الفصل الرابع والثلاثون⁦♥️⁩💥

11.7K 332 30
                                    

أصعب شئ في تلك الدنيا ان تُصدم في من اعطيتهم الامان .. من ادخلتهم قلبك ورحبت بهم وجعلتهم ساكنيه لتكتشف انهم لم يكونوا يستحقون حتى ان تُلقي عليهم السلام .. تشعر بالخذلان يحتل روحك .. خذلان يُشبه شعور مصباح أفنى طاقته في إنارة طرق مُعتمة جميع المارة فيها مُصابون بالعمى .. ليس عمى النظر فقط بل عمى القلوب ايضاً .. تجلس بمنزلها ومازالت تلك الذكرى عالقة بعقلها وتُكرر مرة وراء الاخرى .. تتكرر الاحداث وكأن ذاكرتها لا يسكنها سوى تلك الذكرة اللعينة .. ذكرى صدمتها في اقرب الناس لها .. ذكرى صدمتها في من عاشت معهم سنوات واعتبرتهم عائلتها لتكتشف انها كانت كالعروس الخشبية المربوطة بخيوط بين اصابعهم .. تكتشف انها مغفلة كبيرة .. تكتشف انها عاشت حياتها في كذبة!
*فلاش باك*
تجلس امام تلك الطبيبة بمشفى القرية وعقلها يجاد يجن من كلامها .. لم تعرف كل استطاعت الصبر من امس لليوم بعد مكالمتها مع صديقتها "صباح" التي اخبرتها بذلك الخبر الذي قلب حياتها رأساً على عقب .. ذلك الخبر الذي سحب النوم من عينيها وجعل عقلها يضرب كالطاحونة الكبيرة .. لا تتذكر اي شئ من بعد المكالمة .. لا تعرف متى حضر زوجها ولا فيما تكلما ولا متى ناما او على الاقل هو من نام ولا كيف جاءت لتلك المشفى لتُكرر التحاليل مرة اخرى .. فمن داخلها لا تصدق ما سمعت .. اجرت التحاليل مرة ثانية حتى تتأكد .. اجرتها لأنها كانت تصدق كذبها كبيرة .. تجلس امام صديقتها "صباح" ومازال عقلها لا يستوعب ما تقوله
صباح(وهي تنظر لصدمة دعاء): دعاء .. انتي مليحة؟
دعاء(بأنفاس ثائرة بصدرها): انتي متوكدة يا صباح من اللي جولتيه ديه؟
صباح: يا بنتي ما اني عملتلك التحاليل تاني أهو وطالعة زي الاولانية .. انتي حامل في شهر ونص
دعاء(وهي تحاول تكذيب ما يدور بعقلها): يعني اني ربنا شفاني من عنده؟!
صباح(بنبرة هادئة): هو طبعاً كل حاچة بإيد ربنا بس التحاليل اللي جدامي بتجول انك من الاساس ماعندكيش حاچة تمنع الخلفة
دعاء(وقد فلتت أعصابها): كيف عاد؟!! والتحاليل الجديمة؟!
صباح(بتفكير): بصراحة ماعرفاش, وبعد اللي انتي حكيتيهولي انك لمدة 3 سنين ماخلفتيش من چوزك الاولاني ديه معناه ان ممكن يكون العيب كان منيه هو
رنت جملة صباح بعقل دعاء .. العيب منه!!! .. هو من لديه مشكله .. هو من لا ينجب .. هو المعيوب وليس هي!!!! .. وقفت دعاء دون ان تنطق بكلمة واحدة وتحركت لخارج المشفى .. مر الوقت ووصلت لتلك القرية المجاورة لقريتهم .. لا تعرف كيف وصلت هنا ولا تعرف لما ولكن كل ما تعرفه انها لديها حق في المواجهة .. سألت على منزله ووقفت امامه وأنفاس ثائرة حارقة تحتل صدرها .. نيران تشتعل بروحها وكيانها .. تشعر انها على وشك الاختناق من فرط ما يجيش صدرها من كلام لم تقوله لسنوات .. سنوات عاشت بها وهي تظن انها معيوبة .. انها ناقصة .. انها اقل من كل النساء .. انها عليها ان تحمد ربها على كونه يتحملها رغم ما بها ولكنها لم تكن تعلم انه هو من كان عليه ان يحمد ربه على تلك النعمة التي ضيعها من يديه بغباءه .. هو من كان عليه ان يعيش مكسوراً وليس هي .. هو من عليه ان يحس انه اقل من باقي الرجال وليس هي .. بدون ثانية انتظار اخرى تقدمت نحو باب المنزل وطرقت عليه وهي تعد الدقائق حتى فتحت لها خالتها التي ما ان وقعت عين دعاء عليها رن عقلها بشئ حاولت تكذيبه .. شئ جعل قلبها ينكسر فوق انكساره من زوجها السابق وابن خالتها .. خالتها التي تقف امامها متشحة بالسواد وقد خيم الحزن على حياتها بعد موت ابنتها .. خالتها التي كانت تعدها أماً ثانية لها ولكنها هي من كسرتها بأعين نفسها والجميع .. تنظر بصمت لها وعقلها يردد انه لو كان ممدوح يعلم بعيبه لما ألصقه بها .. لو كان يعلم بعيبه لما عايرها كل ثانية .. لو كان يعلم بعيبه لما شرع في الزواج بأخرى رغبة في الانجاب وهو يعلم انه من المستحيل ان يكون له ولد من صلبه .. ولكن ماذا عن خالتها؟! .. ماذا عن تلك التي كانت تصمت لسنوات عن عدم انجاب ابنها لأولاد من صلبه؟! .. ماذا عن خالتها التي لم تحث ابنها على الزواج بأخرى وكأنها كانت تعلم انه لو تزوج 100 مرة لن يتغير شئ .. ماذا عن تلك التي كلما ذُكر موضوع عدم قدرة دعاء على الانجاب كانت تسعى لتغيير الحديث وكأنها تهرب من تلك الكدبة التي كانت هي السبب الرئيسي بها!! .. خرجت من شرودها على صوت خالتها المُرحب وذراعيها اللذان إلتفا حول جسد دعاء وهي تردد
صابرة(بنبرة حنونة وهي تضمها لصدرها): دعاء يا بتي .. اتوحشتك يا جلب خالتك .. والله فيكي الخير انك چاية تسألي عني
