12: مَعـكِ

870 59 4
                                    

المَال سند في الأزمات، والرَجُل سند في الأحزان

• • • •

صوت شيخ يتلو القرآن بخشوع يُصدر من جهاز الراديو الذي في المنزل، كان صدى صوته يرن في ارجاء البيت وكأنه يحذر كل من به ، ويخبرهم ان الموت ليس له وقت، وسيأتي الوقت الذي سيتلو هذا الشيخ آيات القرآن على كل شخص موجود في المنزل، كان الهدوء والبرود يعم البيت ، رغم ان الطقس لم يكن بتلك البرودة، الا انهن كن يرجفن وكأن البرد قارص في تلك اللحظة.

في غرف من غرف المنزل، كانت تجلس هناك شمس، مغطاة بالأسود بأكملها ، وكان وجهها هو الشيء الوحيد ذا اللون المختلف، المُحمر بسبب بكائها الشديد، لم يؤلمها اي شيء في الحياة بقدر ما آلمها فراق والدها بعد كُل تلك السنوات ، كانت معلقة به بشكل مرعب، مُعلقة به لدرجة انها ترددت الف مرة في قرار زواجها، لكونها لا تريد ترك ابيها ابداً، والآن هو من تركها ، ولكن كيف لها ان تتمسك به او تعترض، هذا هو القدر وتلك هي سنة الحياة.

كل كلمات المواساة لم تكن لتشفي جرحها الذي فُتح تواً، كان عقلها لا ارادياً يُصور لها صورة ابيها منذ صغرها الى ان توفى، كيف كان يحاول ان يعوضها بقدر ما يستطيع عن حنان الأم الذي افتقدته، وكيف كان بمثابة اخ لها جدير بالثقة، تذكر كل لحظة عاد بها الى المنزل مع مفاجئة، وتتذكر كل لحظة سعيدة معه، ثم تتذكر انه ذهب ولن يعد.

ويأتي على بالها شكل ابيها المريض، وهو يُقنعها بزواجها من ايـاد رغم انها تعرف ان قلبه ملكاً لفتاة أخرى، وتتذكر كيف كان ابيها يوصيها على نفسها بشدة، وعلى اياد كذلك، اتلك كانت وصيته قبل الموت؟ هل كان يشعر بنهايته بالفعل؟ لم يهمها في تلك اللحظة سوى انها حتى لم تستطع رؤيته وتوديعه ، كانت هي في سوق الملابس لتشتري فساتين عرسها، بينما هو يحتضر الى الكفن.

كانت تلوم نفسها بشدة، تناست تماماً انه قدر مكتوب وعمر لابد ان ينتهي، واصبحت تسب نفسها وتلقي اللوم على نفسها، لو انها لم تترك ابيها لتتمتع هي بوقتها ، لو كانت معه في كل ثانية، رُبما لم يكن ليمت، او على الأقل لأستطاعت توديعه قبل ان يتركها ويذهب، بدون وداع.

لم يكن هناك اي شخص في الغرفة سواها ، كانت هي الوحيدة وهذا عن رغبتها الخاصة، حيث انها كانت جالسة على فراش ابيها ،لما لا تشعر بدفئه كما كانت ؟ لما تشعر بوسع السرير رغم انه يكفي لفرد واحد؟ تضم ساقيها الى صدرها دافنة رأسها هناك، وتبكي غير مبالية ان كان هناك من يسمعها ام لا، وهي مازالت تستطيع سماع صوته في كل مكان حولها، كيف له فجأة ليتركها ويذهب، لقد اصبحت وحيدة في تلك الحياة، لا ام تواسيها، ولا اخ يساندها، اصبحت هي فقط، هي الثمرة الوحيدة التي جناها ابيها قبل ان يموت.

وسَأبقى مَعكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن