حلقة خاصة الجزء الأول

1.7K 121 47
                                    

ظُلمة حالكة حاوطتهم جميعًا جعلت قلوبهم ترتجف خوفًا مما هو قادم.
صِغارها وزوجها والجميع كيف ستحميهم من هلاك مصيرهم؟
طفليه وزوجته ماذا سيفعل لحمايتهم؟ ولكن لحظة أين هم؟؟!

"نوران محمد يا إسلام!"

"يوسف انت هنا؟"

تحرك في الظلام يتحسس الحائط بجانبه بحذر حتي اصطدم جسده بها فانتفض مبتعدًا بذعر وهو يغمض عينيه مرتجفًا متمتمًا بخفوت:

"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يا رب سلّم يا رب سلّم انصرف لا تأذيني ولا أذيك!"

"تأذيني ايه يا يوسف؟ أنا نوران"

ابتسم ببلاهة ما إن وصله صوتها وهو يعود ليقترب منها حتي أمسك بيدها فوجدها باردة مُرتجفة كحال نبرتها حينما قالت:

"يوسف العيال!"

"هما كانوا فين؟"

"بيلعبوا ادام البيت"

استمعا إلي حثيث خطوات بجانبهما يقترب ويقترب منهما ارتجفت نوران وتحركت إليه، تلتصق به وهي تهمس بخوفٍ:

"هما كمان هيطلعولنا؟ مش كفاية بنشوفهم في أحلامنا؟"

"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم اقري آية الكرسي والمعوذتين وهيتحرقوا ان شاء الله"

"زي الاستاذ عادل امام في فيلم الانس والجن؟"

هتفت ببلاهة وهي تتذكر ذلك المشهد العجيب أيعقل أن ذلك ما يحدث لذلك الشيء الذي يقترب منهما الآن؟ حسنًا هي تريد أن تشاهد!

نظر إليها بحدة لم ترها هي وهتف بخفوت:

"نوران اهدي احنا مش عارفين ايه اللي جاي علينا!"

اقتربت خطواته أكثر وأكثر حتي شعرا بالباب يُفتح فارتجفت نوران بذعرٍ وداخل رأسها مِئات من السيناريوهات عن كنه ذلك الشيء الذي هو الآن بالقُرب منهما وقلبها يرتجف ذعرًا علي صغيريها،ضمها يوسف إليه وهو يهمس داخله بكل الأذكار التي يحفظها داعيًا أن يحمي الله زوجته وطفليه.

اقترب منهما أكثر فأكثر حتي أنهما شعرا بأنفاسٍ دافئة تجول حولهما فعلمت نوران أنه يحترق الآن بسبب الأذكار التي يتحرك بها لسانها فأكملت الذِكر بابتسامة واسعة وشعور بالانتصار يغمرها

دق صوت تكسير قويّ رج قلبهما تلاها همهمات لم يفهما منها أي شيء ولكنها بثت الذعر في قلبهما أكثر وأكثر... لعلها نهايتهما الآن؟ بعد كل ما حدث تكون نهايتهما بسبب ولدهما الشقي الذي غلبه فضوله وفتح تلك الشقة اللعينة؟ مُخرجًا عليهما جيشًا من لعناتٍ جديدة بانتظارهما!

"يوسف أنا خايفة أوي"

هتفت بنبرة تكاد تُسمع وهي تشعر بدقات قلبها تتعالي وتتعالي بعنف، فضمها يوسف إليه وهو يربت فوق ظهرها برفقٍ...

توقفت فجأة تلك الحركات حولهما ما ان هتفت هي بجملتها الأخيرة فتنفست هي براحة بعض الشيء سرعان ما تبددت وهي تشعر بعودة حركات ذلك الكائن التي أصبحت أقوي وأسرع ومن الظاهر أنه يتجه إليهما! أصبحت تلك الخطوات البطيئة أخرى سريعة مُهرولة تتعالي كلما اقتربت منهما وها هي تقترب وتقترب... أهي نهايتهما حقًا؟

دفنت رأسها في أحضان يوسف مُغمضة عينيها بقوة مودعة كل آمالها في أن تُكمل الباقي من عمرها معه ومع صغارها خاصةً بعدما اقترب واقترب واقترب حتي.....

"إيه العبث ده؟ مرفعتوش زرار الكهربا ليه؟ وقاعدين في الضلمة؟"

إسلام؟ أكان ذلك الكائن هو إسلام؟ حقًا؟؟
سقطت أرضًا بعدما خارت أعصابها وهي تنظر إليه غير مصدقة ما حدث...