ابعدت دعاء ذراعي صابرة عنها لتنظر لها وهي تردف ببرود جليدي
دعاء(بعيون مثبتة عليها): اومال يا خالتي .. مش عشرة سنين .. سنين كنتي فيهم خالتي جبل ما تكوني حماتي
صابرة(وهي تربت على ذراعيها): أصيلة يا بنيتي .. ادخلي يا دعاء .. ادخلي يا بتي
دخلت دعاء خطوتين للداخل لتتجه صابرة لتلك القفة الموجودة بوسط صالة المنزل لتردف
صابرة(بنبرة حزينة): ماتأخذنيش يا بتي .. اني كنت بس بچهز عشان اروح ازور جمر وأعاود جبل الدنيا ما تعتم
دعاء(ببرود غريب وهي تنظر نحوها): واني مش هأخرك .. اني بس كنت چاية افرحك
صابرة(باستغراب وهي تنظر لها): تفرحيني؟! .. تفرحيني بإيه؟
دعاء(بهدوء عكس ما في صدرها): بحملي ..(ثم وضعت يدها على بطنها لتردف ويه تراقب تعابير وجه صالحة).. اني حامل
صابرة(بابتسامة وهي تقترب منها): ألف مبروك يا بنيتي .. ألف مبروك يا حبيبتي
قالتها وتقدمت لتقبل دعاء بينما وقفت الاخيرة وقد كانت ردة الفعل تلك هي ما قطعت الشك باليقين .. ردة الفعل تلك هي ما اكدت كل ما دار بعقلها .. ابعدتها دعاء عنها وأردفت وهي تنظر لعينيها
دعاء(وهي تقاوم اختناقها): من جلبك بتباركيلي يا خالتي؟
صابرة: طبعاً يا حبيبتي ..(ثم نظرت لها لتردف).. مالك يا بتي .. حساكي متغيرة ومش زي عوايدك
دعاء(وهي تتحرك خطوات بسيطة دون ان تحيد ببصرها عن صابرة): لاه ابداً .. اني بس مستغربة انك ماتفاچأتيش اني حامل ..(ثم وقفت ونظرت لها بقوة مردفة).. مع ان المفروض ان العيب مني في الخلفة
بهت وجه صابرة لتردف بتلعثم
صابرة: اني..
دعاء(مُقاطعة بحدة يشوبها الوجع): انتي ايه؟! انتي ازاي جالك جلب تعملي إكده؟! .. ازاي طاوعك جلبك تعملي إكده فيا اني؟! .. دا اني كنت عداكي امي التانية .. دا اني ماكنتش بكسرلك كلمة ولا ازعلك .. اعملي ديه يا دعاء , حاضر .. روحي إكده يا دعاء , حاضر .. ليه عملتي إكده ليييه؟!!
صابرة: اسمعيني يا بتي..
دعاء(بانفعال ودموع حارقة تلمع بعينيها): اني مش بتك .. اوعاكي تجولي الكلمة دي مرة تانية .. اني لو كنت بتك ماكنتيش تكسريني إكده .. لو كنت بتك ماكنتيش تچيبي عيب ابنك فيا اني .. لو كنت بتك ماكنتيش عملتي فيا إكده .. اني بس عايزة اعرف انتي ازاي جدرتي تسكتي السنين دي كلاتها .. كنتي شايفة ابنك بيذلني بحاچة مش فيا وسكتي .. كنتي شايفة بتك وهي بتسم بدني بكلامها وسكتي .. ولا يمكن تكوني صدجتي الكدبة مع الوجت وجولتي اني فعلاً معيوبة وعشان إكده سكتي ..(ثم اردفت بنبرة حزينة مهتزة).. طب جوليلي .. ماصعبتش عليكي .. جلبك ماوچعكيش عليا .. ضميرك مأنبكيش لحظة؟!! ..(ثم اردفت بتهكم).. ولا اللي تعمل عملتك ديه هيكون عندها ضمير اصلاً
صابرة(بنبرة هادئة): يا بتي افهميني, اني عملت إكده عشان احمي ولدي من كلام الناس .. انتي عارفة يعني ايه الراچل يكون هو اللي معيوب .. عارفة يعني ايه يكون مابيخلفش والعيب منيه .. انتي عارفة زين الكلام اللي بيتجال عليه .. اني كنت خايفة على سمعته
دعاء(بحدة وانفعال من كلامها وتبريرها): خايفة على سمعتي ف تمرمغي سمعتي اني في الطين .. خايفة على صورته جدام الناس ف تكسر صورتي اني .. عشان تحميه تخليني اني كبش الفدا ليه!!!
صابرة(بنفس النبرة): يا بتي الست لما تكون هي اللي معيوبة الناس ماهتتكلمش زي ما يكون الراچل هو المعيوب
دعاء(بحدة وغضب): ديه لما تكون معيوبة .. اني مش معيوبة .. ولدك هو اللي معيوب ..(قالتها بنبرة ثائرة لتردف بعدها بنبرة اهدأ وهي تنظر لخالتها بقوة).. تعرفي , اني ساعات كتير كنت بسأل نفسي كيف انتي ام ممدوح وجمر .. كيف هما طلعين بالشر والسواد ديه وانتي طيبة .. هه .. طلعت اني اللي طيبة وعلى نياتي كمان .. اصل هما هيچيبوه منين يعني .. بس اني ماهلومكيش .. اني هلوم نفسي عشان جبلت اكون من عيلتكم في يوم من الايام .. هلوم نفسي عشان مع اول اهانة من ابنك ليا ماسبتوش واستحملت .. هلوم نفسي عشان في يوم اعتبرتكم اهلي واعتبرتك كيف امي
صابرة(بنبرة حزينة وهي تقترب منها): واني ربنا يعلم اني اعتبرتك كيف بتي
دعاء(بحدة وهي تبعدها): كدب!! لو كنت كيف بتك كنتي ماكسرتنيش إكده .. لو كنت كيف بتك ماكونتيش لبستي عيب ابنك فيا .. لو كنت كيف بتك صوح ماكنتيش رضيتيي اني اعيش سنين مخدوعة .. اعيش سنين في كدبة انتي عملتيها .. لو كنت كيف بتك كنتي هتجوليلي الحجيجة
صابرة: ولو كنت جولتلك كنتي هتعملي ايه؟! كنتي هتمشي؟
دعاء(بنبرة قوية يشوبها الانكسار): يمكن كنت امشي .. ويمكن كنت اجعد بس على الاجل كنت هختار .. اني اللي كنت هختار .. انتي حرمتيني حتى من اني اختار
صابرة: يا دعاء..
دعاء(مقاطعة بنبرة قوية): خلاص .. خلصت لحد إكده .. لو كان فيه اي حب باجي ليكي في جلبي ف بعد ما عرفت انك كنت عارفة اني مش معيوبة وساكتة وراضية بذلي واهانتي على يد ولدك وبتك ف الحب ديه راح .. من الساعة دي ماعيزاش عيني تشوفك ولا اسمع عنك تاني .. من اللحظة دي اني خالتي ماتت
قالتها وأدارت وجهها لتجد من كان يوماً زوجها يقف بملامح شاحبة مصدومة يشوبها الحزن مما سمع .. ملامح اخبرتها انه هو الآخر لم يكن يعلم الحقيقة ولكن.. لأول مرة لا تشفق عليه .. لأول مرة لا تتوجع لوجعه .. لأول مرة تحس بكرامتها رُدت لها .. لأول مرة تحس انها حقاً مرتاحة .. تجاوزته ومرت من جانبه لخارج المنزل مترفعة حتى عن عتابه على ما لاقته لسنوات على يده لذنب لم يكن ذنبها من البداية وكأنها فقدت الرغبة في عتابه .. قالوا فيما قبل "إن فقدت الرغبة في عتاب من تُحب فـ اعلم انك قد شيِّعت حُبه إلى مثواه الأخير" وذلك هو حالها .. لم يتبقى بقلبها ذرة من المشاعر نحو تلك العائلة .. لا حب ولا كره فحتى شعور انك تكرة احداً ما يعني انه مهم بالنسبة لك وهم أصبحوا لا يهموها بشئ على الاطلاق
*عودة*
فاقت من شرودها على يد بدر التي لامست اقدامها؛ فهذا الصغير منذ ان بدأ الحبو وهو يتتبعها في كل مكان تذهب إليه .. ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهها وهي تحمله على ذراعيها بعدما رفع يديه نحوها وابتسم ابتسامته التي لا تقدر على مقاومتها .. تعلق بها جداً وخاصة وقد مر على حملها 3 اشهر وأصبحت في شهرها الرابع وكأنه أحس بمشارف وصول من سيشاركه اللعب واللهو والدلع والحب مما جعلها تصب كل اهتمامها عليه وتعمل على إشعاره بحبها وكأنها تريد ان تُعَود نفسها هي الاخرى ألا تنشغل عنه بأي شئ آخر حتى وإن كان طفلها الذي من لحمها ودمها والذي حلمت به لسنوات عديدة .. فذلك الصغير الذي يحتل حضنها الآن هو اول من نادها بـ "ماما" .. ذلك اللقب المكون من 4 احرف والذي لطالما حلمت بسماعه .. هذا الصغير الذي كان السبب الأول في موافقتها على الزواج من والده لتقع بعشقه رويداً رويدا ويُكافئها الله على صبرها بثمرة عشقهم التي تنبت داخلها الآن .. مازالت تتذكر ردة فعله حين عاد من عمله مساء ذلك اليوم الذي واجهت فيه خالتها .. ذلك اليوم الذي ادعت فيه القوة بينما كانت من داخلها مُحطمة .. تتذكر لهفته عليها حين رأى دمعاتها تنساب على وجهها .. تتذكر نبرة الألم التي زارت صوته في سؤاله عن سبب حزنها .. تتذكر نظرة التوعد التي سكنت عيناه لمن جعل الدموع تزور عينيها .. تتذكر ذهوله عندما بدأت اخباره بخبر حملها .. كانت ينظر لها بصمت يشوبه الصدمة مما تحكيه .. تتذكر انها بمجرد ان انتهت كلامها وجدته يقف ويتحرك لغرفتهم دون كلمة واحدة .. تتذكر الخوف الذي استعمر قلبها من تلك الفكرة اللعينة التي سكنته .. هو لا يريد الطفل؟! .. لا يريدها ان تنجب؟! .. تلك الافكار التي تبخرت فور ان رأته يخرج من الغرفة بوجه يقطر الماء المخلوط بدموعه لتسكن نبضة قوية قلبها وتلمع عينيها بالدموع حين وجدته يفرد مصليته ويقف بين يدي الله وهو يردف بصوت مهتز من فرط فرحته وتأثره .. دموعه المنسابة المخلوطة بحمده المتكرر على تلك النعمة الكبيرة جعلت الدموع تنهمر على وجهها بقوة لتندفع نحوه ما ان انهى ركتي الشكر وتُلقي بنفسها بين احضانه .. لن تنسى ابداً كيف حاوطها بكل حب وحنان ولهفة وفرح .. لن تنسى كيف كانت نبرته تمتلئ بكل ما قد تعنيه الكلمة من فرحة وتأثر .. أحتضنته وهي تتسائل بداخلها هل كان عليها ان تقابل كل تلك الخسارات والانكسارات حتى تلتقيه هو في النهاية .. هل كان عليها ان تتألم كل هذا الحد حتى يعوضها الله به جزاءاً لصبرها الكبير .. حسناً لا تنكر انه يستحق .. هو العوض الذي ان عاشت عمرها كله تحمد ربها عليه لن توفيه حقه .. هو ذلك المكسب الكبير الذي محى كل خسارة قبله .. هو ذلك الدفئ الذي أنساها كل لفحة برد استعمرت روحها .. هو من استطاع ان يبث الطمأنينة فيها .. هو الذي اشعرها بالاهتمام في أضعف حالاتها وقد قالوا فيما سبق أن"الاهتمام الذي نجده في لحظة الضعف أجمل من ألف عبارة حب" وصدقوا
//////////////////////////
يجلس بمنزله وبالتحديد بغرفته التي اصبح يقيم بها وحده بعد ان تركته زوجته الثانية .. تلك الزوجة التي فعل من اجلها كل شئ .. تلك التي خسر ابنة خالته وخالته وعائلته وتحدى الجميع من اجلها تركته .. هه, لا سبيل للكذب .. حسناً لم يتركهم من اجلها بل من اجل ذلك الحلم الذي ظل يحلم به لسنوات .. تلك الرغبة في ان يُصبح أباً التي جعلته أعمى عن كل النعم التي كانت تملئ حياته .. نِعَم عديدة ضيعها هو بغباءه .. نِعَم كثيرة وهي على رأسهم .. هي التي كانت تتحمل كل إهاناته وكلامه الجارح .. هي التي كانت لا تريد شيئاً سوى ان يحبها ويودها كما يفعل الزوج بزوجته ولكن حبها له جعله مغروراً .. ظن انه مهما فعل بها لن ترحل .. ظن انه يمتلكها فتفنن في إيذاءها .. طوال ال3 اشهر الماضية يتكرر مشهد مواجهتها مع والدته في عقله .. ذلك المشهد الذي كان صدمة بالنسبة له .. لو كان يعلم انه عندما يعود لتغير ملابسة والارتياح بمنزله قليلاً سيُصدم تلك الصدمة لما عاد .. لهرب .. لهاجر من البلاد .. ولكن إلى متى .. هل كان هروبة سيُغير تلك الحقيقة .. هل كان سيُغير كونه هو من لا يُنجب او كما اسمته زوجته الثانية قبل ان يُطلقها "معيوب" .. يا الله على تلك الدنيا .. شرب من نفس الكأس الذي أسقاه لدعاء .. سمع نفس الكلمة التي قالها لها .. "معيوب" .. يتذكر كيف واجه والدته بعد رحيل دعاء لتعترف له انها هي من دبرت كل شئ .. هي من خططت لتلك الكدبة .. هي من تواصلت مع الطبيب قبل ذهابهم لمعرفة النتيجة لتكتشف ان العيب من ابنها .. هي التي اتفقت مع الطبيب على قول تلك الكذبة الشنيعة لكي تحافظ على صورته وذلك بالطبع مقابل مبلغ مالي مغري .. ما تلك الدوامة التي أُلقي بداخلها .. لا .. هو من ألقى بنفسه فيها .. لم يكن ليحدث كل ذلك لو كان عاش حياته مع ابنة خالته التي كانت تحبه .. لو احبها بصدق لملك قلبها وحينها لم تكن لتتركه حتى وإن كان هو السبب الذي يمنعهم من الانجاب .. يا الله! .. صدقوا حين قالوا ان الشخص لا يشعر بقيمة ما بيده إلا حين يخسره .. وهو خسرها وخسارتها ليست بسيطة .. مازالت ذكرياتهم تمر بعقله .. تلك التفاصيل الصغيرة التي كان يستهزء بها بالماضي اصبحت هي الآن من تستهزأ به .. خسر ولكن هل خسارته تلك تكفي لما فعل ام مازال هناك خسارة كبيرة في الطريق .. خسارة ربما ستجعله يفوق ويعود لسبيل الرشاد .. يعود ل ربه الذي عصاه كثيراً وأغضبه كثيراً ونساه كثيراً فترى ماذا سيحدث له؟!!
///////////////////////
تجلس بمنزلها الذي انتقلت له مع ذلك الذي عاد ليحتل قلبها من جديد .. هل بالفعل يحتله من جديد ام انها لم تتحرر من احتلاله من الاساس .. نعم هي لم تستطع ان تجعل اراضي قلبها تنعم بالاستقلال من احتلاله .. لم تستطع ان تنتزع حبه من داخها .. لم تستطع ان تمضي لحال سبيلها بعيداً عنه فكيف تبتعد عنه وأقدامها عالقة في أرضه .. لم تستطع نسيانه طوال تلك السنوات ليس لذاكرتها القوية ولكن لأن قلبها لا يُنكر من استوطنه يوماً .. هو لم يستوطن قلبها فحسب بل استوطنها هي .. تشعب عشقه بكيانها كله .. مهما انكرت امام الجميع وامام نفسها هناك جزءاً صغيراً منها يعترف انها لم تتوقف يوماً عن حبه .. حتى حين تبكي عينيها من حزنها على ما فعل .. تبكي عليه وعلى قلبه الذي طاوعه ان يُدمي قلبها .. قلبها الذي ظل ينبض له هو فقط .. إن كان بيد الانسان اختيار من يحب لارتاح ولكن ليس بيده؛ فهذا العضو الكائن بيسار الصدر هو من يدق لعشق من تألفه الروح .. لا سُلطان عليه سوى سلطان الحب .. دق خفيف على باب غرفتها تبعه دخول ذلك الطفل الجميل الذي لم يتعدى ال 5 سنوات .. يونس .. ذلك الطفل الذي نجح ببراءته وجمال ملامحه وهدوءه ان يأثر قلب رحمة وحمزة ليقرروا ان يكفلوه .. كانت سعادة رحمة لا تُوصف وهي تُمسك بيده وتدخل لذلك البيت لأول مرة .. كانت تشعر وكأنه ابنها بالفعل .. تشعر به يمدها بقوة كبيرة فقوتها لم تكن كافية لتدخل لذلك البيت وحدها مع ذلك الذي يُدعى زوجها والذي يفعل كل ما بوسعه حتى يجعل قلبها يرق له ويغفر عن ذنوب الماضي .. لا تنكر ان محاولاته تلك تدغدغ مشاعرها بلُطف .. تُشعرها وكأنها عادت مراهقة من جديد وبالأخص عندما يتعمد تشغيل احدى الاغاني التي يدعوها بها لمسامحته او يرسل مع يونس الجوابات المُعطرة برائحة الياسمين والتي تحتوي على بعض ابيات الشعر كما كان يفعل في الماضي .. وكأنه يعمل على تذكيرها بكل ذكرى جميلة كانت بينهم .. انتبهت من شرودها على تقدم يونس منها مردفاً بهدوء
يونس(بابتسامة وبراءة طفولية): ماما .. انا غسلت سناني لوحدي
رحمة(بابتسامة مماثلة): شاطر يا جلب امك .. يلا بجا عاد عشان انيمك في سريرك
قالتها وتحركت معه لغرفته لتضعه بسريرة وتحكي له حكاية صغيرة وهي تبتسم بسعادة تحتل كل ذرة من كيانها .. تفعل معه كل ما كانت تتمنى ان تفعله مع ابنها هي .. هو بالفعل ابنها .. ذلك ما يخبرها به قلبها .. طبعت قبلة بسيطة على رأس ذلك الذي غلبه سلطان النوم في دقائق لتقوم بتدثيره جيداً قبل ان تتحرك لخارج الغرفة وتغلق بابه .. تحركت عائدة لغرفتها لتلتقط عينيها ذلك الجواب الموضوع على فراش غرفتها .. تقدمت للداخل بهدوء عكس ذلك الصخب الذي يدور بداخلها .. فتحت الجواب وهي تستمتع برائحة الياسمين التي تدغدغ أنفها .. فراشات بسيطة زارت صدرها وهي تقرأ حروف ما خطط بذلك الجواب فـ في كل يتفنن في اختيار قصيدة يعبر بها عن حبه وشوقه لها تارة او عن ندمه تارة اخرى ولكنه تلك المرة مزج بين الاثنين بطريقة ذكية .. فقد كانت قصيدته من النوع الرومانسي البحت وصاحبتها نغمات تلك الاغنية التي بدأ تشغيلها ما ان استمع لصوت باب غرفتها يُغلق .. فقد كتب بالجواب قصيدة دغدغت مشاعرها برقة قائلة
لك بالفؤاد معزة وهيامُ .. والبُعد في شرع الغرام حرام
ما بال بالك لا يبالي بلوتني .. وبليلة بات الوئام خصام
قـد كنا أمساً بالغرام نُلام .. ليت الليالي بالهوى قَدَّام
عُـد لي فهجرك قاتل وأنا الذي فتكت به الآلام والأيام
قد كنا أمساً بالغرام نُلام .. ليت الليالي بالهوا قدام
عُــد لي فهجرك قاتل وأنا الذي فتكت به الآلام والأيام
وصاحبت كلمات القصيدة تلك الاغنية الحزينة التي بث فيها ندمه وأسفه للمرة الألف .. لمعت عينيها بالدموع وهي تستمع لكلمات الاغنية:
ايوه سبتك غصب عني .. القدر كان أقوى مني
بس وحياتك ماخنتش .. غلطتي إني ماقولتش
عن سبب بُعدي ورحيلي .. لما كنتي بتندهيلي .. ارجــعــيــلــي
انتي أول حب عشته .. أنتي آخر حب عشته
أحلى حلم في يوم حلمته .. صدقيني وارجعيلي
ارجــعــيــلــي .. ارجعيلي
تحركت رحمة لتجلس على سريرها قد هربت دمعة ساخنة من عينيها .. نعم ربما لم يخونها بوعيه ولكنه فعلها .. فعلها وفعلته تلك هي السبب في نزيف روحها .. فعلها وليتها تستطيع ان تنسى انه فعلها .. انتبهت لباقي كلمات الاغنية التي تحس به يوجه كل حرف منها لها
نفس أقولك لسه دايب في اشتياقي .. واللي بيسكتني خوفي وكبريائي
زي ما ضيعت من عمرك كتير .. جيت أقدملك أنا حبي الكبير
جاي بنفسي أوهبك عمري اللي بـــــــاقـــــــي
انتي أول حب عشته .. أنتي آخر حب عشته
أحلى حلم في يوم حلمته .. صدقيني وارجعيلي
ارجــعــيــلــي .. ارجعيلي
تتنفس بعمق وهي تحاول محاربة ذلك الألم الذي يسكن صدرها .. تريد ان تنسى .. تريد ان تغفر .. تريد ان تحيا دون ألم .. تريد.. تريد قُربه .. نعم تريد قُربه .. هل رأيتم تناقضاً بهذا الشكل من قبل .. تريده وتريد قربه وفي نفس الوقت تنفره وتنفر تواجده .. تريد ان تحيا معه فهو الرجل الوحيد الذي نبض قلبها لأجله ولكن قلبه ذاته مع كل نبضة ينزف من جرحه الذي أدماه هو .. كان اختياره لتلك الاغنية مثالي بنسبة 100% فبالرغم من تلك الآلام التي ألقتها في قلبيهما إلا انها اوصلت كل رسائله لها .. قالت كل ما يعتمر صدره لتختم اخر كوبليه بآخر رسالة بل امنيه يتمناها ممن استعمرت قلبه وروحه وكيانه وأدمى هو قلبها ووجع روحها وهشم كيانها .. انتبهت لآخر كوبليه بعقل شارد به وبلا احد سواه
عايزك أنتي يا حبيبتي وده اختياري .. يعني بُعدك عني هيكون انهياري
اغفريلي قسوة الجرح اللي فات .. افتحيلي باب جديد للأمنيات
انسي ليل البُعد محتاجلك نــــهـــــاري
انتي أول حب عشته .. أنتي آخر حب عشته
أحلى حلم في يوم حلمته .. صدقيني وارجعيلي
ارجــعــيــلــي .. ارجعيلي
تغمض عينيها بألم مماثل لألم ذلك الذي يجلس بغرفته مُمسكاً بأحد دفاترها التي اعطتهم له لكي يفهم ما كانت تعانيه بسبب في الماضي .. تهرب دمعة من عينيه وهو يقرأها قد خططت بإحدى الصفح (اليوم الأول الذي خرجت فيه بعد رحيله كان يوماً عادياً إلا من الشوارع .. فقد تلونت كلها باللون الرمادي وكأنها قد رُسمت من فحم ورصاص .. يبدو انه اخذ الألوان معه) .. يقلب الصفحة ليجدها قد خططت (عندما تريد قتل شخص استعمر قلبه ثم ارحل واتركه بين الموت والجنون .. هكذا قتلني) .. يا الله على ذلك الوجع الذي يحتل صدره .. يلعن نفسه للمرة المليون على كل ما فعل .. ياليته مات قبل ان يكون السبب في ان يزور كل هذا الوجع قلبها .. ياليته لم يُولد من الاساس
///////////////////////////
تقف بمطبخ المنزل ببطنها المنتفخة قليلاً .. فقد اوشكت تلك القاهرية على اتمام الشهر الخامس بحملها .. تحس انه قد كان بالأمس يوم عرفت بكونها حامل من ذلك الصعيدي العنيد الهمجي الذي وقعت بعشقه .. ممتنة هي .. ممتنة لكل شئ اوصلها لتلك النقطة .. نقطة انها زوجته وانه لها وحدها .. يحدث ان يخلق الله إنساناً لا تجد الأمان إلا بقربه وهي وجدت الأمان به ومعه .. والآن .. الآن تحمل بداخلها قطعة منه .. مزيج لذيذ منها ومنه .. تتذكر حالته في تلك الليلة التي اخبرته فيها بحملها .. تتذكر كيف صفن وشرد ليخبرها بعدها بكلام جعل قلبها يعشقه أضعاف عشقه
*فلاش باك*
تنام على صدره بسريرهم لتلاحظ صمته الذي طال .. تنظر له لتردف بهدوء
إيمان: زين .. زين
زين(بانتباه): ها .. ايوة يا ايمان
إيمان(بنبرة خفيفة): ايوة يا ايمان! غريبة يعني ماقولتش يا بت عمتي
ابتسم زين وابتسمت هي لتردف وهي تطلع لوجهه وعيونه الشاردة
إيمان: بتفكر في ايه؟
زين(وهو ينظر أمامه بشرود): تفتكري هيحبني؟
فهمت انه يتحدث عن ذلك الذي يكمن داخل احشاءها لتجده يكمل بشرود
زين: اني چايز اكون چامد ساعات .. مابظهرش مشاعري كتير .. مابعرفش اجول..
إيمان(مقاطعة بنبرة هادئة): ايه اللي انت بتقوله دا! يا حبيبي دا هيكون ابنك يعني حتة منك .. غصب عنك هتحبه وغصب عنه هيحبك
زين(بنبرة تحمل الكثير من المشاعر): بس اني ماعيزهوش يحبني عشان اني ابوه .. اني عايزه يحبني عشان اني اجرب حد ليه .. عشان اني الوحيد اللي مش هتردد ثانية اني اموت عشانه
إيمان(بلهفة): بعد الشر عنك
زين(بابتسامة على لهفتها): تعرفي يا ايمان .. اني فرحتي بالعيل دي زيادة عن فرحة اي واحد انه هيكون اب ليه؟
إيمان(بابتسامة على لمعة عيناه): بغض النظر عن كلمة عيل بس ليه؟
زين(بنبرة عميقة يشوبها العشق): عشان انتي هتكوني امه .. تعرفي اني عمري جبلك لا فكرت ولا حتى چه في بالي اني اتچوز واخلف والحاچات دي .. مع ان عندينا الرچالة بتتچوز من سن 25 مثلاً واني كنت عديت ال30 بس ماكنتش لاجي اللي تحرك جلبي .. ماكنتش لاجي اللي تخليني اجول هي دي اللي هتكون مرتي وأم ولادي
إيمان(بنبرة خفيفة مدعية الغرور): لحد ما شوفتني طبعاً
زين(بنبرة جادة وابتسامة عاشقة): حوصول .. من اول ما عيني نضرتك وانا جلبي مابجاش ملكي .. بجا ملكك انتي .. من اول ما عيني شافتك واني جولت هي دي اللي هتكون ام لعيالي .. مع اني حتى ماكنتش اعرف اسمك ولا اعرف انك بت عمتي
إيمان(بابتسامة يشوبها الخجل): طب اقولك على سر .. انا اول لما شوفت ساعة ما رزعت على الباب وكنت هتكسره على قد ما كنت متعصبة منك على قد ما كنت مبهورة
رفع زين حاجبه الايمن لتضحك وهي تكمل
إيمان(بنبرة خفيفة يشوبها العشق): بتكلم بجد .. اصل دي كانت اول مرة حد يتحداني ويتكلم معايا بالاسلوب دا .. تقدر تقول جزء مني استفزه كلامك والجزء التاني كان عاجبه الحمشنة بتاعتك
زين(بمشاكسة وهو يضمها لصدره): اومال كنتي بتتجلي ليه عاد؟
إيمان(بنبرة خفيفة مدعية الغرور): وهو انت عايزني اسلم كدا على طول .. انت مش عارف انا مين ولا ايه .. انا ايمان العطار يا حبيبي اللي نص شباب مصر كان يحلم بكلمة منها
زين(بحدة وهو يجذب ذراعها): نص مين يا عينيا؟!
إيمان(بألم بسيط): يا زين دراعي!
زين(بعبوس وحدة مخلوطة بالكثير من الغيرة): بجولك ايه عاد .. ماسمعش منك الحديت ديه مرة تانية .. جال نص شباب مصر جال
إيمان(بابتسامة على غيرته): انت بتغير يا زين؟
زين(بنفس العبوس): ايوة بتنيل
ضحكت ايمان بقوة على تعابيره الغاضبة ووجه الذي تلون باللون الاحمر ليردف هو وقد لانت ملامحه قليلاً بعدما رنت ضحكتها بأذنه
زين(وهو يحاول ألا يضعف أمام جمال ضحكتها): بتضحكي على ايه عاد؟
إيمان(بنبرة عاشقة وهي تتوسط أحضانه): اصل كل ما بشوفك وانت غيران كدا بفتكر قصيدة (أيوة بغير) بتاعة "هشام الجخ" وبالذات الحتة بتاعة "اللي تخلي صعيدي يحبها يبجي يا غُلبها"
زين(وهو يرفع حاجبيه بذهول): اني غُلب!
إيمان(بنظرة عاشقة وهي تعانق عينيه بعينيها): أحلى غُلب .. انت الغُلب اللي ماتعبش منه عمري كله
زين(بغمزة عابثة ونبرة خفيفة): الله! انتي الحمل مخليكي تجولي كلام معسول ولا ايه
إيمان(بضحك): الله! هو انت لا كدا عاجبك ولا كدا عاجبك!
زين(بنبرة أجشة يشوبها العبث): لاه مين جال انه مش عاچبني .. ديه عاچبني جوي
قالها وهو يقترب بوجهه منها وابتسامة عاشقة مرسومة على ثغره مماثلة لتلك الابتسامة التي تزين شفتيها التي إلتقطهم ذلك الصعيدي العاشق ليغرق مع تلك القاهرية في قبلة عميقة بث فيها كل عشقه لها وغيرته عليها وذابت هي معه بتلك القبلة تماماً منا تذوب قطعة السكر بكوب الشاي الساخن
*عودة*
أفاقت من شرودها تلك اليدين اللاتي إلتفتا حول خصرها مستندين بالكفين على بطنها البارزة قليلاً .. تلقائياً ارتسمت ابتسامة عاشقة على وجهها فمن غيره يجرؤ على الاقتراب منها بذلك الشكل .. همست دون ان تدير وجهها
إيمان(بنبرة عاشقة): زين
استند بذقنه على كتفها ليهمس بنفس النبرة العاشقة
زين(بابتسامة ونبرة عميقة): اتوحشتك جوي يا جلب زين
إيمان(بابتسامة مماثلة): وانت كمان وحشتني اوي .. جعان؟
زين(وهو يمشط وجهها بعينيه): اممم جعان
قالها وإلتهم شفتيها بقبلة طويلة ليقطعها بعد دقيقة او اكثر لكي تأخذ أنفسها تلك التي تسلبه انفاسه من مجرد التطلع إليها .. نظرت له بغضب كاذب وهي تردف
إيمان(بخجل أحتل وجهها وحدة كاذبة): جرا ايه يا زين قولتلك 100 مرة احنا مش لوحدنا في البيت وممكن حد يشوفنا
زين(بنبرة عابثة): طب ما يشوفونا .. الظاهر انك ناسية ان كل اللي في البيت جافشينا متلبسين اكتر من مرة من بعد الفرح
إيمان(بشهقة وهي تضربه على كتفه): يا قليل الادب .. والله العظيم انا خايفة على الواد اللي جاي من سفالتك دي
زين(بنبرة خبيثة وهو يقترب منها): طب بمناسبة الواد تعالي معايا عاد عشان عايز احكي للواد حدوتة
إيمان(بخجل وقد فهمت مقصده): بس يا زين احترم نفسك
زين(وهو يرفع حاجبه بتوعد): إكده .. طيب
قالها وحملها على ذراعيه ليخرج من المطبخ وتردف هي بارتباك وهي تتلفت برأسها خائفة من ان يلمحهم أحد بذلك الوضع
إيمان(وهي تحرك قدميها في محاولة بائسة للهروب منه): يا زين نزلني ماينفعش كدا
تجهلها زين واستمر في صعوده للسلم متوجهاً لغرفتهما
إيمان: انت واخدني فين؟!!
زين(بابتسامة ذات مغزى): ما جولتلك هحكي حدوتة للواد
قالها بغمزة عابثة جعلت لسانها ينعقد ووجهها يكتسي باللون الاحمر خجلاً ليبتسم هو وعينيه تراقب خجلها الذي يُزيد من عشقه لها .. عشقه لتلك القاهرية التي امتلكت قلب الصعيدي
//////////////////////
دق خفيف على باب غرفته جعله يُسرع بمسح آثار تلك الدموع التي سالت على وجهه قبل ان يفتح الباب ليُذهل من وجودها امامه .. تقدمت خطوتين لداخل الغرفة لتردف وهي تنظر لعينيه
رحمة(بنبرة هادئة عكس ما في صدرها): اوعدني
حمزة: اوعدك بإيه؟!
رحمة(وهي تقاوم تلك الغصة التي تحتل حلقها): اوعدني انك هتحافظ على جلبي المرة دي ومش هتچرحه .. اوعدني انك ماهتخلينيش اصحى مفزوعة في نص الليل ولا ابات ودمعتي على خدي .. اوعدني ان البرد ماهيعرفش طريج روحي مرة تانية .. اوعدني انك ماهتخلنيش احس اني مخنوجة .. اوعدني انك هتخليني احس بالامان وماخافش وجلبي يكون مجبوض .. اوعدني انك هتفضل تحبني جوي لحد ما نكبروا سوا والشيب يملى راسنا .. اوعدني انك هتكون عكازي اللي انسند عليه وتكون ونيسي .. اوعد..
حمزة(مًقاطعاً بنبرة هادئة وصادقة وهو يمسك كفيها برفق وحنان): اوعدك .. اوعدك اني اعامل جلبك زي حتة الماس وأحافظ عليه .. اوعدك اني هاخدك في حضني وماهخلكيش تصحي مفزوعة ولا زعلانة .. اوعدك ان عينيكي ماهتشوفش غير دموع الفرح وبس .. اوعدك اني هدفيكي بحبي وهشيل اي خنجة من صدرك .. اوعدك اكون ليكي الامان والسند والونس ..(ثم تقدم خطوة ليُصبح مُقابلها مردفاً).. واوعدك اني افضل احبك لآخر نفس فيا
تعانقت عيونهم وكانت لنظراتهم الحديث .. كانت تحاول ان تستشف صدقه .. تحاول ان ترى اي شئ يدفعها للتراجع ولكنها لم تجد سوى تلك اللمعة الساكنة عينيه .. لمعة العشق المخلوط بالندم .. لمعة طمأنتها ان ما حدث بالماضي لن يتكرر .. او هكذا اخبرها قلبها الذي لم يتوقف عن النبض باسمه .. وكأنه استمع لحديث قلبها ليؤكده هو حين طبع تلك القبلة العميقة على رأسها قبل ان يجذبها لذلك الحضن الدافئ الطويل .. ذلك الحضن الذي بعث به رسالة لها وكأنه يقول جملة غسان كنفاني "إنني أعود إليكِ مثلما يعود اليتيم لملجأه الوحيد .. وسأظل أعود" .. طوقت خصره بذراعيها وتمسكت بجلبابه بقوة وكأنها تريد ان تنسى كل وجع زار روحها .. لم تستطع ان تتوب عن عشقه .. زادت من احتضانه وكأنها تقول له "كيف أتوب عن عشقك .. وربك في غرامك قد بلاني"
/////////////////////////
بصباح اليوم التالي وبناء على أوامر سالم المنياوي تجمع كل افراد عائلته بلا استثناء على مائدة الافطار .. هنا يجلس حمزة المنياوي وبجواره رحمة التي مازالت تتجنب النظر له من فرط خجلها بعد ان اصبحت البارحة زوجته قولاً وفعلاً .. تلك الليلة التي حلموا بها منذ اكثر من 25 عام تحققت البارحة وعاشوها بكل تفاصيلها .. بالخجل والارتباك والحب والمشاعر والهدوء والرقة والعشق الكبير الذي تدق به قلوبهم .. البارحة ولأول مرة تنام معه بغرفة واحدة وعلى سرير واحد .. لن تنسى ذلك الارتباك الذي أصاب قلبها ما ان استيقظت ووجدت نفسها تحتل صدره العاري لتلملم شتات نفسها بسرعة وتجمع ملابسها لتركض لغرفتها بوجه يشتعل كجمرة من نار .. لم تكن لتخرج من غرفتها طوال ذلك اليوم لولا مكالمة سالم لحمزة واخباره برغبته في حضورهم ومن ثم مكالمته لها على هاتفها حين فشل حمزة في اقناعها بالخروج من الغرفة .. مال حمزة نحوها قليلاً ليهمس في اذنها بنبرة أجشة اسرت القشعريرة بجسدها
حمزة(بنبرة عاشقة): صباحية مباركة يا ست العرايس
سعلت بشدة من جملته لتجد يد يونس تمتد لها بكوب الماء وهو يردف بلهفة طفولية
يونس(بقلق طفولي): انتي كويسة يا ماما؟
ابتسمت رحمة بهدوء لتردف
رحمة(وهي ترتشف القليل من المياة): ايوة يا حبيبي ماتخافش
تنحنج حمزة ليردف
حمزة(بابتسامة بسيطة): بجولك يا يونس .. ايه رأيك تجعد إهنيه مع خالك سالم وخالتك صالحة يومين .. مش انت هتحب الجعدة معاهم؟
قالها وهو ينظر بجانب عينيه نحو رحمة اتي فهمت فيما يُفكر فقد لعب على وتر حب يونس ل سالم وصالحة ليردف يونس بحماس طفولي
يونس(ببراءة وحماس): ايوة بحبهم اوي وكمان بحب جدو عبد الحميد علشان بيحكي حواديت كتير
حمزة: يعني موافق تجعد معاهم إهنيه يومين؟
يونس: ايوة
حمزة(بهمس لرحمة): حلو جوي .. إكده البيت هيفضى علينا
رحمة(بسرعة وبصوت مسموع): لاه
قالتها رحمة باندفاع جذب انظار من يجلسون لتتنحنح وتردف
رحمة(بارتباك): جصدي يعني وهتهملني لحالي يا يونس؟!
يونس(ببراءة وهو ينظر لها): خلاص اقعدي معايا هنا يا ماما
حمزة(بسرعة وصدمة): لاه
تلك المرة قالها حمزة باندفاع جعل الاستغراب يرتسم على وجوه جميع الحاضرين ماعدا تلك التي تجلس بجانبه وتكتم ضحكتها ليردف حمزة
حمزة(وهو يتدارك انفعاله): يعني هتهملوني اني لحالي يا يونس؟!
يونس(نفس نبرة البراءة): خلاص يا بابا وانت كمان اقعد معانا
انفلتت ضحكة من رحمة ليردف حمزة بتذمر
حمزة(بهمس مسموع لرحمة): لاه خلاص و على ايه ..(ثم اكمل بهمس).. انت لوحدك في البيت ارحم من العيلة كلاتها إهنيه
على الطرف الآخر من السفرة جلست دعاء وهي تحتضن بدر الذي كلما حاول معتز ان يأخذه بكى؛ فقد تعلق بشكل كبير بدعاء .. تعلق بها وكأنها امه بالفعل
معتز: يا حبيبي تعالى
قالها وهو يجذب بدر الذي تعلق بعنق دعاء وبدأ في البكاء لتضمه دعاء وهي تردف
دعاء: خلاص يا معتز همله
معتز: أهمله كيف يعني ما انتي إكده ماهتعرفيش تاكلي
دعاء(بابتسامة بسيطة): هعرف ماتشيلش هم .. اني هاكل لجمة وأدي لبدر لجمة .. صوح؟
قالتها وهي تنظر لبدر الذي ابتسم وهو ينظر لها لترتسم ابتسامة عاشقة على وجه معتز وهو يرى علاقتهم التي طمأت قلبه وأسعدته .. بدأ الجميع في التجمع على السفرة وأخيراً أكتمل هذا التجمع الجميل حين حضر الصعيدي والقاهرية التي تستند عليه وهي تنزل ذلك السلم بابتسامة مرسومة على وجهيهما لتختفي تلك الابتسامات حين صدح صوت صرخات يتبعها دخول صابرة وهي تردف
صابرة(بصراخ وهي تدخل المنزل): إلحجوناااي .. انچدني يا عمدة الله يخليك .. ولدي هيروح مني كيف اخته
وقفت دعاء بعنف لتهدر
دعاء(بحدة): انتي ايه اللي چابك إهنيه؟!! اطلعي برااا
سالم(بقوة): دعاء .. من ميتى وانتي بتحدتي إكده مع الكبير؟!
دعاء(بذهول): انت اللي بتجول إكده يابوي! بعد كل اللي جولتهولك!!
سالم(بنبرة هادئة رغم قوتها): اللي صابرة عملته حاچة وكونك مچبرة تحترميها لسنها حاچة تانية
قالها متعمداً عدم وضع ألقاب ليخبرها برسالة مبطنة ان حدته مع دعاء بسبب اسلوبها لا يعني انه سينحاز معها ضد ابنته وبالأخص بعد ما فعلت
صابرة(برجاء ودموع): احب على يدك يا عمدة .. ولدي .. ولدي هيروح مني
زين(بنبرة قوية): احنا مالناش صالح لا بيكي ولا بولدك .. اتفضلي لو سمحتي وراعي اني لحد دلوكت عامل حساب صلة الرحم وانك كنتي خالتي
صابرة(وهي تنظر لهم بدموع): كنت! .. ليكم حج .. ليكم حج تضربوني بالمركوب .. اني اهو هضرب نفسي بالمركوب
قالتها وخلعت مداسها الاسود وأخذت تضرب به رأسها ليندفع سالم نحوها ويوقفها عن ذلك الجنون مردفاً
سالم(بنبرة قوية): وجفي عاد اللي بتعمليه ديه
صابرة(بنبرة محشرجة من فرط الدموع): سيبني يا عمدة .. اني استاهل .. استاهل اكتر من إكده ألف مرة بس احب على يدك تساعد ولدي .. ولدي جبضوا عليه
سالم: جبضوا عليه ليه؟!
صابرة(بنبرة منكسرة): بيجولوا متهم في جضية جتل
صدمة احتلت وجوه الجميع فترى كيف اصبح ممدوح بين ليلة وضحاهم متهم بتلك الجريمة البشعة وهل بالفعل هو من فعلها بل الاهم هل سيكون هناك دوراً لتلك المحامية القاهرية التي لا تقهر .. تلك التي لم تخسر قضية قط .. تلك التي لم تخسر تحدي سوى تحديها مع ذلك الصعيدي الذي عشقها وأصبح متيم بها وللحق ليس هو وحده من عشق فهي أيضاً عشقته .. عشقت من الصعيد
كاااااااااااااااااااااات .. كفاية لحد كدا النهاردة .. إلى اللقاء في الأحداث القادمة

عشقت من الصعيد 🌴⁦♥️⁩حيث تعيش القصص. اكتشف الآن