خلف ظل.

61 6 24
                                    

الريحُ تحرّكُ صفحاتِ الكتابِ ببطء، الكتاب المسترخي في حضن ظلٍّ، في حضن ظلٍّ صرته.

صرته أنا، المختبئة داخله في مكانٍ ما، أقرأ ما كان يقرأه منذ قليل، عن الأماني والأحلام التي لم أحقّقها، وقد لا أفعل أبدًا.

أغلق الظلُّ عينيه، وفتح ثالثةً يندر أن تُفتح وحدّق بي؛ ارتجفتُ وكلُّ خليّةٍ في جسدي تسبح في بحرٍ من ذكرياتٍ مالحة.

من ذكرياتٍ تجبرني على الارتجاف، وتدفعني إلى السير بخطواتٍ سريعةٍ تتدفّقُ فيَّ سيولٌ من الرهبة؛ لأبحث عن قمرٍ زيّن سمائي يومًا.

عن قمرٍ خجولٍ لا يظهر بالكامل أبدًا، بل يخفي عني شيئًا ما دومًا، أو يحتجب بغيومٍ لها رائحةٌ عطرة.

قمرٌ ادهشني ضياؤه الفضي، وأشعرني شيئًا فشيئًا بالامتنان لوجوده، بامتنانٍ ما زال يغمرني كلَّ لحظة، ويكاد ينسيني -كما فعل سابقًا- كلّ النجوم المشرقة التي تستحق حبًّا أكثر مما منحتها.

وما أن أشرقت الشمسُ حتى وجدتني ظلًّا للشخص الذي كنته، ظلًّا باهتًا يخفيني داخله بإرادتي، حاول استعادتي لكنه ما أن ينظر إليّ حتى أنكمش وأرتجف؛ فتجنّبني تمامًا.

أطفو فوق بحر الذكريات وأنجرف مع التيار، لا أعبأ بالطعم المالح في فمي وأفكر، أنا أقبل، بل أتمنى أن تهبط إحدى الغيوم العطرة من السماء وتأخذني إلى قمري وأبقى هناك.

أُغلقت العين المُحَدّقة بي، وأُغلق الكتاب تمامًا بفعل الريح العابثة، وأُغلقت معهما بوابات الأماني والأحلام التي ربما لن أحققها.

كنتُ أريد أن أقف إلّا أن أطرافي ترتجف، أريد وأخشى الشيء نفسه الذي يؤرقني منذ زمن، أريد وأخشى أن أسير بخطواتٍ سريعةٍ تدفعني سيولٌ من الرهبة؛ كي أعتذر من الظل الذي حاول استعادتي، ومن كلّ النجوم المشرقة التي تستحق حبًّا أكثر مما منحتها.

7/8/2022

موسيقا الخريف | Autumn musicحيث تعيش القصص. اكتشف الآن