النهاية؟ رُبما....

3.4K 329 11
                                    

كان الجو العام مشحونًا بالتوتر جلست نوران بجانب يوسف صامتة وكذلك الحال معه ينظرا لكل الموجودين بهدوء كانت سارة صامتة بشكل غريب فلكزت نوران يوسف في مرفقه هامسة:
"هي اختك هادية كده علي طول؟"
"مش عارف انا معرفش عنها حاجة"
نظرت إليها نوران ولاحظت اشياء غريبة تحدث لها حدقتيّ عينيها ثابتة في مكان محدد لا تتحرك عنه جامدة بشكل غريب وكأنها لو اهتزت ستموت في الحال!
هتفت بقلق وهي تنهض متوجهة إليها:
"انا هقوم اشوفها"
نهضت بالفعل وجلست بجانبها بهدوء وهمست بخفوت:
"سارة؟"
لم تتلق منها أي استجابة تدل علي انها استمعت إليها فعاودت الكرة وكانت النتيجة واحدة .
نظرت ليوسف بقلق فذهب ناحيتهما جالسًا بجانب سارة يهزها برفق:
"سارة سمعاني يا حبيبتي؟"
كانت صامتة هادئة كالأموات بشكل اثار ذعرهما
"هي مالها؟"
ذهب يوسف لوالدته مخبرًا إياها بما حدث فذهبت معه حيث سارة.
"سارة في ايه يا بنتي ردي عليا"
ولا حياة لمن تنادي.
وفي وسط ذلك الهدوء المفزع أخرجت من جوفها عدة صرخاتٍ متواصلة قوية بثت الذعر في قلوب الجميع فركض والدها إليها ضامًا إياها بقوة إلي صدره وشفتيه تتحرك بآيات من القرآن الكريم.
توقف عقل يوسف عن العمل فما حدث لها هو نفسه ما حدث لنوران منذ بضعة أيام...
انتبه علي صوت نوران الهامس بجانبه:
"هي اختك كمان بيحصلها زينا؟"
لم يجبها إنما انتظر إلي ان هدأت سارة تدريجيًا وهتف موجهًا حديثه إلي والده:
"بابا هي سارة كمان بيحصلها زينا؟"
ماذا يخبره؟ أيخبره أنه اخذ سارة وذهب من صغرها ليبعدها عن تلك اللعنة التي اصابتها؟ ويا للخسارة كل ذلك كان بلا جدوى وان ما اصابها ظل ملازمًا لها إلي الان...
"اه يا يوسف انت مكنش بيحصلك حاجة ولا حصلك حاجة لحد ما فتحت الشقة إنما سارة من صغرها وهي كده فخدتها وسافرت بس هي فضلت كده"
تنهد يوسف بقوة لم يكن يتوقع أن سارة هي الأخرى يحدث لها مثل ما يعانيه وهو الذي كان يحقد عليها ظنًا ان والده يحبها اكثر منه؟
كادت ضحكة ساخرة تطفو فوق شفتيه ولكنه اخفاها وظل صامتًا يشاهد ما يحدث بهدوء ولكن نوران هي من تحدثت بينما تجلس بجانب سارة محدقة إياها بشفقة:
"وهي بيحصلها ايه؟"
"معرفش بتقولي بتشوف ناس في دماغها دايمًا بتبقي قاعدة معايا والاقيها فجأة عينها راحة جاية ومش مركزة في أي حاجة حواليها ومشتتة دايمًا وبعدين تثبت في مكانها ساكتة وتقعد تصوت زي ما حصل من شوية"
خرجت الكلمات من فم نوران بلا تفكير كعادتها:
"بتشوفك انت برضه؟"
"ايه؟"
ابتسمت بتوتر وقالت وهي تمسد كتف سارة التي بدأت تفيق:
"ولا حاجة"
اعتدلت سارة في جلستها تنظر للموجودين بهدوء إلي ان توالت الذكريات في رأسها بقوة تتذكر كل ما رأته فهبت واقفة وهي تهتف سريعًا:
"محمد واسلام هيموتوا"
"ايه؟"
"هما هيقتلوهم يا يوسف"
كانت ترتجف كورقة من شجرة سقطت في خريف قاسي وهي تتذكر ما رأته....
"مين اللي هيقتلوهم يا سارة صلي علي النبي هما كويسين هما خرجوا من شوية"
لِم لا يصدقونها؟
امسكت بيد بوسف بقوة باكية وهي تهتف بنحيب:
"واللهِ هيموتوا يلا نلحقهم"
جاراها بهدوء وهو يمسد فوق ظهرها لعلها تهدأ
"طب اهدي بس انتِ عارفة هما فين طيب؟"
"ايوة"
"طب هاجي معاكِ"
ذهب بالفعل معها ومعه نوران وخلفهم والده ووالدته ووالدة محمد واسلام.
ظلت تدخله إلي أماكن كثيرة هنا وهناك إلي ان توقفت تنظر حولها مليًا ثم هتفت:
"احنا قريبين منهم"
تحركت عدة خطوات حتي تهادي إلي سمعهم صياح وشجار مرتفع استطاعوا ان يميزوا انهم كانا اسلام ومحمد بالفعل.
ركض يوسف في اتجاه الصوت بقوة إلا ان توقف مذهولًا وهو يري إسلام ومحمد مقيدان وحولهما جمع من الناس ومنهم والد ريهام.
ركض يوسف بقوة تجاههما مخترقًا ذلك الجمع وتوقف بجانب إسلام ينظر إليه متفحصًا... كان وجهه به بعض الكدمات الدامية امسك بذلك الحبل المُلتف حول معصميه وحاول فكه ولكن أوقفه ذلك الصوت:
"انت بتعمل ايه يا استاذ يوسف؟"
"انتم اللي بتعملوا ايه في اخواتي؟"
أجابه والد ريهام تلك المرة وهو يبعده عن موضع إسلام:
"اطلع منها انت يا استاذ"
لم يتمالك يوسف أعصابه وهدر به بعنف:
"فكوا اسلام ومحمد دلوقتي"
"اخرج منها انت يا استاذ يوسف"
لم يبالِ بأي منهم واقترب ليفك قيد اسلام ثم محمد الهادئ كعادته ولم يهتم بصياح الرجل من خلفه:
"استاذ يوسف احنا كلنا بنحبك ونحترمك فبلاش تعادينا"
جذب اسلام من يده ليقف بجانبه ومن الجهة الأخرى كان محمد.
وقفوا مقابلهم جميعًا يحدقون بهم بحدة فاقترب بضعة رجال من ثلاثتهم هاتفًا احدهم موجهًا حديثه ليوسف:
"بأي حق تمنعنا عن تنفيذ القانون؟"
"قانون ايه ده اللي يخليكم تربطوهم وتضربوهم بالشكل ده!!"
هدر بهم بعنف وقد خرج عن طور البساطة والهدوء بعدما تعرضوا لمن يخصوه.
"اسلام ومحمد متغيبين عن الشغل بقالهم كتير وكلوا عارف هنا القانون واحنا حذرناهم مرة واتنين وتلاتة"
ضحك يوسف باستهزاء وأجابه:
"اه انكم تقتلوهم؟"
قضب حاجبيه ثم اردف متسائلًا:
"ثم اني زيي زيهم بقالي كتير مشتغلتش"
القي الرجل نظرة علي والد يوسف وقال بعدما ابتلع رمقه:
"انت ابوك عمل معانا كتير مينفعش نعمل حاجة ليك"
كاد ان يجن مما قاله ذلك الأبله فإسلام أخيه ولكن كيف يثبت له؟ تمتم وهو يمسح فوق وجهه:
"استغفر الله العظيم"
اقترب ايمن والد ريهام فجأة من إسلام ممسكًا إياه من قميصه:
"بنتي فين يا اسلام؟"
ضحكة مستهزئة خرجت من جوفه وهو ينفض ذراعيه عنه:
"بنتك اللي كنت هتموتها؟ ملكش عندي بنات"
اخرج الرجل فجأة من ملابسه ألة حادة يلوح بها في وجهه مهددًا إياه بها:
"بقولك بنتي فين!"
"انت بتهددني مثلًا؟ قولتلك ملكش عندي حاجة وريهام هتجوزها غصب عنك"
في ثوانٍ كان محمد يقف بجانبه ناظرًا إلي أيمن نظرات محذرة وبنبرة شرسة لم تخرج منه عادةً كان يهتف:
"نزل البتاعة اللي في ايدك دي"
ولكنه رفع يده ناويًا طعن إسلام بها وفي لمح البصر كان محمد يقف امام اخيه فطُعن هو بدلًا منه تزامنًا مع صرخة والدته المُلتاعة وشهقة سارة الفزعة:
"محمد!"
سقط محمد ارضًا بينما إسلام يقف مذهولًا مما حدث كحال والدته تمامًا التي تقف بلا حراك.
تدارك يوسف نفسه سريعًا وركض إليه يحاول كبح نزيف دمائه بينما ينظر إلي وجهه الذي شحب بخوف:
"واد يا محمد اجمد كده!"
حط إسلام فوق ركبتيه بجانب أخيه والدمع يملأ عينيه لا يجد ما يقوله لا يوجد كلمات تصف ما يشعر به ولا يوجد كم الكلمات تعبر عن حالته الان وشعوره تجاه محمد الذي ضحي بروحه فداه.
"محمد انت هتموت؟"
كان سؤالًا عقيمًا طرحه اسلام وهو ينظر إلي أخيه المُلقي أرضًا والدماء تخرج منه بغزارة لم يستطع يوسف إيقافها فأجابه محمد بإنهاك:
"لكل اجلٍ كتاب"
"مينفعش تموت دلوقتي! اصبر شوية!"
أغلق محمد عينيه منهكًا تاركًا إسلام يُحدق به مذعورًا.
انقلب المكان إلي ساحة للقتال بعدما اشتبك والد ريهام مع رجل كان يقدّرهما ويحاول رفع الأذية عنهما فاشترك الجميع في تلك المشاجرة التي تحولت بعد قليل إلي مقاتلة.
سحب يوسف واسلام سريعًا محمد بعيدًا عن الجميع حيث والده الذي يشاهد ما يحدث بصمت.
"بابا خدهم وروحوا البيت اللي كنا فيه"
كبحت نوران شهقة مرتابة كادت ان تخرج منها وهتفت محدقة بيوسف قلقة:
"انت رايح فين؟"
"الراجل ده مش هيسيب اسلام"
"يعني هتعمل ايه؟"
لم يجبها بينما عاد يحدث والده:
"بابا اسندوا محمد وامشوا"
التقط والد يوسف ذراع اسلام وجعله يحاوط به عنقه وفعلت فاطمة المثل وذهبا حاملين إياه وخلفهما كانت والدة نوران ووالدة يوسف اما نوران فأبت التحرك.
"يلا يا نوران وراهم"
"يوسف!"
"لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"
تلألأت عيناها دمعًا وهي تنظر إليه بخوف هاتفة بنبرة مُهتزة مُرتجفة:
"شوية وهجيلك لو مجتش علي فكرة!"
"يلا يا نوران...  لا اله الا الله"
دفعها برفق فذهبت رغمًا عنها وقلبها ينبض بعنف يشعر ان الليلة لن تمر بسلام وسيصيبهم مصيبة لا محال.
"محمد رسول الله"
مرت ساعة وساعات وهم جالسون بينما يوسف واسلام لم يعودا بعد.....
وضعت فاطمة القماشة المبتلة بالمياه فوق رأس ولدها تمسح عليها برفق بينما وليد يقف صامدًا وان كان داخله عكس ما يظهره.
وسارة التي تحدق بمحمد قلقة من جهة علي أخيها ومن جهة اخري علي ذلك المُلقي أمامها الذي صاحب أحلامها لسنواتٍ.
أما نوران فكان حالها لا تُحسد عليه.
تهز رجلها بعصبية وتنتظر عودتهما لِم لم يعود إلي الآن؟
كانت تلك المرأة المُسماة بفاطمة تغيظها بما تفعله فهي لم تهتم ولو مثقال ذرة بإسلام الذي يعلم الله وحده ما هو حاله فلم تستطع كبح لسانها السليط وهي توجه حديثها إليها:
"هو انتِ ازاي كده؟"
حدقت بها فاطمة باستنكار هاتفة:
"بتكلميني انا؟"
عادت نوران تهتف بقوة وقد ارتفع صوتها من فرط غيظها:
"ايوة بكلمك انتِ ازاي مش حسة بابنك؟ ازاي مش قلقانة عليه؟ الله اعلم هو فين ولا حصله ايه كل اللي همك محمد وبس؟ طب واسلام؟ ما هو ابنك زيه زي محمد!"
حدقت والدة نوران ابنتها بنظراتٍ نارية لعلها تصمت فهاجت نوران وماجت اكثر مغتاظة منهم جميعًا:
"لا يا ماما مش هسكت احنا قاعدين حاطين ايدينا علي خدنا ومحدش عارف هما فين ولا جرالهم ايه وهي حتي مش قلقانة علي ابنها!"
"هو السبب في كرهي لإسلام"
هتفت فاطمة وهي توجه حديثها لوليد الذي ابتسم بسخرية أيكون هناك سبب لحب الأم لولدها؟
"انتِ بتحطي أعذارك علي شماعة مكسورة يا فاطمة حب الأم مش بيكون ليه سبب دي المفروض حاجة فطرية جواكِ"
"وانا مش بحبه انا حرة!"
ولأول مرة يخرج وليد عن طور الهدوء والرزانة وهدر بها بعنف وعيناه حمراء دامية:
"انتِ بتتهميني بحاجة انا معملتهاش؟ انتِ عارفة ان مكنش ليا أي قدرة اني اجي هنا او افضل هناك وان الموضوع كان بيحصل غصب عني زي مانا هنا دلوقتي مش برغبتي ولا بمزاجي"
ضحكت بسخرية وصمتت قليلًا حتي اجابته باتهام جلي في نبرتها:
"انت السبب لو مكنتش فتحت الشقة تاني مكنش كل ده حصل!"
مسحت دمعة انهمرت فوق وجنتها بعنف وهي تخبر نفسها ان لا مجال للضعف واسترسلت:
"احنا حرقنا الشقة دي سوا ونهينا كل حاجة بس ازاي وليد يسكت؟ روحت وفتحتها تاني وفتحت علينا طاقة جهنم جيت هنا انا ومحمد وكنت حامل في اسلام وانت سيبتني!"
بادلها هدرها بأخر اشد عنفًا وقوة وهو يشير لها بيده:
"لا يا فاطمة مسبتكيش مكنش بإيدي اني اجيلك وانتِ كنتي عارفة اني بحبك وعايز افضل معاكِ ومع ذلك بتتهميني اني سيبتك لوحدك!"
نهضت لتقف مقابله وبأعين اكثر شراسة هاجمته:
"ماليش دعوة غير بأني كنت لوحدي! مطلوب مني اشتغل يا إما يموتوني واصرف علي محمد وزفت اسلام اللي كنت حامل فيه وانت متعرفش عنه حاجة! انا كنت كارهاك ومش عايزة حاجة من ناحيتك وفجأة لقيتني حامل ومنك عشان كل ما ابصله افتكر ندالتك معايا انا ليا حق أكرهه وهفضل طول عمري أكرهه هو السبب في ان شبابي ضاع عليه وبسببك انت كمان يا وليد"
أنها امرأة مريضة عقليًا! كيف لأم بأن تنبذ ولدها فقط لأنها لا تحب والده وانه قد غدر بها وذلك فقط من وجهة نظرها!
ذهب وليد صامتًا بعدما استنزفت كلماتها طاقته المتبقية وجلس بجانب سارة التي تقوقعت بجانبه هامسة بخوف:
"بابا هو محمد كويس؟"
"ان شاء الله السكينة مجتش في مكان حيوي بس هو نزف كتير"
حطن برأسها فوق صدره وتساءلت من جديد:
"طب ويوسف؟"
تنهد بقوة واجابها:
"انا روحت بعد ما وصلتكم هنا دورت عليهم ملقتهمش ولا فيه حد موجود مكان ما كانوا بيتخانقوا"
ازدادت نوران قلقًا وقلبها ينبض بعنف وحدسها يخبرها ان شيء ما سوف يصيبهما.
لفحها دوار قويّ فاستندت علي الحائط بجانبها بإرهاق ولكن ولسوء الحظ كانت الحائط تهتز أسفل يدها.
نظرت إليهم فوجدتهم يعانوا من الشيء نفسه إلا محمد الذي كان يغفو لا يشعر بما حوله.
اذًا سوف يعودوا إلي الديار الآن؟؟
شعرت ببعض الراحة فبالتأكيد يوسف يحدث له مثلما يحدث معها ومعهم جميعًا وسيعود إلي منزلهم مثلهم.
اغمضت عينيها تاركة نفسها برحابة صدر لأول مرة لتلك الدوامة التي ابتلعتها من رياح قوية كادت تقتلعهم جميعًا.
وبعد دقائق توقف كل ذلك تدريجيًا حتي افرجت عن جفنيها لتجد نفسها في غرفتها فوق فراشها...
نهضت سريعًا للخارج لتجد الجميع سواه هو واسلام ومحمد.
تحركت هنا وهناك وهي تناديه بحماس:
"يوسف انت فين يا يوسف؟"
دخلت كل الغرف والشقة المقابلة تبحث عنهم ولكن لا اثر لوجودهم! حتي محمد لم يعد معهم.
"يعني ايه؟ ازاي مجوش؟"
امتلك قلبها شعور بغيض كرهته ملأ عينيها بالدمع ولكنها قاومت وأكملت بحث وهي تعطي لنفسها املًا في وجوده قريبًا هنا او هناك.
بحثت في كل مكان يمكن ان يتواجدوا به ولكن لا غبار يدل علي وجودهم.
كادت أن تجن فلأول مرة تنتقل وحدها بدونه فعندما وجدت نفسها في غرفتها كان يوسف بجانبها وعندما كانت علي تلك الجزيرة كان يوسف معها وعندما انتقلا لأول مرة لتلك المدينة يوم خطبتها كان معها في كل أوقاتها كان يوسف معها يطمئن قلبها بكلماته الدافئة التي تخترقها تاركة داخلها السكينة، ويبعد عنها أي قلق يزعزع ثباتها بهمساته الحانية.
حينما تُبتلي كان يصبرها ولو بكلماتٍ فانية لا تثمن ولا تغني ولكن مفعولها كان كالسحر علي قلبها المكلوم ولكنه ليس موجودًا الآن ليدفع عنها ذلك الذعر المُتملك منها!
ظنت ان الأمر لن يتعدي يومًا ويعود ولكن خاب ظنها بعدندنا استمر ذلك الوضع طويلًا.
مر شهر بالكامل والحال كما هو عليه.......
تقوقعت فوق فراشها تنظر للهاتف..  لتلك الصور المُلتقطة لهما تنظر إليهم بحنين جارف ودمعة مشتاقة سقت صحراء وجنتها القاحلة.
صور خُطبتهم بقميصه الرمادي الذي ارتداه ليرضيها فقط رغم أنه لا يحب ذلك اللون ...  صور التقطتها سارة لهم صور عشوائية للغاية بلا أي ترتيب مُسبق ولكنها تذكرها بأجمل لحظات خاضتها بحياتها برفقته ... وقبل عقد قرانهما حينما التقطا العديد من الصور وهما يتسوقا ليجلبا أغراض عقد القران..... ثم عقد القران في المسجد وبسمته السعيدة المُزينة لثغره طوال الوقت وفي كل الصور وأخيرًا صورة يده التي احتضنت كفها بلُطف كصاحبها تمامًا ونظراته المُحبة المُسلطة عليها التي تعمدت ان تلتقطها دون ان يشعر.
"بحبك يا نوران"
رن صوته الضاحك في أذنها حينما أخبرها بحبه فلم تستطع كبح عَبراتها التي طفرت من عينيها وشهقاتها التي ارتفعت رغمًا عنها.
شعرت بيد والدتها تحيط بها تربت فوق خصلاتها برفق هامسة:
"هيرجع يا بنتي ربنا يردهم لينا سالمين غانمين"
نظرت لوالدتها بعدم تصديق لمدة شهر كامل تأتي إليها وتخبرها بالجملة نفسها كل ليلة علي ذلم الحال ولكنها سأمت تصديقها فأردفت بنبرة مبحوحة من البكاء:
"لا يا ماما كل يوم تقولي كده ومش بييجوا انا ليه دايمًا مفيش حاجة حلوة بتكمل معايا؟"
ضمتها والدتها بقوة مقهورة علي حال ابنتها وهتفت بثبات رغم آلامها وحزنها الجلي علي نوران التي لم ترى حلاوة الأيام ولم تري هي ابتسامتها السعيدة إلا برفقة يوسف:
"استغفري ربك يا نوران وادعي انهم يرجعوا كويسين"
دفنت رأسها في صدر والدتها تتمتم بالاستغفار ثم قالت بخفوت بعدما هدأت قليلًا:
"ريهام مش موجودة هنا هي اكيد معاهم دلوقتي وهما كويسين كلهم صح؟"
قبلت رأسها بحنو واجابتها:
"صح باذن الله" 
نهضت بعد برهة ووجدت قدمها تقودها إلي شقة يوسف.
دلفت الي الشقة بهدوء فلفحتها رياح دافئة دارت حولها لبرهة إلي ان هدأت تدريجيًا ولكنها كانت مازالت تشعر بها.
خطت بقدمها للداخل وعقلها يُذكرها بليالي يوسف الأولى هنا حيث كان يرغب بالذهاب من الشقة هنا بأي شكلٍ كان.
"يوسف انا مخنوقة ومش قادرة استحمل حسة حياتي وقفت من غيرك بطل هزار بقي وكفاية شهر وارجع!"
انهمرت العَبرات فوق وجنتيها واسترسلت حديثها:
"كان المفروض دلوقتي زمانا متجوزين وسايبين كل حاجة تتحرق زي ما عودتني"
اختنق صوتها بغصة البكاء وهي تُكمل:
"بس انت دلوقتي مش موجود!"
شعرت بحركة حولها فالتفت سريعًا بخوف لتجده والد يوسف يقترب منها بهدوء إلي ان وقف بجانبها ينظر بشرود إلي الفراغ أمامه بينما يتحدث بتلقائية يقص عليها ما حدث متذكرًا شبابه:
"الشقة دي سحر بتسحر الواحد كل ما بقفلها كنت باجي افتحها تاني كنت عايز اروح واجي وأغامر وسايب كل حاجة وراميها ورا ضهري حتي بعد ما اتجوزت وجبت سارة ويوسف مقدرتش إني أبطل حاجة انا كنت بحبها وعندي شغف بيها بس مكنتش اعرف ان الحاجة دي هتحرمني من عيالي في يوم من الأيام"
مسحت عينيها الدامعة وهي تكبح ضحكة ساخرة كادت تخرج من جوفها وأجابته:
"انت عمرك ما حبيت يوسف"
"ده ابني!"
"وانت عمرك ما حسسته انه ابنك!"
هي مُحقة ولكنه يحبه ويخشي عليه الآن ولا يستطيع النوم خوفًا عليه مما يلاقيه الآن ولكن مهما قال سيظل مذنبًا في حقه فأومأ إليها بينما يتنهد بقوة مقرًا بحديثها الأخير:
"عندك حق"
رفع نظره للأعلى شاردًا ولكن لفت نظره تلك البقع السوداء في سقف الغرفة فهتف بدهشة وهو يُحدق بها:
"لسة الحرق موجود لحد دلوقتي؟"
"حرق ايه؟"
نظرت إلي ما ينظر إليه باستفهام وهي تستمع إليه يشرح لها:
"يوم ما ولعت في الشقة لحد دلوقتي لسة الحيطة مهببة اسود من النار"
طالت نظراتها للحائط بينما وليد يسترسل بتذكر:
"من ساعة ما ولعت فيها ومحصلش حاجة وكنت عايش بهدوء لحد ما رجعت فتحتها تاني كل حاجة رجعت من اول وجديد"
صمتت لدقيقة وعيناها تجول علي سقف الغرفة ثم رفرفت بأهدابها باستيعاب وكأن هناك شيء طرق علي عقلها بقوة فجأةً وهتفت باستنكار:
"هو احنا ازاي مولعناش في الشقة وسايبين نفسنا كده؟"
حدق بها وليد بعمق كيف لم تطرق تلك الفكرة علي رأسه وهو كان صاحبها منذ البداية كيف ترك تلك الشقة اللعينة تتلاعب بهم مثلما شاءت وهو كان يقدر من البداية علي انهائها؟
ركض بقوة فجأةً وكأن الروح ردت به بعدما كان شاحبًا هادئًا إلي الشقة المقابلة يحضر منها الوقود لينهي تلك المهزلة للنهاية.
عاد للشقة ليجد نوران قد اخرجت علبة الثقاب تنتظر إياه.
افرغ الوقود الذي في يده في كل نواحي الشقة وفي كل غرفة لينتهي منهاوللأبد ثم عاد لنوران.
أومأ إليها برأسه لتخرج هي عود الثقاب من العلبة وقامت بحكه بقوة في العلبة ليشتعل بين أصابعها.
نظرت إلي النيران المندلعة من عود الثقاب بحُزن فيعز عليها ان تُنهي الشيء الذي جمعها بيوسف يعز عليها ان تتخلص منها بعد كل تلك المغامرات التي عاشاها سويًا ولكن ماذا بعد؟
هي لن تنتظر أن يموت احدهم يومًا بسبب تلك اللعينة.
عزمت بداخلها علي التخلص من كل شيء وان الذكريات ستظل داخلها مهما حيت.
رفعت يدها لتُلقي بعود الثقاب ولكنها تصنمت في مكانها أثر صوت والد يوسف الذي هدر بها بقوة رغم نبرته المهزوزة:
"استني يا نوران افرضي لو ولعنا في الشقة كل حاجة هتنتهي كما هي عليه؟"
لم تفهم مقصده فاسترسل بشرود:
"يعني لو يوسف واسلام ومحمك فضلوا هناك علي طول واحنا هنا؟ ونكون احنا قطعنا حلقة الوصل الوحيدة بينا وبينهم؟"
انطفأ عود الثقاب في يدها كما انطفأ حماسها وانطفأت روحها لرؤيته والتخلص من كل شيء.
ماذا ان كان مُحقًا؟ ماذا ان كانت هي السبب في قطع الوصال؟ لن تسامح نفسها ... ولكن ماذا ان كان الحل في حرق تلك الشقة والتخلص منها للأبد؟
ماذا تفعل الآن؟ تحرقها لتُنهي أخر حلقة وصل بينهم؟ ام تنتظر لتظل عالقة ها هنا وحدها بدونه لا تعلم ماذا يحدث له؟ ام تحرقها ويعود؟ ام تنتظر ويعود؟
دار العالم من حولها فسقطت ارضًا فوق الأرضية كحال دمعتها التي انسدلت بقلة حيلة فوق وجنتها هامسة بتيه سيطر عليها:
"اعمل ايه يا يوسف؟"
ربما تكون النهاية ربما تنتهي قصتهما اللطيفة وهو في عالم وهي في آخر كما حدث مع والده وفاطمة.
رُبما النهاية؟ رُبما....
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عاملين ايه يا حلويات؟ وحشتوني والله
انا اسفة علي التأخير بس مش بإيدي بجد.
باذن الله الرواية هتخلص قبل رمضان متقلقوش
دُمتم بخير❤🥰
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فُرض عليهما الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن