"هلا بالخميس هننزل نجيب الدهب؟"
تثاءبت بعمق تشعر بالنعاس يغمرها لا تنم الليل الا قليلًا بسبب حوتهما الثائر منذ ايام يصرخ وكانه يطلب الاستغاثة منهما وهما يستغيثان من صوته المُهلك لأعصابهما التالفة.
"نمتي مني؟"
"لأ صاحية اهو"
"ها هننزل؟"
"انت ملهوف علي ايه يا جدع انت؟"
"معرفش الصراحة طول عمري عايز اروح محل دهب وخطيبتي توريني الدبلة اللي عجبتها والزغاريد والجو ده جو لطيف"
"ملزق"
"اسم الله عليكِ ياللي كنتي بتكيدي العوازل من يومين"
"علي اساس مكنتش بترقص مع العوازل نفسهم؟"
"انا مش هخلص منك يام لسان مترين ونص انا امي لبست وجهزت وعمالة تزعقلي عشان البس فيه عريس بيروح يشتري دهب الساعة حداشر الضهر!"
"مين سمعك؟ ماما بتلبس الدهب كله عشان تكيد العوازل"
تنهدت بيأس وهي تراقب والدتها ولكنها لم تبالي وعادت تتحدث معه متسائلة:
"انت منتظم علي العلاج اللي الشيخ قال عليه؟"
"اه واللهِ القرآن مش بيتقطع من البيت والمسك وكل الحاجات دي بس مفيش فايدة"
"ما قولتلك من الاول"
"يلا يام العُريف هروح اشوف امي"
"باي يا سوفي"
تعمدت نطق اسمه بتلك الطريقة التي تنعته بها والدته حتي اغلق الهاتف بوجهها هما لا ينها مكالمة أبدًا بطريقة هادئة طبيعية يجب أن يغلق أحدهما في وجه الآخر.
"يلا يا نور قومي البسي"
"يا ماما الساعة حداشر لا اله الا الله!"
"يلا يا بت ده يادوبك نلحق"
ذهبت مُرغمة وهي تتمني أن تمر الليلة علي خير أو النهار.....
فتحت خزانة ملابسها تبحث عن ملابس تناسب تلك المناسبة.
وقع اختيارها علي ثوب بنفسجي من اللون "اللافندر" يخالطه اللون الابيض بشكل بسيط ينسدل فوق جسدها باتساع طفيف ولفت الحجاب حول وجهها الدائري بطريقة مناسبة لشكل وجهها وارتدت حذاء باللون الابيض كحجابها.
نظرت لنفسها في المرأة تتأكد من مظهرها عيناها الباهتة وتلك البقع السوداء أسفلها من الارهاق وقلة النوم كذلك بشرتها الشاحبة..
وضعت مرطب شفاه لعله يخفي شقوق شفتيها الجافة ومشطت رموشها القصيرة بعض الشيء وحاجبيها كذلك.
أن رأتها والدتها بتلك الهيئة سترمقها باشمئزاز وتنعتها بالشابة العجوز كعادتها.
حبوب بغيضة منتشرة فوق جبينها اثر حالتها النفسية الغير مستقرة حاولت مدارتها ولكن لم يفلح الأمر فتركت وجهها كما هو بهالاتها السوداء وحبوب جبهتها وشحوب وجنتيها.
"ماما انا لبست"
"ما تحطي روج حتي يا بنتي ده انت مكملتيش عشرين سنة وشكلك عامل زي الولية المتطلقة ومعاها عيلين تلاتة"
"يوه يا ماما انا هستناكم برا"
فتحت الباب تزامنًا مع صوت اغلاق باب الشقة المقابلة رفعت عينيها السوداء نسبيًا فوجدته أمامها يرتدي قميصًا ابيض وبنطال اسود وصفف شعره لأول مرة تقريبًا فهو لا يعاني جهد تصفيف شعره ويتركه عشوائيًا للغاية وللأمانة هي تحب تلك العشوائية كما حياتها تمامًا.
"فستانك حلو اول مرة اشوفك لابسة فستان"
ابتسمت بخجل ونظرت إليه قائلة بخفوت:
"وانت اول مرة تسرح شعرك"
سقطت الابتسامة من فوق شفتيه ونظر إليها باستنكار هاتفًا:
"قصدك اني معفن؟"
"انا قلت كده؟"
"كلامك معناه كده"
"لا انا اصلا مبحبش الحاجة تبقي مظبوطة زيادة عن اللزوم يعني العشوائية ساعات بتبقي حلوة"
عادت ابتسامة عريضة تُزين شفتيه واعتبر حديثها ذلك مغازلة له.
ذهبوا جميعًا ولم يخلُ الأمر من الزغاريد العالية التي جعلت جميع الجيران تشاهدهم وهم في طريقهم للصاغة.
"حلوة دي يا يوسف؟"
حلقة ذهبية بسيطة للغاية خالية من أي نقشة عريضة نسبيًا أحاطت بها بنصرها
"اه شكلها لطيف بجد ولايقة في ايدك"
"خلاص تمام هاخد دي"
"يلا نقي بقيت الشبكة"
"انا مش هاخد حاجة تانية الدبلة كفاية"
شهقت والدتها وكأنها استمعت لخبر موت عزيز علي قلبها للتو وهتفت باستنكار جلي:
"بس احنا متفقناش علي كده ليكِ مع الدبلة خاتم وسلسلة ودي هدية العريس لعروسته ولا ايه يا يوسف؟"
"واللهِ يا طنط انا بقولها نقي اللي أنتِ عايزاه"
"وانا احملك فوق طاقتك ليه؟"
"يعني ايه؟"
"يعني انت لسة عليك شقة وعفش واوض ومصاريف فرح جبنا دبلة الدهب مش حاجة إلزامية ولو جبنا راحت او جت الدهب ده فلوسك مش حاجة بتاعتي الامور يسر مش عسر"
ومن جديد تدخلت والدتها معترضة:
"يبقي فلوسكم وفي بيتكم يا نور ولو فضلتي منشفة دماغك يكتب في القايمة حق تلاتين جرام هو احنا بنتنا رخيصة؟"
تنهدت بضيق وجهة نظرها بعيدة كل البُعد عن رأي والدتها فقالت بصبر:
"ماما حبيبتي هو الدهب ده اللي هيخليه مش هيطلقني لو هو عايز؟ انا كأني سلعة بتزودوا فيها الفلوس عشان خاطر اللي ياخدني ميفكرش يرجعني بسهولة هو لو مش عايزني بالسلامة انا هبوس ايده واقوله لا مطلقنيش يا اما تدفع حق الفلوس اللي انت كاتبها؟ ده اسمه مقايضة يا ماما وانا مقبلش علي نفسي اني احس اني سلعة جابرة حد يعيش معايا عشان هو معهوش فلوس يدفع تمني ويطلقني"
صمت الجميع وكأن علي رؤوسهم الطير حتي تحدث يوسف مازحًا يحاول أن يهدئ من توتر الأجواء:
"يا جدعان انتم محسسني اني هطلقها الصبح مين قال بس اني هطلقها؟ هكتبلها تقلها دهب بس بلوا الورقة واشربوا مايتها خلاص انا خدت بنتكم ومش هرجعهالكم"
نظرت إليه لتجده يبادلها بنظرة صادقة يوسف ليس من ذلك النوع الذي يمتلك وجهين كان صادقًا في وعده حتي لو كان الأمر مجرد صدفة أنه لن يجرح كبرياء ومشاعر امرأة أصبح اسمها مرتبط باسمه وخاصةً أنه لم يري منها سوى الخير.
"ودي هديتي يا حماتي عشان متزعليش لنوران"
اختار خاتم ذهبي بسيط به نقشة صغيرة ووضعه في يدها هامسًا بلطف:
"مبارك يا نوران"
ابتسمت إليه سعيدة بردود أفعاله الرزينة وكيف أنه جعلها غالية في أعين الجميع وراضي كل الأطراف فبادلته الهمس:
"شكرًا يا يوسف"
انتشرت الزغاريد في المكان وانهالت المباركات عليهما.
خرجت من الصاغة لتتمسك والدته بيدها تهمس إليها بنبرة بدت لطيفة للجميع الا هي:
"بقولك يا نور البت سارة بنتي اسم الله عليها بتفهم في الميكب والحاجات دي ابقي اقعدي معاها كده واتعلمي لما تيجي من السفر"
"ليه يا طنط؟"
"مش عشان حاجة يا حبيبتي واللهِ أنتِ زي بنتي مش قصدي حاجة بس لو مش عارفة تحطي انا قلت اقولك أن سارة فاهمة في الحاجات دي واهو منها تتصاحبوا علي بعض اوعي تكوني فهمتي غلط يا نور!"
رغم ضيقها من حديث والدته إلا أنها استشعرت الصدق فيه فأومأت إليها بعدما قالت:
"انا بعرف بس مش بحب انزل بيه في الشارع ولو علي سارة انا لحد دلوقت مشوفتهاش اكيد هنتقابل في يوم ونتعرف علي بعض"
عادوا للمنزل أخيرًا وأصرت والدتها أن تبيت الذهب معها فتركتها والدة يوسف علي مضض.
"امي أنتِ كنتي بتوشوشي نوران في ايه؟"
"ولا حاجة يابني كنت بقولها أنها لو مش بتعرف تحط مكياچ والحاجات دي اقول لسارة تعلمها"
"ليه بس كده يا امي؟ اكيد زعلت دلوقت"
"واللهِ يا سوفي مكنش قصدي حاجة انا كنت حساها تعبانة كده وكنت عايزة اخليها تتعرف علي سارة وتحط الحاجات اللي البنات بتحطها دي"
يعلم صدق نوايا والدته وأنها لم تقصد يومًا أذية بشر رغم أن طريقة صياغتها للحديث تبدو خاطئة بعض الشيء ولكنها لم تكن تقصد ما فهمته نوران بكل تأكيد وهو واثق من ذلك فقبل رأسها وهتف بهدوء :
"ولا يهمك يا امي حصل خير"
"انا هروحلهم اكلمها لو زعلت مني"
"لا لا انا هكلمها دلوقت تصبحي علي خير"
دلف غرفته واتصل بها بينما هي كانت تحل حجابها واحداث اليوم تمر أمام عينيها من جديد كان يوم لطيف باستثناء حديث والدته في النهاية جعلتها تشك للحظة أنها لا تليق بولدها رن هاتفها باسمه فأجابت وما كادت تتحدث حتي هتف هو سريعًا:
"واللهِ امي مكنش قصدها هي مش بتفكر قبل ما تتكلم بس والله غلبانة وقلبها ابيض حقك عليا لو زعلتي"
صفة جديدة تضيفها لقائمته أنه لطيف.. لطيف للغاية.
"هزعل ليه ياسطا ما انت كنت شبه عفاريت السيدة من قلة النوم"
"تصدقي اني غلطان اني قلت اطايب بخاطرك؟"
"لا لا واللهِ مش غلطان تسلم يا رجولة انا فعلًا وشي كان شاحب كده وبهتان بس مبحبش انزل الشارع بالمكياج والحاجات دي مش برتاح"
"وايه المشكلة يا نوران؟ أنتِ بشر وانا بشر وانا وأنتِ عارفين اللي بيحصل في حياتنا احنا بقالنا يومين مش بننام طبيعي يظهر علينا اثار التعب دي نفسيًا وجسديًا"
علت شفتيها بسمة واسعة مع كل كلمة كان يقولها كانت تشعر أن يوسف حتي ولو كان وُضع أمامها دون رغبة منها إلا أنه الشخص المناسب لها.
ارادت مناغشته بالكلمات كما اعتادا فهتفت وهي تتصنع الصدمة:
"قصدك اني كنت وحشة؟"
"يا نهار ابيض علي نكد الستات اقفلي يا نوران اقفلي"
صم الصوت المعتاد اذانهما في توقيته اليومي فتشدق يوسف بيأس:
"مفيش فايدة بجد"
"هو الصوت بيقرب ولا بيتهيألي؟"
"مش بيتهيألك"
اقترب الصوت وتعالا اقترب حتي شعرا به بجانبهما قريب.. قريب للغاية
"نوران اتشاهدي!"
"يارب انا كنت عايزة اتجوز يارب واخلف واجيب عيال صغيرة"
"وانا كنت عايز اتجوزك"
"ايه؟"
"ايه؟"
"انت شايف بحر؟"
"الازرق ده؟"
"اومال احمر؟"
تلاشت غرفتها من أمام عينيها وكذلك الحال معه شعرا بجسدهما يطير ويُحلق مع الرياح العاتية التي اقتحمت عقارهما ظلا يصرخ كلا منهما باسم الاخر ولكن اختلط صرير الرياح بصوت الحوت الهادر وكذلك صياحهم القوي فاستحال أمر سماعهما لبعض وكذلك الحال مع الرؤية لا يظهر أمامها الا غبار يتطاير غبار يتخبط برائحة البحر المالحة أُلقيا فوق أرض ناعمة للغاية انعم من وسادة فراشهما ورائحة الرطوبة تخنق رئتيهما يكفي رائحة البحر الفجة ولكن تلك ليست رائحة أنها رذاذ .. رذاذ البحر ومن اين اتي البحر؟
أفرجت عن سوداء عينيها لتطلق البصر أمامها مباشرة لتري جمال صُنع الله مياه زرقاء صافية ليست كتلك التي كانت تذهب كل صيف اليها صافية لدرجة تجعل المياه تكاد تنير... تدثرها أشعة الشمس الذهبية فبدت لوحة تسر الناظرين نظرت حولها لتجد يوسف مُلقي ارضًا بجانبها يحدق فيما كانت تُحدق وبنبرة علي وشك البكاء هتف:
"هو ايه اللي جاب القلعة جنب البحر؟"
أنت تقرأ
فُرض عليهما الحب
Fantasiعالم جديد ابتلعهما فرض عليهما الحب ولكن أيستسلما له أم يقاوما تيار الحب الجارف الذي امتلكهما؟