ان مات احد يومًا فتذمر دائمًا ان تذكر حسناته فقط...........
دائمًا ما كانت تتردد تلك الجملة في عقل يوسف فكان يحسن التصرف ويخشي ربه في التعامل مع غيره ومع والدته حتي تحين تلك اللحظة التي تقترب فيها ساعته وهو يظن انها قد آنت....
اما عنها فهي تخشي الموت تخشي القبر تخشي ان تكون بلا والدتها وبلا احبائها وان كانوا قلة تخشي ان تكون بلا يوسف........
حبسهما شبح الموت داخله وكل منهما يجول تفكيره بالموت بالعذاب بالجنة ام النار!
المدينة تشتعل بالنيران في كل مكان لقد اشعل أهلها في كل بيت مُصاب بالمرض حتي تفشي المرض فأُضرمت النيران في كل بيت.....
نظر يوسف اليها وهي تشاهد المكان حولها مرتعبة تنكمش علي نفسها بذعر من ان تكون نهايتهما مُبهمة حتي ان جثتها لن تستلمها والدتها لتدفنها وتبكي عليها... وكيف؟ ولا أحد يعلم أين هما؟ هما نفسهما لا يعلما أين هما وأين المفر؟
انسابت الدموع فوق وجنتيها تنعي حياتها التي توشك علي الانتهاء.....
"نوران"
نظرت إليه والنيران تتراقص فوق بؤبؤ عينيها تنتظر ان يكمل فاسترسل بمودة حقيقية امتلأ بها قلبه تجاهها:
"ربنا يعلم إنك كنتِ نور فعلًا نور نوَّر حياتي بالمشاكل والبلاوي اللي كنتِ بتعمليها حتي ظروف وجودنا مع بعض كانت غريبة ومختلفة ومُتعبة بس لو اتعاد عمري تاني كنت هختار نفس التعب عشان تكوني معايا"
لمعت عيناها اثر كلماته الجميلة التي اغدقها بها في لحظاتهما الأخيرة فتحرك لسانها تلقائيًا يجييه بما يعتمر القلب تجاهه:
"أنا مكنتش عايزة اتجوز ورافضة الفكرة لحد ما اتفرض علينا اننا نكون مع بعض بس لو كنت لفيت مكنتش هلاقي في حنيتك يا يوسف"
وفي جهة اخرى عند اسلام ومحمد كان اسلام الأمثر حزنًا وخوفًا بينما محمد ثابت حتي وان كان ثباته ذلك مصطنع ليس إلا.....
نظر اسلام الي اخيه بحزن وهتف بخفوت:
"محمد هنموت؟"
"لكل اجل كتاب"
"انا لسة صغير"
"الموت مالوش عُمر دي حقيقة دايرة علي البشر وما الدنيا إلا دار مؤقتة تنقلنا للدار الدايمة وهي الآخرة"
بكي اخيه وهو يشعر باقتراب وقته فضمه محمد اليه وهتف بأعين دامعة تأثرًا بما عايشه اسلام:
"سامح امك يا اسلام الدنيا صغيرة اوي ومتستاهاش كل الكراهية دي"
"عايز اسامحها بس مش عارف"
داعب محمد خصلات اخيه بلُطف وهي يكبح نفسه عن البكاء فأكثر ما يؤلمه هو ألم اسلام الذي يعتبره صغيره وهتف بهدوء:
"افتكر دايمًا ان ممكن يكون بينها وبين الجنة مسامحتك يا اسلام يرضيك امك تدخل النار عشان انت مش عارف تسامحها؟"
دفن وجهه في احضان اخيه يبكي كصغير يشتاق الي والدته ولكنها لم تكن تحن عليه ولو بنظرة واحدة تروي بها حاجته للحب والحنان منها ولكن كما قال شقيقه هو لن يُدخل والدته للنار بسبب عدم مسامحته لها...
نظر الي السماء والدموع تنهمر فوق وجنتيه وهمس بتضرع:
"مسامحها يارب سامحها يارب وسامحنا جميعًا واجعلها ساعة سهلة علينا يارب"
لم يستطع محمد رؤية اخيه بهذا الشكل فضمه اليه مجددًا باكيًا وعقله يعيد عليه الذكريات وخاصةً ذكريات اسلام الصغير الذي جاء لدنياه بغير رضا من والدته ليس بيده به شيء ولكن والدته نبذته وكرهته ولم ترعاه ولم تشعره بحنوها إلا للحظات معدودة كانت تضعف فيها أمام عينيه البريئتين ولم تلبث وتعود لكراهيته بسبب تذكرها كيف جاء ذلك الصغير....
يتذكر كيف كان اسلام يشحذ حنوها بمرضه او حتي ادعائه للمرض لعلها ترعاه وتشعره بأنها والدته حقًا ولكن لا حياة لمن تُنادي كم قسي صغيره في تلك الحياة وكم ستكون نهايته قاسية ان ماتا تلك الموتة.....
بكي يوسف كما فعلت نوران وهما يشاهدان انهيار اسلام فذهب اليه يوسف مازحًا رغم بكائه:
"مالك ياض يا اسلام ما تسترجل كده!"
"بس ياض يا بتاع نوران اللي نوّرت حياتك"
مسحت نوران عينيها الباكية وصاحت بغيظ:
"انت بتضايقني وانت علي حافة الموت؟"
ابتعد عن أخيه ونظر اليها بضيق وهتف بكره مصطنع فهو يحب غيظها دائمًا بأفعاله الطفولية تلك:
"ابعدي يا بنتي عننا عشان مرمكيش من فوق الكهف ده"
"سامع يا يوسف؟"
ابتسم يوسف وقال يراضيها برفق:
"انتِ هتاخدي علي كلام ابو دمعة ده؟"
"اسم الله عليك اومال اللي في عينك ده ايه يا يوسف هي بتمطر عندك ولا ايه؟"
اقتربت النيران من موضعهم فنظروا جميعًا الي بعضهم البعض نظرة وداع وكل منهم يتحرك لسانه بالذكر والشهادة والدعاء وقد سلم كل منهم امره لله......
ان كانت نهايتهم فلتكن وليجعل مثواهم الجنة وان لم تكن فليرحمهم ربهم من القادم.
وما إن احاطت النيران بهم حتي اهتز المكان من حولهم يشعرون بالهواء البارد يلفحهم من كل جانب شعور لم تكن تلك اول مرة يشعروا به جميعًا...
"يوسف!"
"بتفكري في اللي بفكر فيه؟"
"يارب ما نروح مكان جديد مش هقدر علي كل ده"
استحالت الرؤية حولهم جميعًا إلي ان بدأت الرياح تهدأ من حولهم وتعود الاضواء من جديد وكل ذلك في ثوان معدودة....
حسنًا أين هم؟
فتحت نوران عينيها وأغلقتها وكررت فعلتها حتي اعتادت الضوء واذ انها في غرفتها؟؟؟؟؟
استمعت الي صوت والدتها في الخارج فدمعت عينيها شوقًا وما كادت تنهض متلهفة لرؤيتها حتي فُتح الباب بواسطة والدتها فجأة مبتسمة ولكن تلاشت تلك البسمة ما ان رأت يوسف بجانب نوران فوق الفراش.....
اشهرت بيدها تصيح بقوة:
"يالهووووووووي علي الفضايح"
"ياختااااااااي"
ذلك الصوت الاخير كان من نصيب والدة يوسف يصل اليهم من الجهة المقابلة لمنزلهم.
فركض الجميع تجاه بيته فانبعث الصوت من غرفة يوسف بالأخص فتحها هو ليُصدم من وجود اسلام ومحمد في غرفته فوق فراشه ويصرخ اسلام سعادةً:
"مموتناااااش"
"الحق يا يوسف الشباب دي بتتحرش بينا"
"بنتحرش ايه يا حجة ما تسمي الله في قلبك"
صياح من ينقصهم؟ صياح سارة شقيقته بالفعل هي من تصرخ بالخارج.... ركض الجميع تجاهها فوجدها تمسك بفتاة تسيل الدماء من جسدها بغزارة حتي ان سارة اغرقتها الدماء هي الاخرى... وكان اول من أفاق من الصدمة اسلام وهو يري أول من دق الفؤاد لها تلقي حتفها أمام عينيه.
ركض إليها يسندها فوق قدميه يحاول افاقتها ووقف النزيف بسرعة ولكن من فرط ربكته لم تسعفه يداه حتؤ أفاق يوسف اخيرًا من صدمته من كل مما حدث في دقائق معدودة فهتف وهو يركض للخارج مسرعًا:
"انا هجيب دكتور بسرعة"
جلست نوران فوق ركبتيها أمام ريهام تحاول ان توقف النزيف مع اسلام وهي تتذكر الموقف ذاته مع يوسف حينما رأته غارقًا في الدماء أثر ما فعله الحوت به وكيف شعرت بتيبس أطرافها وعدم قدرتها علي الحركة كان شعور لا تتمني ان يعيشه احدًا يومًا ما...
عاد يوسف ومعه الطبيب ليتوجه إليها سريعًا حتي اتضح ان تم طعنها بألة حادة!!!!!
"يعني ايه يعني هتموت؟"
همس اسلان بارتجاف وهو ينظر للطبيب بذعر وترقب لإجابته فهتف الطبيب وهو يغلق حقيبته متعجلًا:
"ده بإيد ربنا بس احنا لازم ننقلها المستشفي"
وبعد ساعة كانت في غرفة العمليات والجميع بالخارج يدعو لها من يعرفها ومن لا يعرفها يدعو لإنقاذ تلك الروح المسكينة وفي عقل اسلام تدور اقبح السيناريوهات التي من ممكن ان تكون قد حدثت كيف طُعنت بتلك البشاعة؟
وهي التي كانت تتزوج ويظنها ستحيى بسعادة حتي وان كانت بعيدة عنه؟
فليرحمها الله بلُطفه ورحمته....
حتي والدة يوسف ووالدة نوران كل منهما يتضرعان الي الله يدعان لتلك الصغيرة بين يدي الله ان ينقذها برحمته الواسعة.....
خرج الطبيب بعد ساعة اخرى مرت علي اسلام كعام ثقيل علي قلبه المسكين المتلهف لأقل خبر يطمئنه فهتف الطبيب بأمل:
"الحمد لله هي كويسة دلوقت هتفضل تحت المراقبة شوية وباذن الله لما تبقي كويسة هكتبلها علي خروج"
زفر اسلام يخرج كل ما كان يعتريه من ذعر وقلق وخوف مع تلك الزفرة مبتسمًا بقوة بعدما شعر بالراحة تغمره من جديد حتي أنه ركض الي الطبيب مقبلًا اياه من وجنتيه صائحًا ببهجة:
"شكرًا يا دكتور الهنا ربنا يسترك ويكرمك ويرزقك من حيث لا تعلم يا ابن...."
توقف عن الحديث لبرهة ثم استرسل متسائلًا:
"انت امك اسمها ايه؟"
ضحك الطبيب بقوة وأجابه بلُطف:
"اسمها سعاد يا سيدي"
"يا دكتور يا ابن ام سعاد قولوا امين"
"امين"
أمن الجميع علي دعائه بسعادة بعدما طمأنهم علي حالة الفتاة فضم محمد اسلام بحنو بخبره برفق:
"حمد الله علي السلامة ياض يا اسلام"
بادله اسلام العناق بحب اخوي صادق واردف:
"انا من غيرك ولا حاجة يا محمد ربنا يباركلي فيك يا برو"
قال يوسف بابتسامة عابثة تُزين ثغره:
"انا بقول خير البر عاجله وتعقد معانا انا ونوران"
نظرت اليه نوران بدهشة أي عقد قران يتفوه به يوسف؟
"نعقد ايه؟"
"كتب الكتاب"
نظرت اليه باستهزاء وأردفت بسخرية:
"تصدق مكنتش اعرف... كتب كتاب ايه يا يوسف فجأة كده؟"
وبابتسامة اكثر عبثًا من سابقتها هتف بهدوء:
" انا هفهمك اصل ابويا راجل دمه حامي ميقبلش يشوف ابنه مع واحدة في اوضتها لوحدهم افرضي اتغرغرت بابنه الناس تقول علينا ايه؟"
رفرفت بأهدابها لا تصدق ما يقوله يوسف حقًا تخضبت وجنتيها بحُمرة الخجل ولم تستطع الإجابة علي كلماته الغريبة... وحقًا ما المانع بعقد القران وهي لا ترغب بالابتعاد عنه؟
صياح اخر في تلك الليلة؟ ذلك ما لم يتحمله بشر من قبل!!!
"الحق يا يوسف ابوك وقع من طوله في الشارع"
حقًا حقًا المصائب لا تأتي فُرادي.......
____________________________________
وحشتوني🥰
متنسوش تخشوا الجروب هتلاقوا اللينك في الوصف عندي♥
أنت تقرأ
فُرض عليهما الحب
Fantasíaعالم جديد ابتلعهما فرض عليهما الحب ولكن أيستسلما له أم يقاوما تيار الحب الجارف الذي امتلكهما؟