من روحها ولكنه أبى ان يغادرها .. أبت ذكرياته ان ترحل مثلما رحل .. أبت تلك الأيام ان تطير من عقلها كما يطير الدخان في هواء ويتلاشى ببطئ .. أبت ان تنمحي ولم تستطع هي ان تمحوها فكيف تمحو ايام لها بعمق روحها اثر .. أبى قلبها ان ينسى حبه الذي وُلد من رحمه .. أبت زرعة حبه ان تموت .. تلك الزرعة التي أبقتها على قيد الحياة حتى الآن .. تلك الزرعة التي كانت السبب في تمسكها بالحياة حتى هذا اليوم .. مجرد يقينها المخفي بقلبها انه مازال حياً كان يُبقيها على قيد الحياة وكأن نبضة قلبه كان يُسمع صداها بقلبها هي .. ذلك اليقين انه مازال يتنفس هو ما كان يجعل الهواء يستعمر رئتيها .. كانت تكذب بقولها ولكن قلبها كان يعلم الحقيقة .. يعلم انه مازال عاشقاً لمن أدماه .. لا يستطيع اعتزال عشقه .. فقد قالوا من قبل اعتزل ما يؤذيك ولكنهم نسوا ان يخبرونا ماذا نفعل إن كان اعتزال ما يؤذينا يؤذينا .. ماذا ان كان اعتزاله يقتلنا .. ماذا اذا كان اعتزاله ينتشل اسباب تمسكنا بالحياة .. حاولت نسيانه .. حاولت كثيراً ولكنها اكتشفت ان كل الطرق تؤدي إليه .. حتى تلك التي سلكتها لنسيانه .. تفوق من شرودها على صوته الذي سكنته تلك النبرة الحزينة
حمزة(بنبرة منكسرة): سكوتك طال يا بت عمي .. خلاص اني فهمت .. هنزل دلوكت لسالم وأطلجك
رجفة قوية أصابت قلبها وكأن زلزالاً بقوة ألف ريختر أصابه .. ترى علامات خيبة الامل والندم تحتل وجهه .. يُدير جسده للباب ليقف لثواني بسيطة وينظر لها مرة اخرى .. يتقدم منها بخطوات بسيطة ومع كل خطوة كان دق قلبها يعلو أكثر فأكثر .. وقف قبالتها لتجحظ عيونها بصدمة حين وجدته يقترب بوجهه ويطبع بشفتيه قبلة عميقة على جبينها .. قبلة تبعتها دمعة ساخنة هربت من عينه لتسقط على وجنتها .. وكأنها فقدت قدرتها على الكلام .. وكأن ال28 حرفاً لا يستطيعوا تكوين كلمة واحدة لتقولها .. التقت عينيهما لأول مرة دون صراخ وغضب .. التقت ولم يسكنها سوا الكثير من الدموع الحارقة .. دموع ندم وشوق وانكسار .. دموع رجاء وألم .. دموع كانت كالغصة المريرة بحلقها وكالخنجر المسموم في صدره .. تفحصت عيناها وجهه لثواني .. وجهه الذي لم يكن ابداً قريباً منها بذلك الشكل .. وجهه التي اشتاقت لملامحه التي تراها الآن مازالت بنفس الجمال رغم يد الزمن التي خططت فوقها .. ترى هنا بعض الشعيرات البيضاء بشعره وذقنه النابتة بعشوائية .. ترى هنا بعض التجاعيد البسيطة التي شقت طريقها بجانب عينيه وفمه .. ترى حزناً يخيم على ملامحه وترى شوقاً وندماً مختلطين في عينيه .. عينيه هو الآخر تفرست وجهها .. لعن نفسه للمرة المليون وربما أكثر .. خالط الشعر الأبيض الليل الساكن شعرها .. أنتفخت عيونها من أثر البكاء وإن حاولت هي إخفاؤه بذلك الكحل الأسود المماثل لعينيها التي لطالما كانت قادرة على جعل ذلك الذي يسكن يسار صدره يدق بعنف .. الحزن يحتل جميع ملامحها .. حزن كان هو السبب فيه .. بدون كلمة إضافية تحرك من امامها بهدوء عكس ما يحتل صدريهما .. تراه يبتعد ومع كل خطوة يبتعد بها تبتعد انفاسها عن صدرها .. تحررت تلك الدموع المتحجرة من محبس عينيها .. تحررت وجرت بقوة كالشلال فوق وجهها .. تشهق بقوة وكأنها توشك على الغرق .. لا بل هي تغرق بالفعل .. تغرق في بئر احزانها .. تغرق بدونه!! .. جرت بلهفة وقدماها تسابقان الرياح .. تجري عساها تستطيع إجبار الهواء على احتلال صدرها مرة اخرى حينما تقع عينيها عليه ولكن هيهات فالمشهد الذي رأته كان كفيلاً بسحب ذلك الخيط الرفيع من الهواء الذي كان يتسرب لرئتيها .. مشهده والرصاصة تخترق صدره .. مشهده وهو يقع أرضاً بجلباب تلون باللون الاحمر .. وقع أرضاً وتبعه جسدها وكأن جسدها يخبرها انه لن يعيش حياة خالية ممن يدق القلب باسمه
*عودة*
فاقت من شرودها على تلك اليد التي وُضعت برفق على كتفها .. نظرت بجانبها لتجد ابنة اختها الحبيبة هي من تربت على كتفها برفق وعينيها يسكنها نظرة شفقة وحزن لم تظن انها ستراهم مرة اخرى بعيون من حولها .. قاومت ذلك الضعف الذي يعتريها لتردف وعينيها تسكنها نظرة قوة زائفة
رحمة(بنبرة حاولت جعلها هادئة رغم رجفتها): هيجوم .. هيجوم منيها .. اني عارفة .. اني عارفة
قالتها بنظرات شاردة لمعت على أثرها الدموع بعيني إيمان لتجذب خالتها لأحضانها وتضمها بقوة .. من كان يُصدق ان ذلك اليوم الذي امتلئ بالفرح والرقص والسعادة ستختمه تلك الأحداث الصادمة .. من كان يصدق ان جنون تلك الخبيثة سيصل بها لمحاولة قتل زين فقط لتفرق بينه وبين إيمان .. من كان يصدق ان الكره والغل يمكن ان يتمكنوا من نفس الانسان ليجعلوها ترتكب تلك الجرائم البشعة .. بل والأدهى من كان يصدق ان انتقام الله سيكون قوياً لتلك الدرجة فقد أصابها الارتباك والخوف بل الرعب بعدما انطلقت تلك الرصاصة من ذلك المسدس الذي اشترته بآخر اموال بقت معها بعد ان وصل لمسامعها خبر زواج زين وإيمان ليشتعل قلبها بلهيب الغل والحقد وخاصة بعد نومها بذلك البيت القديم المهجور كالمتشردين حين كُشفت جرائمها .. تمكن شر نفسها منها لتقرر قلب افراحهم لأحزان لا نهاية لها بموت ذلك الذي تمنت الزواج منه لا لشخصه ولكن لكل ما كانت ستحصل عليه بزواجها منه .. فكرت في قتل تلك القاهرية اللعينة التي كانت من وجهة نظرها السبب الرئيسي في تدمير جميع مخططاتها ولكن لا فائدة من موتها .. بكل حال لن يصبح زين ملكها بعد الآن ولكن بموته هو ستنتقم منهم جميعاً وعلى رأسهم تلك القاهرية التي سُحبت الدماء من جسدها حينما استمعت لصوت الرصاصة يخترق الاغاني لتحتل الصدمة وجوه الجميع حين وجدوا جسداً يقف امام زين ويتلقى تلك الرصاصة بدلاً منه ولم يكن سوى جسد حمزة المنياوي .. صدمت تلك اللعينة حين رأت خطتها تفشل للمرة المائة بل وقفز الرعب بقلبها حين لقطتها عيون الصاعقة وشباب العائلة لتطلق العنان لقدميها وتجري بسرعة راغبة في هرب منهم ولكن انتقام الله كان اسرع وكأن تلك الشاحنة التي ظهرت على الطريق فجأة كانت وسيلة الله سبحانه وتعالى في وضع حد لشر تلك اللعينة التي عماها خوفها من رؤية الشاحنة مثلما عماها كرهها وحقدها من الاستيقاظ من تلك الغفوة اللعينة التي قضتها في دنيا مليئة بالشرور التي زرعتها هي بيدها والآن حصدتها .. حزن عميق يحتل حدقتيه وهو يتطلع نحو ابنته التي تحتضن حفيدته وكأن لعنة حزن أُلقيت على عائلته .. يجلس فوق كرسيه المتحرك وقلبه يتألم على ذلك المُمدد بالداخل فوق سرير العمليات .. ذلك الذي لطالما أعده مثل ابنه .. ذلك الذي رغم غضبه منه لما فعله بأبنته لم يستطع كرهه .. كم من ليالٍ طويلة زاره الأرق بها وهو يعلم ان ابن اخيه وحده ببيت يبعد عن بيته بعض أمتار ولكن لا يستطيع زيارته .. لا يستطيع التحدث معه .. لا يستطيع ان يضمه لصدره حتى وإن أراد .. جانب منه كان يلومه على قسوته معه ومن قبلها قسوته على أخيه عبد العزيز الذي رفض السماع له بل وقاطعه عندما علم انه استقبل ولده بمنزله عندما عاد من سفره الطويل بينما الجزء الآخر يُذكره بدموع ابنته التي رافقتها لسنوات .. جزء يخبره بالتوقف عن العند والقسوة والمكابرة .. يخبره بأن عليه لم شمل اسرته قبل ان يُسلم الامانة لخالقها وجزء آخر يرفض وجوده بعد ما فعل .. يرفض وجوده بعد جرحه لمن هي قطعة من روحه .. لمن كانت رحمة حقاً له ولكل من حولها ونست ان يكون لها نصيباً من اسمها .. بجانبه يقف سالم المنياوي الذي يكور يده بغضب حارق نادراً ما يظهر بشخصيته الهادئة ولكنه حين يظهر فيجب ان تدق أجراس الانذار بكل مكان .. فإن كان غضب زين المنياوي حارقاً فإن غضب سالم المنياوي مُدمراً .. سيجعل تلك اللعينة وعائلتها جميعاً يندمون على ما فعلوا .. وكأنهم أتوا عند ذكرهم .. تجري صابرة بلهفة نحوهم وهي تردف بنبرة يسكنها الخوف بعدما عرفت ما حدث عندما ذهبت لسرايا المنياوي باحثة عن ابنتها التي كتبت نهايتها بيدها
صابرة(بلهفة): بتي .. فين بتي .. فين جمر .. حصلها ايه؟!!
عبد الحميد(بنبرة حادة غاضبة): انتي ايه اللي جابك اهنيه يا مرا انتي
صابرة: بتي يا حاچ..
سالم(مُقاطعاً بنبرة قوية حارقة): بتك دي اني هندمها على اليوم اللي اتولدت فيه .. وانتوا معاها
صابرة(بنبرة منكسرة): يا عمدة احب على يدك طمني على بتي .. جوليله حاچة يا خيتي
صالحة(بنبرة قوية يشوبها البرود والقسوة): خيتك ماتت يا صابرة .. اعتبريني مت .. اعتبري الرصاصة اللي بتك كانت هتجتل بيها ولدي چت فيا اني
صابرة(بلهفة): بعد الشر عنيكي يا خيتي
صالحة(بحدة أكبر): شر!! ولادك اساس الشر .. بعدي عني يا صابرة وانسيني كيف ما اني هنساكي
زين(بنبرة غاضبة وهو ينظر لممدوح): اظن سمعتوا .. يلا خد امك وغور من إهنيه
ممدوح(بهتاف غاضب): نغور يعني ايه؟!! وخيتي!!
زين(وهو يدفعه بقوة): بجولك غووور
ممدوح(وهو ينفض يد زين بعنف): واني بجول مش ماشي غير لما اعرف فين خيتي وحصلها ايه
كاد زين ان يتشابك مع ممدوح لتنجذب افراد الجميع نحو غرفة العمليات التي فُتحت وخرج منها اكرم الشاذلي ومروان الشاذلي وبعض الاطباء العاملين بتلك المشفى .. العيون مثبتة عليهم .. تقدمت رحمة منهم ونظرت لهم وقد أبت الحروف ان تغادر شفتيها ليتولى سالم السؤال ويردف
سالم: طمنا يا داكتور الله يخليك
اكرم(بنبرة عملية): حالته مش مستقرة ولازم يدخل العناية المركزة .. لو ال24 ساعة الجايين عدوا على خير جايز يكون فيه امل
عاصفة ابتلعتها بعدما استمعت لما قاله ذلك الطبيب عن من يسكن قلبها وتسارعت ضربات قلبها بشكل كبير ومؤلم .. تقدمت صابرة وأردفت بدموع تلمع بعينيها
صابرة(برجاء): بتي يا داكتور .. بتي الله يخليك
نظر اكرم لإبنه الذي اردف بنبرة حزينة
مروان: البقاء لله
صدمة احتلت وجوه الجميع رغم كل ما حدث .. رغم كل ما فعلته تلك الخبيثة لم تستطع قلوبهم سوى ان تحزن عليها وعلى ذلك الحال الذي ماتت عليه .. فقد كان آخر اعمالها محاولة القتل .. اخر عمل ستبعث عليه جريمة وذنب كبير .. تحرك اكرم ومروان لتنظر صابرة لممدوح وتردف بعد استيعاب
صابرة(بنظرات شاردة وعدم تصديق): هما بيجولوا ايه يا ولدي اني ماسمعتش .. هي جمر فين؟
صمت ممدوح ولكن كسا الحزن وجهه لتردف صابرة بنبرة منفعلة وهي تضربه بصدره
صابرة(بحدة وانفعال): رد عليا يا واد بجولك هما جالوا خيتك فين؟! .. طب هي هتروح معانا دلوكت؟
ممدوح(بألم يحتل قلبه ببطئ): اهدي ياما
صابرة(بانفعال أكبر وهتاف): انت واجف إكده ليه؟!! .. روح شوف خيتك فين .. يا جمررر .. يا جمرررر
ممدوح(وهو يحاول التحكم بانفعالاتها): اهدي ياما بالله عليكي .. ربنا يرحمها
صابرة(بصراخ ودموع هربت من عينيها بقوة حارقة): يرحم مين؟!! انت اتچنيت عاد!! .. اني بتي ماماتتش .. بتي عايشة .. جومي يا جمرررر .. يا جمرررر .. يا بتااااااي .. يا جمررررر
هربت الدموع من عيون الموجودين وخاصة حين ازداد عويل وصراخ صابرة التي اخذت تلطم على خديها وتصرخ باسم تلك التي انتقم الله منها اشد انتقام جزاء ما فعلت
//////////////////////
اغلق مراد الحديدي هاتفه بعدما اخبره أكرم بمستجدات ما حدث فقد كان عليه الانتظار بالمنزل للاشراف على الاجراءات التي اتخذتها الشرطة ما ان وصلهم بلاغ بما حدث فلم يكن اي من رجال عائلة المنياوي في حالة تسمح له بمتابعة ما يحدث هنا .. وقفت دعاء المنياوي التي لم تستطع الذهاب للمشفى ومعها بدر لتقرر البقاء بالمنزل مع من بقوا لتقترب من مراد الحديدي وتسأله بلهفة
دعاء: ايه اللي حوصول؟!
مراد(بنبرة هادئة): هيحطوه تحت الملاحظة في العناية المركزة
دعاء(بتردد): طب .. وجمر؟
مراد: ربنا يرحمها
دعاء(بصدمة): ماتت؟!!!
هز مراد رأسه وابتعدت لتعود دعاء مرة اخرى لكرسيها وتجلس فوقه بعيون لمعت بالدموع .. فرغم كل ما حدث ورغم كل ما فعلته تلك اللعينة زار الحزن قلبها عليها .. حزنت لموتها وحزنت لنهايتها القاسية ومصيرها المحتوم .. ظلمتها كثيراً .. كانت تتفنن في إفساد حياتها .. كانت خبيثة ولئيمة ولكنها كانت ابنة خالتها .. كانت من قضت معها طفولتها وإن كانت اغلب اوقاتهم التي قضوها سوياً تمتلئ بالمشادات والمشاكل والغيرة من طرف قمر .. كانت ولم تعد .. حزنت .. نعم حزنت عليها .. حزنت وهربت دمعة لم تعرف كيف تجمعت بعينيها لتتبعها اخرى .. وجدت يد تمسح دمعاتها لتنظر له ولم يكن سوى زوجها الذي لم يمر على زواجهم سوى يوماً واحداً وأحست معه بود وأُلفة لم تشعر بنصفهم مع من كانت زوجته لثلاث سنوات .. جلس بجانبها وضمها لصدره وقد سكن حزنها صدره .. لن ينسى تلك الارتجافة التي أصابت جسدها حين انطلقت تلك الرصاصة اللعينة مستهدفة اخيها وصديق عمره .. لن ينسى لهفتها والدموع التي انسدلت من عيونها .. لن ينسى كيف لم يستطع تركها بذلك الحال ليقرر البقاء معها ومع ابنه الذي رآها تقرر البقاء بالمنزل حتى لا تتركه او تأخذه للمشفى .. رآها كيف تُعامل ابنه كإبنها .. يتذكر كيف سكنت اللهفة عينيها حين بدأ بالبكاء من صوت الرصاص الذي انطلق احتفالاً بالفرح لترتسم ابتسامة على شفتيه عندما رآها تضمه لصدرها وكأنه قطعة منها هي الأخرى .. كل تلك اللحظات لن ينساها ابداً كما لن ينسى كيف تضمه الآن وتدفس رأسها بصدره وكأنها تريد ان تختبئ داخل قلبه .. يدق قلبه بقوة وهو يستشعر احساسها بالأمان معه ليزيد من ضمه لصدرها وكأنه يخبرها "أنا هنا .. أنا معك .. لا تخافي .. لا تحزني"
///////////////////////
مر الوقت وتحرك ممدوح ليُكمل اجراءات خروج جثة اخته وهو يتخبط كالتائة .. لا بل كالسكران .. بل ربما السكران لديه وعي اكثر منه .. صراخ ودموع والدته كانوا البوابة التي خرجت منها أحزانه هو الآخر .. هرب حزنه وظهر على هيئة دموع زارت وجهه لأول مرة منذ ان وُلد .. دموع حارقة مؤلمة .. دموع على فراق رفيقة عمره .. صغيرته التي رباها على يديه منذ ان توفى والده ولم يُكمل 20 عام .. تلك التي كان يقسو عليها في الكثير من الاوقات ولكنه كان يفعل ذلك من اجل مصلحتها او هكذا ظن .. ارادها ان تتحلى بالاخلاق الحميدة ونسى انه مثال لها وقدوة فإن كان يريدها ان تكون صالحة فكان عليه ان يبدأ بنفسه .. يلوم نفسه ويلعنها .. مرة لأنه لم يُحسن تربيتها .. ومرة لأنه كان بعيداً عنها .. ومرة لأنه لم يكن قدوة صالحة لها .. ومرة لأنه ضربها ومرة لأنه سبها ومرة لأنه لم يحتضنها منذ اكثر من عام .. في الحقيقة هو لا يتذكر متى كانت اخر مرة احتضنها فيها .. اخر مرة تكلم معها بها .. اخر مرة ابتسم حتى في وجهها .. هو السبب .. هو السبب في ما وصلت إليه .. هو السبب في نهايتها تلك .. هو السبب .. ذلك كان ما يدور برأسه وهو ينجز تلك الاجراءات اللعينة حتى يستطيع استلام جثتها ليتفاجئ بمن يسحب منه ورقة الاجراءات ليُكمل ملئها ليُصدم حين نظر بجانبه ليجد ان ذلك الشخص لم يكن سوى زين! .. نعم زين نفسه الذي حاولت تلك اللعينة قتله منذ ساعات ليقوم هو بإنهاء اجراءات خروج جثتها بحزن يسكن قلبه على تلك التي خسرت دنياها وآخرتها .. حزن على من اعتبرها أخت صغيرة له ولكن طمعها وجشعها وحقدها وقلبها الأسود أبوا ان تنظر له نظرة الأخ فقد كانت تريد كل شئ لنفسها لتخسر الآن كل شئ دفعة واحدة .. خسرت كل شئ وعلى رأسهم حياتها .. نظر ممدوح للجانب الآخر ليجد سالم المنياوي يضع امامه إيصال دفع مصاريف المشفى .. دفعها! .. دفع مصاريف المشفى حتى يتمكن من أخذ جثتها .. دفعها رغم كل ما فعله هو بابنته وفعلته اخته بعائلته كلها .. نظر له بخجل من نفسه ليردف
ممدوح(بنبرة حزينة منكسرة): عمي اني..
سالم(وهو يرفع يده مقاطعاً بنبرة لا تقبل النقاش): ولا كلمة .. احنا نزلنا دلوكت عشان نخلصوا الاچراءات .. عشان دي الأصول واحنا ناس نعرفوا الأصول .. لو كان عليك انت وخيتك ف لا انت ولا هي تستاهلوا لكن كل واحد بيعمل بأصله وخيتك مايچوزش عليها دلوكت غير الرحمة, أما انت فجدامك لحد بكرة العصرية .. المغسلة هتيچي لبيتكم اللي في البلد إهنه وتغسلها وبعدين تطلعوا تدفنوها في مجابر عيلتكم وجبل غروب الشمس تسيبوا البلد وتعاودوا لبيتكم التاني .. وأظن اني إكده عملت الواچب وزيادة
هز ممدوح رأسه بطاعة لينظر سالم نحو زين ويردف
سالم: خلصت يا ولدي؟
زين(بملامح جامدة وهو يترك ورقة الاجراءات): إيوة يابوي
قالها وتحرك كلاهما بعدما أتما ما أملته عليهم تربيتهم .. فرغم اعتراض زين الشديد وذهوله من طلب والده بنزولهم لإنهاء الإجراءات إلا انه أطاعه في النهاية عندما ذكره ان الموت والمرض هما الظرفان الوحيدان اللذان تكسر لهما القواعد ويُوضع لهما الحزن جانباً ويتصرفوا وقتها حسب تربيتهم التي نشأوا عليها .. نعم فتلك هي أخلاق الرجل الصعيدي .. نظر ممدوح في أثرهم والندم يسكن قلبه .. هو من أضاع كل شئ بيده .. جرى وراء رغباته وساقته أنانيته وضحى بالعائلة والدفئ والسند .. ضحى بأناس حنونة وبقلب كان يحبه لنفسه لا لأمواله .. قلب هو من تعمد ان يخسره بيده ليقف الآن نادماً على ما فعل فهل سينتهي ندمه أم سيتضاعف أضعاف أضعافه؟!
/////////////////////////
دخلت غرفة الرعاية المركزة بعد إصرار كبير ورجاء أكبر .. لم تكن لتغادر دون ان تراه .. دون ان تطمئن عينيها برؤيته .. لم يكن الاطباء ليسمحوا لأي أحد بزيارته وخاصة وهو بتلك الحالة الحرجة ولكن توسط أكرم الشاذلي لها جعلهم يرضخوا وبالأخص حين رأوا حالتها التي تؤكد ان من يرقد بالداخل يحتل منزلة كبيرة بقلبها إن لم يكن هو الوحيد الذي يسكنه .. تقدم رجل وراء الأخرى وعينيها مثبتة على جسده الممدد امامها على ذلك السرير .. جسده الذي تُغطيه الاسلاك والخراطيم الكثيرة .. جسده الفاقد لكل ألوان الحياة .. جسده الذي تؤكد تلك الأجهزة الكبيرة التي تملأ الغرفة كونه مايزال على قيد الحياة حتى الآن .. حتى تلك اللحظة .. تقترب منه لتجلس على ذلك الكرسي المجاور لسريره وقد لمعت عينيها بالدموع .. جلست وظلت تنظر له بصمت ليكسر حاجز الصمت ذاك صوت شهقتها التي فشلت في كتمها أكثر من ذلك .. تلك الشهقة التي تزامن معها سقوط دمعاتها المخلوطة بالكحل الأسود من عينيها فكانت كحبات لؤلؤ سوداء اللون .. دمعات سالت بغزارة على وجهها لتمر دقيقة او اثنتين قبل ان ترفع رأسها مرة اخرى وتمسح وجنتيها ووجهها وتغمض عينيها لثواني تستجمع نفسها بهم .. فتحت عينيها مرة اخرى ونظرت له وأردفت بنبرة يسكنها الألم وهي تنظر لجسده المُممد امامها باستسلام لغياهب اللاوعي
رحمة(بنبرة محشرجة): أول ليلة لما سبتني كانت سنين مش ليلة .. سنين وچع وخيبة وحزن وندم وخزلان .. سنين كنت بحس روحي بتنحرج فيهم بنار جوية وكل ذكرى بنا كانت تزيد لهيب النار دي .. سنين صدري كان بيضيج عليا وأحس نفسي بتخنج .. كأني هموت .. كانت مخدتي كل ليلة تشهد على دموعي اللي انت كنت السبب فيهم .. عشت سنين معزولة عن الناس, محبوسة في الدار زي ماكون في متاهة .. لاه .. متاهات كتير .. متاهة ذكريات .. متاهة مشاعر .. متاهة أحزان .. متاهات ماكنتش عارفة اخرچ منيها .. كنت بحس بجلبي هيتجطع .. كأن چزار ماسكه وهيجطع فيه بسكينة تلمة .. حسيت كأني نسيت كيف هتنفس .. حسيت إني ميتة ..(ثم اخرجت تنهيدة حارة من صدرها لتكمل بدموع حارقة تغزو وجهها).. لما انت سبتني وسافرت اني مت .. كنت عايشة چسم من غير روح .. ليلة فرحنا اللي المفروض تكون اسعد ليلة انت خليتها أكتر ذكرى بكرهها .. بدل ما كنت الليلة دي انام وابتسامتي على وشي فارجني النوم وجضيت الليلة ودموعي على خدي .. تاني يوم الشمس طلعت على كل مكان إلا جلبي .. جلبي اللي كنت كل ليلة بتمنى يجف چايز ارتاح .. كل ليلة كنت ابكي واغرج مخدتي بدموعي وتاني يوم ألملم الفتافيت اللي باجية من جلبي وأخرچ وأني مبتسمة عشان محدش يحس اني لساتني حزينة وبتوچع .. كل يوم كنت اكحل عيني عشان بس أداري بيهم عيوني المنفوخة من كتر العياط .. كان نفسي انساك .. لو كان النسيان بيتباع كنت اشتريته .. رغم كل اللي عملته ديه ماجدرتش انساك .. رغم كل الوچع اللي سببتهولي ديه فضل جلبي يدج ليك انت وبس .. لا عمره سكنه غيرك ولا عمره شاف غيرك .. كل ما كنت اجول هنساك واعيش حياتي كنت احن ليك اكتر ..(صمتت لثواني تلملم فيهم انهيارها الكبير لتردف بنبرة يسكنها وجع العالم وعيونها مثبتة عليه).. عارف ايه اكتر حاچة وچعاني .. اني ماعرفاش اعمل ايه .. ماعرفاش ابعد عنك .. ماعرفاش اجولك تسيبني وتمشي من تاني .. اني متوكدة اني المرة دي مش هستحمل .. المرة دي لو بعدت تاني اني .. اني هموت صوح ..(قالتها بنبرة ضعيفة لتردف بنبرة يتخللها القوة وكأنها شخصية ثانية).. بس بردك ماعرفاش اسامحك على كسرتك ليا .. ماعرفاش اسامحك على جلبي اللي لساته لحد دلوكت بينزف .. ماعرفاش اعمل ايه .. جولي انت اعمل ايه .. جولي كيف ارچع نفسي الجديمة .. ارچع رحمة اللي كانت هتحب الحياة والناس والخروچ .. رحمة اللي كانت هتحب الجعدة في الچنينة والأغاني .. رحمة اللي كانت بتضحك من جلبها .. رحمة اللي كانت لما بتتنفس ماهتحسش ان الهوا بيزود حريج جلبها .. رحمة اللي كانت هتحبك ..(صمتت قليلاً ونظرت له لتردف بوجع).. صعبان عليا منك جوي يا واد عمي .. صعبان عليا منك ياللي عمري ما حبيت غيرك .. صعبان عليا انك انت اللي تكون چارحني بالشكل ديه .. دا اني كنت بجول انك انت اللي هتچيبلي حجي من اي حد يزعلني , عمري ما كنت اتصور انك انت اللي تزعلني وتوچعني إكده ..(مسحت تلك الدموع التي هربت من عينيها لتردف بنبرة هادئة رغم اهتزازها وهي تتطلع لوجهه).. اسمع يا واد عمي .. انت لازم تجوم .. حسابنا لسة ماخلصوش .. انت هتجوم ومش هتسافر .. مش هسمحلك تبعد مرة تانية .. هتجوم عشان تثبتلي انك تستحج اني اسامحك .. هتجوم عشان غصب عن عين اللي خلفوك وخلفوني مصيري ومصيرك مربوطين ببعض .. هتجوم عشان اني لسة بحبك
قالتها واعترفت بها اخيراً .. اعترفت بها حتى وإن لم يسمعها ذلك الغائب بعالم آخر .. اعترفت ان قلبها النازف مازال ينبض باسم من أدماه .. اعترفت ان ليس لها سيطرة على ذلك القلب الذي أبى ان يدق لآخر فهل ستجتمع القلوب تحت راية الحب لتهتف بشجاعة انها عشقت من الصعيد

كاااااااااااااااااااااات .. كفاية لحد كدا النهاردة .. إلى اللقاء في الأحداث القادمة

عشقت من الصعيد 🌴⁦♥️⁩حيث تعيش القصص. اكتشف الآن