"انت ايه اللي جابك هنا يا إسلام؟"

هتف بصدمةٍ وهو يتذكر ذلك السيناريو الذي نسج خيوطه في رأسه عن الكائن الغريب الذي ألقته عليهما لعنة جديدة من لعنات تلك الشقة ولكنه كان إسلام! يا للسخرية.

"دخلت من الباب عادي!"

"العيال فين؟"

"مع أمك، يابني الكهربا قطعت ولقينا بقيت الشارع منوّر عادي فقولنا في مشكلة عندنا فقعدت أدور علي سكينة الكهربا ومكنتش شايف وقعت الكوبيات دي اتكسرت وأنا بدور ولما النور رجع ورفعت الزرار شوفتكم"

ابتسم ببلاهة وأكمل وهو ينظر إليهما:

"انتم كنتم بتعملوا ايه يا يوسف؟"

"يا أخي اتنيل سيبنا أعصابنا"

قال وهو يجلس بجانب تلك التي لم تستعد أنفاسها بعد فهي إن كانت فعلت لكانت قتلت إسلام قبل أن يكمل كل تلك الترهات التي ألقاها عليهما.

"يلا تعالوا كلهم مستنيينا في الشقة التانية"

خرج تاركهما معًا وبعد قليل كانت نوران قد استعادت بعضًا من ثباتها المفقود فهتفت بخفوتٍ وهي تنظر ليوسف:

"هتزعل مني لو قتلت إسلام؟"

"هساعدك تقتليه"

هتف بلا مُبالاة وهو ينهض ليسندها فنهضت أخيرًا متمتمة بنبرة باكية:

"منك لله يا إسلام يا ابن فاطمة، قطعلي الخلف يا يوسف والله أنا قُلت خلاص كده حاجة هتيجي تخلص علينا ونخلص"

"معلش يا حبيبي ربنا يسامحه، حقك عليا أنا"

ذهبت معه لشقة والدته لتجد الجميع في انتظارهما والصغيران يلعبان فوق الأرضية ببراءةٍ تُهلك قلبها، كاد قلبها أن يتوقف عن النبض حينما شعرت أنهما في خطرٍ أنها تُعاني الويل اثنين منذ أخبرها الصغير أن شقيقه قد فتح الشقة منذ مدة والآن يُعاني من أصوات كصوت الحوت يستمع أليها هو فقط!

يومها شعرت أنها بين قاب قوسين من الجنون، شعرت بضيق أنفاسها والذعر يتمكن منها، شعرت وكأن عقلها فر وتركها وحيدة بلا فِكر يخبرها بأن الحل ها هنا، الحل الذي خلصهما مما كانا فيه، فقط تركها وحدها رفقة سموم رُسمت لها بأنهما سيعودان لذلك العالم ولرُبما تفقد صغيريها!

لا تعلم ماذا كانت ستفعل لولا وجود يوسف، ذلك الشخص الذي أنعم الله عليها به، أعادها لرشدها أعاد إليها صوابها بأن لهم جميعًا رب لطيف بعباده سينجيهم كما فعلها ملايين المرات.

لم تعِ بكونها تنظر إليه بذلك الحب حتي طالت النظر به والابتسامة الواسعة فوق شفتيها، لولا يوسف في هذه الدنيا وهذه الابتلاءات الصعبة ما كانت ستصل لتلك اللحظات هانئة وسعيدة برفقته هو وبرفقة صغيريه الحلوين.

طالت نظراتها المتأملة له حتي لاحظ تحديقها به فطفت بسمة فوق شفتيه عفويًا وهتف بخفوتٍ يستدعي انتباهها:

"نوران!"

"ها؟"

همهمت بخفوتٍ وابتسامة بلهاء فوق شفتيها فتوسعت ابتسامته وأردف:

"بتبصي علي ايه؟"

ابتسمت بغباءٍ نابع من داخلها حقًا وتساءلت بحيرةٍ بينما تتأمل أهدابه الطويلة:

"هي طنط كانت بتحطلك زيت دابر املا في رموشك؟"

"لا فاتيكا يا نوران"

هتف وهو يقهقه بيأس علي تفكيرها الغبيّ دائمًا ولكنه حقًا يُحبها بتفكيرها العفوي الغبي الغير مصطنع بالمرة وخاصةً معه....

"فاتيكا ده زيت زتون للشعر"

هتف إسلام وهو يمُر من أمامها ويقضم خيارة بين أسنانه فرد يوسف ضاحكًا:

"لو الشعر مقصف ماشي"

نظرت لإسلام باشمئزازٍ بعدما ألقته بعلبة المناديل الورقية بضيقٍ بعدما أفسد لحظتها الرومانسية نادرة الوجود مع يوسف هاتفة:
"اسكت انت يا أكتر كائن مستفز علي وجه الأرض!"

"يا شيخة بقي اتلمي ده أنا عم عيالك"

ألقي الصغير دُميته بعيدًا فاصطدمت برأس إسلام الذي هتف وهو يربت فوق صدره:

"تسلم يا محمد يا حبيبي"

نظرت والدة نوران لابنتها وهتفت بتوجسٍ:

"حاجة حصلت؟"

نفت نوران برأسها يمينًا ويسارًا ثم هتفت:

"لا الحمد لله، من بعد ما حرقنا الشقة واحنا كويسين ومحدش من العيال اشتكي"

أنهم في انتظار أي حدث يخبرهم بأن حلهم الوحيد أصبح لا يعمل! يعيشون في ذعرٍ مستمر من أن يحدث أي شيء مريب يدل علي أن اللعنة عادت بعدما قد فُتح الباب وحتي بعدما أحرقوا الشقة للمرة الثالثة علي التوالي ولكن حمدًا لله إلي الآن هم في آمان، هتف إسلام من جديدٍ متدخلًا في الحديث:

"هو احنا ليه مسيبناش الشقق دي ومشينا خالص من وشها؟"

أجابه وليد والده تلك المرة وهو يأخذ كوب الشاي الخاص به ويضع سيجارته في فمه:

"أنا حتي لما مكنتش ساكن هنا كان بيحصلي نفس اللي بيحصل، وبعدين هتجيب منين فلوس لتلت شقق؟ أو حتي شقة واحدة"

تأملت نوران والد زوجها بأعين مُرتابة، الرجل حقًا مريب! ما باله لا يترك تلك اللعينة المسماة بالسيجارة من بين شفتيه علي النقيض تمامًا يوسف الذي لا يعرف لها طعمًا!
"ازيك؟"

هتفت ببلاهةٍ حينما انتبه لها والد يوسف فضحك هو وهتف بمشاكسةٍ:

"الحمد لله، ايه أول مرة تشوفيني يا بكاشة؟"

شاركته ضحكاته ثم هتفت بفضولٍ:

"صحيح ياعمي عمرك سألت نفسك ليه لعنة الشقة دي بتبدأ بالحوت؟ ايه دخله بالجزيرة بكل الحاجات اللي احنا كنا فيها؟"

هز كتفيه بعدم معرفة ثم هتف بعدما استغرق القليل في التفكير:

"هي بداية الابتلاء ده كده بالحوت، ممكن ربنا بيختبرنا زي ما اختبر سيدنا يونس هل هنبقي معاه وهنذكره دايمًا وندعيه في الابتلاء ده؟ سيدنا يونس قعد في بطن الحوت أربعين يوم ولولا أنه كان من المسبحين! فسبحان الله كله قدر ربنا والحمد لله أننا بنخرج كل مرة منها بكرمه ولطفه"

وافقه الجميع فيمّ قاله، لولا الله ما كانوا ها هُنا، لولا الله لكانوا في دربٍ من الجنون!

استرسل والد يوسف حديثه وهو يتنهد:

"وبعدين كل شيء كان مش مفهوم إذا كان الحوت أو الجزيرة او المكان الغريب ده، كل حاجة، ربنا يسامحني علي اللي كنت بعمله ويسترها علينا جميعًا"
أمن الجميع علي دعائه وهم يعلمون بأن الأمر كذلك، تلك اللعنة جعلتهم داخل أشياء ليس لها تفسير أو تبرير أشياء وعايشوها وبرحمة الله قد خرجوا منها.
نظرت لإسلام الذي أخذ الصغيرين فوق قدميه يُسقي كل منهما القليل من كوب الشاي الخاص به فهتفت بامتعاضٍ مصطنع:

"الابتلاء الحقيقي أننا لقينا إسلام هناك"

لم ينظر إليها بينما ولى كل اهتمامه للصغيرين أحباب عمهما وهتف:

"مش هرد عليكِ عشان أنا راجل محترم"

ابتسمت ومن ثم هتفت بصدقٍ:

"الصراحة يا إسلام انت جدع وسبحان الله علي القدر اللي ربنا سواه عشان يجمعك بيوسف وبأهلك تاني"

نظر يوسف إلي إسلام بحنوٍ، رغم كل ما حدث له ما زال نقي برئ وطيب القلب وحسن المعشر، هتف وهو يربت فوق قدمه بحفوتٍ:

"مش ناوي تروح تزور أمك يا إسلام؟"

توقفت يد إسلام التي كانت في طريقها بكوب الشاي إلي فمه يشعر بارتجاف قلبه لتلك السيرة التي أصبح لا يعلم إن كان يكره أو يخشي منها!
فهو قد صُدم حينما أخبره محمد شقيقه أن والدته هنا قد عادت معهم من ذلك العالم لعالمهم وعالمها الأصلي قبل أن يأخذها والد يوسف إليه ولم يخبره محمد حينها خوفًا علي مشاعره، تدبر لها مكان ومكثت فيه حتي اصبح جسدها يهرم واصبحت تُطالب برؤية إسلام ورفض هو حينها وثار علي أخيه لا يستوعب كونه ما زال يحب تلك المرأة التي لم يرى منها يومًا حب، لم يرى سوى القهر ومع ذلك هو كان ولا زال يحبها يهفو لقطرة حنو أمومي فطرى تشفق عليه به، شعر بيد ريهام تضغط فوق كفه بابتسامة حانية تخبره بها أنها تعلم بكل ما يمر به من صراعات داخله.
لم يعرف بماذا يُجيب يوسف وفضل الصمت ويوسف احترم ذلك ومنحه ابتسامة مشجعة وأردف بنفس النبرة الخافتة:

"احنا معاك ووراك في أي قرار هتاخده عشان عارف أنك هتعمل الصح يا إسلام"

مسح محمد الصغير فوق وجنة عمه إسلام بيده المُلوثة بالشاي إذ أنه استغل شرود عمه وبقي يلعب هو وشقيقه في كوب شاي عمهما حتي اصبح لا يصلح إلا لإلقائه في أقرب مكان، أردف محمد الصغير ويده لا تزال فوق وجه عمه:

"فين عمو محمد؟"

انتبهت والدة نوران وهتفت بقلقٍ:

"فين محمد صحيح؟ ألا تكوت سارة بتولد!"

هتفت بخوفٍ من أن تلد سارة طفلها الثاني وهم هنا جميعًا لا يعلمون عنهم شيئًا!

"لا لا يا طنط متقلقيش هي بس تعبانة شوية من الحمل وقالوا مش هتقدر تيجي"

هتف وهو يحاول إزالة يد الصغير عن وجهه بينما الأخير قد صمم علي العبث بوجه عمه حتي صرخ به إسلام بنفاذ صبر:

"يا واد بس!"

"انت بتزعق لابني يا إسلام؟"

"والله؟"

هتف إسلام بتلك الكلمة بتشنجٍ، أهذا ما استطاعت قوله؟ ماذا عن طفلها الذي جعل وجهه عبارة عن حبيبات من الشاي؟ ألا يكفي؟ أيتركه ليضعها في عينيه كذلك حتي لا تغضب نوران؟

"تعالي يا محمد نمشي يا حبيبي عمو إسلام مش عايزنا نقعد عنده"

صمت قليلًا تدور بوجهها في المكان ثم هتفت وهي تضع قدم فوق الأخرى:

"اقعد يا واد براحتك ده بيت أمي!"

كاد أن يجيبها بكلمات لاذعة لا تقل عن خاصتها ولكن رنين هاتف يوسف الصامت يراقب ما يحدث بمللٍ أوقفهما عن شجارهما المعتاد:

"ده محمد"

"رُد ممكن تكون سارة بتولد!"

أجابه يوسف سريعًا يستمع لنبرته الباكية فنهض بذعرٍ هاتفًا بجزعٍ:

"في ايه يا محمد؟ وقعت قلبي"

"ايه؟ طب احنا جايين حالًا"

"في ايه يا يوسف؟"

هتف وليد بقلقٍ فأردف يوسف واهتمامه منصب فوق إسلام الذي يناظره بخوفٍ:

"فاطمة والدة محمد وإسلام بتموت"

"ايه!"

هتفت نوران بصدمةٍ وهي تنظر لإسلام الذي كان لا حول له ولا قوة، لا يعرف ماذا من المفترض أن يشعر حتي؟

"أنا هروح أشوف محمد"

هتف يوسف وهو يتوجه خارجًا فوقفت نوران تنظر لإسلام هاتفةً برفقٍ بينما تراقب وجهه الجامد:

"ودعها ولو لأخر مرة يا إسلام، عشان بعد كده ممكن تقول يا ريتني روحتلها مرة واحدة! ودعها واسمعها لآخر مرة عشان خاطر نفسك انت مش عشان حد!"

صمتت نوران ومن ثم ذهبت لتوصي والدتها علي طفليها ثم تحركت للخارج لتجد إسلام وريهام يذهبان بِرفقتها.

في المشفى...

دلف إسلام بخطى مرتجفة للحجرة التي حُجزت بها والدته، يشعر بأنه يجر قدميه جرًا لا يريد ذلك اللقاء والله لا يريده، رآها تستلقى فوق الفراش بوهنٍ شديد وجهها باهت وشاحب بعنفٍ شفتيها تُحاكي زُرقتها زرقة الموتى، كل ما بها أخبره أنها تموت!

"إسلام"

هتفت بنبرة واهنة للغاية بالكاد استمع إليها، يحاول الحفاظ علي رابطة جأشه وألا يخر باكيًا كطفل صغير الآن أمامها ورُبما بين أحضانها.

"أنا أسفة يابني، سامحني يا إسلام بالله عليك"

هتفت باكيةً بحِدةٍ لقد فات أوان ذلك الاعتذار  منذ زمن هي تعلم ولكن لربما تستطيع فعل ما لم تستطع فعله لسنوات في لحظاتها الأخيرة!

ارتجفت شفتيه بينما ينظر بعيدًا عنها لا يريد أن يضعف أمامها الأن، أحقًا علمت الأن أنها قد ظلمته؟ أكثر من خمسة وعشرين عامًا عاشهم في قهرٍ في حاجة إليها لحنوها الأمومي وهي تمنعه عنه علمت الأن أنها مُخطئة؟

نظرت إلي وجهه تتأمله لا تعلم كيف قسي قلبها، كيف تحملت أن تفعل به ذلك؟ ما ذنبه هو؟ ما ذنب ذلك الصغير الذي كان يركض من خلفها مُدعيًا المرض لعلها تشفق عليه وتضمه إليها؟ ما ذنب ذلك الصغير الذي شبّ وأصبح رجلًا كبيرًا يُقارب علي أن يكون والدًا أن يعيش حياته كاليتيم بلا أب ولا أم وهما الاثنان حييان يُرزقان؟

ارتجفت شفتيها تبكي بحزنٍ علي نفسها وعليه وهتفت من بين شهقاتها بما جعله يفقد أخر ذرات ثباته:

"إسلام أنا بموت"

انهارت كل حيله في السيطرة علي نفسه وانهمر في بكاءٍ مريرٍ وهو ينظر إليها، عاد لذلك الطفل في الخامسة من عمره يبكي ويبكي ويبكي حتي شعر بانقطاع أنفاسه، لا يريدها أن تغادره يريدها معه تحبه وترغبه وتخبره بأنه ابنها وحبيبها وألا تتركه وحيدًا ألا يكفي هجرانًا؟

"حقك عليا يا إسلام، بالله عليك يابني سامحني، أنا مش عايزة أقابل ربنا وأنت مش مسامحني"

وضعت يدها فوق وجنته تُملس فوقها برفقٍ فأمسك هو بيدها يقبلها بلهفةٍ هاتفًا وهو ما زال يبكي:

"عمري ما عرفت أكرهك طول عمري بحبك ولسة بحبك"

تنفست بعمقٍ تتوقف عن البكاء تمسح دموعه بحنوٍ وهمست بوهنٍ وابتسامة باهتة فوق شفتيها:

"الحمد لله يا رب، هموت وأنا مرتاحة"

ارتجف قلبه من جديدٍ واشتدت قبضته فوق يدها بلا وعيٍ منه يهتف بعنفٍ وقد عاد لبكائه المرير:

"لا خليكِ شوية أنا ملحقتش أشبع منك! ملحقتش أحضنك ولا أقولك يا أمي!"

جذبته بوهنٍ إليها فلبى النداء سريعًا يضم جسده إليها باكيًا وفوق شفتيه ابتسامة واسعة لا يصدق أنه بأحضان أمه التي كان يحلم بها ليلًا ويستيقظ فرحًا سعيدًا فقط من مجرد حُلم!

"أنا مسامحك والله مسامحك بس خليكِ معايا شوية انتِ وحشاني اوي نفسي أقعد معاكِ وأفضل في حضنك كده علي طول، عارفة؟ ريهام حامل هتجيبلك حفيد تاني، لو جت بنت هخلي الواد محمد ابن يوسف يتجوزها، هو شقي اه ومجنني بس أنا بحبه أوي وبحب إسلام وبحب بنت محمد، انتِ أكيد هتحبيهم كلهم، بس انتِ فوقي كده عشان خاطري وخليكِ كويسة"

انتظر ثانية واثنان وثلاثة ومئة ولم يأتيه منها رد، ما باله ذلك الجهاز اللعين يُصفر بتلك الطريقة المُزعجة؟
رفع رأسه عنها ينظر إليها ليجدها قد اغمضت عينيها وفوق شفتيها ابتسامة طفيفة جعلته يبتسم وبلا وعي كانت عيناه تُمطر دموعًا كثيفة احالت بينه وبين الرؤية، هزها قليلًا برفقٍ يهتف بهمسٍ:

"أمي انتِ نمتي؟"

ارتفع قليلًا ليصل لرأسها ليطيع قبلة مطولة فوق جبينها ثم ابتعد بابتسامة واسعة حتي اصطدم بمحمد الذي كان يقف علي حافة الباب يبكي بكاءً لا يقل عن أخيه الذي هتف وهو يشير إلي والدتهما:

"ماما نامت يا محمد، أنا سامحتها متقلقش وهتيجي تعيش معانا إن شاء الله"

تخطاه محمد ليصل لوالدته التي فارقت الحياة في أحضان إسلام ولدها وببكاءٍ مريرٍ وبقلبٍ دامي طبع قبلة حانية باكية فوق جبينها ومن ثم ابتعد ورفع الغطاء فوقها ليغطيها تمامًا.

لم يعجبه إسلام ما قام به شقيقه فتحرك تجاه والدته ليمنعه محمد الذي استمع إلي كلمات شقيقه بعذابٍ:

"ليه كده يا محمد حرام عليك؟ دي ماما نايمة"

"أمنا ماتت يا إسلام"

هتف محمد وهو يمسك بوجنتي إسلام الذي يرفض التصديق، كيف؟ ماتت؟ بعدما وجدها؟ بعدما عادت له وضمته إليها؟ بعدما تذوق من أحضانها؟ أخاه كاذب هو يعلم.

"متقولش كده! بقولك ماما نايمة"

انفطر قلب محمد في بكاءٍ مرير غير قادر علي تحمل المزيد يترك إسلام ليوسف الذي دلف للغرفة يتوجه تجاه إسلام سريعًا يضمه لصدره فهتف إسلام وهو يهز رأسه بعنفٍ يُحدث يوسف الذي يحاول أن يبقي صامدًا:

"م. محمد بيقول أنها ماتت يا يوسف! قوله أنها لسة عايشة!"

"وحد الله يا إسلام، كل نفس ذائقة الموت، وإنا لله وإنا إليه لراجعون"

وكأن صدمة الواقع قد صدمته بصاعقة جعلته يعي أخيرًا بأنها بالفعل فارقت الحياة، دفن رأسه بصدر يوسف الذي ضمه إليه باكيًا ينفجر في بكاءٍ مريرٍ يأكل روحه بينما يوسف يُشدد من ضمه إليه بعمقٍ يتركه يفرغ كل طاقته في أحضانه يستمع لكلماته المقهورة ونشيجه وشهقاته المكلومة:

"أنا ملحقتش يا يوسف! ملحقتش أحضنها ولا أشم ريحتها! ملحقتش أقولها أنا بحبها أد أيه واني في كل مرة كنت بقول أني مش مسامحها وبكرهها بس أنا عمري ما عرفت يعني إيه أكرهها! أنا ملحقتش أعيش معاها يا يوسف!"

يعلم أنه غير واعي، يهلوس بكلماتٍ مقهورة، يبكي دموعًا انهكت روحه البريئة حتي فاض به.
ربت يوسف فوق ظهره وهتف بخفوتٍ:

"ادعيلها بالثبات عند السؤال وبالرحمة يا حبيبي، كلنا هنروح لربنا في يوم والله، الدنيا دار مؤقتة احنا قاعدين فيها ضيوف لفترة لحد ما ربنا يسترد أمانته ونتلاقى كلنا في الجنة بإذن الواحد الأحد"

استجمع إسلام نفسه قليلًا  وأبعد رأسه عن صدر شقيقه ينظر داخل عينيه يبحث داخلهما عن الحقيقة الصادقة وأردف يتساءل وهو يشهق بعنفٍ:

"هقابلها في الجنة؟"

"بإذن الله يا حبيبي"

وبنفس النبرة سأله إسلام من جديدٍ:

"وهتحضني في الجنة؟"

ضمه يوسف من جديدٍ يُخبئ عنه ضعفه وبكائه علي حاله وما وصل إليه وهتف بنبرة لا شك فيها:

"طبعًا يا حبيبي، هناك النعيم كله، مفيش وجع ولا قهر ولا عياط يا إسلام"

أومأ إليه وابتعد عنه بوهنٍ يمسح عينيه ثم توجه لوالدته المُلقاة جسد بلا روح فوق الفراش يقبل رأسها من جديدٍ ثم أردف وهو يتأملها مليًا يحاول حفر ملامحها داخل ذاكرته لأطول وقت ممكن حتي يلقاها بالجنة بإذن الله الواحد الأحد:

"هشوفك في الجنة يا أمي ماشي؟"

قبلها من جديدٍ ثم أعاد فوق رأسها الغطاء وتحرك مُبتعدًا يخرج من الغرفة بأكملها، أن بقي لثانية أخرى لا يعرف ماذا من الممكن أن يحدث له.

_____________________________

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عاملين إيه يا حلويات؟ وحشتوني أوي والله بجد، عارفة إني بقالي سنة بقولكم علي الحلقة دي واتأخرت بشكل مبالغ فيه😂😭

بس أنا جيت أهو الحمد لله، لسة فيه جزء تاني للحلقة دي بإذن الله قريب خالص هتنزل، قريب بجد متقلقوش😂

كلنا في فاينل غالبًا وحب الروايات والكتابة والقراءة بييجي في الفاينل معروفة🫣

صحيح نسيت أقولكم، كنتم رفقائي في رحلة الثانوية العامة والحمد لله أنا حاليًا دخلت الجامعة😂🫣

حاليًا في آداب القاهرة قسم تركي🫣😂❤

لو حد هناك ونتقابل معنديش مانع أبدًا بالعكس هبقي مبسوطة أوي والله❤

بالنسبة للاسئلة علي الرواية بحيث نهايتها أنها مفتوحة
الرواية يا جماعة نهايتها مش مفتوحة خالص!
عيالهم فتحوا الشقة أيوة بس هما عارفين الحل أنهم يرجعوا يحرقوا الشقة من تاني، ف دي مش نهاية مفتوحة ده نوع من أنواع الهزار يعني أنها تتقفل كده لكن هي مش مفتوحة لأنهم عارفين الحل.

وبالنسبة للاسئلة سواء علي الحوت أو الجزيرة أو كل شيء، الرواية خيالية من وحي خيالي بس وهي جت في دماغي كده وكل اللفة دي عشان يوسف يوصل لأخوه😂وهي اللعنة من ساعة ما وليد أبو يوسف وهي بتتنقل منه بنفس التفاصيل ليوسف ونوران كمان لأن مصيرها كان مكتوب مع يوسف وكمان عيال يوسف وهكذا

لو فيه أي اسئلة اسألوا حبايبي عادي وهرد عليكم إن شاء الله ❤

فيه ناس كتير سألتني علي جزء تاني للرواية دي، فيه أفكار والله وكل حاجة بس الصراحة مش عايزة أفضل زانقة نفسي في شيء واحد يعني عايزة أجرب أكتب في حاجات تانية وكمان هي كانت رواية لايت خفيفة كده، مش أوي يعني الصراحة😂بس شايفة لو كتبت رواية تانية مختلفة هيبقي أفضل، ولا أيه رأيكم؟

بالنسبة للروايات الجديدة برضه بإذن الله انتظروني في رواية جديدة قريبًا🫣❤

انتظروا الجزء التاني من الحلقة الخاصة ❤

متنسوش تدعوا لأخواتنا في فلسطين وفي السودان وفي سوريا

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ❤

فُرض عليهما الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن