حقيبة الثياب العسكرية بيننا وبيتر يحاول شرح ماعليَّ فعله بصوت خفيضٍ للغاية ونبرة جدية ، فالكاميرات في المعسكر مؤقتة وقد لايتَنَبَّه احد الحراس للزي عندما ارتديه ، واكون برفقة احد ضباطهم ، بعد انتهاءه من الحديث وضع يده على الحقيبة وقال : هذا كل شيء وستغيرين ثيابك هنا
نظرتُ الى البناية يمين مكان جلوسي ، ثم نظرت له مستفهمة : لن أدخل هنا وحدي
تبسَّم بيتر ابتسامة صغيرة ذات مغزى وقال : هل تخافين ؟ بعد كل تلك المغامرات التي خضتها وحيدة
حركتُ رأسي نافيةً وقلت : ليس خوفاً أنا لااعرف ماهو ترتيب هذه الملابس في الارتداء
نظر أمامه وترك المقود ممسكاً بالحقيبة الزيتونية العسكرية ثم نظر لوجهي وأخذ نفسا عميقا يتملى في ملامحي برقة وقال بخفوت : سأفعل ماتريدين
ترجل قبلي بسرعة وبينما كان يدور ليقف على مقربة من باب السيارة المجاور لي ترجلتُ وناظرته بصمت، وضع الحقيبة أرضًا وكأن ذاكرته أخبرته بشيء مهمٍ وعاد نحو السيارة فتح بابها على عجل وجلس على كرسيه ليفتح الدُرج ويخرج مصباحاً يدويًا ، وبسرعة خرج من السيارة وعاد ليأخذ الحقيبة ، حملها وأشار بالمصباح: هيا لندخل
كانت البناية ذات لونٍ فاتح لم اتبينه قبل تشغيل المصباح ، بأربعة طوابق ، تعرَّض طابقها الأخير للقصف ، صعدنا السلالم الخمسة في مقدمة البناية والتي تؤدي إلى باب كبير لأربعة امتار ٍ تقريباً ، الباب زجاجي كهربائي ولكنه فقد زجاجه بالكامل وتعطل عن الحركة فلاكهرباء هنا ، الزجاج المتكسر والمتناثر أرضًا يصدر ضوضاءه مع كل خطوة منا . وضوء المصباح يعاني انكساراته كلما وقع على تلك القطع الزجاجية المتناثرة.
اختار بيتر الممر الاول يساراً ، حاول فتح باب الغرفة الاولى لجهة اليمين ولكنه كان موصداً ، فتحرك بسرعة الى الباب التالي والذي أدار مقبضه بسهولة وفتحه متأملًا المكان ودون أن يدخل فسح لي مجالاً لأرى المكان ، دفعتُ الباب بيدي ودخلت ، الغرفة صغيرة مربعة ، اثاثها مناسبٌ لحجمها ، مكتب صغير يتقدمه كرسيان ، وخزانة بيضاء مكتبية ، نافذة تعلوها ستارة خفيفة باللون البيج المناسب للون المكتب الابيض ، تتحرك بانسيابية وتناغم ، اثر نسمات الهواء النافذة عبر الفوهة المكسورة للنافذة
وقفتُ خلف الباب متمسكة بطرفه أنظر له ونظراتي تسأله عن التالي قلت بصوت خفيض : ناولني الثياب حسب تسلسلها
ضحك برقة هامسا بحنان واضح في نظراته : أحدهم بدأ بالقاء الأوامر هنا.
ابتسمتُ لكلماته وقلت : انها اوامرك ايها الضابط
دفعتُ الباب لأُقلص المسافة بيننا فبقيت فتحة صغيرة يمكنني رؤية وقفته من خلالها ، وهو يوليني ظهره ممسكًا بالمصباح ، شعرتُ لحظتها بشيءٍ غريب ، أنا متورطة بهذا الرجل منذ بداية الأحداث ، يظهر من العدم كلما احتجتُ له ، يساعدني قبل عناء طلب المساعدة ، إنه دعاء امي لي وصلواتها الخفية ، ابتسمتُ دون حراك وددتُ لو أن هذه الوقفة تدوم أكثر لأتأمله أكثر ، ولكنه شعرَ بزفير صدري فالتفتَ ونظر لي ، لم يظهر الباب سوى عينيَّ بينما اظهر عينيه الحالمتين ، وضع المصباح اسفل ذقنه ليمثل دور المرعب مرددًا: الا يمكنك التعجل قليلًا
ضحكتُ لهذه النبرة الاكثر خشونة وقلت بضحكة تهكمية : أتحاول اخافتي ؟
-كلا لاأفعل ذلك .
انتبه بأنني اجعل من تصرفاته مايخالف رتبته وشخصيته الجدية ، تنحنح معتدلاً في وقفته وقال: تعجّلي والا غادرت
اغلقت الباب وقلت : حسنًا لقد عدنا لهذه النبرة المخيفة
انتزعت ثيابي تباعًا وبدأت البرودة بالتسلل الى عظامي ، لم يتبقَ سوى التيشيرت الداخلي والشورت القصير ، قلت بنبرة اعلى من سابقتها : ماذا اولاً ياحضرة الضابط
ولكن لم تكن هناك أيّة اجابة، رفعتُ صوتي اكثر وقلت : حضرة الضابط
تبعتها دون محسوبيات : بيتر
تنهدتُ وتخللت اصابعي خصلات شعري بقلة صبر وقلت : سيد إيفانوفيتش.
ابتلعتُ ريقي وقد تملكني خوف من مغادرته ، لسعتني البرودة فاحتضنت نفسي وبدأت المسح على ذراعيَّ لأدفئ نفسي ، ثم قررتُ فتحَ الباب بعد ان نفذ صبري .
فتحتُ الباب واخرجتُ رأسي أتبع بنظراتي ضوء مصباحه القادم من البهو . خرجتُ بخطواتٍ متسارعة وتجول في بالي جميع جُمل الشجار التي يكرهها وعندما وصلت الى بداية الممر تمكنتُ من رؤيته ، كان يمسح على رأس قطة يداعب اذنيها وظهرها مبتسمًا ، يُطعمها بعضًا من ذلك البسكويت السحري الذي بحوزته ، ولكنه انتبه لخطواتي فرفع رأسه
وقد اختلجت عينيه بارتباك ليلقي بنظرة سريعة للخلف عليَّ . نظر لي وكأن شحوب وجهي وخوفي الظاهرين على وجهي قد آلماه ، وقبل أن يفتح فمه قفز القط الى حجره معانقاً ، فقال رغم ذلك : لقد سمعت صوتاً فظننته شخصاً .
نظر إلى ثيابي التي بقيت على جسدي تباعاً من الاسفل إلى الأعلى حتى ارتخى حاجباه وابتسم ، خجلتُ من نظراته المصوبة تجاهي ، نظرات لم أعهدها منه أبدا، كانت عيناه وكأنهما تغازلانني حتى التقتا بعينيَّ المحملتين بالاعجاب بما فعله للقط والغضب منه في آن واحد .
عدتُ إلى الغرفة مرددة بهمس وخجل وارتباك وعصبية : ألم تخبرني بأن علينا التعجل
شعرت بخطواته خلفي ، وهو ينهض والقط يتبعه بمواءه المستمر .
عاد لوقفته خلف الباب وهو يقول : لاتتذمري لقد سمعتك
طرقَ بخفة على الباب الذي اغلقته وقال : ارتدي البلوفر اولاً واتبعيه بالسترة ثم سترة الحماية من الرصاص و....
استمر بيتر بالشرح وهو يسلمني الثياب قطعةً قطعة ، حتى اكملتُ ارتدائها.
كان الزي الخاص بالجنود باللون الزيتوني المرقط ، بقماش الكتان السميك الشتوي ، حذاء باللون ذاته وسترة حماية بلون اخضر مختلف .
كان يوزع نظراته على جهتي الممر المتعاكستين ومع فتح الباب التفت التفاتة صغيرة وعاد بنظره الى الممر كما لو انه لم ينتبه ثم عاد بنظره وهو يوجه المصباح نحوي ثم الى الاعلى لتتوزع انارته بالتساوي بيننا .
أنت تقرأ
رسائل تحت وابل الرصاص
Romanceماالذي يُجبرك على الكتابةِ بين الركام ألا يُمكنك سماع المدفعيات -على هذه الرسالة أن تصل إليها أنت تعرف أنَّ الرسالة الورقية هي وسيلتي الوحيدة حاليًا لايُمكنني ترك وسيلتي للوصول إليها ، أريد أن أراها -لاارى في الامر سوى ان احدهم سيموت ، نحن في مواق...