II

52 4 0
                                    

إنتهى اليوم الدراسي اخيرًا, و اه يالها من راحةٍ ان يخرج بدون ان يضايقه زملائه، إذ ان المدرس لم يُعجب بعمل احدٍ بالمرة, و قد تلقى الجميع نفس المعاملةِ الساخطة

'امرٌ جيد اني سأذهب للدوام الجزئي أبكر من كل مرةٍ' قال مع نفسهِ ببعض الفرح و اكمل طريقه نحو منزلهِ و منهُ إلى عمله

-
"هاي ايها الجديد! اسرع هنا" صاح مدير العمل على الفتى ليسرع بحمل الصناديق، و ما كان على
الفتى إلا ان يطيعه او سيُفصل

"هيه؟ الم يكره المدير توظيفَ الطُلاب؟ ماذا غير رأيه؟" تسائلت فتاةً تعملُ معهم و هي تنظر لزميلتها "اجل صحيح

ولكن والدةُ الفتى متوفية و والدهُ قد هجرهم منذُ زمنٍ طويل! لم يكن لدى المدير خيارٌ سوى توظيفه" همست الفتاة الثانية في اذن صديقتها لـ ألا يسمعهما الفتى

و لكن ما لم تعرِفاه، انهُ كان عالمًا بكل ما يقولونه عنه بالخفاء، كمُّ الشتائم و الشائعات الغبية
التي تناقلوها عنّه، اليتيم، الوحيد،
المسكين، عديم الفائدة

و قد كان هناك حتى من تجرأوا ووصفوه
بكل بشاعةٍ بـ (القاتِل) و هو كان يعرف،
كان يسمع و يرى كلّ شيئٍ..

<ألست تكرهُ هذا؟ لما لا تستطيع الدفاع عن نفسك قليلاً؟ دعنا فقط نلقنهما درسًا لن ينسيانِه! سأساعدك هيا فقط قل ليّ، و سأسقط الرف عليهما>

"لا! و اختفي عن امامي الان او ساضربك" همس الفتى و كأنه يكلم نفسه و لكنهُ كان يعرف ان ذلك الشيئ يسمعُه

<تضربني؟ انت مضحكٌ حقًا! انت فقط ستبدو
و كأنك تضرب الهواء و سيظنك المدير احمقًا او مجنونًا من نوعٍ ما و ستطرد و لا احدٌ منّا يريدُ هذا>

لقد كان محقاً، فهو كان مجرد جسمٍ أسودٍ بنفس هيئةِ و شكلِ الفتى

لا أحد يراه لا أحد يسمعه، لا احد ما عدا الفتى، و هذا ما جعل الجميع يبتعدُ عنه شيئًا فشيئًا أكثر من قبل ظانينَ أنهُ لديهِ خللٌ في عقله

"رُبما انا حقًا مجنون! لا أحد يراك ولا أحد يسمعك غيري! انت فقط من نسج مخيلتي و انا فقط احمقٌ يتيم لا يعرفُ من هو والِدُه!"

انفجر الفتى على (الظِل) بعدما اوقع الصندوق على الارض، من الجيد ان لا احد كان في تلك الغرفة او كان حقًا ليُرمى في المصحةِ العقلية على الفور

<هفف اخبرتك انا لستُ خيالاً! صحيحٌ أني لا أُرى و لكني استطيع إسقاط ذلك الرف و يمكنني حتى صفعُك!>

لم يفهم الفتى مقصد الظِل في جملته الأخيرة حتى شعر بصفعةٍ قوية على خده

جاعلةً إياه يلفُ رقبته إلى المرآة ليرى وجهه و الاحمرار الذي أصبحَ واضحاً في مكان الصفعة
'مؤلم'

هذا كان كل ما فكر به، لف وجههُ و يده على خدهِ يفركُ الأثر، لعل الألم يقلُّ قليلاً،

و قال بصوتٍ شبيهٍ بالهمس و هو ينظرُ في عينيّ الظِل، إذ كانت هاتانِ العينان هما الشيئ الوحيد الواضحُ و المختلف فيه

حمراوتانِ مشعتانِ، كالياقوتِ الصافي

"إذا ما أنت؟"
<انا؟ انا هو رفيقُ دربك الوحيد! ماضيك و حاضرك هو انا و لا غيري!، انا من سينقذك من حفرتك هذه او سيوقعك في واحدةٍ أكبر مع ذكرياتٍ تلاحقك طول حياتك، ربما لا تفهمُ كلماتي و لكنك ستعرف ما اقول قريباً>

"أنتَ غريب" قال الفتى و كل ما
حصل عليهِ بالمقابل هو ضحكةٌ من الظِل

-
نظرا إلى السماءِ المظلمة المجهولة، متمددانِ على العشبِ الاخضر بجانبِ الجسر، جنباً إلى جنب بصمتِ مريح قُطِع من قِبل الفتى بنبرةٍ متسائلة

"أخبرني يا ظِل، هل انا الشريرُ ام البطل؟"
<انت لست أيًا مِنهما انت كالليل، جاهِل، مجهول و اكثرُ مِن هذا، انت مُظلِم، و لكن، هناك تلكَ النجومُ اللامعةُ فيك>

رد عليهِ ظِل و لكن الجواب لم يروي فضولَ الفتى بل زادهُ لهذا سأل مجددًا

"أسوفَ أتمكنُ من ان اصبح النهار يومًا؟"
<من يعلم>

اردف بلا مبالاة و عادا للصمتِ المريح، حتى نام الفتى فوق الحشائشِ غير راغبٍ بالعودة لذلك المكان الفارِغ و الموحش المُسمى منزِله

||ظِلالُ الماضيِ||حيث تعيش القصص. اكتشف الآن