الفصل الثالث والثلاثون⁦♥️⁩🔥

11.1K 347 36
                                    

حينما يكون عليك اختيار خليل قلبك فاختر بحكمة ذلك الرفيق فليست كل القلوب بالقلوب تليق .. اختر شخصاً يكون اللين حين تقسو الايام .. حين لا تجد ملاذاً آمناً في الدنيا تذهب له فتجد به عشم لا يخيب .. اختر من كان بك رحيماً فإن المُحب بمن أحب رحيم .. هو اختارها منذ طفولته .. اختارها هي فقط وجعلها ملكة قلبه .. لا لم يجعلها بل هي من استعمرت قلبه ورفعت رآية حبها على أرضه .. هي من ملكت روحه وعقله وكيانه وهو من أدمى قلبها وتركها في ظلمات الأحزان تأن كجندي وقع أسيراً في يد عدو مختل يستمتع بتعذيبه كل يوم رافضاً ان يترك الموت ينقذه من تلك المعاناة تماماً كما رفض الموت ان يحملها بين يديه ويذهب بها حيث لا يوجد ألم ولا عذاب ولا فراق .. ذلك الفراق الذي مازال يُشكل جرحاً كبيراً بروحها .. روحها التي بالرغم من نزيفها عفت عنه وإن لم تصرح بهذا .. غفرت له وإن لم تقلها .. سامحته وإن منعها كبرياءها من الاعتراف بذلك .. كم يتمنى لو سمعها تقولها .. كم يتمنى لو رآها .. من يصدق انه الآن يجلس بغرفته ويفصل بينه وبينها جدار من الأسمنت والطوب ولكن الحقيقة إن ما يفصل بينهم الكثير من الذكريات المؤلمة .. لم تكن مؤلمة بل كانت من أجمل ما مر بعمره وعمرها ولكن تشوه جمالها بخيانته وبُعده وإن كان رغماً عنه .. وإن كان يتعذب مثلها .. وإن أدمى الحزن قلبه مثلما أرهق قلبها الذي لم ولن يحب أحداً غيره مثلما لم ولن يحب هو غيرها .. آه لو تغفر له .. آه لو تسامحه .. آه لو تُعطيه فرصة واحدة ليُكَفِر عن ذنوبه بحقها .. فرصة واحدة فقط لا أكثر .. فرصة واحدة فقط لكي يجعلها تنسى ما عاشته بسببه .. يستند بظهره على سريره وهو يسترجع آخر مرة رآها بها .. يتذكر تلك اللهفة التي سكنت عينيها عندما خرج من المشفى وكيف انتهى به الامر مُقيماً معها بسرايا المنياوي
*فلاش باك*
تقف تلك السيارة امام مدخل السرايا الكبير التي لم يكن يحلم بدخولها مرة اخرى دون ان يضطر للتسلل كالسارقين فقط ليلمح تلك التي تصيب ذلك الذي يسكن يسار صدره بربكة كبيرة .. يفتح الباب المجاور له ليجد تلك اليد ممدودة أمامه .. يد لطالما أمسكها وشد عليها .. يد لطالما سندت يده .. يد مَن كان له أكثر من اخ وهو الذي دمر كل شئ بغباءه ورحيله .. يرفع عينيه وينظر لوجه ذلك الواقف بكل هدوء وشموخ وكيف لا فهو عمدة تلك البلدة وكبيرها .. أومئ سالم برأسه بهدوء ليحثه على الاستناد عليه ليُطيعه حمزة وكأنه ابن ينفذ أوامر والده .. وضع كفه بكف سالم ليشد كل منهم على كف الآخر ويخرج حمزة جسده ببطئ من السيارة ليجد يد سالم الثانية تحيط بجسده مُعاوناً إياه على الوقوف بشموخ عُرف رجال عائلة المنياوي به .. خطوات بسيطة .. خطوة تليها الأخرى متوجهين نحو باب سرايا المنياوي .. ارتعش قلبه ما ان وطأت قدماه داخل السرايا بإرادة اصحابها وليس خلسة وتسللاً .. من كان يصدق ان يعود لتلك السرايا التي لطالما لعب ومرح بها مع ابن عمه .. ابن عمه الذي ما ان فتح عينيه بالمشفى وجده بجانبه .. يوجد مثل يقول "الدم عمره ما يبقى ماية" وتلك الدماء التي تجري بشرايينهم دماء واحدة .. دماء عائلة المنياوي .. من كان يصدق انه بعد اعترافه لسالم بكل ما حدث ان لا يجد منه تعنيفاً وغضباً بل وجد حكمة اكتسبها ذلك العمدة وهدوءاً أصبح يتحلى به .. وجد تعاطفاً منه وبالأخص حين علم كيف ماتت ابنته الوحيدة .. لن ينسى تلك الدموع الرقيقة التي لمعت بعيون سالم المنياوي ألماً على من كان أكثر من أخ بالنسبة له .. تقدموا لداخل المنزل حتى وصلوا لمنتصف صالته الواسعة ليأتيهم صوت قوي عاد يجلجل من جديد بالسرايا
عبد الحميد(بنبرة قوية آمرة): وجف عندك
نظر سالم نحو والده بينما أخفض حمزة رأسه احتراماً وخجلاً من عمه الذي لطالما اعتبره أباً ثانياً له .. يخجل من نفسه ومن طريقته في الحديث معه في آخر لقاء بينهم .. آخر لقاء يوم زواجه من رحمة .. يتذكر كيف استفزه بكلامه حتى يجبرهم على الموافقة على ذلك الزواج .. تنحنح سالم ليردف بهدوء
سالم(بنبرة هادئة): يابوي الداكتور جال حمزة لازمن يرتاح
عبد الحميد: هيرتاح بس بعد ما اجوله كلمتين ..(ثم نظر نحو حمزة ليردف).. شوف يا ابن عبد العزيز .. اللي انت عملته زمان يخلي رجبتك تمن جليل قصاده ولولا ابوك الله يرحمه كنت خدت روحك بيدي
حمزة(بحرج وخجل مما فعل): يا عمي..
عبد الحميد(بنبرة قوية وهو يرفع كفه مُقاطعاً): اكتم حسك واسمعني مليح .. كونك واجف في البيت إهنيه سببه بس انك انقذت حفيدي .. انك فديت زين ديه بالنسبالي حاچة كبيرة وعلشان إكده اني هسمحلك تجعد إهنيه لحد ما صحتك ترد وبعدها لينا حديت تاني .. لو رحمة جررت تديك فرصة ساعتها هترچع تاني ولد اخوي ..(ثم اكمل بعد صمت قصير).. بس لو رفضت يبجى يا ابن الناس ترچع بيتك معزز مكرم .. وتطلجها
وقع قلبه من تلك الكلمة ليردف عبد الحميد بتحذير
عبد الحميد(وهو يرفع سبابته بتحذير): اوضتك ماتخرچش منيها طول فترة جعادك إهنيه والوكل والشرب هيطلعولك لحد فوج .. رحمة لو انت اتعرضتلها او بالصدفة لمحتك او حاولت تأثر عليها وعلى جرارها يبجى تنسى كل اللي جولتهولك ديه وتلم خلاچاتك وتسيب البلد كلاتها .. مفهوم؟
*عودة*
ها هو يجلس بتلك الغرفة التي لم يغادرها منذ ثلاثة أشهر .. مازال يتذكر عينيها التي لمحهما من ذلك المقدار القليل المفتوح من باب غرفتها .. كانت تقف متوارية عن نظره ولكن قلبه استشعر وجودها لتتلاقى عينيهما قبل ان يعاونه سالم ليدخل غرفته .. غرفته التي لا يجرؤ على الخروج منها كي لا ينفذ عمه تهديده ويُبعده عن من يدق قلبه باسمها .. مرت الثلاثة أشهر عليه كثلاثة أعوام .. انتظاره لقرارها يأكل قلبه .. التوجس ينهش صدره .. خائف من قرارها .. خائف ان تحكم على قلبه بالموت .. خائف ان تبتعد عنه .. يمكنه تحمل بُعدها ذلك طالما هناك أمل في القرب مرة اخرى ولكنه ابدا لن يتحمل ان يكون بُعدها بلا لقاء بعده فترى هل ستسامح وتغفر .. هل سترحمه ام ان ذنبه اكبر من رحمتها؟!
///////////////////////
بمنزل معتز الراوي:-
تخرج من حمام غرفتها بعدما قامت بغسل وجهها بالماء البارد للمرة الثالثة عسى ان تذهب برودة الماء بذلك الصداع الذي يكاد يفتك بها .. طواحين قوية تدق برأسها .. جلست على سريرها وهي تحس بالأرض تميد بها تارة يميناً وتارة يساراً .. هي مريضة .. نعم هذا هو التفسير الوحيد .. ظلت على وضعها لدقيقتين او اكثر قليلاً قبل ان تقف وتسرع بتغيير ملابسها .. لن تسكت على ذلك الامر .. بالماضي كانت لا تهتم إن مرضت .. لا تهتم ان اصاب جسدها التعب .. ربما لأنها لم تكن تشعر بحاجة احد لها .. لم تكن تشعر بوجود شئ يستدعي مقاومتها لأي تعب حتى تكون بخير من أجله ولكن الآن الامر اختلف .. الآن لديها زوج محب .. زوج استطاع بحنانه وحبه ان يفتح قلبها للحياة مرة اخرى .. زوج كان هو العوض بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. قالوا من قبل "لا تحزن إذا جاءك سهم قاتل من اقرب الناس إلى قلبك؛ فسوف تجد من ينزع السهم ويُعيد لك الحياة والابتسامة" وهي وجدته .. هو من جعل الابتسامة تعود لزيارة وجهها .. هو من أعاد لها الحياة بوجوده وحبه وحنانه وتدليله لها .. بعثه الله ليكون لها العوض عن كل ما رأته ولكن ليس هو وحده .. هو وذلك الصغير الذي احتل قلبها ما ان التقطته عيناها .. ذلك الصغير الذي لا ينفك عن مناداتها ب "ماما" وكأنه يؤكد لها انها وإن لم تكن امه بالولادة فهي أمه التي احبته وتحبه وستحبه دائماً .. هي من اغلقت عليه ووالده بداخل قلبها وعاهدت الله ان لا يكون بقلبها لهما سوى كل الحب ليس لشئ سوى لأنهم يستحقوه .. انتهت من تبديل ملابسها وتحركت لغرفة ذلك الصغير الذي ما ان رآها حتى رفع يديه عالياً وأخذ يتمتم بابتسامة
بدر(بابتسامة وتلعثم طفولي): مممامممما
ابتسمت هي بدورها وحملته بين ذراعيها لتتحرك به لمنزل المنياوي حتى تتركه مع والدتها او أحد نساء العائلة لكي تذهب هي لمشفى البلد حيث ستعرف ما سيجعل عالمها ينقلب رأساً على عقب!!
///////////////////////
تجلس بجانب والدها وتمسك بين اصابعها تلك القطعة الصغيرة من الفطير الفلاحي اللذيذ لتضعها بفمه وهي تبتسم بهدوء جميل مثلها مردفة
رحمة(بابتسامة هادئة): ألف هنا وشفا يابوي
عبد الحميد(بابتسامة مماثلة): الله يهنيكي يا بنيتي
رحمة(وهي تكاد تتحرك): اني هجوم اعملك الشاي و..
عبد الحميد(وهو يمسك بكفها بهدوء): لاه, اجعدي يا رحمة .. اني عايز اتحدت معاكي
رحمة(وهي تنظر له وقد عقدت حاجبيها باستغراب): خير يابوي
عبد الحميد: فكرتي؟
رحمة: فكرت في ايه؟
عبد الحميد: في حكايتك انتي وحمزة
صمتت رحمة ولم تنطق ليردف عبد الحميد بهدوء
عبد الحميد: فات 3 شهور واني كنت مانع اي حد يتحدت معاكي علشان ماتحسيش اننا بنضغطوا عليكي بس اظن كفاية لحد إكده
رحمة(بتوجس): يعني ايه يابوي؟
عبد الحميد(بنبرة لا تقبل النقاش): يعني عالمغربية عايز رد نهائي للحكاية دي .. لو حاسة انك هتجدري تسامحي وتغفري تمام .. لو ماجدراش هخلي سالم يشيع للمأذون علشان حمزة يطلجك
تألم قلبها من تلك الكلمة .. تلك الكلمة التي أرادتها في الماضي .. أرادت حريتها ممن لم تكن تتمنى شيئاً سوا قربه وحين نالت القرب طالبت بالبعد والآن حين اصبح البُعد خياراً لم تعد تريده .. لم تعد تريد ان تبتعد عنه مرة اخرى .. لم تعد تريد ان تنفصل عن ذاك الذي يفصل بينها وبينه جداراً واحداً والعديد من الجراح والآلام .. طال صمتها ليربت عبد الحميد برفق على يدها مردفاً
عبد الحميد(بنبرة هادئة): اني سالم حكالي كل حاچة والسر اللي كان واد عمك مخبيه وعلى جد ما اني غضبان عليه من عمايله زمان على جد ما جلبي وچعني عليه من اللي شافه .. مفيش اغلى من الضنا يا بتي .. ابن عمك جلبه محروج على ضناه وحاسس ان ديه ذنبك و في نفس الوجت لسة جلبه هيدج باسمك زي ما جلبك عمره ما دج غير ليه
نظرت رحمة لوالدها ليردف
عبد الحميد(بنبرة حنونة يشوبها التعاطف): اني حاسس بيكي يا بتي وعارف ان انتي تايهة وماعرفاش تعملي ايه بس خديها مني نصيحة .. بلاش جرارك يكون چاي من عناد او مكابرة .. الطريج ديه اخرته وحشة صدجيني .. اختاري الجرار اللي هيريح جلبك
رحمة(بنبرة تحمل الكثير من المشاعر): واعمل ايه عاد لو كل جرار هيتعب جلبي .. بعده هيتعبني وجربه هيفكرني كل يوم بچرحه اللي چرحهولي .. بعده هيموتني وجربه هيخليني بفتكر حاچات نفسي انساها
عبد الحميد(وهو يربت على يدها برفق): هتنسيها .. الزمن هينسيهالك .. من رحمة ربنا بينا انه خلا اي حزن وجرح بيصيبنا بيخف مع الوجت .. كل حاچة في الدنيا بتتولد صغيرة وتكبر إلا الحزن بيتولد كبير ويوم ورا التاني هيصغر لحد ما يختفي ويتنسي
رحمة(بعيون تلمع بالدموع ونبرة حزينة): كان اتنسى في 15 سنة
عبد الحميد(بنبرة هادئة متعاطفة): ال 15 سنة دول كنتي انتي لوحدك فيهم .. كل يوم كنتي هتفتكري الحزن وحديكي .. كل يوم كنتي هتبكي وحديكي .. كل يوم كنتي هتحاربي التعب وحديكي لكن لما بتلاجي فيه حد چنبك صدجيني الموضوع بيفرج .. عارفة يا بتي .. اني لحد جبل ما واد عمك يرچع كنت فاكر نفسي جوي .. لما رچع وعمك سامحه ودخله بيته غضبت عليه وجاطعته ورفضت اسمعه .. كنت ابان جدام الناس كلها جوي بس اول ما كنت اجفل باب الاوضة عليا كنت احس اني ضعيف .. يده اللي كانت سنداني راحت .. كنت محتاچه جنبي عشان اجاسم حزني معاه بس كبري منعني اتحدت حتى معاه .. فضل كبري واخدني لحد ما فوجت على جلم جوي من الزمن .. جلم عرفني ان الكبر آخرته وحشة .. جلم جالي انت الاول كنت مش عايزه في حياتك بمزاچك بس دلوكت مش هيكون في حياتك غصب عنيك .. تعبت جوي بعده .. وزاد تعبي اكتر واكتر بعد موت چوز خيتك وديه كان الجلم التاني .. جلم ماجدرتش استحمله .. جلم فوجني بس فوجت متأخر .. بلاش يا بتي تخلي الجسوة تتحكم فيكي .. بلاش تخلي الجوة تعميكي عن الحجيجة .. بلاش تتأخري لحد ما تصحي على جلم جوي ماهتستحمليهوش
انسابت الدموع من عيني رحمة لترتمي بين احضان ابيها .. نعم تعلم انها لن تستطيع تحمل تلك الحياة إن فقدته بحق .. لن تستطيع تحمل الألم الذي سيستعمر روحها إن لم يعد يشاركها هواء تلك الحياة .. لن ينبض قلبها نبضة واحدة إن لم يدوي صدى نبضته بصدرها .. كانت ومازالت وستظل تعشقه .. نعم تلك هي الحقيقة .. برغم كل ما فعل مازال قلبها ينبض باسمه ولكن هل هذا كافي لمسامحته .. هل ستقدر على انتزاع نصيبها من اسمها لكي تتوج قلبه به .. هل ستكون الرحمة من نصيب قلبها وقلبه .. اخرجها عبد الحميد من بين احضانه ورفع يده ليمسح دمعاتها المنسابة كغابات الفحم على وجهها ليردف
عبد الحميد(بنبرة حنونة هادئة): خليكي عارفة مليح يا بتي اني ماهغصبكيش على حاچة .. واني معاكي اياً كان جرارك بس المهم تكوني متوكدة منيه
قالها وهو ينظر لها لتومئ هي برأسها ببطئ قبل ان تقف وتحمل تلك الصينية الصغيرة وتخرج من غرفة والدها وعقلها يعمل بقوة .. يفكر في قرارها الذي ربما سيغير حياتها بأكملها
/////////////////////////
قالوا من قبل ان الانسان لا يحب بيوم او شهر او حتى سنة .. الانسان يحب تماماً كما يحب البحر, فلا يمكنك ان تحب البحر وأنت تقف على الشاطئ .. يجب عليك ان تغوص بأعماقه وتضربك أمواجه .. ترى قاعه المظلم وتلمس عيوبه .. ترى ظلماته وترى غضبه وحينها فقط إما ان تحبه كله او تتركه كله وهي أحبته .. لا بل غرقت به مرحبة بالغرق بين أمواج عشقه .. غاصت بأعماقه .. رأت تلك الشخصية الحنونة التي يخفيها عن الكل .. رأت غضبه الكبير الذي يتبخر ما ان تتعانق عيونهم .. رأت مشاكسته التي لا يحلو يومها بدونها .. رأت عشقه الكبير لها والذي يسكن قلبها أضعاف اضعافه وخاصة الآن .. الآن وهي تقف بحمام غرفتهما وبين يديها ذلك الاختبار الذي احضرته لها ورد منذ دقائق .. ذلك الاختبار الذي لم تخبر احد عنه .. تضغط بأسنانها اللؤلؤية على شفتيها الكرزية والتوتر يحتل وجهها الابيض الجميل .. يكاد التوتر ان يفتك بها .. عينيها مثبتة على ذلك الاختبار وقلبها يتمنى ان يمر الوقت اسرع حتى تعرف نتيجته .. سرحت بعينيها قليلاً وهي تفكر فيما قد يحدث لو صدق حدثها الذي تؤكده الكثير من العلامات .. دوارها الكبير .. حالة الاعياء التي تصيبها صباحاً .. ذلك الألم البسيط الذي يسكن أحشاءها منذ أكثر من شهر .. اشمئزازها من اي رائحة وإن كانت تعشقها .. وأخيراً تأخر ضيفتها الشهرية المزعجة .. كل تلك العلامات تدل على شئ واحد .. شئ احضرت ذلك الاختبار لتتأكد منه .. يزداد ترقبها لتتحرك لخارج الغرفة وهي تقبض على ذلك الاختبار لتجد ورد واقفة امام باب الغرفة من الداخل
إيمان(باستغراب): ورد!
تقدمت ورد منها واردفت بحماس
ورد: ها ايه الاخبار عاد؟!
إيمان(وهي تعقد حاجبيها بعدم فهم): اخبار ايه؟
ورد(بنبرة جادة وإلحاح): إيمان .. جوليلي عاد مش اني خيتك بردك
إيمان: اقولك ايه؟!!
ورد(بحماس): ايه نتيچة اختبار الحم..
إيمان(وهي تكتم فم ورد بكفها): ششششش الله يخربيت فقرك .. انتي عرفتي منين اصلاً؟!
ورد(بنبرة خفيفة وحماس): وه! وهو انتي فاكرة عاد انك لما هتبعتيني اچيبه من الصيدلية ماهعرفش هو ايه .. اني ورد اللي تعرف كل حاچة
إيمان(بضحك خفيف): انتي الحمل مخليكي حشرية وفقرية الاتنين سوا
ورد(بحماس كالأطفال): بردك عايزة اعرف النتيچة .. اني جلبي هيدج چامد جوي ولازمن اعرف
إيمان(بضحك وهي تنظر لها): يا بنتي اهدي ل تولدي من فضولك دا
ورد(بنبرة صادقة): مش فضول والله بس اني عديتك خيتي صوح وزين بيه اني متربيه معاه هو ودعاء وربنا يعلم معزتهم في جلبي جد ايه .. يبجى عندي حج اني افرحلكم ولا لاه؟
إيمان(بابتسامة بسيطة): عندك حق يا حبيبتي بس انا نفسي لسة ماعرفش, المفروض نستنى شوية لحد ما النتيجة تظهر
ورد(وهي تضيق حاجبيها باستغراب): شوية جد ايه يعني؟!
إيمان(وهي تنظر للاختبار): مش عارفة .. هو تقريباً..
قطعت إيمان جملتها حين فتحت يدها المطبقة على الاختبار ورأت الخطين يظهران بوضوح في وسطه .. لمعت عينيها بالدموع فوراً ووضعت كفها على فمها وهي لا تصدق ما تراه امامها لتردف ورد بلهفة حين رأت عينيها تلمع بالدموع
ورد(بتوجس من دموعها): فيه ايه؟! مش حامل؟!
إيمان(وهي تنفي برأسها): لأ ..(ثم نظرت لها لتردف بنبرة يتخللها السعادة).. حامل
ارتسمت ابتسامة فورية على وجه ورد لترفع يدها فوق فمها استعداداً لإطلاق زغروطة عالية
ورد(بسعادة): لولو..
إيمان(وهي تكتم فمها مرة اخرى): شششششش اسكتي
ورد(بنبرة يسكنها الفرح): اسكت ليه عاد؟! دا اني هاين عليا ازغرط لحد ما اولد من كتر الزغاريط
إيمان(بنبرة جادة): لا .. مش هتزغرطي ولا هتقولي لحد من البيت خالص
ورد(باستغراب): ليه عاد؟!
إيمان(بتوضيح): علشان زين لازم يكون اول واحد يعرف .. كفاية انك عرفتي قبله
ورد(موافقة): معاكي حج ..(ثم اردفت بتذمر).. بس اني إكده هصبر لحد بكرة وماجولش لحد؟!
إيمان(وهي تضحك على تذمرها): معلش استحملي
ورد(برجاء): طب اجول لمحمود بس
إيمان(بجدية): لأ يا ورد .. بكرة
ورد(بنبرة يشوبها التذمر): طيب .. ربنا يصبرني عاد وماولدش بسبب الكتمة
إيمان(بضحك أكبر): لا ماتخافيش مش هتولدي قبل معادك .. يلا بقا زوقي عجلك خلينا اشوف هعمل ايه
ورد: حاضر
مشت خطوتين ثم لفت جسدها وأحتضنت إيمان بقوة مردفة
ورد(بابتسامة وفرحة صادقة): مبروك يا خيتي
إيمان(وهي تبادلها ذلك الحضن الدافئ): الله يبارك فيكي
قالتها إيمان بابتسامة تلمؤها السعادة .. تلك السعادة التي قريباً ستحتل قلبه هو الآخر فترى ماذا ستكون ردة فعله؟!
///////////////////////
صالحة(وهي تحمل بدر): يا بتي جوليلي مشوار ايه المهم ديه اللي هتروحيه وليه ماهتاخديش بدر وياكي؟!
دعاء(بهروب): ياما ما اني جولتلك مشوار مهم جوي هجولك عليه بعدين .. المهم دلوكت تاخدي بالك من بدر وعينك ماتغفلش عنيه .. اني مش هغيب ان شاء الله
صالحة(باستسلام): ماشي يا بتي .. ربنا يسهلك طريجك ويكتبلك اللي فيه الخير
دعاء(وهي تتحرك): امين يا رب
قالتها دعاء وأمن قلبها وراء تلك الدعوة .. حقاً تريد ان يكتب ربها الخير لها .. تريد ان تطمئن انها بخير ولكن هل ستُستجاب تلك الدعوة ام سيحدث ما سيكون قنبلة متفجرة بوسط تلك العائلة؟!!
//////////////////////////
تجلس على مصليتها وقد انتهت منذ دقائق من صلاتها .. صلاتها التي تلجأ بها لربها عساه يُذهب ذلك الحزن الذي يستعمر قلبها منذ سنوات .. ذلك الحزن الذي يأكل روحها .. ذلك الحزن الذي لا ترى نهاية له .. ترفع كفيها عالياً وتغمض عينيها لتنساب دماعتها لتبوح بدعواتها الصامتة وكأنها تقول "ربي اعني .. ربي فرج عني همي .. ربي افرح قلبي فقد فتك به الحزن .. ربي لقد باشت عيناي من البكاء .. ربي قد نسيت معنى الراحة .. ربي أود ان تزور عيناي دموع الفرح على سبيل التغيير .. ربي لقد تعبت .. حقاً تعبت .. ربي اعطني اشارة .. اشارة واحدة" عند تلك الجملة سمعت صوت وقوع شئ بشرفتها .. اسرعت بمسح دموعها لتقف وتتقدم من شرفتها ببطئ .. بمجرد دخولها وجدت ذلك الحجر الصغير واقع بأرضها ومربوط به ورقة مطوية .. التقطت بين يديها ذلك الحجر لتحرره من تلك الورقة التي تُغلفه .. تحركت عائدة لداخل غرفتها لتجلس على سريرها وقد بانت هوية تلك الورقة .. انها جواب! .. جواب من عاشق لم يتوقف قلبه عن النبض باسمها .. جواب مثل تلك الجوابات الكثيرة المحملة بكم هائل من المشاعر الصادقة التي اعتاد ارسالها لها .. تلك الجوابات التي مازالت حتى هذا الوقت تحتفظ بها بدولابها داخل صندوق خشبي وكأنها كنز ثمين .. بدأت اصابعها المرتعشة في فتح الجواب وإخراج تلك الورقة المطوية داخله لتلتقط انفها فوراً رائحة الياسمين المُعطرة بها تلك الورقة .. ارتسمت ابتسامة بسيطة يشوبها الحزن على ثغرها وهي تهمس لنفسها انه مازال يتذكر حبها لزهرة الياسمين .. فتحت الورقة وجرت عينيها فوق الحروف التي خططتها يده .. مازال خطه جميلاً وراقياً .. لطالما اخبرته انه لو عمل خطاطاً لما نافسه احد بهذا المجال .. دق قلبها وهي تقرأ تلك العبارة التي توسطت الورقة بلون أسود جميل .. (كنا وكنتم وكان الحب يجمعنا فهل تُعيد لنا الأيام ماضينا؟) .. مازال يتذكر حبها للغة العربية الفصحى .. ذلك الحب الذي جعلها رغم مجموعها العالي تختار دخول كلية الآداب قسم اللغة العربية .. كانت تعشق كل شئ له علاقة بتلك اللغة وبالطبع زاد عشقها مع كل خطاب كان يرسله لها .. فهو كان يتعمد ان تحتوي رسائله على أشعار الحب والغزل معبراً عن حبه لتلك الجميلة التي احتلت قلبه بسيف عينيها البتار .. عينيها التي ما ان رآها وهو طفل صغير بات في غرامها متيم وظل يردد انه سيتزوجها حين يكبر لكنه لم يكن يعلم ان القدر تمتلئ جعبته بالكثير .. لم يكن يعلم ان الفراق بين قلبيهما كان محتوماً .. ولكن هل آن لذلك الفراق ان ينتهي؟! .. هل آن لقلبيهما ان ينعما بقرب بعضهما؟! .. هل آن لقلبه وقلبها ان يتخلصا من ذلك الحزن الذي عشش بداخلهما؟! .. وقفت وهي تمسك بذلك الجواب وقد حسمت أمرها .. تحركت باتجاه غرفته المجاورة لغرفتها لتدق علي بابه وهي تحاول التحكم بضربات ذلك الذي يسكن صدرها بدقات متبعثرة وكأن اعصاراً قد ضربها .. دقيقة او اقل وفتح الباب لتُسيطر عليه الصدمة من وجودها امام باب غرفته فهو ما ان رمى ذلك الجواب ظل الخوف يأكله .. هل ستقول لسالم؟! .. هل ستقول لعمه؟!! .. هل سيُحرم من نعيم قربه منها مرة اخرى بسبب تسرعه الأهوج .. انتبه من شروده بأفكاره حين وجدها تتقدم لداخل الغرفة وتقف بصمت وتتطلع له لتردف بهدوء قاتل يسكنه ألم ووجع كبير
رحمة(بنبرة يسكنها الوجع المخلوط بالغيرة): كانت حلوة؟
صمت حمزة وقد فهم انها تقصد تلك التي تزوجها .. تلك التي كانت الاسباب في تدمير كل حِلم حَلِم به مع تلك التي تقف امامه وتحارب للسيطرة على مشاعرها المتناقضة .. طال الصمت لتكرر رحمة سؤالها وهي تتقدم منه خطوة
رحمة(وهي تنظر في عينيه بتصميم): كانت حلوة؟
حمزة(بنبرة هادئة مخلوطة بالعشق): هتصدجيني لو جولتلك ان عيني ماكانتش بتشوف اي واحدة غيرك ست
سكنت عينا رحمة نظرة تهكم ليردف هو بنبرة صادقة لمستها
حمزة(وهو يعانق عينيها بعينيه): عمر ما عيني شافت ست غيرك ولا جلبي دج غير ليكي انتي وبس .. ولا عمره هيدج غير ليكي انتي وبس
قالها بنبرة عاشقة وهو ينظر في عينيها لتردف هي
رحمة: وبنتك؟
حمزة(بألم زار قلبه): بنتي؟!!
رحمة(وهي تومئ برأسها): إيوة .. كانت شبهك ولا شبهها؟
حمزة(بتلقائية وونبرة صادقة): كانت شبهك
ذُهلت من رده ليردف
حمزة: عارف انك ممكن ماتصدجينيش بس دي الحجيجة ..(ثم اخرج محفظته وفتحها على تلك الصورة الساكنة داخلها ليضعها بيد رحمة مردفاً).. كانت نسخة منيكي
دق قلبها بقوة وهي تتطلع لتلك الصورة .. صورة لفتاة في غاية الجمال والرقة .. فتاة تشبهها لحد كبير .. لا ليست تشبهها بل هي نسخة منها .. ربما لو كانت هي أمها لم تكن لتشبهها بذلك الشكل!
رحمة(بعيون حزينة وهي تتطلع للصورة): كانت چميلة
حمزة(بنبرة يسكنها الألم): جوي .. وحنينة جوي .. عرفت تتسلل لجلبي .. عرفت تخليني أعشجها مش بس احبها ..(ثم نظر لها بعيون لامعة).. كأني كنت بشوفك فيها
صمتت رحمة ولكن لمعت عينيها بالدموع؛ فقد وقعت بعشق تلك الفتاة من مجرد النظر لصورتها فما حال ذلك الذي يقف أمامها وقد عاش معها 10 سنوات .. 10 سنوات رآها فيهم تكبر يوماً وراء الآخر ليُحرم منها بين ليلة وضحاها .. انتبهت من افكارها على صوته الذي سكنه الوجع وهو يردف
حمزة(بألم يحتل قلبه): كانت رحمة من ربنا ليا .. كانت هي اللي مصبراني على بُعادي عنيكي .. كانت هي النفس اللي بتنفسه ولما راحت اتخنجت ..(احتضن كفيها بين كفيه ليردف برجاء وعينيه تلمع بالدموع الصادقة).. اني ماهجدرش اتحرم منيكي كيف ما اتحرمت منيها .. ماهجدرش اتحرم منيكي مرة تانية .. أحب على يدك يا رحمة تسامحيني .. اديني فرصة واحدة بس .. فرصة واحدة اصلح بيها كل حاچة .. فرصة واحدة اعوضك واعوض نفسي عن كل اللي ضيعته .. فرصة واحدة بس
صمتت رحمة قليلاً وهي تنظر له .. دقات قلبها المتواثبة تُطالب بالعفو والغفران والسماح لذلك الحبيب الذي لم يعرف القلب سواه .. بللت شفتيها بلسانها لتردف بهدوء
رحمة(بنبرة هادئة رغم رجفتها): هحتاچ وجت
حمزة(بسرعة ولهفة): استناكي العمر كله
رحمة(وهي تنظر في عينيه): مش هتبعد تاني
حمزة(وهو يبادلها النظرة العميقة): عمري ما هبعد عنيكي ولو على موتي
رحمة(بنبرة محشرجة من الألم): مش هتچرحني تاني
حمزة(بنبرة صادقة): أموت جبل ما افكر اني اچرحك
رحمة(بنبرة يشوبها الضعف): هترچعلي الأمان
حمزة(بنبرة مُطمئنة): هعمل كل اللي اجدر عليه علشان اطمن جلبك
نظرت له لدقيقة قبل ان تردف بنبرة لا تقبل المناقشة
رحمة(بنبرة هادئة يشوبها القوة): بيتك هيتكتب باسمي عشان لو فكرت في يوم توچعني مرة تانية تعرف ان ماهيكونش فيه مكان ليك لا في البلد إهنيه ولا في حياتي
حمزة: موافج , من بكرة هكتبه باسمك
رحمة(بنفس النبرة): اني بسببك ضيعت سنين عمري واتحرمت من اني اكون ام وعشان إكده هنكفل طفل يتيم من الملچأ .. هكون امه وهتكون ابوه وعمرنا ما هنحسسه بغير إكده
حمزة: موافج
رحمة: آخر وأهم حاچة .. ماهتجربليش غير لما احس انك صوح حمزة واد عمي اللي كنت هحبه زمان واللي اتمنيت انه يكون چوزي
حمزة(وهو ينظر لها بعمق مخلوط بالعشق): واني عمري ماهغصبك على اي حاچة تاني
صمتت لدقائق وعينيها تتفحص كل شبر بوجهه لتردف
رحمة(بنبرة هادئة):  ماشي
حمزة(بعدم تصديق): ماشي ايه؟!!
رحمة(بنفس النبرة): ماشي هديلك فرصة .. فرصة اخيرة .. بس صدجني لو ضيعتها هنسى ان كان فيه في حياتي واحد اسمه حمزة
قالتها بنبرة تحمل الكثير من الجد وكأنها تخبر نفسها بها قبل ان تخبره هو .. اخذت نفساً عميقاً قبل ان تلف وجهها وتتحرك لخارج الغرفة مردفة
رحمة: تصبح على خير
قالتها وخرجت من الغرفة تاركة ذلك الذي تصنم بأرضه وقد احتلت الصدمة كل ذرة من كيانه .. هل قالت للتو انها سامحته! .. هل بالفعل قالت انها ستُعطيه فرصة ليُكفر عن ذنبه .. هل نال غفرانها الآن؟!! .. ولكن هل فعلاً سيكون قادراً على محو آثار الحزن الساكنة قلبها ام ان نقوش الحزن عميقة ولن تنمحي ابداً؟!
////////////////////////
تقف بداخل غرفتها وهي ترتدي ذلك القميص النسائي الابيض الذي يصل لبعد ركبتيها بمقدار قليل وعلى ذراعيها تنسدل تلك الأكمام من الشيفون الابيض الخفيف جداً والذي يُظهر جمال ذراعيها وبشرتها البيضاء .. شعرها منسدل بتموج وحرية مغرية على ظهرها وشفتيها المُطعمين باللون الاحمر الناري المغري .. طلتها مُهلكة حرفياً .. طلة قادرة على جعل اعتى الرجال يخر امام حُسنها صريعاً .. تنظر لإنعكاسها بالمرآة وقد اكتسى وجهها بحمرة الخجل من مظهرها .. تلعن عقلها الذي أوحى لها بتلك الفكرة .. فقد فكرت في مفاجأة زوجها العزيز الذي يدق قلبها باسمه والذي يسكن احشاءها الآن ثمرة عشقهم .. عشقهم الذي وُلد هنا في قلب الصعيد كما سيُولد ابنهما .. تضع كفها على موضع قلبها وقد تواثبت دقاته بشكل كبير .. تتخيل ردة فعله ليزداد احمرار وجهها .. ثواني وتحول وجهها لجمرة مشتعلة حين وجدت باب غرفتهما يُفتح ويطل هو امامها بحضوره وطلته القادرة على إرباك قلبها كعروس بليلة زفافها .. اما هو فتصنم محله حين وقعت عيناه على تلك الفاتنة التي تقف امامه مرتدية اللون الابيض وكأنها ملاك ساحر نزل من السما له هو فقط .. ابتلع ريقه وتقدم للداخل بعدما اغلق الباب خلفه وعينيه لم تنفصل عنها ولو لثانية واحدة .. نظره مثبت عليها وهو يتقدم منها خطوة تليها الاخرى ومع كل خطوة كان يتردد صداها بصدرها حتى احست انه يسمع صوت قلبها الهادر باسمه .. وقف امامها لتهرب هي بعينيها لأصابعها التي تعتصر بعضها البعض من فرط التوتر والخجل .. نظراته اشعرتها وكأنها عارية امامه .. اللعنة عليها وعلى عقلها الذي فكر بتلك الفكرة وعلى ذلك القميص النسائي الذي احضرته خالتها رحمة كهدية زواج لها وخجلت هي من ارتداءه طوال الاشهر الماضية لتقرر ان ترتديه اليوم حين تفاجئه بذلك الخبر الذي سيُزلزل كيانه .. قررت ارتداءه وياليتها لم تفعل فهي لا تعلم بشأن تلك النيران التي اشعلتها بجسده .. نيران أحست بصهدها من انفاسه التي تلفح وجهها الآن .. عينيه تأكل كل شبر بها وهو يقف امامها وبعض سنتيمترات فقط هي ما تفصل بين وجهه ووجهها
زين(بغمزة عابثة وهو يحيط خصرها): احنا ليلتنا فل ولا ايه عاد؟
قالها بنبرة عابثة قبل ان يلثم شفتيها بقبلة عميقة ليقطها مردفاً بنبرة عاشقة
زين(بنبرة أجشة عميقة): اتوحشتك
إيمان(بتوتر وخجل): احم .. و.. انا كمان
قالتها بشئ من الارتباك .. لا بل بالكثير منه المخلوط بخجل لم يُزيدوه سوا عشقاً لها .. يا الله! هل يمكن ان يحبها أكثر مما يحبها الآن .. هل يمكن ان يتوغل عشقها بقلبه أكثر مما هو الآن .. إن تلك الساعات التي يقضيها بعمله بعيداً عنها تمر عليه كالدهور .. يحس بابتعاد انفاسه عن صدره حين تكون بعيدة عنها .. حرفياً اصبح يعد الساعات والدقائق حتى يحين موعد عودته للمنزل لكي ينعم بأحضان تلك القاهرية التي عشقها وكأن تفكيره أصبح لا يعرف شيئاً غيرها .. طال صمتهم الآسر وطال هروبها بعينيها ليقترب هو بوجهه منها مرة ثانية ويطبع على شفتيها قبلة ثانية وثالثة ورابعة وسيل من القبلات المشتاقة لها ولها هي فقط .. يديه تحكم حصارها لخصرها بتملك وعشق .. فراشات تدغدغ معدتها ودقات قلبها تتراقص حرفياً من قربه لتنتبه حين وجدت قبلاته تنتقل ببطئ مهلك لعنقها لتردف هي بتخدر حاولت مقاومته
إيمان(وهي تحاول مقاومة تأثيره): زين..
زين(وهو يلثم عنقها بقبلاته الحارة): جلبه
إيمان(بدقات قلب متواثبة): يا زين..
زين(بنبرة عاشقة): بعشجك
إيمان(وهي تحاول دفعه برفق): وانا كمان والله بس انا عايزة اقولك حاجة مهمة
زين(بتخدر من عبيرها الآسر): مممم
إيمان(وقد كادت حصونها بالانهيار أمامه): يا زين اسمعني علشان خاطري
زين(وهو يبتعد عنها دون ان يفك حصارها): فيه ايه يا جلب .. وعجل .. وروح زين
قالها وهو يوزع قبلاته العاشقة على وجناتها الحمراء التي اشتعلت حرفياً من قربه
إيمان(بتوتر وخجل من قربه): فيه موضوع مهم عايزة اقولك عليه
زين(وهو ينظر بعشق كبير في عينيها): والموضوع ديه مايتأچلش؟
إيمان(وهي تنفي برأسها): لأ ماينفعش يتأجل
تنهد زيد بقلة حيلة ليردف وهو يتطلع لها
زين(باستسلام): خير يا ست البنات
إيمان(بتوتر): هو .. احم .. يعني فيه ضيف جاي
زين(وهو يضيق حاجبيه باستغراب): ضيف؟!
إيمان(وهي تومئ برأسها): ايوة .. ضيف مهم جداً
زين(وهو يتحرك نحو دولابه ليخرج جلباب منزلي): مين ديه؟ حد من عمامك او ولادهم؟
إيمان(بابتسامة وفرحة تدق بقلبها): لأ دا حد مهم اوي اوي اوي
زين(بابتسامة وهو ينظر لها): ماشي يا ستي جوليلي چاي ميتى واني اخلي حد ينضف المضيفة ويچهزها كمان
إيمان(وهي تراقب ردة فعله): لأ ماهو مش هيقعد في المضيفة
زين(باستغراب): اومال هيجعد فين عاد؟!
إيمان: هنا
زين(وهو يرفع حاجبه بغضب طفيف): إهنه فين؟!
إيمان(وهي تكتم ضحكاتها): في الاوضة دي .. معانا
زين(بحدة بسيطة): نعممممم؟! انتي اتخبلتي ولا چرا ل مخك حاچة عاد؟!!! مين ديه اللي هيجعد معانا إهنيه في الاوضة؟!!!
إيمان(بابتسامة): دا
قالتها وهي ترفع يدها بعلبة ملفوفة بشريط من اللون الاحمر .. عقد زين ما بين حاجبيه ليردف وهو يتطلع للعلبة
زين(باستغراب): ايه ديه؟!
إيمان(بعيون لامعة وهي تنظر له): افتحها وانت تعرف
نظر لها زين لثواني قبل ان يأخذ العلبة من بين يديها ويجذب ذلك الشريط ليفتحها وتظهر علامات الاستغراب وعدم الفهم على وجهه لتتحول لعلامات ذهول وعدم تصديق وفرحة مخلوطين بطريقة رائعة حين التقطت عيناه ذلك الكلام المكتوب على الكارت الصغير الموجود بداخل العلبة مع اختبار الحمل .. تمر عينيه على الكلام مرة اخرى والسعادة تدق بقلبه .. (أشوفك كمان 7 شهور يا أحلى بابا) .. مسك اختبار الحمل بين يديه وقد ثارت أنفاسه بصدره لينظر لإيمان وقد لمعت عيناه بطبقة خفيفة من الدموع ليردف
زين(بمشاعر قوية تدق بقلبه): إيمان .. انتي..
إيمان(وهي تومئ برأسها بفرحة): حامل
تردد صدى جملتها بأذنه لثواني قبل ان تبدأ ابتسامة ساحرة بشق طريقها على شفتيه وهو يردد دون صوت تلك الكلمة التي جعلت قلبه يتراقص على إيقاع نبضاته .. جذبها لأحضانه بقوة وأخذ يدور بها وضحكاته تجلجل حولهما مُختلطة بضحكاتها السعيدة وهي متعلقة بعنقه وأقدامها لا تلامس الأرض لتشعر وكأنها حرفياً تطير في سابع سماء
////////////////////////////
وصلت للتو لمنزلها بعدما اجرت كل الفحوصات والتحاليل اللازمة ولكنها لم تنتظر النتيجة؛ فقلبها أخذ يدق بقوة شوقاً لذلك الصغير الذي تعلقت به وكأنه قطعة منها .. وكأنها أمه بالفعل .. اسرعت لتأخذه من منزل والدها وتعود به لمنزلهما لتدخل غرفته وتضعه بسريره الصغير مثله وابتسامة صغيرة مرسومة على وجهها وهي تراقب جفونه المغلقة باستسلام لسلطان النوم .. يا الله! كم تحبه .. تحبه كثيراً .. وتحب والده .. نعم اعترف قلبها بذلك .. استطاع ذلك الذي تزوجته منذ ثلاثة أشهر ان يفعل ما لم يستطع ان يفعله من تزوجته لثلاث سنوات .. زرع بقلبها الحب والحنان والأمان وكل ما هو جميل ليكون محصوله اخلاص ووفاء وعطاء وحب كبير يزداد يوماً بعد الآخر .. لم تتمنى من قبل ان تكون قادرة على الانجاب كما تتمنى الآن .. تتمنى ان تحمل بداخلها قطعة منه .. قطعة من رجل استطاع ان يمتلك قلبها ودقاته .. وكأن ربها استجاب لدعوتها فصدح رنين هاتفها لتخرجه هي بسرعة وتتحرك لخارج الغرفة حتى لا يستيقظ بدر من صوت الرنين .. نظرت لشاشة هاتفها لتجد اسم صديقتها "صباح" مكتوب بوضوح .. دق قلبها بقوة وتوجس مما هو قادم فصديقتها تلك تعمل بالمشفى وأخبرتها انها ستتواصل معها ما ان تظهر نتيجة التحاليل .. هل بالتحاليل شئ سيئ؟! .. هل أُصيبت بمرض ما؟! .. هل سترحل عن تلك الدنيا بعدما وجدت بها كل ما تتمنى؟! .. قررت ان تقطع الشك باليقين وتُنهي رحلة عذابها تلك لتضغط على زر الإجابة وترفع الهاتف على اذنها ليأتيها صوت صباح التي أردفت
صباح: ألو .. ايوة يا دعاء .. انتي سمعاني؟
دعاء(بنبرة هادئة يشوبها التوجس): ايوة سمعاكي .. ها النتيچة طلعت؟
صباح(بنبرة يسكنها الفرح): ايوة يا حبيبتي طلعت .. ألف مبروك يا حبيبتي
دعاء(بدقات قلب متواثبة): مبروك على ايه؟!
صباح: انتي حامل
ماذا؟! حامل؟!!! كيف؟! ومتى؟! .. هل حدث خطأ بالتحاليل ام انها صحيحة؟! .. هل تم شفاؤها ام انها من الاساس لم تكن تُعاني من شئ؟!!! .. هل عاشت عمرها بكذبة؟! .. هل كانت سليمة؟! .. بل والأهم ماذا ستكون ردة فعل عائلتها الكبيرة وزوجها العزيز العاشق لها على ذلك الخبر الكبير؟! .. خبر حملها ممن أحبت لا بل عشقت فهي الأخرى لم تعشق اي احد بل عشقت من الصعيد

كاااااااااااااااااااااات .. كفاية لحد كدا النهاردة .. إلى اللقاء في الأحداث القادمة

عشقت من الصعيد 🌴⁦♥️⁩حيث تعيش القصص. اكتشف الآن