"هو ايه اللي جاب القلعة جنب البحر؟"
دار بعينه بالمكان من حوله البحر يحيطهما من كل مكان جزيرة صغيرة امامهما نهايتها وبدايتها ثم البحر يمتد الي ما لا نهاية...
"بسم الله الرحمن الرحيم اعوذ بالله من الشيطان الرجيم"
"في ايه؟"
أشارت بيدها المرتجفة الي الامام فنظر إلي ما تشير دقق النظر فلم يجد شيء يثير الريبة فهتف بقلق وهو يحاول أن يلاحظ أي شيء يثير الذعر:
"في ايه يا ولية؟"
"ولية!"
"يخربيتك ده وقته!"
"هو انت مش سامع حاجة؟"
"لا الحمد لله، أنتِ سامعة حيتان تاني ولا ايه؟"
اومأت وهي تنظر جهة البحر من جديد تدقق النظر في ناحية معينة هو لا يري شيء بها!
مياه زرقاء صافية وتحرقها أشعة الشمس كما تحرق رؤوسهم!
"أنتِ بتبصي علي ايه؟"
"في حاجة ماشية في البحر"
ارتجفت شفتيها بذعر بينما هو لاحظ ما تشير إليه اخيرًا واستمع كذلك!
"استرها يارب متخافيش احنا علي الارض لو فيه حاجة بجد مش هتعرف تطلعلنا وان شاء الله هيطلع تهيؤات"
ابتعدت بخطوات بطيئة وهي تراقب المتحرك في المياه بروية حتي ظهر أمامهما اخيرًا بعد طول انتظار ايام وايام ذلك الحوت هو من كان يثير رعبهما كل ليلة؟ ذلك الحوت هو من كان يؤرق منامهما يومياً؟ اللعنة عليه ولكن أي لعنة ستكفي للعن ذلك الكائن الاسطوري!
"انا مش شايف أوله من آخره!"
"ده الحوت الازرق ده ولا ايه؟"
"هو مش انقرض؟"
ابتعدا قدر الإمكان بينما هو يظهر من أسفل المياه بشكل واضح تدريجيًا حوت ضخم رمادي اللون تغطيه حراشف كبيرة يناسب ذلك الصوت الذي كان يخلخل قلوبهما كل ليلة يظهر جزء منه من أسفل المياه كلما تحرك تجاههما ضخم لدرجة أنه لو اصطدم بتلك بالجزيرة الصغيرة للغاية ستتفتت لقطع صغيرة داخل المياه وكذلك الحال معهما.
"يا نهار ابيض ده جاي علينا هنعمل ايه؟"
"هنتشاهد"
"انا مش عايزة اموت"
"الموت علينا حق"
"مش عايزة اموت متاكلة"
"يعني انا اللي عايز!"
اقترب للغاية حتي شعرا بالمياه حولهما تثور اثر حركته بها ارتجفت قلوبهما المسكينة إن كان صوته يزعزع ثباتهما الواهي فما بالك برؤية ذلك الكائن المهول ؟؟
أغمضا عينيهما وانتظرا المصير المحتوم ثانية وأخرى وأخرى ولم يحدث شيء وبدأ صوته يبتعد رويدًا رويدًا وكأنه يذهب الجهة الأخرى يبدو الصوت عميقًا بعيدًا ولكنه ما زال قويًا كما كان في عقارهما.
صفير عالي صم أذنها جعلها تفتح عينيها فزعة اين البحر؟ اين الحوت الذي كان سيلتهمها؟ أنها في غرفتها والهاتف في يدها ومستلقية فوق الفراش كانت نائمة؟ أكان كل ما حدث حلم سخيف من عقلها الباطن؟
نظرت لصفير الهاتف العالي بضيق كان يرن باسم "يوسف"
إجابته سريعًا ودون أن تعطي له فرصة للحديث ألقت الكلمات بلهفة:
"انت حلمت بحاجة؟ انا شوفت الحوت والبحر وانت كنت معايا"
ظل صامتًا بضع ثوانٍ لا تستمع الا لأنفاسه الهادرة تليها صوته المتعجب يتساءل بصدمة:
"احلفي بالله!"
"انا هكدب عليك ليه يا جدع انت؟"
"مش موضوع كدب اصلي شوفت نفس اللي بتقوليه وكنتِ معايا برضه ولما صحيت استغربت أن الحوار ده حلم انا كنت حاسس بكل حاجة كأنها حقيقية انا حاسس بالرمل في رجلي"
كان يصف ما حدث معها بكل كلمة كانت تخرج من فمه حتي جملته الأخيرة كان محقًا تمامًا رفعت قدميها تنظر إليها وتفركها بيدها فشعرت بحبات الرمل تلتصق بكفها كادت أن تخبره فسبقها هو حينما هتف بنبرة أكثر تعجبًا وذهولًا :
"انا رجلي فيها رمل وحاسس بالملح بتاع البحر لازق في وشي!"
صمتت لا تجد ما تقوله تلك الأحلام -ان كانت احلام- جديدة عليها كليًا سنوات وهي علي ذلك الحال من قبل مجيء يوسف بأعوام عدة ولكن لم يسبق لها اختبار ما عاشته منذ قليل.
"انا خايفة هو احنا كده ملبوسين؟"
"صلي علي النبي انا معاكِ"
هدأ قلبها المذعور اثر كلماته المطمئنة ولكنها انفجرت ضاحكة حينما هتف:
"يكونشي قرش واحنا مكناش فاهمين؟"
"انت مش عارف الفرق بين القرش والحوت!"
أجابها بنبرة ساخرة:
"لا الصراحة مصادفنيش الحظ وشوفت قرش حقيقي قبل كده"
"يوسف انت عبيط انت مشوفتش قناة ناشونال جيوغرافيك قبل كده؟"
"لا ازاي بتفرج طبعًا بس بحب الحياة البرية اكتر"
"مكونتش بتشوف سمكة التونة العنيدة؟ فايتك كتير بجد لما نتجوز هفرجكك عليه"
"نتجوز؟"
امتلكها الارتباك ما الذي تتفوه به؟ ما لعنة عقلها الباطن اليوم؟ زاد ارتباكها حينما باغتها بسؤاله:
"كان قدامك تقولي لا وانا متأكد أن مامتك كانت هتتقبل رأيك ليه وافقتي؟ وحتي لو اتحرجتي يومها ومعرفتيش تعملي ايه ليه مقولتيش لا قبل ما نشتري الدهب ليه جيتي؟"
أتدري يا يوسف؟ هي نفسها لا تعلم إجابة لكل تلك التساؤلات تعلم أنه كان بإمكانها الرفض وما زال بإمكانها الرفض ولكن هي لا تعلم لِما لا تفض ذلك الموضوع تمامًا فلا تزيد من حيرتها وتخبطها رجاءً.
أنقذها صوت والدته وهي تسأله وتجيب نفسها دون ترك الفرصة له لقول حرف:
"بتكلم مين يا سوفي؟ نور سلم عليها كتير هي عرفت انهم معزومين عندنا؟ قولها بقي أن النهاردة هتيجي هي ومامتها يتغدوا معانا"
كلمات كثيرة أطلقتها والدته في وجهه لِما دائمًا هما آخر من يعلم في تلك الحكاية؟ رغم أنها تخصهما هما وحدهما!
"حاضر يا امي سامعة يا نوران؟"
"اه يا سوفي"
اغلق في وجهها كما اعتاد حتي قهقهت هي بقوة تلك اللحظات اللطيفة الخالية من المبالغة وتصنع شخصية أخرى غير شخصيتها تحبها للغاية ولا تستطيع أن تكون بتلك البساطة الا معه ومع والدتها فقط.
"قومي يا نور البسي هنروح نتغدي عند خطيبك حماتك عازمانا"
"عازمانا علي الغدا يا ماما! الساعة واحدة الضهر دلوقتي هنروح نعمل ايه!"
"يلا يا بت بلاش كتر كلام"
يأس أحاط بها من والدتها واقناعها فنهضت دون حديث آخر كما أمرتها ترتدي ملابسها حسنًا هي تكره اختيار الملابس والتفكير فيما سوف ترتديه.
اختارت بعد عناء ثوب قصير يصل الي بعد الركبتين بلون الابيض الباهت ويخالطه سواد طفيف وبنطال اسود كذلك وحجاب اسود وحذاء اسود حسنًا أن رأتها والدتها سوف ....
"راحة عزا امك يا نور؟ لو امك ماتت قوليلي"
"يا ماما بقي واللهِ شكلي حلو"
"يارب معنديش غير مرارة واحدة ومفقوعة انجري ادامي"
ذهبت دون إضافة كلمة تطرق بابهم المقابل لهما ففتح يوسف لها بعد برهة يتثاءب بعمق يرتدي بيجاما منزلية وخصلاته العشوائية ترتمي فوق جبينه كعادته ولكنها كانت أكثر عشوائية عن ذي قبل بينما بنطاله يرتفع حتي ركبته اليمني وفي قدمه الاخري ينسدل البنطال حتي نهاية كاحله... يُذكرها بحالها وما ترتديه في حملات التنظيف التي تطلقها والدتها كل بضعة أيام.
شكله العشوائي اثار ضحكها ولكنها حاولت قدر الإمكان عدم إحراجه.
هي التي عانت في اختيار ملابسها ومكثت ما يقارب الساعة أمام خزانتها تحاول انتقاء الافضل وهو يفتح لها بذلك المنظر؟ يا لحظ الرجال.
حسنًا الي هنا ولم تستطع المقاومة انفجرت ضاحكة حتي دمعت عيناها ولكنها حاولت التوقف حينما قامت والدتها بلكز كتفها بخفة هامسة:
"اتلمي يا نور ، ازيك يابني معلش صحيناك"
"لا يا طنط اتفضلوا"
أشار للداخل بينما يحاول أن يواري حرجه وتحرك مسرعًا الي غرفته ليبدل ملابسه ويظهر لهما بمظهر لائق.
"اتفضلوا يا حبايب منورين"
هتفت بها والدته بترحيب وهي تضم والها وتقبلها ثم حان الدور عليها فضمتها برفق وهمست لها :
"اوعي تكوني زعلتي مني أنتِ زي بنتي وبكرة تتعودي عليا انا مبعرفش ازوق الكلام بس واللهِ ما كان قصدي ازعلك"
"انا مش زعلانة يا طنط"
جملة مقتضبة ولكنها صادقة كلمات يوسف حينما أخبرها بأسلوب والدته وكيف اعتذر لها بطريقة لطيفة جعلتها تنسي الموقف بأكمله.
خرج من غرفته مبتسمًا ببلاهة وجلس بجانب والدتها يتحدث في كافة المواضيع يحاول أن يداري حرجه بتلك الأحاديث التي يختلقها
"عارفة يا طنط؟ نوران مش شبهك خالص"
"أيوة مانا عارفة نور شبه ابوها الله يرحمه"
"الله يرحمه"
"خد خطيبتك يا يوسف البلكونة علي ما نخلص تقوير المحشي انا وابلتك فوزية"
أومأ إليها ودلف معها الي شرفتهم
"تشربي شاي؟"
"ما خلاص يا يوسف هتفضل عامل نفسك مش داري كتير؟"
"ايه ده أنتِ قافشة اني بحاول اتوه؟"
"اه من ساعة ما قعدت اصل ايه هيخليك تتكلم مع ماما عن طريقة عمل الكوسة بالبشاميل؟"
تنحنح ونهض قائلًا:
"هعملك شاي"
"انا مش بشرب شاي وانا مفطرتش"
"هجيبلنا سندوتش جبنة يا مفجوعة"
ذهب من أمامها مبتسمًا بينما هي تنظر إلي شرفتة منزلها من كان يُصدق أنها سوف تدخل تلك الشقة الملعونة؟ قتلت نومها سنوات وسنوات وهي الآن جالسة في شرفتها تنتظر كوب الشاي لتحتسيه مع خطيبها وزوجها المستقبلي! أن أخبرها أحد بهذا من قبل لضحكت بقوة ظنًا أنه مجنون.
"ادي كوباية شاي وسندوتش جبنة تصبيرة علي ما يخلصوا الاكل"
"انت جايب لنفسك سندوتش ليه؟"
"مانا مبعرفش اشرب شاي من غير ما افطر"
"اه يا مفجوع"
"بترديهالي؟ تمام اوي"
ابتسمت إليه وامسكت بكوب الشاي ترتشف منه ببطيء شردت قليلًا ثم هتفت ونظرها مُعلق علي شرفتها:
"يوسف هو احنا ازاي كده؟"
"ازاي ايه؟"
"يعني قاعدين بنضحك وبنهزر وبناكل وبنشرب شاي وحياتنا مبهدلة وبيحصل فيها حاجات مش طبيعية"
"عامل نفسي مش داري"
"بتكلم بجد!"
"واللهِ وانا كمان انا مبحبش افكر كتير سيبي الأمور تمشي زي ما ربنا كاتبها"
"ونعم بالله بس انا خايفة"
"اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم 'قال لا تخافا أنني معكما أسمع وأري' صدق الله العظيم."
أنت تقرأ
فُرض عليهما الحب
Fantasíaعالم جديد ابتلعهما فرض عليهما الحب ولكن أيستسلما له أم يقاوما تيار الحب الجارف الذي امتلكهما؟