"ماما لما سارة وبابا ييجوا اوعي تجيبي ليهم سيرة بأي حاجة حصلت الفترة اللي فاتت تمام؟"
"عيب عليك يا ابني سرك في بير!"
"واللهِ انا ما خايف الا من البير المخروم ده"
"يا واد عيب عليك حط في بطنك بطيخة صيفي محدش هيعرف حاجة"
وبالفعل قالت وصدقت لم يعرف احد ما حدث له باستثناء بعض الجيران مثل الخالة فوقية وابنها الذي يعمل في ورشة لأعمال النجارة كان يمر من أمامه فأوقفه وهو يرسم فوق وجهه امارات الحزن والشفقة وهتف بتأثر:
"يا عيني يا استاذ يوسف انت ملبوس؟"
وباستثناء سائق التاكسي الذي أخبرهم عن الدجال الذي ذهبوا إليه وحمدًا لله آفاق يوسف من غيمته قبل أن يتورط في تلك الأعمال.
حسنًا فليرحمه الله من لسان والدته الذي يخرج كل أسراره لكافة البشر.
فتح باب منزله ينوي الخروج ولكن انتفض فزعًا حينما استمع الي نبرتها الصارمة توقفه قبل أن يذهب سريعًا:
"رايح فين؟"
"يا بنتي خضتيني بنبرة الشاويش عطية دي"
"رايح فين؟"
"هتمشي"
"استني هاجي معاك"
نظر إليها مستنكرًا فهي تبادر لأول مرة بشيء كهذا ولكنه وافق وانتظر حتي بدلت ملابسها وعادت له
"يلا؟"
"اه هنروح فين؟"
"علي فكرة أنا كنت رايح لوحدي وانتِ لزقتي"
أمسكت حقيبتها تجذبها بعنف بينما تحدقه بنظراتٍ نارية احتقاريه
"وانت فاكرني طايقاك عشان أخرج معاك؟ ده غيرك مش طايل النعمة اللي انت فيها فوق يا يوسف فوق!"
نبرتها الدرامية وهي تشير لنفسها بغرور جعلته يقهقه بقوة علي ما تقول من اين لها بتلك الكلمات والافعال المتناقضة؟
"انتِ اللي قايلالي هتيجي معايا يبقي ازاي مش طايقاني؟"
"ملكش فيه"
امسك بحقيبتها يجذبها حتي لا تذهب وهتف برفق:
"انا بهزر واللهِ انا كنت جاي اخبط عليكِ استأذن مامتك أننا ننزل نتمشي سوا بس افتكرت انكم متبهدلين في تجهيزات الخطوبة فقلت مشغلكيش"
"يا حنين يا مُراعي!"
سخرت من كلماته رغم أن كلماته الحانية اللطيفة أخمدت كل طاقة غضبها تجاهه.
"يلا نمشي؟"
"يلا"
ذهبا معًا الي كوبري يطل علي النيل فهتف وهو يشير إلي مقهي قريب:
"تعالي نقعد في الكافيه هناك"
"لا تعالي نقعد ادام النيل كده احسن حيث الهواء الطلق"
جلسا أمام المياه ينظران أمامهما بصمت حتي تحدث هو حينما لمح عربة لمشروب "الحلبسة"
"تشربي حمص الشام؟"
"الله ده انا بحبه اوي قوله زود الشطة"
"عيني"
ذهب وعاد بعد بضعة دقائق يحمل المشروب الساخن له ولها.
ناولها إياه فأخذته بابتسامة واسعة يذكرها بوالدها الراحل كان يعلم بعشقها لذلك المشروب فيأتي به لها في كل مرة كان يأخذها هي ووالدتها ويذهبوا في نزهة عائلية لطيفة.
"تسلم يا ابو الرجولة"
"ابو الرجولة!"
"اه كناية عن الشهامة والرجولة وكده"
"كناية! انا مدرس فيزيا يا بنتي فوقي"
تأففت بضيق هي تكره تلك المادة بل وكانت اكبر كوابيسها في الثانوية العامة.
"يا عم انا كنت بصحي اصرخ بالليل بعد ما حلمت اني شلت المادة الفقر دي"
"ليش بتكذب يا وليد؟ احنا بنصحي نصرخ من العفاريت اللي علي جتتنا"
"لا بتكلم بجد عقلك كان فين وانت بتختار تبقي مدرس فيزيا!"
"مش عارف اقولك ايه واللهِ بس انا بحب المادة جدًا انا جايب فيها ستين من ستين في الثانوية العامة"
"ما شاء الله ده انت عبقري يا ابني ده انا جايبة 31 من ستين بعد الملحق كمان!"
ضحك بقوة علي ما تقوله هو يعلم أن تلك المادة كانت عقدة الكثير ومازالت كذلك ولكنه كان يحبها ولا يعرف لِما فاختار أن يبسط للجميع تلك المادة ويشرحها لهم بسلاسة ويسر لعلهم يغيروا فكرتهم عنها.
نظر اليها بتسلية يستفزها بكلماته الساخرة:
"يا ساجط يا ساجط"
"انت هتعايرني؟"
هز رأسه نافيًا بابتسامة واسعة وهتف برفق:
"لا يا ستي انا جعان تعالي نروح المطعم ده ناكل"
"انا مبحبش قاعدة المطاعم روح هات الاكل تيك اواي وناكله هنا"
"ليه يعني؟"
"معرفش بس يعني هنا هنبقي قاعدين براحتنا وفي الهوا ومحدش بيتفرج علينا انا بحس أن الناس كلها في المطعم بتشوف انا باكل ازاي"
هز رأسه موافقًا بعدما استمع لوجهة نظرها الغريبة بالنسبة إليه وهتف مستفسرًا:
"طب تاكلي ايه؟"
"يا عم هات سندوتشات كبدة"
"هخرج خطيبتي أكلها كبدة!"
"وسجق"
صفق بيديه متعجبًا مما تقوم بطلبه ولكنه استسلم وذهب في النهاية ليحضر ما ترغب.
عاد بعد قليل وفي يده حقائب بلاستيكية تحوي الطعام فأخذتها منه تضعها فوق السور أمامهما وهتفت تتساءل بينما تخرج الطعام له ولها:
"تفتكر ابوك واختك هيحبوني؟"
"وهما يحبوكِ ليه هما مالهم؟"
توقفت عن قضم الطعام تنظر اليه باستغراب فاسترسل يوضح لها:
"يعني انا هعرفهم عليكِ مش اكتر يحبوكِ ليه بقي هما اللي هيتجوزوكِ؟"
توقفت عند جملته الأخيرة ولكنها لم تعقب وانهمكت بالطعام.
"تفتكري خلاص خفينا؟"
"يارب يا يوسف بجد"
لم يشاهدا شيء ولم يسمعا كذلك منذ تلك الليلة وما حدث له والحمد لله علي نعمة اليوم الطبيعي الذي يمر دون أي بلاء لن يقدرا علي تحمله.
"أنتِ جبتي فستان الخطوبة؟"
"لسة"
"طب يلا نروح بالليل نجيب فستان ليكِ واشتري ليا قميص جديد"
"انت مش هتلبس بدلة ؟"
"لا خليها مميزة للفرح"
ابتسمت توافقه الرأي الاشياء المميزة للذكريات الخالدة وذكرى كذكرى الزواج يجب أن يكون كل شيء بها مميز... مميز للغاية.
"نوران عايز أسألك علي حاجة وتجاوبيني من غير هروب تجاوبيني بجد"
"يا ابني انا متربية علي الصراحة"
تنهد بثقل وهتف بعد برهة من الصمت:
"أنتِ مش مجبورة تكملي في الخطوبة دي هي اتفرضت عليكِ وانا بقولك دلوقت أن معلكيش اي قيود"
يحصرها في زاوية لن تستطيع الخروج منها إلا بإجابة ترضيه أو حتي لا ترضيه ولكن تلك الأرض المائعة التي يقف عليها لا تعجبه يريد إجابة حاسمة في ذلك الأمر.
"هو انت كل ما تبقي فاضي تسألني السؤال ده؟"
"يا بنتي بطلي تلفي وتدوري"
حسنًا ماذا تخبره؟
هي لا تريد أن تفض الخطبة تشعر بالارتياح برفقته والسكينة في حضرته يوسف بسيط وعشوائي غير متكلف بالمرة وهذا يعجبها فيه ولكن كيف لها أن تشرح له الامر؟
لن تستطيع أن تخبره بكل بساطة أنها تريده برفقتها أليس كذلك؟
علي الاقل لن تكون هي من تبادر بالخطوة الأولي.
"يوسف بجد انا مش بلف وادور بس كل ما نتكلم كلمتين تسألني السؤال ده"
"عشان محتاج إجابته"
"ولو مكنتش موافقة كنا وصلنا لنقطة أن احنا رايحين نشتري فستان خطوبتنا؟"
حسنًا هي غبية تعترف ولكنها لا تحب ان تكون بأكثر من وجه هي صادقة مع ذاتها وهذا يكفي.
تكره كثرة الحديث بلا جدوى يريد أن يعرف رأيها في ذلك الأمر وها هي تخبره ببساطة.
زينت الابتسامة شفتيه شيئًا فشيئًا حتي أصبحت واسعة عريضة تصل من أذنه اليمني لشقيقتها في الجهة اليسرى.
"مالك يا اسطا؟ ايه السعادة دي؟"
"مبسوط بإجابتك"
كادت بسمة ناعمة تطفو فوق شفتيها ولكنها قتلتها حينما هتفت صائحة بحدة:
"بطل تلزيق!"
انكمش وجهه ضيقًا بعدما كان يحدق بها مبتسمًا بسعادة وهتف بجزع:
"يا شيخة بقي يا شيخة يخربيت الفصلان"
"قوم نشتري الفستان وبما انك اللي هتدفع فأنا عايزة هيلز وطرحة وبندانة وفستان تاني احتياطي"
"حد قالك اني سارق بنك؟"
"لا حد قالي انك مدرس فيزيا وبتاخد في كرشك اد كده"
تحركت أمامه تاركة إياه يضحك بقوة علي ما تفوهت به تتحاشي النظر إليه وهو يضحك بتلك اللطافة وعلي شفتيها بسمة صغيرة سعيدة بحياتها الجديدة.
"حلو ده؟"
"شكله لطيف"
"الرمادي فيا بيبقي حلو"
"قيسيه"
"لا خليه مفاجأة"
ابتسم وهز رأسه موافقًا وذهبا ليحضرا ملابسه.
انتقت هي قميص رمادي يشبه لون ثوبها وبنطال اسود نالا إعجابها.
نظرت إليه بينما تشير الي الملابس هاتفة:
"ايه رأيك؟"
"انا مبحبش الرمادي فيا بس وماله نجرب"
تحطمت اللهفة من فوق وجهها وهتفت بإحباط:
"خلاص شوف غيره"
"لا انا اشتريته خلاص"
ذهب ودفع ثمن الملابس دون أن يعطي لها فرصة للرد ثم عاد اليها مبتسمًا وبيده الحقائب يشير الي ملابسهما هاتفًا:
"هنطقم مع بعض؟"
"انت لطيف اوي يا واد يا يوسف"
"واد؟ ماشي يا ستي تشكري المهم اني لطيف"
عادا معًا بعد يوم لطيف قضاه معًا ولكن من الظاهر أن ما تبقي من اليوم لن يكون لطيف أبدًا!
من تلك التي استقبلته بالقبلات والاحضان الحارة؟!
وفي حضرتها؟ حتي كانت تنتظر ان تذهب هي لمنزلها ثم تفعل ما تريد!
يا لوقاحة الانسان!
وما باله مستمتع لتلك الدرجة؟ بل ويبادلها العناق باخر أشد حرارة؟
حسنًا انتهي ما بينهما من قبل أن يبدأ.
عادت لعقلها حينما استمعت لوالدته وهي تركض بلهفة تجذب تلك الفتاة منه تضمها إليها هاتفةً باسمها بلوعة :
"وحشتيني يا سارة كل دي غيبة يا بنتي"
سارة؟ نعم شقيقته حسنًا انذار كاذب... لن ينتهي شيء.
