06: ضَياع

946 59 3
                                    

الحُب نقي، لوثته الأنانية بجميع اشكـَالها..
• • • •

استَقعد مُعتز الكرسي الخشبي في احدى المقاهي امام ايـاد الذي كان يتخذ كرسيه بالفعل ، كانت ملامحه ثابتة وجامدة لا يظهر منها شيء ولا تعبر عن اياً مما كان يجول في داخله من عراك مع ذاته، او نقاش حاد بين المنطق في عقله ومشاعره في قلبه، منذ ان اكتشف معرفة معتز السطحية جداً بعلاقته مع دنيا ووجد نفسه في مأزق، لم يعتقد ابداً انه سيُوضع في موقف كهذا، لا يستطيع تبرير موقفه حتى، ومهما كذب فكذبته مكشوفة الحدود، لذلك لم يكن امامه حل سوى ان يختار بين الأثنتين، لأنه لن يضع نفسه في موقف كهذا مرة اخرى.

"ايه يا عم؟ دنا قلت لشمس انك على نياتك وطيب وقعدت اكتب فيك اشعار عشان توافق على الجوازة، تيجي انت من قبل ما تتخطبوا حتى تروح خاطب بنت تانية؟ طب مش لما تتجوزها طب!" كانت نبرة معتز كُلها مزاح، خالية من الحدة او اي موضع جد في الأمر، لكن ذلك لم يفرق شيئاً في نفس اياد ، في كل الحالات هو لا يطيق معتز ولا يمتلك سبباً لذلك، لكنه ايضاً لا يمتلك سبباً يجعله يحبه، ذلك ما يقنع نفسه به، حتى لو كان معتز لطيفاً ومرحاً.

"انا جايبك عشان اقولك ان الموضوع مش زي ما انت فاهم، وياريت متعرفش شمس اي حاجة عشان مش مستاهلة" اردف اياد منهياً الأمر من قبل ان يبدأ، يتلو اوامره وكأن معتز خادم لديه وكأنه لم يرتكب اي خطأ، لاحظ معتز ان الخوف والقلق او حتى التوتر غير موجودين في عينيه، ولا حتى في تصرفاته، ذلك جعله يرفع احدى حاجبيه بتعجب من وقاحته، هو يخونها ولا يكتفي بذلك، بل يأمره بالتستر عليه ايضاً وهو غير قلق تماماً.

"وانا مقولهاش ليه؟ بالعكس دي لازم تعرف عشان من حقها تختار تكمل معاك وانت باين عليك من اولها كده مش مظبوط ولا لا" تلك المرة لم تكن نبرة معتز بها اي مزاح، قلب اياد بؤبؤي عينيه بضجر ، يحاول اجبار نفسه على التبرير وتوضيح الأمر، لكن ذلك ليس طبعه! هو يكره التبرير، لسانه لا يستطيع توضيح اي شيء ، لأن الأمر ببساطة لا يخص معتز ولا يعنيه، وليس من حقه ان يعرف.

كل تلك الأسباب كانت هي ما تجول بخاطر اياد، ولذلك قرب جسده من الطاولة قليلاً ونبرته مالت الى الهدوء "انا مخنتهاش، ده الي ليك انك تعرفه، غير كده مش حقك لا تعرفها ولا انت تعرف ايه الي حصل، والموضوع من الآخر سوء تفاهم!"

"طب بدام هو سوء تفاهم، ما تقول ايه الي فهمته غلط!" ابتسم نهاية جملته بخبث، وهو يعتقد انه يستطيع اقناعه بالتحدث، واخباره بما  يخفيه، لكن حدث العكس تماماً ، حينما ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجه اياد ببطئ، ولم يتخذ عناء الرد على معتز، بل سحب جسده من الكرسي واقفاً، ولكونه لم يطلب اي مشروب فلم يضع اي قرش على الطاولة، كانت النظرات الساخرة هي آخر ما رمق بها معتز الذي استغرب جنون الآخر، وانسحابه من وسط الحديث بكل ثقة! وكأنه ليس جانياً ولا حتى ضحية.

وسَأبقى مَعكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن