"انت هتعمل ايه في حوار ريهام؟"
تحدث يوسف بجدية وهو يجلس بجانب اسلام الذي هتف بتهكم:
"مش عارف خطيبتك قاعدة معاها من ساعة ما فاقت ومش راضية تخليني ادخلها"
"ما تخف علي نوران يا اسلام انت قارش ملحتها ليه؟ انا مش بتكلم عشان عارف انكم بتهزروا وانا بعتبرك اخويا"
اجابه اسلام سريعًا بصدق:
"وانا بعاملها علي انها مرات اخويا المستقبلية واللهِ لو مضايق قولي وانا هخفف كلام معاها"
قاطع حديثهما نوران التي دخلت الغرفة منطلقة كالقذيفة ووجها مقضب يُبشر بما هو قادم ولم تنتظر حتي يسأل احدهما وتشدقت من تلقاء نفسها:
"انا السبب"
نظر اليها يوسف مستفهمًا فأكملت وهي تحك عينيها تحاول كبح رغبتها في البكاء:
"انا السبب في اللي حصل لريهام"
اردف اسلام بدهشة وحاجبيه مقضبين بحيرة:
"ازاي يا بنتي؟ هو حصلها ايه اصلًا؟"
أردفت وقد انسدلت عبرة فوق احدي وجنتيها رغمًا عنها:
"لما قلت انها كانت بتكلمك يوم الفرح وكل اللي حصل ده طبعا الفرح باظ وهي راحت قالت لأمها انها مش عايزة تتجوز الواد اللي كان متقدملها"
قاطعتها ابتسامة اسلام السعيدة التي كادت تشق وجهه من فرط سعادته وتنهيداته الحالمة فأردف يوسف موجهًا حديثه اليه:
"اصبر يا استاذ رشدي اباظة علي ما نوران تكمل"
أكملت نوران بعدما زفرت بقوة:
"امها قالت لأبوها وابوها قال انها بتحب اسلام ورافضة العريس عشانه وحلف ليقتلها عشان جابتله العار"
قاطعها يوسف باستنكار جلي من الذي يؤذي فلذة كبده بتلك الوحشية ولأجل ماذا؟ انها لا تريد ان تتزوج من احد الرجال؟! فليذهب الرجل للجحيم وتبقي ابنته بجانبه!
"هو لسة فيه ناس كده؟؟"
"انا السبب يا يوسف"
اردف اسلام تلك المرة وعينيه مُثبتة فوق بؤرة ما في الفراغ:
"لا يا نوران انا اللي كنت دايمًا احاول اتكلم معاها واقولها اني بحبها واقفلها تحت البلكونة لحد ما خليت ابوها يشك انها بتحبني"
واسترسل بحزن جلي تراكم في قلبه بعدما كان سعيدًا للغاية:
"انا مش عارف اعمل ايه"
وضع رأسه بين كفيه فربت يوسف فوق ظهره عدة مرات وقال مشجعًا اياه:
"ربك هيعديها وهتتيسر زي ما اتيسرت قبل كده بدل المرة مليون"
انتبه لتلك الشهقات الخفيضة فوجد نوران تبكي وتنتحب ضيقًا واختناقًا بعدما حملت ذاتها ذنب جلي ذنب تلك الفتاة المسكينة.
تتهد يوسف بضيق فاض به قلبه مع رؤيته لتلك العَبرات تغرق وجنتيها وقال بخفوت:
"هوني علي روحك يا نوران ده قدر وكان مكتوب"
تعالت شهقاتها واردفت بصوتٍ مبحوح:
"ونعم بالله بس هو مكنش هيحصل لو انا كنت حطيت لساني جوا بوقي"
"ده انتِ تموتي لو حطيتي لسانك في بوقك!"
"ماما"
كانت تلك الجملة الاخيرة من نصيب والدتها التي دلفت للغرفة فجأة... نهضت نوران والقت بجسدها في احضان والدتها باكية فاحتوتها والدتها بحنو وهمست اليها:
"انا عرفت كل حاجة"
تعجبت نوران وتبادلت مع يوسف النظرات المُبهمة وقالت:
"زي ايه؟"
مسحت فوق حجاب نوران برفق وقالت ندم حقيقي نابع من قلبها:
"كل حاجة... حقك عليا يا بنتي كنتي لما تيجي تقوليلي مهتمش واقول انك بتألفي من صغرك ومفيش حاجة حقك عليا يا نور"
"انا مش زعلانة منك يا ماما بس انتِ عرفتي منين؟"
دلف والد يوسف للغرفة وخلفه زوجته السابقة والدة يوسف وهتف بثبات:
"عرفت مني"
نهض يوسف من موضعه ينظر اليه بتعجب أقص علي والدته ووالدة نوران ما قاله له؟ حتي انه لم يكمل له بعد كل ما حدث في ماضيه!
"انا هحكي قدامكم كلكم اللي حصل عشان ابقي خليت ذمتي من اي حاجة"
نهض اسلام بحرج من تلك المناقشة العائلية التي لا دخل له بها واردف وهو يتوجه للخارج:
"عن اذنكم يا جماعة"
اوقفه والد يوسف قبل ان يخرج وتفوه:
"انت معانا في الموضوع ده ومن حقك تعرف كل اللي حصل"
"معاكم ازاي يعني؟"
نظر اليه نظرات مبهمة لم يستطع اي من الجالسين ترجمتها وهتف بنبرة آمرة:
"اقعد واسمع"
نظر اسلام الي يوسف متعجبًا فأشار له الاخر ان يجلس صامتًا حتي يروا ماذا يريد والده....
"ابوك هيعترف"
قالت نوران بحماس وهي تعتدل فوق فراشها فنظر اليها يوسف صامتًا لبرهة لا يفهم ما سر ذلك الحماس ثم اردف:
"انتِ مبسوطة ليه؟"
"مش قولتلك يا يوسف انها عبيطة مصدقتنيش"
كادت تعنفه بعد كلماته تلك ولكن قاطعهم والده قائلًا:
"دلوقت الأمور مكشوفة قصادنا كلنا احنا هنحاول نحل المشكلة دي واسلام ومحمد معانا في الموضوع طالما انا السبب في اللي حصلهم"
حدقهم اسلام بتعجب ما دخل ما يحدث له ولأخيه بوالد يوسف؟
هتف ولم يخف عنهم دهشته القوية:
"وحضرتك دخلك ايه بالموضوع ده وانا مالي؟"
"محمد فين؟"
رد بتساؤل اخر ليس له علاقة بما تساءل به اسلام وكأنه لم يتحدث من الأساس فنظر الي يوسف بضيق فأشار له الأخير ان ينتظر ليفهم الجميع ماذا يحدث وماذا يريد والده....
صمت طغي علي الغرفة لبرهة حتي استرسل والد يوسف وهو يشير اليه والي نوران:
"انت ونوران كتب كتابكم يبقي في خلال يومين بالكتير"
رفرفت نوران برموشها بصدمة جلية اعترتها بالكامل لِم يفرض عليها دائمًا كل شيء!
هي لم تختر يوسف منذ البداية وكذلك خطبتها والان عقد قرانها!
ثم حتي لو انها وافقت... ألم يجد والده وقت افضل من هذا للاحتفال بولده؟؟؟
"بس انا مش جاهزة دلوقت"
"هنجهز كل حاجة"
قال والده بجدية فنظرت الي يوسف وكأنها تستجديه ليتحدث ويعترض علي ذلك الأمر ولكنه صمت ولم يبد اي رد فعل....
ما باله صامتًا؟ ألا يعترض علي هذا التوقيت؟ لم تكن مستعدة تمامًا لأي شيء كل ما كانت تريده اخذ هدنة هادئة بعيدًا عن كل ذلك الضجيج بصحبة احضان والدتها الدافئة حتي تستعيد طاقتها المُهدرة....
وهي تعلم تمام العلم انه كذلك مثلها يرغب بالهدوء والشعور بالسكينة لفترة قصيرة ليسترد انفاسه المبتورة لم يكن ذلك الوقت المناسب نهائيًا من وجهة نظرها لعقد قرانها كما تصورته في خيالها لا تمتلك الطاقة اللازمة لفعل ما ترغب به للاحتفال بتلك المناسبة السعيدة.
"يوسف عايزاك ثواني"
خرجت من الغرفة وذهب هو خلفها وهو يعلم ما الذي ترغب بقوله.....
"انت معترضتش ليه وقلت لا نستني شوية؟"
"عشان شايف ان ده اكتر وقت مناسب"
اعترتها الدهشة من حديثه لم تكن تتوقع ان يكون ذلك رأيه حقًا
"ازاي؟"
ابتسم بتعب وزفر بعمق ثم اجابها:
"عشان محتاجين نفرح شوية ونفصل عن اي حاجة تانية ونهتم بتفاصيل تفرحنا بدل الغم والتعب اللي محاوطنا عايزين نصنع عالم سعيد نخرج بيه من كوكب الاحزان ده"
لِم يستطيع اقناعها بتلك السهولة؟ وبكلماتٍ صغيرة بسيطة بصوتٍ هادئ رزين دون اي جدال منهك لكلاهما رغم انها كانت علي اتم الاستعداد لخوضه!
ابتلعت لعابها واستفسرت بعدم فهم:
"طب وباباك رأيه من رأيك؟"
"لا في حاجة في دماغه انا مش فاهمها بس المهم ان كلامه ده ليه نتيجة ايجابية علينا كلنا ولو كان غير كده انا كنت رفضت اكيد اهم حاجة راحتنا احنا"
مطت شفتيها وهي تفكر في الأمر ما مصلحة والده بعقد قرانهما؟
"ابوك ده الراجل الغامض بسلامته"
"مين؟"
"اللي سعاد حسني كانت بتغنيله"
"يلا يا نوران الله يهديكِ نروح انتِ بقيتي كويسة صح؟"
تهكمت وهي تتجه للداخل قائلة:
"انت لسة فاكر؟"
"واللهِ انا اللي هقع من طولي دلوقتي من كتر التعب"
تأملته بشفقة هو بالفعل لم ينل للراحة طعم منذ زمن فأسبلت بعينيها قائلة برفق:
"معلش ربنا يهونها عليك يارب ويقويك هخش اقول لماما عشان نروح"
كادت تصطدم بإسلام اثناء دخولها للغرفة ولكنها انتبهت له والي نبرة صوته المرحة وهو يهتف:
"يا سلام علي الدلع"
"بس ياض"
دخلت الغرفة هي واغلقت في وجهه بعدما اخرجت له لسانها بغيظ واضح لا تفسير له ولكنه متبادل بينهما....
"هروح اشوف ريهام"
"طيب اعمل حسابك انك هتيجي تقعد عندنا انت واخوك ولو ريهام الدكتور كتبلها علي خروج هتقعد مع نوران ووالدتها"
احمّر وجهه حرجًا وفرك مؤخرة رأسه وهو يهتف بمحبة اخوية صادقة:
"مش عارف اقولك ايه يا يوسف واللهِ انت اكتر من اخ بالنسبة لي"
"يا عم مفيش حاجة احنا اخوات فعلًا"
ابتسم له يوسف بلُطف وراقبه وهو يذهب باتجاه غرفة ريهام
عاد الجميع الي المنزل وبرفقتهم ريهام التي اعتنت بها نوران بقوة وكأنها تحاول ان تقلل من عذاب ضميرها تجاه تلك الفتاة..
في منزل نوران......
نهضت والدتها مُرحبة بوالدة يوسف التي ستبيت ليلتها معها هي ونوران وريهام والشباب ووالد يوسف في شقته.
"نوران هاتي ورقة وقلم خلينا نجهز حاجة كتب الكتاب ونحسب هنجيب ايه ونعمل ايه"
نهضت نوران وفي طريقها طُرق الباب فغيرت طريقها واتجهت لفتحه لتجد يوسف ومعه اسلام ومحمد ووالده خلف الجميع ويوسف يحمل اكياس كثيرة من الظاهر انها طعام!
"خدي مني يا نوران"
ناولها بعض من الاكياس لتجدها ساخنة تخرج منها رائحة دغدغت الجوع الذي لا ينتهي بداخلها وخاصةً وهي تستنشق تلك الرائحة المحببة الي قلبها رائحة السمك المشوي.
"مين يا نور اللي علي الباب؟"
دلف اسلام وعينيه تجول في المكان ايابًا وذهابًا يبحث عنها واجاب والدة نوران هاتفًا:
"احنا يا طنط"
نهضت مرحبة بهم جميعًا وذهبت نوران لتجلب اطباقًا لتضع الطعام فوقها...
تجمع الجميع فوق الأرضية حول الطعام ونوران ووالدتها يضعوا الطعام امام الجميع...
"تعبت نفسك يا يوسف يا ابني"
"لا تعب ولا حاجة يا طنط بس الانسان جعان الصراحة"
هتف مبتسمًا وهو يضع الطعام في فمه بينما اسلام عيناه تجول في المكان بحثًا عنها ولكن لم يلمح لها طيف.
"هو انسة ريهام فين؟"
"نايمة يا حبيبتي وتعبانة انا شلتلها منابها"
قالت والدة نوران وهي تشير الي الطعام الذي وضعته بعيدًا لريهام.
مضغ اسلام الطعام بخيبة امل وهو يومأ إليها
صمت الجميع قليلًا حتي قاطعهم يوسف هاتفًا:
"عايزين نجهز حاجة كتب الكتاب"
اشارت نوران الي الاوراق التي احضرتها لوالدتها وعقبت علي حديثه ضاحكة:
"احنا كنا لسة بنقول بسم الله"
"احنا ناكل ونشوف هنعمل ايه"
وافقه الجميع حتي انتهوا وذهبت نوران لتصب الشاي لهم بينما والدتها في الخارج تخط بيدها البسملة في بداية الصفحة وبسمة دافئة فوق شفتيها والجميع متفرق حولها صامتين منتظرين ما سوف تقوله.
"ها يا يوسف؟"
ارتبك لبرهة لا يعرف ماذا يقول لقد كان دائمًا المدعو لتلك المناسبات السعيدة لأول مرة يكون هو صاحبها ومسؤول عن كل ما سوف يحدث بها.
"مش عارف والله هنجيب مأذون"
قال ببلاهة مبتسمًا فصفق له اسلام بقوة ضاحكًا وهتف بفخر مصطنع:
"هتكتب الكتاب وتجيب مأذون؟ هذا ما لم نسمع به من قبل بارك الله فيك"
قذفه يوسف بالوسادة مع نظرة محذرة من عينيه فتفاداها اسلام وهو يكبت ضحكاته.
"قصدي هتعملوا دوشة وهيصة وكده ولا كتب كتاب سُكيتي؟"
"اللي نوران تشوفه"
هلت نوران بصنية فوقها اكواب الشاي الساخن ولفت عليهم جميعًا لتعطي كل واحد كوبه حتي جاء دوره فانحنت قليلًا حتي يأخذ الكوب من فوق الصنية فالتقطها مبتسمًا بلطف هامسًا بما لم يسمعه سواها:
"تعرفي انك مقدمتليش حاجة يوم ما اتقدمنا؟"
كبحت ضحكة ساخرة كادت ان تغلبها وتظهر فوق شفتيها وهي تبادله الهمس:
"علي اساس ان كان فيه فرصة انك تتقدملي اصلًا؟"
"ياستي قلبك ابيض بقي"
ابتسمت اليه موافقاه في الرأي وكادت تعقب علي جملته الأخيرة لولا والدته التي هتفت بنبرة حادة بعض الشيء:
"هو في حاجة يا يوسف؟"
"سلامتك يا ست الكل"
لمح الغيرة لأول مرة في أعين والدته فهي من كانت تحثه علي الارتباط بنوران ماذا حدث الان؟
أنت تقرأ
فُرض عليهما الحب
Fantasiعالم جديد ابتلعهما فرض عليهما الحب ولكن أيستسلما له أم يقاوما تيار الحب الجارف الذي امتلكهما؟