إن من يعيش الحرب يكبر هماً، ومن يهاجر معتقدا أنه يترك وراءه كل شي يكتشف في الأيام الأولى أن الحرب تعيش داخله وتلاحقه أكثر من الذين لا زالو تحت القصف، تصير أصوات السيارات في أذنيه أصوات دبابات وأصوات الألعاب النارية رشاشات، والطائرات المدنية تُخيل له درونات مفخخة أو طائرات حربية تحمل في جوفها فرمان الموت. لا يكبر فقط، من يعيش الحرب، بل يشيخ في زهرة شبابه.
لاأعرف سبب عودة الانسان بالذكريات الى الوراء في لحظات مابعد فقدان الوعي ، ولكنني تذكرتُ ذلك اليوم قبل ثلاث سنوات .غلّبتني ذكرياتي مع جدتي، تذكرت أن في يوم رحيلي الذي كان مفاجئًا للجميع، وكنت حينها لا أزال أعمل في ثلاث جهات ولابد من أن أفي بالتزاماتي حتى آخر لحظة. عدت إلى البيت وكأنه يوم عادي، إلا أني عدت مبكرة قليلًا على غير العادة. وضّبت حقيبة سفري وودعت بعض ممن استطاعوا المجيء لرؤيتي، ولم تكن هنالك أية مشاعر داخلي . كنت كأنني أشاهد فصل مسلسل لا يعنيني ولست جزءاً منه بل وبطلته قسرًا!
أخذت الهاتف واتصلت لأودّع جدي وجدتي اللذان منعهما التعب من زيارتي، سار الأمر على ما يرام مع جدي ولكن عندما بدأت الحديث مع جدتي تهدج صوتي وانهرت باكية على وقع صلواتها لي بالعودة السالمة. لم تكن تسمعني على أية حال فقد كان سمعها يضعف مؤخرًا، لم يكن هذا الوداع يليق بها ولم يكن كافياً أبدًا .
أنت تقرأ
رسائل تحت وابل الرصاص
Romanceماالذي يُجبرك على الكتابةِ بين الركام ألا يُمكنك سماع المدفعيات -على هذه الرسالة أن تصل إليها أنت تعرف أنَّ الرسالة الورقية هي وسيلتي الوحيدة حاليًا لايُمكنني ترك وسيلتي للوصول إليها ، أريد أن أراها -لاارى في الامر سوى ان احدهم سيموت ، نحن في مواق...