تحرك يوسف من مكانه وذهب ليقف بجانبها هامسًا بتسلية:
"ودنك بتطلع دخان ليه؟"
كعادتها لا تتهرب من الحديث أبدًا حتي أنها لا تسمع ولا تري ولا تشعر
"انا؟ لا دي سجاير ابوك هتولع فينا"
نظر لوالده فوجده ينظر لهم جميعًا والسيجار بين شفتيه وحوله غيمة من الدخان أثر تلك اللعينة في يده.
"شايفة الحرارة اللي ابويا استقبلني بيها؟"
كاذب بالطبع والده يقف يستند علي حافة الحائط يحدق بهم جميعًا بنظراتٍ غامضة مبهمة دون كلمة والسيجار في فمه ما باله ذلك الرجل؟
"ابوك بيفكرني باحمد رمزي كده واد تقيل"
"ابويا واد تقيل؟"
"هو انت كنت بايت في حضنه امبارح هو معبركش بابتسامة حتي ليه؟"
"أصلنا بقالنا سنين مشوفناش بعض هي مدة بسيطة كده متستدعيش الاشتياق"
هتف بسخرية بينما يضحك ولكنها شعرت بحزنه ما باله ذلك الرجل حقًا؟ كيف له أن يكون قاسي القلب هكذا ويقف بكل ذلك الجمود بينما يحدق بالجميع متجاهلًا ولده الذي لم يراه منذ سنوات؟
"فكك منه يا واد يا يوسف ميلزمناش الراجل التقيل ده"
تحدثت سارة شقيقته بابتسامة واسعة وهي تشير إليها:
"چو دي خطيبتك صح؟"
"أيوة"
قيمتها بنظراتها الشاملة ثم مدت يدها إليها مبتسمة بتكلف:
"انا سارة اخت يوسف اتشرفت بمعرفتك"
ابتسمت نوران إليها ومدت يدها تبادلها التحية.
دلف الجميع شقة يوسف ليرحبوا بوالده وشقيقته.
"انت مش شبه ابوك واختك خالص للأسف"
قالت نوران وهي تهمس له بينما تتأمل الضيوف الجُدد فعقب مستنكرًا:
"للأسف؟"
"انا قلت للأسف؟"
"اه"
"ذلة لسان"
حسنًا لما ينظر والده لوالدتها نظرات "حمدي الوزير" تلك؟
"هو ابوك بيبصبص لأمي ولا انا بيتهيألي؟"
"لا هو فعلًا بيبصبصلها"
تحدث والده لأول مرة منذ أن رآه بنبرة رخيمة هادئة يوجه حديثه لوالدتها:
"حضرتك أخت خطيبة يوسف؟"
تدرجت الحُمرة فوق وجنتي والدتها وتحاشت النظر إليه بينما تهمس بخفوت:
"لا انا والدتها"
صدمة مزيفة تجلت فوق قسمات وجهه حينما هتف سريعًا مستنكرًا ما تفوهت به:
"والدتها؟؟ اكيد بتهزري!"
ترك كرسيه وذهب لآخر قريب منها بخطواتٍ هادئة واسترسل حديثه متغزلًا بينما يجلس بقربها ويرفرف بأهدابه بوله:
"هو ستات مصر بقوا حلوين اوي كده؟"
اطلقت والدتها ضحكة قوية اثر كلماته التي تتغزل بها بينما تجلس نوران في عالم موازي يسقط فمها حتي قدميها من صدمتها مما يحدث بينما يوسف يراقب ما يحدث صامتًا وعلي شفتيه ابتسامة مستمتعة.
"انا امي اتشقطت؟"
"مبارك عليكِ يا نوران كسبتي معانا حما وعليه جوز ام هدية".
أنت تقرأ
فُرض عليهما الحب
Fantasyعالم جديد ابتلعهما فرض عليهما الحب ولكن أيستسلما له أم يقاوما تيار الحب الجارف الذي امتلكهما؟