المريضة

6 0 0
                                    

" لا يمكنك ان تشفى في نفس البيئة التي جعلتك مريضا... غادر" مقولة مشهورة لدوستويفيسكي ، كنت قد قرأتها مرات عديدة، صدفة و عمدا .... عبارة مررت بها و لم تمر بي مرورا يسيرا ، حفرت في ذاتي و سكنت عقلي لشدة مصداقيتها . ان تكون مريضا شيء لا يعد شاذًا بعد الان ، ففي نهاية المطاف كلنا مرضى ، لكل عقد نفسية و ازمات ... و الاقسى ان يكون المكان الذي نشأت فيه هو البيئة التي جعلتك مريضا ، ان يكون منزلك هو المكان الاكثر اخافة و الاقل امانا ، ان تنظر الى الباب عند منتصف الليل و تشعر ان شيئا ما قد يحدث و يدمر هذه الليلة الهادئة .
ان يرن هاتفك فيتخطى قلبك نبضة و تتسارع دقات قلبك من الترقب و الهلع ، ان تعيش على هدى خوف مستمر، ان ينكسر بيتك الزجاجي في اية لحظة.
تستيقظ صباحا بعزيمة واهنة ، و تتخطى اليوم بصعوبة، ان تشعر بثقل صخرة تحط على صدرك ، فلا تحسن التنفس .... تتسابق الاحداث تارة و تتباطئ تارة اخرى و انا احاول ان اجد مكانًا اقف فيه وسط كل ما يجري ... اقاتل لاحافظ على منظر هادئ ،ان ابدو انني لا اكترث ...ثم اقول لنفسي ان عمل القلب مرهق و عائلتك ليست مسؤوليتك ، ان مشاكل والديك، و طيش اخيك الأوسط و مستقبل اخيك الاصغر لا تشكل و لو جزءا ضئيلا من مسؤولياتك ... ان العالم لا يهمك و الاوبئة و الكلاب الضالة ليست تنتظر منك انقاذها ... ان تتجرد من الشعور بالمسؤولية تجاه اشياء لا تعنيك و لا يجب ان تعنيك ... هي عقدة الطفل البكر ، دائما ما يحمل نفسه فوق طاقته ، هي صدمات مرت علينا و لازالت راسخة تنتصر علينا رغما عنا، تطيح بنا كل ليلة ....
لطالما فكرت مليا في كل ما قلته الان و حاولت ان اجد حلا لنفسي ، ان اجد مكانا انتمي اليه .... ان اعثرعلى الامان .... انا لست في مأمن في ما نسميه باكثر الاماكن امانا في العالم وانا اتحدث هنا عن الامان النفسي .... صعب ان تكون كتوما لا تستطيع ان ترغم نفسك على الحديث ، احيانا كنت اضغط على نفسي للتحدث مع شخص واحد -اكثر شخص احبه في العالم- و قد اخبرته الكثير بالفعل، لكن ذلك لم يكن يسيرا و انا ما ازال احتفظ بالشعور و التفاصيل لنفسي، حتى انني احتفظ بتعابير وجهي اثناء الحديث، لنفسي . لا احب ان اظهر الالم ، اسميه الكبرياء الغير مرحب به .... اكره الشعور بالشفقة ، و اكره ان لا افهم او ان يراني الناس مبالغة مدللة .... و الاسوء من ذلك ، ان يساء فهمي ....
ثم اتذكر المقولة "غادر" و اين لي ان اغادر ، هل من السهل ان نغادر بيتا ؟ هل هو وارد ان نغادر اهلا و ماض و ذكريات؟ و ان كان سهلا فالى اين اذهب ؟ من اين اسلك و كيف اتدبر امري؟ اعلم انني لن اشفى في ما اسميه بالبيت ، و ساظل اشكو من مرضي... و قد تتفاقم حالتي ، لكن كل ما اتوق اليه هو راحة بال، و ربما بعض الهدوء ، مكان خالٍ من البشر ، ان التقط انفاسي و ارتب افكاري .... اود ان اظل لوحدي ! اود ان اهرب ! لكن الي اين ؟

مذكراتي العزيزة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن