قراية الفاتحة

6.4K 462 7
                                    

كانت تستمع إليه كل ليلة بينما يصرخ بعائلته أنه يريد الذهاب من ذلك المنزل الملعون ولكن لم يكن أحد ليصدقه كذلك الحال معها سنوات وسنوات دون أي استجابة لاستغاثة مذعورة منها من طفلة صغيرة تصم اصوات غريبة أذنها كل ليلة صوت مختلف تارة حوارات شتي وكأن أحدهم يتحدث مع أشقائه داخل عقلها وتارة أخري صوت لأمواج البحر بينما تصطدم بصخرة قوية مسببة الضجيج في رأسها واخيرًا وليس اخرًا صوت حوت.
حوت بعيد.. بعيد للغاية ولكن صوته كان كافيًا ليبعثر ثباتها الواهي وما يصبرها كلماته التي تستمع إليها من شرفة مطبخهم فتضحك بقوة علي حاله
"يارب خلصني من فيلم نيمو اللي انا عايش فيه ده"
"انتم اتطرشتم ازاي مش سامعين اللي انا سامعه؟"
"يا امي يلا نبيعها ونشوف غيرها انا مش مرتاح"
"قسمًا بالله هسيبلكم البيت وامشي!"
"لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين"
وتنتهي حالة الجنون تلك يوميًا باخر جملة تجعلها تبتسم رغمًا عنها بينما تستمع الي زفرته القوية تليها ذكره لله.
كانت عائدة من جامعتها بإرهاق تملك منها لم تنم الليل وما أن حل الصباح ارتدت ملابسها وذهبت الي جامعتها اتجهت الي درج العقار وما أن كادت تخطو خطوة حتي شعرت بمن يتمسك بحقيبة ظهرها ويسحبها حيث مدخل البناية
"نهار ابوك اسود انت بتعمل ايه الحقووني"
كتم صوتها بيده بينما يحدق داخل عينيها السوداء نسبيًا بنظرة نارية وهمس من بين أسنانه:
"شششش كفاية الصداع اللي هيفرتك دماغي"
كانت تحاول إزاحة يده بكافة الطرق ولكنه لم يسمح لها حتي يتأكد أنها لن تجلب مصيبة جديدة لرأسه يكفي تلك التي يمتلكها
"انا هشيل ايدي لو سمعت صوتك هدفنك مطرحك"
اومأت سريعًا وما أن ابعد يده حتي صرخت بعنف:
"بيتحرش بيا تعالوا شوفوا يوسف اللي عامل فيها محترم حسبي الله ونعم ال.."
صدمه ما قالته في البداية حتي أنه لم يستطع أن يحرك يده ليكتم صوتها حتي انتبه لحالهما ليهتف سريعًا ويده تغلق فمها:
"ششششش! انا عايز اعرف موضوع العفاريت"
نظرت إليه بهدوء فتركها وهو يعلم أنها لن تصرخ تلك المرة
"صدقت؟"
"اه"
"وانا معرفش مفيش مواضيع"
"وحياة امك؟"
لكزته في كتفه وهتفت مستنكرة ما قال:
"وحياة امي! احترم نفسك يا شيء انت"
"شيء؟"
"مش عاجبك؟"
"واللهِ انت اللي عاجباني"
"ايه؟"
"ايه؟"
بدل الموضوع سريعًا وهتف متسائلًا:
"انا عايز اعرف كل حاجة من البداية"
"والواقفة دي تنفع يا استاذ يا محترم؟"
"هستناكِ علي الكافيه اللي علي ناصية الشارع"
ذهبت بضع خطوات ثم عاد مجددًا قائلًا بشك:
"هتيجي؟"
"لا"
أطلقت كلمتها الوحيدة وركضت من أمامه سريعًا الي بيتها ولم يستطع تلك المرة اللحاق بها.
عاد لشقته الملعونة بينما يزفر بقلة صبر وهو يمسح فوق وجهه بضيق من الأمر برمته حتي اصطدم بوالدته الحاملة لنفس الطبق الذي انهي اخر قطعة بسبوسة كانت به
"معلش يا امي مكنتش واخد بالي"
"ولا يهمك يا حبيبي وسعلي اودي الطبق لأبلتك فوزية"
انار عقله بفكرة ربما تجعله يستطيع التحدث معها مجددًا ويفهم منها ما يحدث
"ما تيجي نزورهم كلهم بالليل ده حتي النبي عليه الصلاة والسلام وصي علي سابع جار"
"بجد يا يوسف يا ابني؟"
ما كل تلك اللهفة لأجل زيارة سخيفة لا تثمن ولا تغني؟
"أيوة يا امي"
"الحمد لله يارب استجبت لدعائي الحمد لله"
نظر إليه باستغراب لا يفهم ماذا يحدث أو يدور في عقلها ولكن المهم هو أنه سينفذ ما يريد ..
في المساء
جلسوا جميعًا يتبادلون أطراف الحديث هنا وهناك ولم تسنح له الفرصة الي الان أن يتحدث معها حتي جاءته علي طبق من ذهب حينما هتفت والدتها:
"ما تخشوا البلكونة يا ولاد شوية ده الهوا يرد الروح"
تمسك بما قالت ونهض سريعًا:
"أيوة انا بقول كده برضه"
دلفت خلفه مجبرة بعدما حدقتها والدتها بنظراتها النارية الغاصبة وما أن دلفت حتي تحدثت والدته بأمل:
"يارب يتفقوا اللهم امين وتبقي فاتحة خير علينا وعليكم"
"امين"
أما بالداخل كان الوضع بأكمله لا يعجبها هي تريد غرفتها لِما تجلس مع زوار غير مرغوب فيهم؟
اشهرت سبابتها في وجهه غاضبة:
"ممكن افهم انت عايز مني ايه يا جدع انت؟"
"نكمل كلامنا بتاع الصبح"
"اني عجباك؟"
حسنًا لم يتوقع أن تكون بتلك الجرأة ولم يكن ينوي الحديث في ذلك الأمر من الاساس ابتلع رمقه يحدقها بصمت حتي قهقهت هي بقوة وهتفت ممازحة:
"مالك يا جدع وشك قلب لمونة كده ليه؟"
"لمونة؟"
"اه اصفريت"
مسح علي وجهه بعصبية تملكت منه وقال وهو يحاول أن يهدأ:
"يا ستي انا مش عايز غير حاجة واحدة بس اني افهم!"
"تفهم ايه؟"
"انتِ فاهمة قصدي كويس"
"بس انا معنديش حاجة أقولها بجد انا زيي زيك بس الفكرة اني اتعودت علي كده من سنين وسنين وانت كمان مسيرك بكرة تتعود"
"اتعود علي العفاريت؟؟!"
استنكر ما قالت بصدمة ولكنها مازحته من جديد:
"اه هيجيلك مناعة"
"يا بنتي انت عاقلة زينا كده؟"
"صدقني مش عارفة"
"طب اشمعنا انا وأنتِ بس اللي بنسمع الحاجات دي؟"
تنهدت بعمق هي لا تعلم لِما هو؟
كانت وحدها طوال عقدين فما سبب سماعه لما تستمع لها هي؟
"مش عارفة"
"اهلك مش مصدقينك؟"
اومأت إليه بشرود وهتفت تلقائيًا:
"كانوا فاكرني مجنونة جابولي شيوخ ودكاترة نفسية ومفيش فايدة لحد مانا بطلت اشتكي فارتاحوا"
"وهنفضل كده؟"
"عندك حل؟"
كاد يتحدث لولا صوت والدتها الذي تعالي بأسمائهما:
"يا نور يا يوسف"
"اسمك نور؟"
"نوران"
"اسمك حلو"
هتف بها بابتسامة لطيفة لأول مرة تظهر علي شفتيه فتحركت من أمامه للخارج بصمت لم تعتد علي تلك الكلمات المعسولة من أحد ولا تعرف ماذا من المفترض أن تفعل فانصرفت بارتباك تملك منها.
"ايه يا ولاد نقرأ الفاتحة؟"
"فاتحة ايه؟ مين مات؟"
هتفت بها بجزع ليقهقه الجميع علي ما قالت نظر إليها يوسف باستغراب فبادلته بنفس النظرة
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ...."
أكملوا قراءة الفاتحة بينما هما يقفان كالصنم لا يفهما ماذا يحدث حتي صدحت زغرودة عالية صمت اذانهما من والدته تليها قبلات متتالية واحضان كثيرة من الجميع لهما
"مبارك يا قلب امك"
"بقيتي عروسة زي القمر يا نور اللهم بارك"
"نجيب الدهب الخميس الجاي كويس؟"
"وماله خير البر عاجله لولولولي"
نظر إليها وقد فهم ما حدث للتو تمت خطبتهما دون علمهما
بينما هي كانت تحدق بالجميع مذهولة مما يحدث قراءة فاتحتها واتفاق علي موعد شراء الذهب كذلك بينما هي آخر من يعلم؟
حدقته بنظرات حارقة وهتفت من بين أسنانها:
"انت كنت جاي تتقدملي ومقولتليش!"
"قسمًا بالله ما حصل"
نفي الحديث عنه سريعًا وكأن الأمر تهمة!
نظرت للجميع كل منهم منشغل بشيء ما دون أي انتباه لرفضهما أو تعمدوا عدم الانتباه!
نظرت إليه فبادلها بأخرى تحمل من الحيرة ما يكفي فانكمش وجهها وارتجفت شفتيها تنذر بنوبة بكاء قادمة ولكنها هتفت في خفوت:
"الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات اتقرت فاتحتي."

فُرض عليهما الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن